رجم المحصن الزاني في اليهودية والمسيحية والإسلام

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

السيرة النبوية لابن هشام 1 كتاب الكتروني رائع » آخر مشاركة: عادل محمد | == == | بالفيديو:الأب زكريا بطرس يزعم أن رسول الإسلام كان يتمتع بالنساء مع الصحابة وبالأدلة! » آخر مشاركة: نيو | == == | بالفيديو: إثبات وجود سيدنا محمد تاريخيا من مصادر غير المسلمين القديمه » آخر مشاركة: نيو | == == | بالصور والروابط الأجنبيه: أقوى إعتراف مسيحى موثق بوجود إسم سيدنا محمد فى العهد القديم » آخر مشاركة: نيو | == == | الى كل مسلم و مسيحى: نصيحة بولس الشاذة التى أدت الى سقوطه و سقوط الكتاب المقدس معه!! » آخر مشاركة: نيو | == == | تدمير المسيحية فى65 ثانية فقط : بسؤال قاتل لأنيس شروش يهرب منه(فيديو)!!!! » آخر مشاركة: نيو | == == | فيديو: معجزة بلاغيه قرآنيه مستحيل تكرارها فى اى لغه من اللغات: تكرار حرف الميم 8 مرات متتاليه بدون تنافر!!! » آخر مشاركة: نيو | == == | ضربة لمعبود الكنيسة تعادل في نتائجها الآثار المرعبة لهجوم نووي » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | سؤال حيّر الأنبا رفائيل وجعله يهدم المسيحية » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | تلاوة عذبة من سورة القلم : الشيخ القارئ عبدالله الجهني » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == |

مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

    

 

 

    

 

رجم المحصن الزاني في اليهودية والمسيحية والإسلام

صفحة 8 من 9 الأولىالأولى ... 7 8 9 الأخيرةالأخيرة
النتائج 71 إلى 80 من 85

الموضوع: رجم المحصن الزاني في اليهودية والمسيحية والإسلام

  1. #71
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,125
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    12:17 PM

    افتراضي


    المطلب الثالث

    ولننظر إلى الحديث (أكلت داجن ورقة من مصحف) مدار جميع طرقه وألفاظه
    رواه الطبراني في المعجم الأوسط (8/12) وابن ماجة في سننه (1/625) وصححها الألباني في صحيح سنن ابن ماجة رقم 1580.
    ولكن هذا لا حجة فيه فإن مصاحف المسلمين كثيرة. والداجن إذا أكلت ورقة لا تستطيع إذهاب آيات القرآن من صدور مئات آلاف المسلمين وليست عائشة وحدها عندها أوراق من القرآن ولم تكن من كتبة الوحي المتخصصين في كتابة كل آية تتنزل على النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    إن هذا محاولة يائسة لإيجاد مساومة مع السنة على قول الرافضة بأن القرآن محرف.
    * نصُ الحديث .
    1-أخرجه الإمام مسلم في الصحيح بشرح النووي رحمه الله تعالى (2/1075) : " عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: " كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ، بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ " قال الإمام النووي رحمه الله تعالى عقب شرحه لهذا الحديث : "وَقَوْلهَا : ( فَتُوُفِّيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأ ) هُوَ بِضَمِّ الْيَاء مِنْ ( يَقْرَأ ) وَمَعْنَاهُ أَنَّ النَّسْخ بِخَمْس رَضَعَاتٍ تَأَخَّر إِنْزَالُهُ جِدًا حَتَى أَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم تُوفِي وَبَعْض النَّاس يَقْرَأ خَمْس رَضَعَات وَيَجْعَلهَا قُرْآنًا مَتْلُوًّا لِكَوْنِهِ لَمْ يَبْلُغهُ النَّسْخ لِقُرْبِ عَهْده فَلَمَّا بَلَغَهُمْ النَّسْخ بَعْد ذَلِكَ رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يُتْلَى " فنصُ صحيح مسلم يخالفُ ما اعتقد بهِ الرافضي في حديث الداجن , فهذا شرحهُ الإمام النووي رحمه الله تعالى وبين صحيح المتن.
    وقال الجوزقاني في كتابه "الأباطيل والمناكير" (حديث 541): (هذا حديث باطل. تفرَّد به محمد بن إسحاق، وهو ضعيف الحديث. وفي إسناد هذا الحديث بعض الاضطراب). اهـ .
    وقال ابن حزم في كتابه "الإحكام" (4/453): (وقد غلط قومٌ غلطاً شديداً، وأتوا بأخبار ولَّدها الكاذبون والملحدون. منها: أنّ الداجن أكل صحيفةً فيها آية متلوة فذهب البتة ... وهذا كلّه ضلالٌ نعوذ بالله منه ومن اعتقاده! وأمّا الذي لا يحلّ اعتقاد سواه فهو قول الله تعالى {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}. فمَن شكّ في هذا كفر، ولقد أساء الثناء على أمهات المؤمنين ووصفهن بتضييع ما يتلى في بيوتهن، حتى تأكله الشاة فيتلف! مع أنّ هذا كذب ظاهر ومحال ممتنع ... فصحّ أنّ حديث الداجن إفك وكذب وفرية، ولعن الله من جوَّز هذا أو صدَّق به) . أهـ .
    وبذكر تلك المناسبة وكما ذكرنا بعاليه قد اضطرب محمد بن إسحاق في رواية هذا الحديث , واختلف فيما يرويه عن أم المؤمنين عائشة , ولهذا فالحديث مضطرب وواضح الاضطراب فيه , فكما اختلفت روايته من طريق محمد بن إسحاق فلم يكن لمحمد بن إسحاق عناية في الحديث , ولم يكن بالمكثر على عكس ما يرويه في السير وسنبينُ بإذن الله تعالى ما موقف العلماء من محمد بن إسحاق .
    أما وقد اختلف في وثاقة ابن إسحاق رحمه الله تعالى , في الجرح والتعديل والأصلُ ان ابن إسحاق من ثقات من حدث في السير وقال الذهبي في السير(7/41)[وأما في أحاديث الأحكام فينحط حديثه فيها عن رتبة الصحة إلى رتبة الحسن إلا فيما شذ فيه،فإنه يعد منكراً] وقال الذهبي في العلو صـفحة39 [وابن اسحاق حجة في المغازي إذا أسند وله مناكير وعجائب].
    1-وقال النسائي في الضعفاء (211) : [ محمد ابن إسحاق ليس بالقوي ] , ورغم أن هناك من دافع عنه رحمه الله تعالى إلا أنه اضطرب في حديثه هذا .
    2-قال الآلوسي في [ روح المعاني – ج 11 – ص 140 ] :[وأما كون الزيادة كانت في صحيفة عند عائشة فأكلها الداجن فمن وضع الملاحدة وكذبهم في أن ذلك ضاع بأكل الداجن من غير نسخ كذا في الكشاف ].
    3- قال السرخسي في [ المبسوط – ج 5 – ص 134 ] :[ أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - فَضَعِيفٌ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَتْلُوًّا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ، وَنَسْخُ التِّلَاوَةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَجُوزُ فَلِمَاذَا لَا يُتْلَى الْآنَ.؟ وَذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ «فَدَخَلَ دَاجِنٌ الْبَيْتَ فَأَكَلَهُ» وَهَذَا يُقَوِّي قَوْلَ الرَّوَافِضِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ ذَهَبَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُثْبِتْهُ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فِي الْمُصْحَفِ وَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ، فَإِنَّمَا كَانَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ إرْضَاعُ الْكَبِيرِ مَشْرُوعًا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ الثَّانِي، فَإِنَّ إنْبَاتَ اللَّحْمِ وَإِنْشَازَ الْعَظْمِ فِي حَقِّ الْكَبِيرِ لَا يَحْصُلُ بِالرَّضْعَةِ الْوَاحِدَةِ، فَكَانَ الْعَدَدُ مَشْرُوعًا فِيهِ ثُمَّ انْتَسَخَ بِانْتِسَاخِ حُكْمِ إرْضَاعِ الْكَبِيرِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ].
    4- قال القرطبي في [ تفسير القرطبي – ج 14 – ص 113 ] :[ وَأَمَّا مَا يُحْكَى مِنْ أَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ كَانَتْ فِي صَحِيفَةٍ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ فَأَكَلَتْهَا الدَّاجِنُ فَمِنْ تَأْلِيفِ الْمَلَاحِدَةِ وَالرَّوَافِضِ].
    5- قال النسفي في [ تفسير النسفي :: مدارك التنزيل وحقائق التأويل – ج 3 – ص 14 ] :[وأما ما يحكى أن تلك الزيادة كانت في صحيفة في بيت عائشة رضى الله عنها فأكلتها الداجن فمن تأليفات الملاحدة والروافض ].
    6-أخرجه ابن ماجة (1944) قال : حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف . قال : حدثنا عبد الاعلى ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الرحمان بن القاسم ، عن أبيه ، فذكره , قال شيخنا عبد الرحمن الفقيه : ( عن حديث عائشة عن عمرة قال نزل القرآن بعشر رضعات معلومات يحرمن ثم صرن إلى خمس فقال: يرويه يحيى بن سعيد وعبدالرحمن بن القاسم واختلف عن عبدالرحمن فرواه حماد بن سلمة عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عمرة عن عائشة قاله أبو داود الطيالسي عن حماد بن سلمة وخالفه محمد بن إسحاق فرواه عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة لم يذكر عمرة وقول حماد بن سلمة أشبه بالصواب وأما يحيى بن سعيد فرواه عن عمرة عن عائشة قال ذلك ابن عيينه وأبو خالد الأحمر ويزيد بن عبدالعزيز وسليمان بن بلال وحدث محمد بن إسحاق لفظا آخر وهو عن عائشة لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا ، فلما مات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انشغلنا بموته فدخل داجن فأكلها) انتهى. فقد اضطرب ابن إسحاق اضطرابا عظيماً في روايته لهذا الحديث.
    اما عن الإسناد فهو كالآتي :
    الحديث مدار جميع طرقه وألفاظه على الإسناد الآتي :
    عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، عن عائشة رضي الله عنها من كلامها موقوفا عليها .
    وقد أخذه عن عبد الله بن أبي بكر جماعة من الرواة ، وقد كانت روايتهم على الأوجه الآتية :
    الوجه الأول : يرويه يحيى بن سعيد الأنصاري ، ولفظه : ( نَزَلَ فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ ، ثُمَّ نَزَلَ أَيْضًا خَمْسٌ مَعْلُومَاتٌ )
    أخرجه الإمام مسلم في " صحيحه " (رقم/1452) وغيره ، ونلاحظ في هذه الرواية أنها لا تشتمل على شيء من قصة ماعز أو داجن تأكل شيئا من صحف القرآن الكريم .
    الوجه الثاني : يرويه الإمام مالك رحمه الله ، ولفظه : ( كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ )
    رواه مالك في " الموطأ " (كتاب الرضاع/حديث رقم17) ومن طريقه الإمام مسلم (1452) وغيره ، ونلاحظ ههنا أن رواية الإمام مالك عن عبد الله بن أبي بكر لا تشتمل أيضا على شيء من قصة ماعز أو داجن تأكل شيئا من المصحف ، وإنما زاد فيه الجملة الأخيرة : ( فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ ).
    الوجه الثالث : يرويه محمد بن إسحاق ، ولفظه : ( لَقَدْ أُنْزِلَتْ آيَةُ الرَّجْمِ ، وَرَضَعَاتُ الْكَبِيرِ عَشْرٌ ، فَكَانَتْ فِي وَرَقَةٍ تَحْتَ سَرِيرٍ فِي بَيْتِي ، فَلَمَّا اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشَاغَلْنَا بِأَمْرِهِ ، وَدَخَلَتْ دُوَيْبَةٌ لَنَا فَأَكَلَتْهَا ).
    رواه الإمام أحمد في " المسند " (43/343)، وابن ماجة في " السنن " (رقم/1944) ولفظه : ( فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَشَاغَلْنَا بِمَوْتِهِ دَخَلَ دَاجِنٌ فَأَكَلَهَا ).
    وهو كما ترى يشتمل على لفظ زائد وغريب عما رواه الإمامان الكبيران يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك بن أنس رحمهما الله ، وهو ما يقصده السائل بسؤاله ، ففي الحديث أن داجنا – وهي الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم - دخلت فأكلت الصحيفة التي تشتمل على آية الرجم وآية رضعات الكبير .
    وهذه المخالفة كافية لدى المحدثين في الحكم على لفظ محمد بن إسحاق بالضعف والرد والشذوذ ، فالحديث الشاذ عندهم هو الحديث الذي يخالف فيه الراوي الثقة ما رواه الثقات الأحفظ منه أو الأكثر عددا ، وهي قاعدة عقلية سليمة ، إذ كيف ينفرد راو بألفاظ للحديث نفسه الذي يرويه آخرون من رواته ، وهم أكثر عددا ، أو أقوى حفظا وأعلى مرتبة ، أين كانوا عن تلك الزيادة أو المخالفة ، وهل من سبيل إلا نحو القاعدة لمعرفة مخالفات الرواة وغرائب حديثهم ومروياتهم ، وإذا لم يكن كذلك فكيف يقول قائل بأن محمد بن إسحاق حفظ من حديث عائشة ما نسيه كل من يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك بن أنس ، وهما أئمة هذا الشأن وأعلامه الكبار ، حتى قال سفيان الثوري رحمه الله : كان يحيى بن سعيد الأنصاري أجل عند أهل المدينة من الزهري ، وعده علي بن المديني أحد أصحاب صحة الحديث وثقاته ومن ليس في النفس من حديثهم شيء ، وقال فيه أحمد بن حنبل : أثبت الناس ، وقال وهيب : قدمت المدينة فلم أر أحدا إلا وأنت تعرف وتنكر غير مالك ويحيى بن سعيد . انظر : " تهذيب التهذيب " (11/223).
    فكيف إذا علمنا أن محمد بن إسحاق منتقَدٌ لدى بعض علماء الحديث ، وقد عهدت عليه بعض الأخطاء في مروياته ، وعهد عليه المخالفة لرواية الأئمة الثقات ، فمثله لا تقبل مخالفته ولا تفرده بالغرائب عن غيره من الحفاظ الثقات .
    قال حنبل بن إسحاق : سمعت أبا عبد الله يقول : ابن إسحاق ليس بحجة .
    وقال عبد الله بن أحمد : لم يكن – يعني أحمد بن حنبل - يحتج به فى السنن .
    وقال أيوب بن إسحاق : سألت أحمد بن حنبل ، فقلت : يا أبا عبد الله ! ابن إسحاق إذا تفرد بحديث تقبله ؟ قال : لا ، والله إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد ، ولا يفصل كلام ذا من ذا .
    وضعفه يحيى بن معين في إحدى الروايات عنه ، وقال النسائي : ليس بالقوي ، وقال الدارقطني : اختلف الأئمة فيه ، وليس بحجة ، إنما يعتبر به . انظر : " تهذيب التهذيب " (9/45.
    ومما يزيد الأمر وضوحا أيضا أن القاسم بن محمد تابع عبد الله بن أبي بكر في رواية الحديث من غير زيادة محمد بن إسحاق .
    فروى الطحاوي في " شرح مشكل الآثار " (11/486) قال : حدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا الحجاج بن منهال ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن القاسم بن محمد ، عن عمرة ، أن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ ثُمَّ سَقَطَ : أَنْ لَا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ إِلَّا عَشْرُ رَضَعَاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ بَعْدُ : أَوْ خَمْسُ رَضَعَاتٍ ).
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  2. #72
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,125
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    12:17 PM

    افتراضي

    فالخلاصة أن قصة الشاة التي أكلت صحيفة القرآن الكريم في بيت عائشة رضي الله عنها قصة ضعيفة لا تثبت .
    يقول ابن قتيبة الدينوري رحمه الله :
    " ألفاظ حديث مالك خلاف ألفاظ حديث محمد بن إسحاق ، ومالك أثبت عند أصحاب الحديث من محمد بن إسحاق " انتهى من " تأويل مختلف الحديث " (ص/443).
    وقال محققو مسند الإمام أحمد :
    " إسناده ضعيف لتفرد ابن إسحاق - وهو محمد - وفي متنه نكارة " انتهى من " طبعة مؤسسة الرسالة " (43/343).
    ويقول الألوسي رحمه الله :
    " وأما كون الزيادة كانت في صحيفة عند عائشة فأكلها الداجن ، فمن وضع الملاحدة وكذبهم في أن ذلك ضاع بأكل الداجن من غير نسخ ، كذا في الكشاف " انتهى من " روح المعاني " (11/140)
    ويقول ابن حزم رحمه الله :
    " صح نسخ لفظها ، وبقيت الصحيفة التي كتبت فيها - كما قالت عائشة - رضي الله عنها فأكلها الداجن ، ولا حاجة بأحد إليها ، وهكذا القول في آية الرضاعة ولا فرق ، وبرهان هذا : أنهم قد حفظوها كما أوردنا ، فلو كانت مثبتة في القرآن لما منع أكل الداجن للصحيفة من إثباتها في القرآن من حفظهم .
    فبيقين ندري أنه لا يختلف مسلمان في أن الله تعالى افترض التبليغ على رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ كما أمر ... فصح أن الآيات التي ذهبت لو أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتبليغها لبلغها ، ولو بلغها لحفظت ، ولو حفظت ما ضرها موته ، كما لم يضر موته عليه السلام كل ما بلغ فقط من القرآن " انتهى من " المحلى " (12/177) ..
    ويقول الباقلاني رحمه الله :
    " وليس على جديدِ الأرض أجهلُ ممن يظُنُ أن الرسولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصحابةَ كانوا جميعا يُهملون أمرَ القرآن ويعدِلون عن تحفُظه وإحرازِه ، ويعوِّلون على إثباته في رقعةٍ تُجعَلُ تحتَ سريرِ عائشةَ وحدَها ، وفي رقاعٍ ملقاةِ ممتهَنةٍ ، حتى دخلَ داجنُ الحي فأكلَها أو الشاةُ ضاع منهم وتفقَت ودرسَ أثرُه وانقطعَ خبره !
    وما الذي كان تُرى يبعثُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على هذا التفريطِ والعجز والتواني ، وهو صاحبُ الشريعة ، والمأمورُ بحفظِه وصيانتِه ونصب الكَتَبةِ له ، ويَحضُرُه خَلْقٌ كثيرٌ متبتلون لهذا الباب ، ومنصوبون لكتبِ القرآن الذي يَنزِل ، وكتبِ العهودِ والصلح والأمانات وغير ذلك مما نزل ويَحدُثُ بالرسول خاصةً وبه حاجةٌ إلى إثباته ...
    والرسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منصوبٌ للبيان وحِياطةِ القرآنِ وحفظِ الشريعةِ فقط ، لا حرفةَ له ولا شيءَ يقطعُه من أمورِ الدنيا غيرُ ذلك إلا بنَصَبٍ يعود بنُصرةِ الدين وتوكيدِه ، ويثبِتُ أمرَ القرآن ويُشِيدُه ، وكيف يجوزُ في العادةِ أن يذهبَ على هؤلاءِ وعلى سائرِ الصحابةِ آيةُ الرضاع والرجمِ فلا يحفظها ويذكرها إلا عائشةُ وحدَها ، لولا قلةُ التحصيلِ والذهابِ عن معرفةِ الضروراتِ ، وما عليه تركيبُ الفِطَرِ والعادات .
    فقد بان بجملةِ ما وصفناه من حالِ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصحابةِ أنه لا يجوزُ أن يذهبَ عليهم شيءٌ من كتاب الله تعالى قلَّ أو كَثرُ ، وأنّ العادةَ تُوجِبُ أن يكونوا أقربَ الناسِ إلى حفظِه وحراستِه وما نزلَ منه وما وقع وتاريخهِ وأسبابهِ وناسخِه ومنسوخِه " انتهى باختصار من " الانتصار للقرآن " (1/412-418).
    وعلى كل حال فالواجب على المسلم دوام الوعي واليقظة ، فلا يصدق كل مدع ، ولا يتبع كل إشاعة أو خرافة أو قصة تحكى هنا أو هناك ، خاصة في غرف الحوار ومواقع المنتديات ، حيث يدخل إليها العالم والجاهل ، والصادق والكاذب ، والمخلص والمنافق الحاقد ، وهذا ما يقتضي التحري والتثبت دائما ، بسؤال أهل العلم ، والتفتيش في كتب الإسلام الموثوقة ، وهي كثيرة منتشرة والحمد لله ، يقول الله عز وجل : ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) الإسراء/36.
    كثيراً ما يستشهد أعداء الإسلام للتشكيك في نقل القرآن بحديث عائشة والذي جاء فيه : (لقد نزلت آية الرجم ، ورضاعة الكبير عشراً ، ولقد كان في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتشاغلنا بموته ، دخل داجن فأكلها ).
    والحق أن هذا الحديث لا يصح فإما ذكر الرضاع فيه غلط ، وقد أخرجه ابن ماجه ( رقم : 1944 ) وأبو يعلى ( رقم 4587 ، 4588 ) من طريق محمد بن اسحاق ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عمرة ، عن عائشة .
    وعن عبدالرحمن بن القاسم ، عن أبيه عن عائشة ، به .
    وابن اسحاق رجل مشهور بالتدليس مكثر منه ، يدلس عن المجروحين ، وشرط قبول رواية من هذا حاله أن يذكر سماعه ممن فوقه فإذا قال ( عن ) لم يقبل منه .
    كما أن له في هذا الخبر إسنادان ، وجمعه الأسانيد بعضها إلى بعض وحمل المتن على جميعها مما عيب عليه ، فربما كان اللفظ عنده بأحد الإسنادين فحمل الآخر عليه ، لأنه حسبه بمعناه ، وقد لا يكون كذلك .
    قيل لأحمد بن حنبل : ابن اسحاق إذا تفرد بحديث تقبله ؟ قال : ( لا ، والله إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد ، ولا يفصل كلام ذا من ذا ) ( تهذيب الكمال ( 24 : 422 ) .
    نعم ربما كان يرويه تارةً فيذكر أحد إسناديه ، كذلك أخرجه أحمد ( 6 : 269 ) وابن الجوزي في نواسخ القرآن ( ص : 118 _ 119 ) من طريق إبراهيم بن سعيد ، عنه قال : حدثني عبدالله بن ابي بكر ، فذكره بإسناده دون إسناد ابن القاسم .
    وحين رأى بعض الناس تصريح ابن اسحاق بالتحديث في هذه الرواية صححوها ، قالوا اندفعت شبهة تدليسه ، ونقول : فماذا عن شبهة تخليطه ؟.
    ولنجر الكلام في ظاهر الإسناد الآن في روايته عن ابن قاسم ، هذا على جواز أن يكون ابن اسحاق حفظه بإسناد ابن أبي بكر .
    والتحقيق أنه لم يحفظه . . . .
    وببعض ما تم ذكره تبطل رواية ابن اسحاق ، وإذا كان جماعة من العلماء الكبار كأحمد بن حنبل والنسائي نصوا على أن ابن إسحاق ليس بحجة في الأحكام ، فهو أحرى أن لا يكون حجة تستعمل للتشكيك في نقل القرآن .
    قال السرخسي: "حديث عائشة لا يكاد يصحّ ؛ لاَنّ بهذا لا ينعدم حفظه من القلوب، ولا يتعذّر عليهم به إثباته في صحيفة أُخرى، فعرفنا أنّه لا أصل لهذا الحديث .
    على ان هناك بعض العلماء الأفاضل قد بينوا معنى الحديث والمراد منه فقالوا :
    إن التشريع الإسلامي في حياة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر بمراحل عدة حتى وفاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وانتقاله إلى الرفيق الأعلى، ومن ذلك وقوع النسخ لبعض الأحكام والآيات، والنسخ عرفه العلماء بأنه: رفع الشارع حكماً منه متقدماً بحكم منه متأخر.
    ولم يقع خلاف بين الأمم حول النسخ، ولا أنكرته ملة من الملل قط، إنما خالف في ذلك اليهود فأنكروا جواز النسخ عقلاً، وبناء على ذلك جحدوا النبوات بعد موسى عليه السلام، وأثاروا الشبهة، فزعموا أن النسخ محال على الله تعالى لأنه يدل على ظهور رأي بعد أن لم يكن، وكذا استصواب شيء عُلِمَ بعد أن لم يعلم، وهذا محال في حق الله تعالى.
    والقرآن الكريم رد على هؤلاء وأمثالهم في شأن النسخ رداً صريحاً، لا يقبل نوعاً من أنواع التأويل السائغ لغة وعقلاً، وذلك في قوله تعالى : (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير)[البقرة:106] فبين سبحانه أن مسألة النسخ ناشئة عن مداواة وعلاج مشاكل الناس، لدفع المفاسد عنهم وجلب المصالح لهم، لذلك قال تعالى: (نأت بخير منها أو مثلها) ثم عقب فقال: (ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير*ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير).
    أن النسخ الواقع في القرآن يتنوع إلى أنواع ثلاثة : نسخ التلاوة والحكم معاً ، ونسخ الحكم دون التلاوة ، ونسخ التلاوة دون الحكم .
    قال الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني – رحمه الله - :
    النسخ الواقع في القرآن يتنوع إلى أنوع ثلاثة نسخ التلاوة والحكم معاً ، ونسخ الحكم دون التلاوة ، ونسخ التلاوة دون الحكم .
    1-نسخ الحكم والتلاوة جميعاً ، فقد أجمع عليه القائلون بالنسخ من المسلمين ، ويدل على وقوعه سمعاً : ما ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها قال : " كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرِّمن ، ثم نسخن بخمس معلومات ، وتوفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهنَّ فيما يقرأ من القرآن " وهو حديث صحيح [ رواه مسلم ( 1452 ) ] ، وإذا كان موقوفاً على عائشة رضي الله عنها : فإن له حكم المرفوع ؛ لأن مثله لا يقال بالرأي ، بل لا بد فيه من توقيف ، وأنت خبير بأن جملة " عشر رضعات معلومات يحرِّمن " ليس لها وجود في المصحف حتى تتلى ، وليس العمل بما تفيده من الحكم باقياً ، وإذن يثبت وقوع نسخ التلاوة والحكم جميعاً ، وإذا ثبت وقوعه ثبت جوازه ؛ لأن الوقوع أول دليل على الجواز ، وبطل مذهب المانعين لجوازه شرعاً ، كأبي مسلم [ الأصفهاني ، أصولي معتزلي ] وأضرابه .
    2-نسخ الحكم دون التلاوة ، فيدل على وقوعه آيات كثيرة : منها : أن آية تقديم الصدقة أمام مناجاة الرسول وهي قوله تعالى ( يأيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) منسوخة بقوله سبحانه ( ءأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله ) على معنى أن حكم الآية الأولى منسوخ بحكم الآية الثانية، مع أن تلاوة كلتيهما باقية .
    ومنها : أن قول سبحانه ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) منسوخ بقوله سبحانه ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) على معنى أن حكم تلك منسوخ بحكم هذه ، مع بقاء التلاوة في كلتيهما كما ترى .
    3-نسخ التلاوة دون الحكم ، فيدل على وقوعه ما صحت روايته عن عمر بن الخطاب ، وأبي بن كعب أنهما قالا : ( كان فيما أنزل من القرآن " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموها ألبتة " ) ، وأنت تعلم أن هذه الآية لم يعد لها وجود بين دفتي المصحف ، ولا على ألسنة القراء ، مع أن حكمها باقٍ على إحكامه لم ينسخ .
    ويدل على وقوعه أيضاً : ما صح عن أبي بن كعب أنه قال : " كانت " سورة الأحزاب " توازي " سورة البقرة " ، أو أكثر " [ رواه أبو داود الطيالسي في مسنده ( رقم 540 ) ، وعبد الرزاق في " المصنف " ( رقم 5990 ) ، والنسائي في " السنن الكبرى " ( رقم 7150 ) ، وإسناده صحيح ] ، مع أن هذا القدر الكبير الذي نسخت تلاوته لا يخلو في الغالب من أحكام اعتقادية لا تقبل النسخ .
    ويدل على وقوعه أيضاً : الآية الناسخة في الرضاع ، وقد سبق ذكرها في النوع الأول .
    ويدل على وقوعه أيضاً : ما صح عن أبي موسى الأشعري أنهم كانوا يقرؤون سورة على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في طول " سورة براءة " ، وأنها نسيت إلا آية منها ، وهي : " لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب" [ رواه أحمد ( 19280 ) ، وإسناده صحيح ، وصححه محققو المسند ]" مناهل العرفان " ( 2 / 154 ، 155 ) .
    قال ابن حزم رحمه الله تعالى: (فصح نسخ لفظها، وبقيت الصحيفة التي كتبت فيها كما قالت عائشة رضي الله عنها فأكلها الداجن، ولا حاجة إليها.. إلى أن قال: وبرهان هذا أنهم قد حفظوها، فلو كانت مثبتة في القرآن لما منع أكل الداجن للصحيفة من إثباتها في القرآن من حفظهم وبالله التوفيق.).
    وقال ابن قتيبة:
    (فإن كان العجب من الصحيفة فإن الصحف في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعلى ما كتب به القرآن، لأنهم كانوا يكتبونه في الجريد والحجارة والخزف وأشباه هذا.
    وقد أجاب أهل العلم عن هذا الحديث بأجوبة أبسط من هذا يرجع فيها إلى أقوالهم لمن أراد المزيد، وصدق الله تعالى إذ يقول: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذي يستنبطونه منهم)[النساء:83]. فلله الحمد والمنة، فنحن على يقين أنه لا يختلف مسلمان في أن الله تعالى افترض التبليغ على رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد بلغ كما أمر، قال تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)[المائدة:67].
    وقال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)[الحجر:9] فصح أن الآيات التي ذهبت لو أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتبليغها لبلغها، ولو بلغها لحفظت، ولو حفظت ما ضرها موته، كما لم يضر موته عليه السلام كل ما بلغ من القرآن، وإن كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يبلغ أو بلغه ولكن لم يأمر أن يكتب في القرآن فهو منسوخ بتبيين من الله تعالى، لا يحل أن يضاف إلى القرآن.
    الداجن الذي أكل القرآن
    حدثنا ‏أبو سلمة يحيى بن خلف ‏حدثنا ‏عبد الأعلى ‏عن ‏ ‏محمد بن إسحق‏ ‏عن‏ ‏عبد الله بن أبي بكر‏عن‏ عمرة‏ ‏عن عائشة‏ ‏وعن ‏عبد الرحمن بن القاسم‏ ‏عن أبيه ‏عن‏‏عائشة ‏ ‏قالت ‏‏لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا ولقد كان في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله ‏ ‏ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وتشاغلنا بموته دخل ‏ ‏داجن ‏ ‏فأكلها. وهذه الرواية منكرة ولا تصح وقد وردت عند ابن ماجه(1944).
    حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف ثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة وعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا ولقد كان في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها.
    وأخرجه أحمد (6/269) وأبو يعلى في المسند(4587) والطبراني في الأوسط (8/12) وغيرهم من طريق محمد بن إسحاق قال حدثني عبدالله بن أبي بكر بن حزم عن عمرة بنت عبدالرحمن عن عائشة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به.
    والعلة في هذا الحديث هو محمد بن إسحاق فقد اضطرب في هذا الحديث وخالف غيره من الثقات
    وهذا الحديث يرويه ابن إسحاق على ألوان.
    فمرة يرويه عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة.
    ومرة يرويه عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة.
    ومرة يرويه عن الزهري عن عروة عن عائشة كما عند أحمد (6/269) وليس فيه هذه اللفظة المنكرة
    وفي كل هذه الروايات تجد أن محمد بن إسحاق قد خالف الثقات في متن الحديث.

    فالرواية الأولى رواها ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة قالت لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا ولقد كان في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها.
    وقد روى هذا الحديث الإمام مالك رحمه الله عن عبدالله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة قالت نزل القرآن بعشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس رضعات معلومات فتوفي رسول الله وهن مما نقرأ من القرآن،كما في الموطأ (2/608) ومسلم (1452) وغيرها،وكذلك أخرجه مسلم (1452) عن يحيى بن سعيد عن عمرة بمثله.
    وسئل الدارقطني في العلل (المخطوط (5 /150-151 )) عن حديث عائشة عن عمرة قال نزل القرآن بعشر رضعات معلومات يحرمن ثم صرن إلى خمس فقال:يرويه يحيى بن سعيد وعبدالرحمن بن القاسم.
    واختلف عن عبد الرحمن،فرواه حماد بن سلمة عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عمرة عن عائشة
    قاله أبو داود الطيالسي عن حماد بن سلمة.
    وخالفه محمد بن إسحاق فرواه عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة لم يذكر عمرة
    وقول حماد بن سلمة أشبه بالصواب.
    وأما يحيى بن سعيد فرواه عن عمرة عن عائشة،قال ذلك ابن عيينه وأبو خالد الأحمر ويزيد بن عبدالعزيز وسليمان بن بلال.
    وحدث محمد بن إسحاق لفظا آخر وهو عن عائشة لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا ، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم انشغلنا بموته فدخل داجن فأكلها) انتهى.
    وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل ج:6 ص:269.
    ثنا يعقوب قال حدثنا أبي عن بن إسحاق قال حدثني الزهري عن عروة عن عائشة قالت أتت سهلة بنت سهيل رسول الله فقالت له يا رسول الله إن سالما كان منا حيث قد علمت إنا كنا نعده ولدا فكان يدخل علي كيف شاء لا نحتشم منه فلما أنزل الله فيه وفي أشباهه ما أنزل أنكرت وجه أبي حذيفة إذا رآه يدخل علي قال فأرضعيه عشر رضعات ثم ليدخل عليك كيف شاء فإنما هو ابنك فكانت عائشة تراه عاما للمسلمين وكان من سواها من أزواج النبي يرى إنها كانت خاصة لسالم مولى أبي حذيفة الذي ذكرت سهلة من شأنه رخصة له.
    وقد انفرد محمد بن إسحاق في هذا الحديث بلفظ (فأرضعته عشر رضعات) وقد رواه عن الزهري ابن جريج ومعمر ومالك وابن أخي الزهري بلفظ (أرضعيه خمس رضعات) (حاشية المسند (43/342)
    وقال الزيلعي في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في ج:3 ص:95.
    وقد رواه الدارقطني في سننه في كتاب الرضاع من حديث محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمره عن عائشة وعن عبد الرحمن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت لقد نزلت آية الرجم والرضاعة وكانتا في صحيفة تحت سريري فلما مات النبي تشاغلنا بموته فدخل داجن فأكلها انتهى.
    وكذلك رواه أبو يعلى الموصلي في سنده.
    ورواه البيهقي في المعرفة في الرضاع من طريق الدارقطني بسنده المتقدم ومتنه.
    وكذلك رواه البزار في مسنده وسكت والطبراني في معجمه الوسط في ترجمة محمود الواسطي.
    وروى إبراهيم الحربي في كتاب غريب الحديث ثنا هارون بن عبد الله ثنا عبد الصمد ثنا أبي قال سمعت حسينا عن ابن أبي بردة أن الرجم أنزل في سورة الأحزاب وكان مكتوبا في خوصة في بيت عائشة فأكلتها شاتها انتهى .
    فهذه الرواية التي ذكرها عن الحربي في الغريب فيها عدة علل منها ضعف عبدالصمد بن حبيب وجهالة والده والإرسال.
    فتبين لنا مما سبق أن هذه الرواية المنكرة قد تفرد بها محمد بن إسحاق وخالف فيها الثقات ، وهي رواية شاذة منكرة.
    وهذه بعض أقوال أهل العلم في حديث محمد بن إسحاق في غير المغازي والسير
    [قال يعقوب بن شيبة: سمعت ابن نمير-وذكر ابن اسحاق-فقال( إذا حدث عمن سمع منه من المعروفين فهو حسن الحديث صدوق، وإنما أتى من أنه يحدث عن المجهولين أحاديث باطلة ] تاريخ بغداد للخطيب (1/277).
    وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل قيل لأبي يحتج به-يعني ابن اسحاق-قال(لم يكن يحتج به في السنن)
    وقيل لأحمد:إذا انفرد ابن اسحاق بحديث تقبله قال لا والله إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد ولا يفصل كلام ذا من كلام ذا-سير(7/46)
    وقال أحمد(وأما ابن اسحاق فيكتب عنه هذه الأحاديث –يعني المغازي ونحوها-فإذا جاء الحلال والحرام أردنا قوماً هكذا- قال أحمد ابن حنبل-بيده وضم يديه وأقام الإبهامين)تاريخ ابن معين(2/504-55)
    وقال الذهبي في السير(7/41)[وأما في أحاديث الأحكام فينحط حديثه فيها عن رتبة الصحة إلى رتبة الحسن إلا فيما شذ فيه،فإنه يعد منكراً].
    وقال الذهبي في العلوصـ39 [وابن اسحاق حجة في المغازي إذا أسند وله مناكير وعجائب] ا هـ
    بالنسبة لمخالفة ابن إسحاق من هو أحفظ منه فهذه مقبولة في لفظة رضاعة الكبير فكلمة الكبير هنا مردودة
    أما قصة الداجن فليس بالضرورة أن تكون زيادة ضعيفة خاصة أنها حكاية عن أمر خارج عن الجزء الأول من الأثر.
    ولنفترض جدلا أن القصة صحيحة، فهذا لا يضر إطلاقا، ولا دليل فيه على نقصان القرآن ومناقضته للحفظ من الضياع، لأن هناك دليل آخر يثبت أن ما في هذه الصحيفة ليس من العرضة الأخيرة بل وليس مما كتب بين يدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذا الأخير يعبر عنه بعض العلماء المنسوخ تلاوة والباقي حكما.ففي نفس الأثر أعلاه نجد ذكر آية الرجم
    وهذه الآية حتى لو كتبها بعض الصحابة من حفظه فهي ليست مما كتب قرآنا يتلى إلى يوم القيامة بل نزل حكما فقط ونسخ من حيث القراءة والتعبد بكونه قرآنا.
    فآية الرجم لم يأذن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكتابتها وتدوينها في صحف القرآن وهو الذي حرص الصحابة على جمعه بين الدفتين بعد وفاته.
    فقد أخرج الحاكم من طريق كثير بن الصلت قال كان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص يكتبان في المصحف فمرا على هذه الآية فقال زيد سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فقال عمر لما نزلت أتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت أكتبها فكأنه كره ذلك فقال عمر ألا ترى أن الشيخ إذا زنى ولم يحصن جلد وان الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم اهـ من الفتح
    وجاء أيضا في رواية النسائي والبيهقي أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يأذن بكتابتها،
    ففي سنن النسائي الكبرى ج: 4 ص: 271.
    أخبرنا إسماعيل بن مسعود الجحدري قال ثنا خالد بن الحارث قال ثنا بن عون عن محمد قال نبئت عن بن أخي كثير بن الصلت قال كنا عند مروان وفينا زيد بن ثابت فقال زيد كنا نقرأ الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فقال مروان لا تجعله في المصحف قال فقال ألا ترى إن الشابين الثيبين يرجمان ذكرنا ذلك وفينا عمر فقال أنا أشفيكم قلنا وكيف ذلك قال أذهب إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن شاء الله فاذكر كذا وكذا فإذا ذكر أية الرجم فأقول يا رسول الله أكتبني آية الرجم قال فأتاه فذكر ذلك له فذكر آية الرجم فقال يا رسول الله أكتبني آية الرجم قال لا أستطيع.
    وفي سنن البيهقي الكبرى ج: 8 ص: 211
    أخبرنا أبو الحسن المقري أنبأ الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا يوسف بن يعقوب ثنا محمد بن المثنى ثنا بن أبي عدي عن بن عون به.
    قال البيهقي عقبه:
    في هذا وما قبله دلالة على أن آية الرجم حكمها ثابت وتلاوتها منسوخة وهذا مما لا أعلم فيه خلافا
    قلت: هكذا عبر عنه البيهقي، وعندي أنه مما لم يكتب قرآنا بين الدفتين من الأساس، ولذا لم يستطع أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أن يكتبها فيما بعد كما في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال لما صدر عمر من الحج وقدم المدينة خطب الناس فقال أيها الناس قد سنت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض وتركتم على الواضحة ثم قال إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم أن يقول قائل لا نجد حدين في كتاب الله فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها بيدي الشيخ و الشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة.
    فتح الباري ج: 12 ص: 143 وراجع بقية الآثار في نفس الموضع في الفتح.
    فعدم سماحه لنفسه بكتابتها إنما بسبب عدم الإذن بكتابتها من سيدنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند نزول الحكم.
    وما بين أيدينا اليوم، مما نعده قرآنا إنما جمع بشاهدي عدل أنه كتب بين يدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    ففي فتح الباري ج: 9 ص: 14
    عند ابن أبي داود في المصاحف من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال قام عمر فقال من كان تلقى من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئا منا لقرآن فليأتيه وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب قال وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شاهدان.
    قال الحافظ: وهذا يدل على أن زيدا كان لا يكتفي بمجر وجدانه مكتوبا حتى يشهد به من تلقاء سماعه مع كون زيد كان يحفظ وكان يفعل ذلك مبالغة في الاحتياط.
    وذكر غيره من الآثار، ثم تعرض لمعنى الشاهدين ولا أرى إلا كونهما شاهدين من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهكذا فعلوا في كل القرآن إلا آيتين لم يشهد عليها إلا خزيمة ذو الشهادتين وقصته مشهورة تجدها في البخاري وشرحه.
    وارجع لترجمته في الإصابة ولقبه ذو الشهادتين لمزية حصل عليها لشدة يقينه بصدق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  3. #73
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,125
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    12:17 PM

    افتراضي

    فالخلاصة :
    حتى لو ثبت الأثر فما في الصحيفة ليس مما كتب بين يدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بل هي صحف خاصة لا تمثل القرآن المعجز الباقي ليوم القيامة.
    وبعض العلماء عبر عن أحد أنواع النسخ في القرآن أنه نسخ للتلاوة وبقاء للحكم
    لكن الذي يظهر من الآثار أن الأولى أن ينظر له أنه مما نزل حكما ولم يأذن الله ولا رسوله بكتابته ليكون قرآنا نتلوه إلى يوم القيامة.
    والدليل على ذلك أن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت نزل القرآن بعشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس رضعات معلومات فتوفي رسول الله وهن مما نقرأ من القرآن ولا يوجد بين أيدينا في القرآن لا العشر ولا الخمس.أما قول أن الإمام الألباني صححه واعتبره حديث حسن نقول :
    وينقسم الحديث الحسن إلى قسمين:
    الحسن لذاته: وهو ما اتصل اسناده بنقل عدل خفيف الضبط عن مثله من أول السند إلى آخره وسلم من الشذوذ و العلة، و سمي(بالحسن لذاته) لأن حسنه لم يأته من أمر خارجي، وإنما جاءه من ذاته.
    الحسن لغيره: هو ما كان في إسناده مستور لم يتحقق أهليته غير مغفل ولا كثير الخطأ في روايته ولا متهم بتعمد الكذب فيها و لا ينسب إلى مفسق آخر، أو هو (أي الحسن لغيره ) ما فقد شرطا من شروط الحسن لذاته ويطلق عليه اسم (الحسن لغيره)لأن الحسن جاء إليه من أمر خارجي.
    الحديث الحسن: قال ابن القطّان في " بيان الوهم والإيهام " (1118(.فتصحيح الألباني لا يعني تصحيحه .
    عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، عن عائشة رضي الله عنها من كلامها موقوفا عليها .
    وقد أخذه عن عبد الله بن أبي بكر جماعة من الرواة ، وقد كانت روايتهم على الأوجه الآتية :
    الوجه الأول : يرويه يحيى بن سعيد الأنصاري ، ولفظه : ( نَزَلَ فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ ، ثُمَّ نَزَلَ أَيْضًا خَمْسٌ مَعْلُومَاتٌ )
    أخرجه الإمام مسلم في " صحيحه " (رقم/1452) وغيره ، ونلاحظ في هذه الرواية أنها لا تشتمل على شيء من قصة ماعز أو داجن تأكل شيئا من صحف القرآن الكريم .
    الوجه الثاني : يرويه الإمام مالك رحمه الله ، ولفظه : ( كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ )
    رواه مالك في " الموطأ " (كتاب الرضاع/حديث رقم17) ومن طريقه الإمام مسلم (1452) وغيره ، ونلاحظ ههنا أن رواية الإمام مالك عن عبد الله بن أبي بكر لا تشتمل أيضا على شيء من قصة ماعز أو داجن تأكل شيئا من المصحف ، وإنما زاد فيه الجملة الأخيرة : ( فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ ).
    الوجه الثالث : يرويه محمد بن إسحاق ، ولفظه : ( لَقَدْ أُنْزِلَتْ آيَةُ الرَّجْمِ ، وَرَضَعَاتُ الْكَبِيرِ عَشْرٌ ، فَكَانَتْ فِي وَرَقَةٍ تَحْتَ سَرِيرٍ فِي بَيْتِي ، فَلَمَّا اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشَاغَلْنَا بِأَمْرِهِ ، وَدَخَلَتْ دُوَيْبَةٌ لَنَا فَأَكَلَتْهَا )
    رواه الإمام أحمد في " المسند " (43/343)، وابن ماجة في " السنن " (رقم/1944) ولفظه : ( فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَشَاغَلْنَا بِمَوْتِهِ دَخَلَ دَاجِنٌ فَأَكَلَهَا ).
    وهو كما ترى يشتمل على لفظ زائد وغريب عما رواه الإمامان الكبيران يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك بن أنس رحمهما الله ، وهو ما يقصده السائل بسؤاله ، ففي الحديث أن داجنا – وهي الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم - دخلت فأكلت الصحيفة التي تشتمل على آية الرجم وآية رضعات الكبير .
    وهذه المخالفة كافية لدى المحدثين في الحكم على لفظ محمد بن إسحاق بالضعف والرد والشذوذ ، فالحديث الشاذ عندهم هو الحديث الذي يخالف فيه الراوي الثقة ما رواه الثقات الأحفظ منه أو الأكثر عددا ، وهي قاعدة عقلية سليمة ، إذ كيف ينفرد راو بألفاظ للحديث نفسه الذي يرويه آخرون من رواته ، وهم أكثر عددا ، أو أقوى حفظا وأعلى مرتبة ، أين كانوا عن تلك الزيادة أو المخالفة ، وهل من سبيل إلا نحو القاعدة لمعرفة مخالفات الرواة وغرائب حديثهم ومروياتهم ، وإذا لم يكن كذلك فكيف سيقنعنا ذلك المجادل بأن محمد بن إسحاق حفظ من حديث عائشة ما نسيه كل من يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك بن أنس ، وهما أئمة هذا الشأن وأعلامه الكبار ، حتى قال سفيان الثوري رحمه الله : كان يحيى بن سعيد الأنصاري أجل عند أهل المدينة من الزهري ، وعده علي بن المديني أحد أصحاب صحة الحديث وثقاته ومن ليس فى النفس من حديثهم شيء ، وقال فيه أحمد بن حنبل : أثبت الناس ، وقال وهيب : قدمت المدينة فلم أر أحدا إلا وأنت تعرف وتنكر غير مالك ويحيى بن سعيد . انظر: " تهذيب التهذيب " .(11/223)
    فكيف إذا علمنا أن محمد بن إسحاق منتقَدٌ لدى بعض علماء الحديث ، وقد عهدت عليه بعض الأخطاء في مروياته ، وعهد عليه المخالفة لرواية الأئمة الثقات ، فمثله لا تقبل مخالفته ولا تفرده بالغرائب عن غيره من الحفاظ الثقات .
    قال حنبل بن إسحاق : سمعت أبا عبد الله يقول : ابن إسحاق ليس بحجة .
    وقال عبد الله بن أحمد : لم يكن – يعني أحمد بن حنبل - يحتج به فى السنن .
    وقال أيوب بن إسحاق : سألت أحمد بن حنبل ، فقلت : يا أبا عبد الله ! ابن إسحاق إذا تفرد بحديث تقبله ؟ قال : لا ، والله إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد ، ولا يفصل كلام ذا من ذا .
    وضعفه يحيى بن معين في إحدى الروايات عنه ، وقال النسائي : ليس بالقوي ، وقال الدارقطني : اختلف الأئمة فيه ، وليس بحجة ، إنما يعتبر به . انظر : " تهذيب التهذيب " (9/45.
    ومما يزيد الأمر وضوحا أيضا أن القاسم بن محمد تابع عبد الله بن أبي بكر في رواية الحديث من غير زيادة محمد بن إسحاق .
    فروى الطحاوي في " شرح مشكل الآثار " (11/486) قال : حدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا الحجاج بن منهال ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن القاسم بن محمد ، عن عمرة ، أن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ ثُمَّ سَقَطَ : أَنْ لَا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ إِلَّا عَشْرُ رَضَعَاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ بَعْدُ : أَوْ خَمْسُ رَضَعَاتٍ )
    فالخلاصة أن قصة الشاة التي أكلت صحيفة القرآن الكريم في بيت عائشة رضي الله عنها قصة ضعيفة لا تثبت .
    يقول ابن قتيبة الدينوري رحمه الله :
    " ألفاظ حديث مالك خلاف ألفاظ حديث محمد بن إسحاق ، ومالك أثبت عند أصحاب الحديث من محمد بن إسحاق " انتهى من " تأويل مختلف الحديث " (ص/443)
    وقال محققو مسند الإمام أحمد :
    " إسناده ضعيف لتفرد ابن إسحاق - وهو محمد - وفي متنه نكارة " انتهى من " طبعة مؤسسة الرسالة " (43/343)
    ويقول الألوسي رحمه الله :
    " وأما كون الزيادة كانت في صحيفة عند عائشة فأكلها الداجن ، فمن وضع الملاحدة وكذبهم في أن ذلك ضاع بأكل الداجن من غير نسخ ، كذا في الكشاف " انتهى من " روح المعاني " (11/140)
    ويقول الباقلاني رحمه الله :
    " وليس على جديدِ الأرض أجهلُ ممن يظُنُ أن الرسولَ والصحابةَ كانوا جميعا يُهملون أمرَ القرآن ويعدِلون عن تحفُظه وإحرازِه ، ويعوِّلون على إثباته في رقعةٍ تُجعَلُ تحتَ سريرِ عائشةَ وحدَها ، وفي رقاعٍ ملقاةِ ممتهَنةٍ ، حتى دخلَ داجنُ الحي فأكلَها أو الشاةُ ضاع منهم وتفقَت ودرسَ أثرُه وانقطعَ خبره !
    وما الذي كان تُرى يبعثُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على هذا التفريطِ والعجز والتواني ، وهو صاحبُ الشريعة ، والمأمورُ بحفظِه وصيانتِه ونصب الكَتَبةِ له ، ويَحضُرُه خَلْقٌ كثيرٌ متبتلون لهذا الباب ، ومنصوبون لكتبِ القرآن الذي يَنزِل ، وكتبِ العهودِ والصلح والأمانات وغير ذلك مما نزل ويَحدُثُ بالرسول خاصةً وبه حاجةٌ إلى إثباته ...
    والرسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منصوبٌ للبيان وحِياطةِ القرآنِ وحفظِ الشريعةِ فقط ، لا حرفةَ له ولا شيءَ يقطعُه من أمورِ الدنيا غيرُ ذلك إلا بنَصَبٍ يعود بنُصرةِ الدين وتوكيدِه ، ويثبِتُ أمرَ القرآن ويُشِيدُه ، وكيف يجوزُ في العادةِ أن يذهبَ على هؤلاءِ وعلى سائرِ الصحابةِ آيةُ الرضاع والرجمِ فلا يحفظها ويذكرها إلا عائشةُ وحدَها ، لولا قلةُ التحصيلِ والذهابِ عن معرفةِ الضروراتِ ، وما عليه تركيبُ الفِطَرِ والعادات .
    فقد بان بجملةِ ما وصفناه من حالِ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصحابةِ أنه لا يجوزُ أن يذهبَ عليهم شيءٌ من كتاب الله تعالى قلَّ أو كَثرُ ، وأنّ العادةَ تُوجِبُ أن يكونوا أقربَ الناسِ إلى حفظِه وحراستِه وما نزلَ منه وما وقع وتاريخهِ وأسبابهِ وناسخِه ومنسوخِه " انتهى باختصار من " الانتصار للقرآن " (1/412-418).
    ويقول ابن حزم رحمه الله :
    " صح نسخ لفظها ، وبقيت الصحيفة التي كتبت فيها - كما قالت عائشة - رضي الله عنها فأكلها الداجن ، ولا حاجة بأحد إليها ، وهكذا القول في آية الرضاعة ولا فرق ، وبرهان هذا : أنهم قد حفظوها كما أوردنا ، فلو كانت مثبتة في القرآن لما منع أكل الداجن للصحيفة من إثباتها في القرآن من حفظهم .
    فبيقين ندري أنه لا يختلف مسلمان في أن الله تعالى افترض التبليغ على رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ كما أمر ... فصح أن الآيات التي ذهبت لو أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتبليغها لبلغها ، ولو بلغها لحفظت ، ولو حفظت ما ضرها موته ، كما لم يضر موته عليه السلام كل ما بلغ فقط من القرآن " انتهى من " المحلى " (12/177) .



    والأحاديث في رجم الزاني المحصن كثيرة؛ ومنها: (لا يحِلُّ دمُ امرئٍ مسلمٍ إلَّا بإحدى ثلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّاني والنَّفسُ بالنَّفسِ والتَّاركُ لدِينِه المفارقُ الجماعةَ). وقوله عليه الصلاة والسلام: (الوَلَدُ لِلْفِراشِ ولِلْعاهِرِ الحَجَرُ).وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ ) (الراوي: عبادة بن الصامت ، المحدث : مسلم ، المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 1690 ، خلاصة حكم المحدث: صحيح).وجوب الأخذ عن الرسول الكريم: (خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي)؛ ولا يجوز الأخذ عن أصحاب الهوى.وأما هذا البعض المتأخر ومن هو على شاكلته ؛ فقولهم مردود وحجتهم داحضة بدليل الآية الكريمة: (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ( البقرة 106).يقول القرطبي: " والأمر عندنا أن الأمَة إذا زنت وقد أحصنت مجلودة بكتاب الله ، وإذا زنت ولم تحصن مجلودة بحديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا رجم عليها. والفائدة في نقصان حدهن أنهن أضعف من الحرائر . ويقال : إنهن لا يصلن إلى مرادهن كما تصل الحرائر . وقيل : لأن العقوبة تجب على قدر النعمة؛ ألا ترى أن الله تعالى قال لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم : (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) (الأحزاب: 30). وممّا يؤكد أنّ العقوبة تجب على قدر النعمة؛ الآيات :نعمة الرسالة: (وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)) (النساء)).حرمة مكة: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ۚ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) (الحج 25). .. ولهذا لما هم أصحاب الفيل على تخريب البيت أهلكهم اللهُ : (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ) (الفيل : 3 - 5 ) .ثبت الرجم عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله وفعله في أخبار تشبه المتواتر ، وأجمع عليه أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " .
    وأما آية سورة النور والتي ذكر الله تعالى فيها حد الزاني بأنه مائة جلدة : فإن المقصود به الزاني غير المحصن من الرجال والنساء ، وليس فيها تعرض للزاني المحصن بذكر أو إشارة. وقد ثبت أن الرجم وقع بعد نزول سورة النور؛ فآية النور نزلت على إثر حادثة الإفك، وأبو هريرة رضي الله عنه كان أسلم بعدها ، وقد حضر إقامة حدِّ الرجم على زانٍ محصن. نزول سورة النور كان في قصة الإفك، واختُلف هل كان سنة أربع أو خمس أو ست، والرجم كان بعد ذلك، فقد حضره أبو هريرة، وإنما أسلم سنة سبع، وابن عباس إنما جاء مع أمه إلى المدينة سنة تسع ( فتح الباري).إذا منكروا حد الرجم على الزاني المحصن في حقيقة أمرهم لا يؤمنون بحُجيّة السّنة المطهرة، ولا يعترفون بالفضل لجيل الصحابة الكرام، ولا يرون فيهم أنموذجاً يحتذى!. إنهم قد نصّبوا مداركهم وعقولهم المحدودة مكانة فوق نصوص الشرع، بل وجعلوها حكماً على النصوص؛ بدلا من أن يعملوها في فهم النّص!. هذا حالُ من تأخر زمانه، وتعاظم غرورهُ، وقل علمُه واتّباعُه إلى حدٍ نسي معه قولَ الله: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) (النجم: 4-3). ونسي قولَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي) ، (أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ وَمِثلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبعَان عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيكُم بِهَذَا القُرآنِ ، فَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ).والسنةُ مبينةٌ لما أجمل في كتاب الله ، تخصصُ وتبينُ عمومَه ، وتقيِّدُ مطلقه ، وتبينُ الناسخَ من المنسوخِ فيه . أما تخصيص (بيان) عمومات القرآن الكريم بالسنة النبوية فقد ذهب إلى جوازه جماهير الأصوليين.مثال تخصيص الكتاب بالسنة قوله سبحانه وتعالى : (وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ)، فإنه مخصوص بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تُنْكَحُ المرأةُ على عَمَّتِها ولا على خالتِها). ونحوه تخصيص آية السرقة بالحديث: (تقطُّعُ يدُ السارقِ في ربعِ دينارٍ فصاعدًا وفي لفظٍ القطعُ في رُبعِ دينارٍفصاعدًا). منكروا حدّ الرجم على الزاني المحصن في غالب أمرهم لا يؤمنون بهذا التخصيص ولا يقرونه.لا يحِلُّ دمُ امرئٍ مسلمٍ إلَّا بإحدى ثلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّاني والنَّفسُ بالنَّفسِ والتَّاركُ لدِينِه المفارقُ الجماعةَ(لا يحِلُّ دمُ امرئٍ مسلمٍ يشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنِّي رسولُ اللهِ إلَّا بإحدى ثلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّاني والنَّفسُ بالنَّفسِ والتَّاركُ لدِينِه المفارقُ الجماعةَ) (الراوي : عبدالله بن مسعود ، المحدث : ابن حبان ، المصدر : صحيح ابن حبان، الصفحة أو الرقم: 4408 ، خلاصة حكم المحدث : أخرجه في صحيحه ). (لا يَحِلُّ دَمُ امرئٍ مسلمٍ إلا بإحدى ثلاثٍ . . فذكَر منهم : الثيِّبَ الزانيَ) (الراوي : عبدالله بن مسعود، المحدث: البيهقي ، المصدر : السنن الصغير للبيهقي، الصفحة أو الرقم: 3/293 ، خلاصة حكم المحدث : ثابت)(لا يَحِلُّ دمُ امرئٍ يشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنِّي رسولُ اللهِ إلا بإِحدَى ثلاثٍ الثَّيِّبُ الزَّانِي والنَّفسُ بالنَّفسِ والتاركُ لدينِه المفارقُ للجماعةِ) (الراوي : عبدالله بن مسعود ، المحدث : أحمد شاكر ، المصدر : مسند أحمد، الصفحة أو الرقم: 6/64 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح)(لا يحِلُّ دمُ رجلٍ مسلمٍ ، يشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ ، وأنِّي رسولُ اللهِ ، إلَّا بإحدَى ثلاثٍ : الثَّيِّبُ الزَّاني ، والنَّفسُ بالنَّفسِ ، والتَّاركُ لدينِه المفارقُ للجماعةِ) (الراوي : عبدالله بن مسعود ، المحدث : الألباني ، المصدر : صحيح أبي داود، الصفحة أو الرقم: 4352 ، خلاصة حكم المحدث : صحيح)(لا يَحِلُّ دمُ امرىءٍ مسلِمٍ يشهَدُ أن لا إلَه إلاَّ اللَّهُ ، وأنِّي رسولُ اللَّهِ ، إلَّا بإحدى ثلاثٍ : الثَّيِّبِ الزَّاني ، والنَّفسِ بالنَّفسِ ، والتَّارِكِ لدينِه المفارقِ للجماعةِ) (الراوي : عبدالله بن مسعود ، المحدث : الألباني ، المصدر : صحيح الترمذي، الصفحة أو الرقم: 1402 ، خلاصة حكم المحدث : صحيح)(لا يَحِلُّ دمُ امريءٍ مسلمٍ يشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وأني رسولُ اللهِ إلا بإحدى ثلاثٍ : الثَّيِّبُ الزاني والنفسُ بالنفسِ والتاركُ لدينِه المفارقُ الجماعةَ) (الراوي : عبدالله بن مسعود ، المحدث : الألباني ، المصدر : تخريج كتاب السنة، الصفحة أو الرقم: 893 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط الشيخين)(لا يَحِلُّ دَمُ امريءٍ مسْلِمٍ يشهَدُ أنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وأنِّي رسولُ اللهِ إلَّا بإحدَى ثلاثٍ : الثيبُ الزانِي والنفسُ بالنفْسِ، والتارِكُ لدينِهِ المفارِقُ للجماعَةِ) (الراوي : عبدالله بن مسعود ، المحدث : الألباني ، المصدر : تخريج كتاب السنة، الصفحة أو الرقم: 60 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط الشيخين ) (لا يَحِلُّ دَمُ امرِيءٍ مسلمٍ يشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللهِ إلا بإحدى ثلاثٍ : الثَّيِّبُ الزاني ، والنفسُ بالنفسِ ، والتارِكُ لدينِه ، والمُفَارِقُ للجماعةِ) (الراوي : عبدالله بن مسعود ، المحدث : الألباني ، المصدر : صحيح الجامع، الصفحة أو الرقم: 7643 ، خلاصة حكم المحدث : صحيح)(لا يحِلُّ دمُ امرئٍ مسلمٍ يشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنِّي رسولُ اللهِ إلَّا بإحدى ثلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّاني والنَّفسُ بالنَّفسِ والتَّاركُ لدِينِه المفارقُ الجماعةَ) (الراوي : عبدالله بن مسعود ، المحدث : شعيب الأرناؤوط ، المصدر : تخريج صحيح ابن حبان، الصفحة أو الرقم: 4408 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرطهما)(لا يَحِلُّ دَمُ امرئٍ يَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنِّي رسولُ اللهِ، إلَّا بإحْدى ثلاثٍ: الثَّيِّبِ الزَّاني، والنَّفْسِ بالنَّفْسِ، والتَّاركِ لدِينِه المُفارقِ للجَماعةِ.) (الراوي : عبد الله بن مسعود ، المحدث : شعيب الأرناؤوط ، المصدر : تخريج المسند، الصفحة أو الرقم: 4065 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط الشيخين)
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  4. #74
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,125
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    12:17 PM

    افتراضي


    قال الشنقيطي في أضواء البيان (1/ 370): " قوله تعالى: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب} لم يبين هنا شيئا من ذلك الكثير الذي يبينه لهم الرسول صلى الله عليه وسلم مما كانوا يخفون من الكتاب، يعني التوراة والإنجيل، وبين كثيرا منه في مواضع أخر. فمما كانوا يخفون من أحكام التوراة رجم الزاني المحصن، وبينه القرآن في قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون}".
    وقال الشنقيطي أيضا في أضواء البيان (1/ 403): " قوله تعالى: {يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا} في هذه الآية الكريمة إجمال; لأن المشار إليه بقوله: (هذا)، مفسر الضمير في قوله: (فخذوه)، وقوله: (لم تؤتوه)، لم يصرح به في الآية ولكن الله أشار له هنا، وذكره في موضع آخر. اعلم أولا أن هذه الآية نزلت في اليهودي واليهودية اللذين زنيا بعد الإحصان، وكان اليهود قد بدلوا حكم الرجم في التوراة، فتعمدوا تحريف كتاب الله، واصطلحوا فيما بينهم على أن الزاني المحصن الذي يعلمون أن حده في كتاب الله التوراة: الرجم، أنهم يجلدونه ويفضحونه بتسويد الوجه، والإركاب على حمار، فلما زنى المذكوران قالوا فيما بينهم: تعالوا نتحاكم إلى محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شأن حدهما، فإن حكم بالجلد والتحميم فخذوا عنه ذلك واجعلوه حجة بينكم وبين الله تعالى، ويكون نبي من أنبياء الله قد حكم فيهما بذلك، وإن حكم بالرجم فلا تتبعوه، فإذا عرفت ذلك فاعلم أن المراد بقوله: (هذا)، وقوله: (فخذوه)، وقوله: (وإن لم تؤتوه)، هو الحكم المحرَّف الذي هو الجلد والتحميم كما بينا، وأشار إلى ذلك هنا بقوله: (يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا) يعني المحرَّف والمبدَّل الذي هو الجلد والتحميم (فخذوه وإن لم تؤتوه) بأن حَكَم بالحق الذي هو الرجم (فاحذروا) أن تقبلوه. وذكر تعالى هذا أيضا في قوله: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله} يعني التوراة ليحكم بينهم، يعني في شأن الزانيين المذكورين، {ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون} أي عما في التوراة من حكم رجم الزاني المحصن، وقوله هنا: {ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون} هو معنى قوله عنهم: {وإن لم تؤتوه فاحذروا}".
    وأما الآية التي هي باقية التلاوة والحكم، فهي قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون }، على القول بأنها نزلت في رجم اليهوديين الزانيين بعد الإحصان، وقد رجمهما النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وقصة رجمه لهما مشهورة ثابتة في الصحيح، وعليه فقوله: {ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون} أي: عما في التوراة من حكم الرجم، وذم المعرض عن الرجم في هذه الآية يدل على أنه ثابت في شرعنا، فدلت الآية على هذا القول أن الرجم ثابت في شرعنا، وهي آية باقية التلاوة" انتهى باختصار وتصرف.
    قلت: وتوجد آية ثالثة أخرى تدل على إثبات حد الرجم، وهي قوله تعالى: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون * أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}، قال ابن الجوزي في زاد المسير (1/ 556): " قوله تعالى: {واحذرهم أن يفتنوك} أي: يصرفوك {عن بعض ما أنزل الله إليك} وفيه قولان: أحدهما: أنه الرجم، قاله ابن عباس. والثاني: شأن القصاص والدماء، قاله مقاتل" انتهى.
    فهذا دليل ثالث من القرآن على إثبات حد الرجم يضاف إلى ما ذكره الشنقيطي، فقد ذكر الشنقيطي آيتين تدلان على حد الرجم، أحدهما: منسوخة التلاوة مع بقاء الحكم، وهي: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، والثانية: محكمة وهي قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون}، والثالثة التي لم يذكرها الشنقيطي قول الله تعالى في سورة المائدة التي أنزلت بعد سورة النور، وقد اتفق العلماء على أن سورة المائدة من آخر ما نزل من القرآن الكريم: {يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا } ثم قال سبحانه: {وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين}، ثم قال عز وجل: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون * أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}، والله الموفق.
    وقد يقول قائل: لماذا لم تُذكر آية الرجم صراحة في كتاب الله؟!
    فالجواب: أنه لا يجوز رد الحق بكونه لم يذكر في القرآن الكريم، فكثير من الأحكام المجمع عليها لم تذكر في القرآن الكريم كما هو معروف، مثل عدد ركعات الصلوات وتقدير نصاب الزكاة وقدر ما يخرج منها وتحريم الجمع بين المرأة وخالتها أو عمتها وغير ذلك من الأحكام التي لم تذكر في القرآن الكريم وذكرت في السنة النبوية بالتفصيل، ومع ذلك نقول: الله أحكم الحاكمين، ولا بد أن يكون لعدم التصريح بذكر حد رجم الزاني المحصن في القرآن حكمة سواء علمناها أو لم نعلمها، وقد قال بعض العلماء: إن الحكمة من ذلك بيان تفضيل أمة محمد صلى الله عليه وسلم على اليهود الذين لم يقبلوا العمل بهذا الحد مع وجوده في كتابهم صريحا، فقبلت هذه الأمة هذا الحد الشديد مع عدم وجوده صريحا في كتاب الله، وإنما وجد في آية نسخ لفظها، وبقيت الإشارة إليه في آية أخرى ليست صريحة، ومع ذلك عملت به الأمة، اتباعا لكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام الذي بين ذلك الحد بيانا شافيا، ولا شك أن العمل بالأمر مع عدم وضوح الأمر به أعظم في التعبد والانقياد والابتلاء، كما أمر الله نبيه إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام أن يذبح ابنه إسماعيل عليه الصلاة والسلام برؤيا، فلم يكن الأمر مباشرا، وهذا أعظم في البلاء، وأعظم في الانقياد والاستسلام، والله أعلم، والتسليم بشرعه أسلم.
    وقفتان للتأمل:
    الوقفة الأولى: هنا وقفة مع من يرد حد الرجم ولا يقبله، فنقول له: إن كنت يهوديا أو نصرانيا فهذا الحد مذكور في التوراة، جاء في سفر التثنية الإصحاح 22 الفقرات من 13 إلى 21 (( إِذَا اتَّخَذَ رَجُلٌ امْرَأَةً وَحِينَ دَخَلَ عَلَيْهَا أَبْغَضَهَا، وَنَسَبَ إِلَيْهَا أَسْبَابَ كَلاَمٍ، وَأَشَاعَ عَنْهَا اسْمًا رَدِيًّا، وَقَالَ: هذِهِ الْمَرْأَةُ اتَّخَذْتُهَا وَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهَا لَمْ أَجِدْ لَهَا عُذْرَةً. يَأْخُذُ الْفَتَاةَ أَبُوهَا وَأُمُّهَا وَيُخْرِجَانِ عَلاَمَةَ عُذْرَتِهَا إِلَى شُيُوخِ الْمَدِينَةِ إِلَى الْبَابِ، وَيَقُولُ أَبُو الْفَتَاةِ لِلشُّيُوخِ: أَعْطَيْتُ هذَا الرَّجُلَ ابْنَتِي زَوْجَةً فَأَبْغَضَهَا. وَهَا هُوَ قَدْ جَعَلَ أَسْبَابَ كَلاَمٍ قَائِلاً: لَمْ أَجِدْ لِبِنْتِكَ عُذْرَةً. وَهذِهِ عَلاَمَةُ عُذْرَةِ ابْنَتِي. وَيَبْسُطَانِ الثَّوْبَ أَمَامَ شُيُوخِ الْمَدِينَةِ. فَيَأْخُذُ شُيُوخُ تِلْكَ الْمَدِينَةِ الرَّجُلَ وَيُؤَدِّبُونَهُ وَيُغْرِمُونَهُ بِمِئَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ، وَيُعْطُونَهَا لأَبِي الْفَتَاةِ، لأَنَّهُ أَشَاعَ اسْمًا رَدِيًّا عَنْ عَذْرَاءَ مِنْ إِسْرَائِيلَ. فَتَكُونُ لَهُ زَوْجَةً. لاَ يَقْدِرُ أَنْ يُطَلِّقَهَا كُلَّ أَيَّامِهِ. وَلكِنْ إِنْ كَانَ هذَا الأَمْرُ صَحِيحًا، لَمْ تُوجَدْ عُذْرَةٌ لِلْفَتَاةِ. يُخْرِجُونَ الْفَتَاةَ إِلَى بَابِ بَيْتِ أَبِيهَا، وَيَرْجُمُهَا رِجَالُ مَدِينَتِهَا بِالْحِجَارَةِ حَتَّى تَمُوتَ، لأَنَّهَا عَمِلَتْ قَبَاحَةً فِي إِسْرَائِيلَ بِزِنَاهَا فِي بَيْتِ أَبِيهَا. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ وَسَطِكَ))، واليهود يؤمنون بالتوراة، وكذلك النصارى يؤمنون بها ويسمونها العهد القديم، ويجعلونها مع الإنجيل في كتاب واحد يسمونه الكتاب المقدس، فليخسأ كل يهودي أو نصراني ينتقد هذا الحكم الشرعي وهو في كتابه الذي يدعي الإيمان به، وننبه على أن ثبوت آية الرجم في التوراة لا يعني عدم تحريفها.
    الوقفة الثانية: إن كان من يرد هذا الحد من المسلمين فنقول له كلمتين بليغتين:
    الأولى: ألا تعلم أن عذاب الله في الآخرة أشد من هذا الرجم؟! أو تريد أن تقول: إن عذاب الله لمن عصاه وكفر به في نار جهنم وتقليب وجوههم في النار وشويها وسقيهم من الحميم الذي يقطع الأمعاء وحشية وفيه انتهاك لحقوق الإنسان؟!!! .
    الثانية: ألا تعلم يا مسلم أن أكثر الذين تريد أن ترضيهم بإنكار حد الرجم لا يرضون بحد الجلد أصلا؟! بل لا يعتبرون الزنا جريمة تستحق العذاب إن حصل برضا الطرفين؟!! .
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  5. #75
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,125
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    12:17 PM

    افتراضي

    المطلب الرابع
    ●الشبهة الثانية:
    أنَّ البخاري روى في صحيحه في باب رجم الحُبلى: ((عن عبد الله بن أبي أوفى أنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجم ماعزا والغامديَّة. ولكنَّنا لا ندري أرجم قبل آية الجلد أم بعدها)).
    وجه الدليل: أنَّه شكَّك في الرجم بقوله: كان من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجم. وذلك قبل سورة النور التي فيها: ((الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد مهما مائة جلدة)). لمَّا نزلت سورة النور بحكم فيه الجلد لعموم الزُناة فهل هذا الحكم القرآني ألغى اجتهاد النبي في الرجم أم أنَّ هذا الحكم باقٍ على المسلمين إلى هذا اليوم؟. ومثل ذلك، اجتهاد النبي في معاملة أسر غزوة بدر وذلك أنَّه حكم بعتقهم بعد فدية منها تعليم الواحد الفقير منهم عشرة من صبيان المسلمين القراءة والكتابة ثمَّ نزل القرآن بإلغاء اجتهاده كما في الكتب في تفسير قوله تعالى: ((ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتَّى يثخن في الأرض)).
    وجه التشكيك: إذا كان النبي قد رجم قبل نزول القرآن بالجلد لعموم الزُناة فإنَّ الرجم يكون منه قبل نزول القرآن وبالتالي يكون القرآن ألغى حكمه ويكون الجلد هو الحكم الجديد بدل حكم التوراة القديم الذي حكم به ـ احتمالاً ـ أمَّا إذا رجم بعد نزول القرآن بالجلد فإنَّه مخالف القرآن لا مفسِّراً له ومبيِّناً لأحكامه ولا موافقاً له ، ولا يصحُّ لعاقلٍ أن ينسب للنبي أنَّه خالف القرآن ؛ لأنَّه هو المُبلِّغ له والقدوة للمسلمين، ولأنَّه تعالى قال: (( قُل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عُمُراً من قبله أفلا تعقلون )). والسُنَّة تفسِّر القرآن وتوافقه لا تكمِّله. وقال تعالى: ((وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس)) والألف واللام في ” الناس ” للعموم. وعلى أنَّهم كانوا مكلَّفين بالتوراة يُحتمل أنَّ النبي حكم بالرجم لأنَّه هو الحكم على الزانية والزاني في التوراة ولمَّا نزل القرآن بحكمٍ جديدٍ نسخ الرجم ونقضه.].
    الجواب عنها:
    أولاً: شكّ الصحابي رضي الله عنه لا يثبت ولا ينفي شيئاً.
    ثانياً: لقد ثبت فعلاً أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجم بعد آية الجلد التي تقدم معنا دليل تخصيصها.
    قال أبو هريرة رضي الله عنه: (أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَنَادَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي زَنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى رَدَّدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ( أَبِكَ جُنُونٌ ؟ ) قَالَ: لَا قَالَ: ( فَهَلْ أَحْصَنْتَ ) قَالَ : نَعَمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ).
    ومن المعلوم أن آية النور نزلت بعد حادثة الإفك، ومن المعلوم أيضاً أن أبا هريرة رضي الله عنه أسلم بعد هذا. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (وقد قام الدليل على أن الرجم وقع بعد سورة النور لأن نزولها كان في قصة الإفك واختلف هل كان سنة أربع أو خمس أو ست على ما تقدم بيانه والرجم كان بعد ذلك فقد حضره أبو هريرة وإنما أسلم سنة سبع..
    أما قوله أنّ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالف القرآن الكريم فهذا لا يقول به عاقل، وقد بيَّنا سالفاً أن الرجم ثابتٌ بنص الآية المنسوخ تلاوتها وليس بحكم التوراة كما افترضوه.

    المطلب الخامس

    الشبهة الثالثة:
    أن الله تعالى بين للرجل في سورة النور أنه إذا رأى رجلاً يزني بامرأته ولم يقدر على إثبات زناها بالشهود فإنه يحلف أربعة أيمان أنه رآها تزني وفي هذه الحالة يُقام عليها حد الزنا، وإذا هي ردت أيمانه عليه بأن حلفت أربعة أيمان أنه من الكاذبين فلا يُقام عليها الحد لقوله تعالى: (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربعة شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرؤ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين).
    وجه التشكيك: هو أن هذا الحكم لامرأة محصنة. وقد جاء بعد قوله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد مهما مائة جلدة) وحيث قد نص على عذاب بأيمان في حال تعذر الشهود فإن هذا العذاب يكون هو المذكور في هذه الجريمة والمذكور هو: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد مهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما) أي العذاب المقرر عليهما وهو الجلد. وفي آيات اللعان: (ويدرؤ عنها العذاب) أي عذاب الجلد. وفي حد نساء النبي: (يُضاعف لها العذاب) أي عذاب الجلد؛ لأنه ليس في القرآن إلا الجلد عذاب على هذا الفعل. وفي حد الإماء: (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) المذكور في سورة النور وهو الجلد.]
    الجواب عنها:
    قد أثبتنا سابقاً أن حد الرجم ثابت بنص الآية المنسوخ تلاوتها وبفعل النبي عليه الصلاة والسلام وإجماع الصحابة من بعده، وإن ثبت لك هذا فلا يحل لأي مسلمٍ كان أن يخالفه، إذ أنّ الله عز وجل يقول: { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}
    وبما أن حد الرجم ثابت كما تقدم معنا، يكون العذاب في آية اللعان هو الرجم لأنها محصنة، وليس الجلد كما ذهبوا اليه– لأن الجلد هو حد الزاني البكر كما تقدم معنا أيضاً.
    المطلب السادس
    الشبهة الرابعة:
    قوله تعالى في حق نساء النبي: (يا نساء النبي من يأتِ منكن بفاحشةٍ مبينة يُضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيراً). عقوبة نساء النبي مضاعفة أي مائتي جلدة، فالرجم الذي هو الموت لا يُضاعف. والعذاب في الآية يكون في الدنيا والدليل الألف واللام وتعني أنه شيء معروف ومعلوم.
    الجواب عنها:
    هذه الآية الكريمة لا تنفي حد الرجم لا من بعيد ولامن قريب ..وقد قالو: ( فالرجم الذي هو الموت لا يُضاعف)،وهذا خطأ محض، فالرجم ليس هو الموت، بل الرجم حد وعذاب يأتي بعده موت، ومن أقوى الأدلة العَملية – عندي – على أنه عذاب هو هروب ماعز لما كان الصحابة يرجمون فيه، فعن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – قال:(فكنت فيمن رجمه – أي ماعز – فرجمناه بالمصلى فلما أذلقته الحجارة هرب فأدركناه بالحرة فرجمناه) فلو كان موتاً منذ الوهلة الأولى لما هرب ماعز، فهروبه يدلّ على أنّه تألم وتعذب.
    إذاً فالآية لا تنفي الرجم أبداً ولا تعارض بينها وبين أحاديث الرجم.
    ويجب العلم أن نساء الأنبياء معصومات من الزنا وهذا الذي عليه المسلمون سلفاً وخلفاً، قال ابن كثير رحمه الله: (وقال ابن عباس، وغير واحد من السلف: ما زنت امرأة نبي قط، قال: وقوله: (إنه ليس من أهلك) أي: الذين وعدتك نجاتهم.
    وقول ابن عباس في هذا هو الحق الذي لا محيد عنه، فإن الله سبحانه أغير من أن يمكن امرأة نبي من الفاحشة ولهذا غضب الله على الذين رموا أم المؤمنين عائشة بنت الصديق زوج النبي – صلى الله عليه وسلم – وأنكر على المؤمنين الذين تكلموا بهذا وأشاعوه.

    المطلب السابع
    الشبهة الخامسة:
    قوله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) الألف واللام في (الزانية والزاني) نص على عدم التمييز بين الزناة سواءً محصنين أو غير محصنين.
    الجواب عنها:
    هذه الشبهة لا يتقبلها عاقل، لا سيما أنه قد تقدم معنا تخصيص الآية بآية نُسخت تلاوتها في الرد على الشبهة الأولى.
    المطلب الثامن
    الشبهة السادسة:
    قال – غفر الله لنا وله -: قوله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون). هنا ذكر حد القذف ثمانين جلدة بعد ذكره حد الجلد مائة. يريد أن يقول: إن للفعل حد ولشاهد الزور حد وانتقاله من حد إلى حد يدل على كمال الحد الأول وتمامه، وذكره الحد الخفيف الثمانون وعدم ذكر الحد الثقيل الرجم يدل على أن الرجم غير مشروع لأنه لو كان كذلك لكان أولى بالذكر في القرآن من حد القذف.
    الجواب عنها:
    قولهم: (وانتقاله من حد إلى حد يدل على كمال الحد الأول وتمامه)، لا نعلم له سابقة ولا نعلم على أي كتاب في الفقه اعتمد الدكتور – غفر الله لنا وله – حتى قال بهذا الكلام، وإن كان هذا أمر متعلق باللغة العربية فلا أعلمه وأرجوا ممن له علم به إفادتنا وله الأجر. وهذا مخالف تماماً للقرآن الكريم، فالله عز وجل نسخ الآية 240 من سورة البقرة بالآية 240 ولو كان الأمر كما قال الكاتب لكان الأولى أن تكون الآية المنسوخة هي الآية رقم 234 لتقدمها…

    المطلب التاسع
    الشبهة السابعة:
    قال – رحمه الله -: قال تعالى: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً). الإمساك في البيوت لا يكون بعد الرجم ويعني الحياة لا الموت؛ إذن هذا دليل على عدم وجود الرجم. وتفسير قوله تعالى: (حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً). هو أن الزانيات يُحبسن في البيوت بعد الجلد إلى الموت أو إلى التوبة من فاحشة الزنا.
    الجواب عنها:
    إن الحبسَ في البيوت كان أول الإسلام، ثم جعل الله لهن سبيلاً، والسبيل هنا ليس كما فسّره الكاتب – غفر الله له – بالتوبة… بل قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خذوا عني خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ، ونفي سنة ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)- صحيح مسلم للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج ج3 ص1316 ح1690 – دار إحياء التراث العربي – بيروت، ت: محمد فؤاد عبد الباقي - ، فهل سنتبع أصاحب المقالات أم الذي عليه نزل القرآن الكريم ؟. وأيضاً كما تقدم معنا أنهم يستشهدون بالصحابة رضوان الله عليهم، فإني أرى أن الموضع مناسباً للاستشهاد بابن عباس رضي الله عنه، مع العلم أن هذا ليس رأيه بل ما عاصره، قال رضي الله عنه في تفسير الآية: (يعني الرجم للثيب والجلد للبكر) صحيح البخاري للإمام محمد بن إسماعيل البخاري ج6 ص42 ح4572 – ط: دار طوق النجاة – ت: محمد زهير بن ناصر الناصر.
    فهذين دليلين على وجود الرجم وعلى التفسير الخاطئ للآية من طرف هؤلاء الكتبة غفر الله لنا ولهم.
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  6. #76
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,125
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    12:17 PM

    افتراضي

    المطلب العاشر
    الشبهة الثامنة:
    قالوا: قوله تعالى: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين)). هنا حرم الله الزانية على المؤمن وهذا يدل على بقائها حية من بعد إقامة الحد عليها وهو مائة جلدة، ولو كان الحد هو الرجم لما كانت قد بقيت من بعده على قيد الحياة. وقوله تعالى: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم) لا يميز بين بكر وثيب إذ قوله (من نسائكم) يدل على عموم المسلمين، وقوله (أو يجعل الله لهن سبيلاً) يؤكد عدم الرجم ويؤكد عدم التمييز بين البكر والثيب في الحد. وإن تابت الزانية أو الزاني فيندرجا تحت قوله: (فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما). فالتوبة تجب ما قبلها.
    الجواب عنها:
    إن قولهم : (هنا حرم الله الزانية على المؤمن وهذا يدل على بقائها حية من بعد إقامة الحد عليها وهو مائة جلدة، ولو كان الحد هو الرجم لما كانت قد بقيت من بعده على قيد الحياة). خطأ، فهذه الآية تخص الزاني البكر الذي حدّه الجلد وليس الثيب… قال صلى الله عليه وسلم: (لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله)- صحيح أبي داود للعلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله ج6 ص293 ح1791 – ط: مؤسسة غراس، الكويت – حديث صحيح -، طبعاً إلا إذا تاب عن الزنا فيجوز نكاحه… فها هي السنة بينّت لنا الآية ولا سيما أن الكاتب رحمه الله يُقر بأن السنة مبينة للقرآن الكريم.
    أما قوله (وقوله تعالى: (( واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم )) لا يميز بين بكر وثيب إذ قوله (( من نسائكم )) يدل على عموم المسلمين).
    فهو فعلاً يدل على عموم نساء المسلمين، لكن كما تقدم معنا في الرد على الدليل السابع أن هذا كان في أوّل الإسلام، ثم جعل الله لهن سبيلاً كما صحّ عن رسول الله عليه الصلاة والسلام – الحديث الذي تقدم معنا – وعن الصحابي ابن عباس رضي الله عنه. فقد قال رضي الله عنه: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم إلى أو يجعل الله لهن سبيلا، فكانت المرأة إذا زنت حبست في البيت حتى تموت، ثم أنزل الله تبارك وتعالى بعد ذلك: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) [سورة النور: 2]، فإن كانا محصنين رجما. فهذا سبيلهما الذي جعل الله لهما.) جامع البيان في تأويل القرآن للإمام الطبري ج8 ص74 – ط: مؤسسة الرسالة – ت: أحمد شاكر.
    فهذا ترجمان القرآن وإمام المفسرين ومعاصر الوحي يثبت حد الرجم ويُفرق بين الثيب والبكر فكيف لا نفرق بينهما نحن ؟.

    المطلب الحادي عشر
    الشبهة التاسعة:
    وقالوا – غفر الله لنا ولهم -: يقول العلماء: إن الخاص مقدم على العام. ثم يقولون: والقرآن عام. ثم يقولون: وفي القرآن آيات تخصص العام. ثم يقولون: وفي الأحاديث النبوية أحاديث تخصص العام. أما قولهم بأن العام في القرآن يخصص بقرآن فهذا هو ما اتفقوا عليه وأما قولهم بأن الأحاديث تخصص عام القرآن فهذا الذي اختلفوا فيه لأن القرآن قطعي الثبوت والحديث ظني الثبوت وراوي الحديث واحد عن واحد عن واحد ولا يصح تخصيص عام القرآن بخبر الواحد.
    وعلى ذلك فإن قوله تعالى: ((الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة)) حكم عام يشمل الجميع محصنين أو غير محصنين. فهل يصح تخصيص العام الذي هو الجلد بحديث يرويه واحد عن واحد في الرجم؟!. إن قلنا بالتخصيص والخاص مقدم على العام يلزم تفضيل كلام الراوي على كلام الله أو يلزم مساواة كلام الراوي بكلام الله وهذا لا يقول به عاقل، وعليه يتوجب أن حكم الرجم ليس تخصيصاً لحكم الجلد.
    يقول شيخ الإسلام فخر الدين الرازي عن الخوارج الذين أنكروا الرجم: ((إن قوله تعالى: ((الزانية والزاني فاجلدوا)) يقتضي وجوب الجلد على كل الزناة. وإيجاب الرجم على البعض بخبر الواحد يقتضي تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد وهو غير جائز لأن الكتاب قاطع في متنه بينما خبر الواحد غير قاطع في متنه والمقطوع راجح على المظنون)).
    ولو أن رواة الأحاديث قد اتفقوا على الرجم والنفي (التغريب) لأمكن أن يُقال إن إجماعاً من المسلمين موجود عليهما. ولأنهم لم يتفقوا وقع الريب في قلوب المسلمين من جهة الرجم والنفي. وفي الحديث: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) ففي حديث: ((خذوا عثكالاً فيه مائة شمراخ فاضربوه به وخلوا سبيله)) أمر بالجلد ولم يأمر بالتغريب. وفي حديث الأمَة: ((إذا زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بطفير)) ولو كان النفي ثابتاً لذُكِر هنا مع الجلد. وروى الترمذي أنه عليه السلام جلد وغرّب، وهذا تناقض.
    الرجم عقوبة جاهلية توارثها العرب والمسلمون وما كان لها بالقرآن صلة. فلقد ذكرت كلمة رجم خمسة مرات في الكتاب المقدس عن شعوب سلفت نزول التحكيم الإسلامي وهو كالآتي: {قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ }هود91 {إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً }الكهف20 {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً }مريم46 {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ }يس18 {وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ }الدخان20
    كل هذه الآيات الكريمة القرآنية تثبت أن الرجم غير مقبول في الإسلام كوسيلة ردع للمنحرف عن شريعة الله ومن تكبَّده أو هُدِّد به عبر التاريخ البشري قبل نزول القرآن وبعده كان تسلطا وطغيانا كما تنص الآيات الصريحة!.
    الجواب عنها:
    إن قولهم بخصوص مسألة تخصيص القرآن الكريم بالسنة فيها خلاف فهذا مما لا نعلمه، والسنة تدل على أنها فعلاً تخصصه، فمثلاً قال عز وجل: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ} سورة النساء الآية 11. إلا أن السنة خصت القاتل والكافر بمنعهما، قال صلى الله عليه وسلم: (القاتل لا يرث) صحيح الجامع الصغير وزيادته للعلامة محمد ناصر الدين الألباني ج2 ص817 ح4436 – ط: المكتب الإسلامي. ، وقال أيضاً: (لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر) مسند الإمام أحمد بن حنبل ج36 ص100 ح21766 – ط: مؤسسة الرسالة – ت: شعيب الأرناؤوط وغيره – حديث صحيح. والأدلة على تخصيص السنة للقرآن الكريمة كثيرة، فلا عبرة لمن خالف في ذلك.
    كما أنّنا لم نثبت حد الرجم بالسنة بل أثبتناه بالقرآن الكريم – الآية التي نُسخ لفظها -. كما أنّ الرجم ثابت بتواتر السنة – أي قطعي الثبوت وليس ظني -.
    كما أن المسألة مُجمع عليها، والإجماع نقله غير واحد من أهل العلم، قال ابن كثير رحمه الله: (قال ابن عباس: كان الحكم كذلك، حتى أنزل الله سورة النور فنسخها بالجلد، أو الرجم.
    وكذا روي عن عكرمة، وسعيد بن جبير، والحسن، وعطاء الخراساني، وأبي صالح، وقتادة، وزيد بن أسلم، والضحاك: أنها منسوخة. وهو أمر متفق عليه.) تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير ج2 ص233 – ط: دار طيبة.
    أما استدلال بحديث: (خذوا عثكالاً فيه مائة شمراخ فاضربوه به وخلوا سبيله).. لا يدل لا من قريب ولا من بعيد على نفي التغريب، إذ أن هذا خاص، ألا ترى أن النبي عليه الصلاة والسلام قال (مائة شمراخ) ولم يقل (جلدة) ؟!! فهذا رأفة به ومراعاة لضعفه.
    أما قولهم : أن الرجم حكم جاهلي فهذا خطأ شنيع، فالرجم ثابت في التوراة وهو حكم الله عز وجل الذي أثبته في القرآن الكريم كما بيّنا آنفاً.
    قال الشنقيطي في أضواء البيان (1/ 370): " قوله تعالى: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب} لم يبين هنا شيئا من ذلك الكثير الذي يبينه لهم الرسول صلى الله عليه وسلم مما كانوا يخفون من الكتاب، يعني التوراة والإنجيل، وبين كثيرا منه في مواضع أخر. فمما كانوا يخفون من أحكام التوراة رجم الزاني المحصن، وبينه القرآن في قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون}".
    وقال الشنقيطي أيضا في أضواء البيان (1/ 403): " قوله تعالى: {يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا} في هذه الآية الكريمة إجمال; لأن المشار إليه بقوله: (هذا)، مفسر الضمير في قوله: (فخذوه)، وقوله: (لم تؤتوه)، لم يصرح به في الآية ولكن الله أشار له هنا، وذكره في موضع آخر. اعلم أولا أن هذه الآية نزلت في اليهودي واليهودية اللذين زنيا بعد الإحصان، وكان اليهود قد بدلوا حكم الرجم في التوراة، فتعمدوا تحريف كتاب الله، واصطلحوا فيما بينهم على أن الزاني المحصن الذي يعلمون أن حده في كتاب الله التوراة: الرجم، أنهم يجلدونه ويفضحونه بتسويد الوجه، والإركاب على حمار، فلما زنى المذكوران قالوا فيما بينهم: تعالوا نتحاكم إلى محمد صلى الله عليه وسلم في شأن حدهما، فإن حكم بالجلد والتحميم فخذوا عنه ذلك واجعلوه حجة بينكم وبين الله تعالى، ويكون نبي من أنبياء الله قد حكم فيهما بذلك، وإن حكم بالرجم فلا تتبعوه، فإذا عرفت ذلك فاعلم أن المراد بقوله: (هذا)، وقوله: (فخذوه)، وقوله: (وإن لم تؤتوه)، هو الحكم المحرَّف الذي هو الجلد والتحميم كما بينا، وأشار إلى ذلك هنا بقوله: (يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا) يعني المحرَّف والمبدَّل الذي هو الجلد والتحميم (فخذوه وإن لم تؤتوه) بأن حَكَم بالحق الذي هو الرجم (فاحذروا) أن تقبلوه. وذكر تعالى هذا أيضا في قوله: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله} يعني التوراة ليحكم بينهم، يعني في شأن الزانيين المذكورين، {ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون} أي عما في التوراة من حكم رجم الزاني المحصن، وقوله هنا: {ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون} هو معنى قوله عنهم: {وإن لم تؤتوه فاحذروا}".
    وقال أيضا في أضواء البيان (5/ 368- 372): "اعلم أن رجم الزانيين المحصنين دلت عليه آيتان من كتاب الله، إحداهما نسخت تلاوتها، وبقي حكمها، والثانية: باقية التلاوة والحكم. أما التي نسخت تلاوتها، وبقي حكمها فهي قوله تعالى: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) ، وكون الرجم ثابتا بالقرآن ثابت في الصحيح، فروى البخاري (6830) ومسلم (1691) في صحيحيهما من طريق ابن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس وقال في خطبته: إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها، وعقلناها، ووعيناها، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زنى، إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف. وفيه: أن الرجم نزل في القرآن في آية من كتاب الله، وكونها لم تقرأ في الصحف، يدل على نسخ تلاوتها، مع بقاء حكمها.
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  7. #77
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,125
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    12:17 PM

    افتراضي


    المطلب الثاني عشر
    أحاديث رجم المحصن الزاني
    فإن أحاديث الرجم قد رواها أكثر من سبعة عشر صحابيا منها حديث علي بن أبي طالب وعبد الله بن أبي أوفى وجابر بن عبد الله الأنصاري وعبد الله بن عباس وأبي سعيد الخدري وجابر بن سمرة وأبي بكرة نفيع بن الحارث وخالد بن اللجلاج عن أبيه ونعيم بن هزال عن أبيه وعبد الله بن عمر وأبي بن كعب وعبادة بن الصامت والبراء بن عازب وبريدة بن الحصيب وعمران بن حصين وأبي هريرة وزيد بن خالد الجهني ومرسل بن أبي مليكة... رضي الله عنهم أجمعين.
    فحديث علي أخرجه البخاري.
    وحديث عبد الله بن أبي أوفى أخرجه البخاري ومسلم.
    وحديث جابر أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي.
    وحديث ابن عباس أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود.
    وحديث أبي سعيد الخدري أخرجه مسلم وأبو داود.
    وحديث جابر بن سمرة أخرجه مسلم وأبو داود.
    وحديث أبي بكرة أخرجه أبوداود.
    وحديث خالد بن اللجلاج عن أبيه أخرجه أبوداود.
    وحديث نعيم بن هزال عن أبيه أخرجه أبوداود.
    وحديث ابن عمر في رجم اليهوديين رواه مالك والبخاري ومسلم وأبوداود والترمذي.
    وحديث أبي بن كعب أخرجه ابن حبان والحاكم.
    حديث عبادة بن الصامت أخرجه مسلم وأبوداود.
    وحديث البراء بن عازب أخرجه مسلم أنه رجم يهوديا.
    وحديث بريدة بن الحصيب أخرجه مسلم وأبوداود.
    وحديث عمران بن حصين أخرجه مسلم وأبوداود والترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
    وحديث أبي هريرة وزيد بن خالد أخرجه البخاري ومسلم وأبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجه والإمام أحمد والبزار.
    ومرسل ابن أبي مليكة أخرجه مالك في الموطأ، وفيه عدد من المراسيل عن سعيد بن المسيب والزهري وغيرهما في الموطأ وفي غيره. ولولا أن يطول المقال لسطرت الحديث بجميع طرقه ورواياته الثابتة التي لا يمكن أن يطعن فيها إلا من رين على قلبه.
    فحديث الرجم متواتر المعنى كشجاعة الإمام علي رضي الله عنه وجود حاتم الطائي كما يقول ابن نجيم في البحر الرائق 5/8، وقد جاء في إحدى روايات حديث ابن عباس في البخاري (6441) وغيره،قال:
    قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل لا نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا قامت البينة أو كان الحمل أو الاعتراف قال سفيان: كذا حفظت، ألا وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده.
    وقد أخرج النسائي في الكبرى (7162) والحاكم في المستدرك 4/359 عن ابن عباس قال: من كفر بالرجم كفر بالقرآن من حيث لا يحتسب، وذلك قوله تعالى: (يأهل الكتب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتب...) فكان مما أخفوا الرجم، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (4430) بلفظ: من كفر بالرجم فقد كفر بالرحمن...
    ومرسل سعيد بن المسيب أخرجه مالك في الموطأ (1507) عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب انه سمعه يقول:لما صدر عمر بن الخطاب من منى أناخ بالأبطح ثم كوم كومة بطحاء ثم طرح عليها رداءه واستلقى ثم مد يديه إلى السماء فقال: اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط، ثم قدم المدينة فخطب الناس فقال: أيها الناس قد سنت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض وتركتم على الواضحة الا ان تضلوا بالناس يمينا وشمالا وضرب بإحدى يديه على الأخرى، ثم قال: إياكم ان تهلكوا عن آية الرجم ان يقول قائل لا نجد حدين في كتاب الله فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا والذي نفسي بيده لولا ان يقول الناس زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله تعالى لكتبتها (الشيخ والشيخة فارجموهما البتة..) فإنا قد قرأناها، قال مالك: قال يحيى بن سعيد قال سعيد بن المسيب:فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل عمر رحمه الله،قال يحيى بن يحيى الليثي سمعت مالكا يقول قوله الشيخ والشيخة يعني الثيب والثيبة فارجموهما البتة.
    وقد أجمعت أمة محمد صلى الله عليه وسلم من لدن الصحابة إلى يوم الناس هذا على ثبوت حد الرجم في شريعتنا ولم يخالف في ذلك إلا أهل الأهواء من الخوارج ومن على شاكلتهم.
    قال ابن المنذر في كتابه الإشراف 3/6: قال الله جل ذكره: (يأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) وقال تعالى ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) فقد ألزم الله تعالى خلقه طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالرجم ورجم، وقال عمر: رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، وفعل ذلك بعد عمر علي بن أبي طالب، قال: فالرجم ثابت بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم..الخ
    وقال ابن عبد البر في التمهيد 5/324: وأما المحصن فحده الرجم إلا عند الخوارج ولا يعدهم العلماء خلافا لجهلهم وخروجهم عن جماعة المسلمين وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم المحصنين.
    وقال في الاستذكار7/478 -480 وفي التمهيد 9/79: وأجمع الجمهور من فقهاء المسلمين اهل الفقه والاثر من لدن الصحابة إلى يومنا هذا ان المحصن من الزناة حده الرجم....إلى أن قال: واما اهل البدع والخوارج منهم ومن جرى مجراهم من المعتزلة فانهم لا يرون الرجم على زان محصن ولا غير محصن ولا يرون على الزناة الا الجلد وليس عند احد من اهل العلم ممن يعرج على قولهم ولا يعدون خلافا، وروى حماد بن زيد وحماد بن سلمة وهشيم والمبارك بن فضالة وأشعث كلهم عن علي بن زيد وحماد بن سلمة عن يوسف بن مهران عن بن عباس قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: ايها الناس ان الرجم حق فلا تخدعن عنه فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم وكذلك ابو بكر ورجمنا بعدهما وسيكون قوم من هذه الامة يكذبون بالرجم وبالدجال وبطلوع الشمس من مغربها وبعذاب القبر وبالشفاعة وبقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا، قال ابو عمر: الخوارج والمعتزلة يكذبون بهذا كله عصمنا الله من الضلال برحمته. فرضي الله عن عمر الفاروق الملهم المحدث إذ كوشف له عن بعض أحوال أهل هذا الزمان الذي كثرت فيه وسائل العلم وقل فقه أهله وورعهم واستغنى كثير من أبنائه بعقولهم وفهومهم السقيمة، واستفتي الشيخ غوغل – قدس الله سره – في كل جزئية من جزئيات دين الله عز وجل واعتمدت فتاويه حتى ولو كانت تخالف النصوص القطعية الورود والدلالة، فإلى الله المشتكى.
    وقال الماوردي في الحاوي 13/91: والدليل على وجوب الرجم بخلاف ما قاله الخوارج الأخبار عن الرسول صلى الله عليه وسلم قولا وفعلاً وعن الصحابة نقلاً وعملاً واستفاضته في الناس وانعقاد الإجماع عليه حتى صار حكمه متواتراً، وإن كان أعيان المرجومين فيه من أخبار الآحاد وهذا يمنع من خلاف حدث بعده.
    وقال ابن حزم في مراتب الإجماع ص 129: واتفقوا انه اذا زنى وكان قد تزوج قبل ذلك وهو بالغ مسلم حر عاقل حرة مسلمة بالغة عاقلة نكاحا صحيحا ووطئها وهو في عقله قبل ان يزني ولم يتب ولا طال الامر أن عليه الرجم بالحجارة حتى يموت.
    وقال في كتابه طوق الحمامة 287: وقد أجمع المسلمون إجماعاً لا ينقضه إلا ملحد أن الزاني المحصن عليه الرجم حتى يموت.
    وقال ابن رشد الحفيد في بداية المجتهد 2/325: فأما الثيب الأحرار المحصنون فإن المسلمين أجمعوا على أن حدهم الرجم إلا فرقة من أهل الأهواء فإنهم رأوا أن حد كل زان الجلد وإنما صار الجمهور للرجم لثبوت أحاديث الرجم فخصصوا الكتاب بالسنة أعني قوله تعالى (الزانية والزاني ) الآية.
    وقال ابن قدامة في المغني9/39: وجوب الرجم على الزاني المحصن رجلا كان أو امرأة قول عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار في جميع الأعصار ولا نعلم فيه مخالفا إلا الخوارج فإنهم قالوا الجلد للبكر والثيب لقول الله تعالى:الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة، وقالوا لا يجوز ترك كتاب الله الثابت بطريق القطع واليقين لأخبار آحاد يجوز الكذب فيها ولأن هذا يفضي إلى نسخ الكتاب بالسنة وهو غير جائز.
    ولنا – معاشر أهل السنة - أنه قد ثبت الرجم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله في أخبار تشبه المتواتر وأجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم...وقد أنزله الله تعالى في كتابه وإنما نسخ رسمه دون حكمه...إلى أن قال: وهذا سائغ بغير خلاف فإن عمومات القرآن في الإثبات كلها مخصصة، وقولهم إن هذا نسخ ليس بصحيح وإنما هو تخصيص ثم لو كان نسخا لكان بالآية التي ذكرها عمر رضي الله عنه. وقد ثبت أن رسل الخوارج جاءوا عمر بن عبد العزيز رحمه الله فكان من جملة ما عابوا عليه الرجم وقالوا: ليس في كتاب الله إلا الجلد، وقالوا: الحائض أوجبتم عليها قضاء الصوم دون الصلاة والصلاة أوكد، فقال لهم عمر: وأنتم لا تأخذون إلا بما في كتاب الله ؟! قالوا: نعم، قال: فأخبروني عن عدد الصلوات المفروضات، وعدد أركانها وركعاتها ومواقيتها أين تجدونه في كتاب الله تعالى، وأخبروني عما تجب الزكاة فيه ومقاديرها ونصبها ؟؟ فقالوا: أنظرنا، فرجعوا يومهم ذلك فلم يجدوا شيئا مما سألهم عنه في القرآن، فقالوا: لم نجده في القرآن، قال فكيف ذهبتم إليه ؟ قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وفعله المسلمون بعده، فقال لهم: فكذلك الرجم وقضاء الصوم فإن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ورجم خلفاؤه بعده والمسلمون وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء الصوم دون الصلاة وفعل ذلك نساؤه ونساء أصحابه.
    وقال ابن تيمية في فتاويه 20/398 -399:..ان جلد الزانى ثابت بنص القرآن وكذلك الرجم كان قد أنزل فيه قرآن يتلى ثم نسخ لفظه وبقي حكمه وهو قوله ( والشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم ) وقد ثبت الرجم بالسنة المتواترة واجماع الصحابة، وبهذا يحصل الجواب عما يدعى من نسخ قوله ( واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم) الآية فان هذا إن قدر انه منسوخ فقد نسخه قرآن جاء بعده ثم نسخ لفظه وبقى حكمه منقولا بالتواتر. وقال في 28/333: واما الزانى فإن كان محصنا فانه يرجم بالحجارة حتى يموت كما رجم النبى ماعز بن مالك الأسلمي ورجم الغامدية ورجم اليهوديين ورجم غير هؤلاء ورجم المسلمون بعده.
    وقال ولي الدين العراقي في طرح التثريب 8/3: رجم الزاني المحصن في الجملة مجمع عليه وقال ابن عبد البر هو أمر أجمع أهل الحق عليه وهم الجماعة أهل الفقه والأثر ولا يخالف فيه من يعده أهل العلم خلافا , وقال النووي لم يخالف في هذا أحد من أهل القبلة إلا ما حكاه القاضي عياض وغيره عن الخوارج وبعض المعتزلة كالنظام وأصحابه , فإنهم لم يقولوا بالرجم.
    وقال الشوكاني في السيل الجرار 4/328-329: أقول: ثبوت الرجم للزاني المحصن في هذه الشريعة ثابت بكتاب الله سبحانه وبمتواتر سنة رسوله وبإجماع المسلمين أجمعين سابقهم ولا حقهم ولم يسمع بمخالف خالف في ذلك من طوائف المسلمين إلا ما يروى عن الخوارج وهم كلاب النار وليسوا ممن يعتد بخلافهم ولا يلتفت إلى أقوالهم وقد وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية...إلى أن قال – في الرد على معاصر له استحسن قول أهل الأهواء - فيا لله العجب من الانتصار للمبتدعين على كتاب الله سبحانه وعلى سنة رسوله وعلى جميع الأمة المحمدية ودفع الأدلة الثابتة بالضرورة الشرعية لقول قاله مخذول من مخذولي كلاب النار الذين يمرقون من الدين ولا يجاوز إيمانهم ولا عبادتهم تراقيهم والأمر لله العلي الكبير.
    وقال الجصاص: فإن قيل هذه الخوارج بأسرها تنكر الرجم ولو كان ذلك منقولا من جهة الاستفاضة الموجبة للعلم لما جهلته الخوارج، قيل له: إن سبيل العلم بهذه الأخبار السماع من ناقليها ومعرفته من جهتهم والخوارج لم تجالس فقهاء المسلمين ونقلة الأخبار منهم وانفردوا عنهم غير قابلين لأخبارهم فلذلك شككوا فيه ولم يثبتوه... ألا ترى أن فرائض صدقات المواشي منقولة من جهة النقل المستفيض الموجب للعلم ولا يعرفها إلا أحد رجلين إما فقيه قد سمعها فثبت عنده العلم بها من جهة الناقلين لها، وإما رجل صاحب مواش تكثر بلواه بوجوبها فيتعرفها ليعلم ما يجب عليه فيها ومثله أيضا من كثر سماعه فوقع له العلم بها..وهذا سبيل الخوارج في جحودهم الرجم وتحريم تزويج المرأة على عمتها وخالتها وما جرى مجرى ذلك مما اختص أهل العدل بنقله دون الخوارج والبغاة. أحكام القرآن للجصاص 3/45.
    على أن المشهور عند جماهير أهل العلم أن قول الخوارج والمعتزلة وغيرهم من أهل الأهواء لا يعتد به في الإجماع ولا اعتبار لمخالفته، قال الزركشي في: البحر المحيط 6/423: قال الأستاذ أبو منصور: قال أهل السنة: لا يعتبر في الإجماع وفاق القدرية , والخوارج , والرافضة , ولا اعتبار بخلاف هؤلاء المبتدعة في الفقه... هكذا روى أشهب عن مالك , ورواه العباس بن الوليد عن الأوزاعي وأبو سليمان الجوزجاني عن محمد بن الحسن , وذكر أبو ثور في منثوراته أن ذلك قول أئمة أهل الحديث. اهـ...إلى أن قال: فإذا قيل: قالت الخطابية والرافضة كذا , لم يلتفت إلى هؤلاء في الفقه ; لأنهم ليسوا من أهله , قال ابن القطان: الإجماع عندنا إجماع أهل العلم , فأما من كان من أهل الأهواء , فلا مدخل له فيه. قال: قال أصحابنا في الخوارج لا مدخل لهم في الإجماع والاختلاف ; لأنهم ليس لهم أصل ينقلون عنه ; ولأنهم يكفرون سلفنا الذين أخذنا عنهم أصل الدين.
    أما قول القائل اليوم ان أحاديث الرجم التي ذكرناها آنفا لا تخلوا من مقال في المتن أو في السند فهو رجم بالغيب، والمشهور عند أهل هذا الشأن أن الكلام في العلل والجرح والتمريض لا يقبل إلا مفسرا، بمعنى أنه لا يثبت للقائل به إلا إذا بين وجهة نظره مدعمة بالأدلة التي تثبتها عند أهل العلم،إذ ليست كل علة قادحة – على فرض وجودها – مع أن العلل ومعرفتها ليست مرتقى سهلا يتسلقه كل من هب ودرج، فهي كما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني وغيره من أغمض أنواع علوم الحديث، وأدقها، ولا يقوم بها إلا من رزقه الله تعالى فهما ثاقبا، وحظا واسعا، ومعرفة تامة بمراتب الرواة، وملكة قوية بالأسانيد والمتون، أما أن يصم شخص في تغريدة – سيندم على كتابتها بين يدي رب العزة جل وعلا – الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها منكرة أو معلة بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير فهو ما لا يسلم به مسلم عاقل بالغ فضلا عن طلبة العلم وحملته، وليت شعري هل هذه العلل مرت على الإمام علي بن المديني وأحمد بن حنبل والبخاري ويعقوب بن أبي شيبة وأبي زرعة والدارقطني.... فلم يكتشفوها ونكتشفها نحن الآن في (تويتر ) ؟؟؟!!!.
    ومثل ذلك دعوى النسخ بناء على أن هذه الأحاديث الصحيحة التي تثبت حد الرجم كانت قبل نزول سورة النور إذ أن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه سئل عن الرجم أكان قبل سورة النور أو بعدها ؟ فقال: لا أدري، فنقول: أولا: النسخ ليس بهذه البساطة إذ أنه رفع للحكم الشرعي الثابت بدليل شرعي ثابت متأخرعليه، فهو لا يتم بالادعاء والظنون، ولا يمكن التوصل إليه بالعقل، كما قال سيدي عبد الله بن الحاج ابراهيم في مراقي السعود:
    فلم يكن بالعقل أو مجرد الاجماع بل ينمى إلى المستند
    ثانيا: مادام أن الأصل عدم النسخ ما لم يثبت النسخ بالقيود الذي ذكرنا فيجوز أن يكون الصحابي الجليل عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه لم يشهد الأحداث كلها حتى يضبط تسلسلها ويميز السابق منها على اللاحق أو شهدها وغفل عن تسلسلها فتحرز من الإفتاء فيها بغير علم فقال: ( لا أدري ) كما هي عادة السلف الصالح وديدنهم رضي الله عنهم.
    وكم ب(لا أدري) أجاب المصطفى حتى أتى الوحي وإلا وقفا
    وقد أثبت محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله في تفسيره التحرير والتنوير(18/149) أن القضاء بالرجم كان بعد نزول سورة النور بدليل أن أبا هريرة شهده، وهذا يقتضي أنه كان معمولا به بعد نزول سورة النور لأن أبا هريرة أسلم سنة سبع وسورة النور نزلت سنة أربع أو خمس كما هو معروف. وهل خفي هذا النسخ على الخلفاء الراشدين الأربعة الذين ثبت عنهم في آثار لا مطعن فيها أنهم رجموا، وخفي على الصحابة والتابعين وتابعيهم من أهل القرون المزكاة جميعا واكتشفه أبو زهرة أو من يقلده من طلبة العلم المعاصرين ؟؟؟!!!
    اللهم لا.
    إن من يطعن في النصوص قطعية الثبوت والدلالة الواردة في حد الرجم لأنها لا تتماشى مع هواه أو هوى مقلَديه، تارة يتعلل بأنه صلى الله عليه وسلم بعث رحمة للعالمين فلن يأمر برجم إنسان حي بالحجارة حتى الموت، وتارة بدعوى أن لاعقوبة للزنى أقسى من الجلد فلا عليه أن يطعن في حد الحرابة أو يدعي نسخ آيتها ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أوتقطع أيديهم وأرجلهم من خلف أو ينفوا من الأرض ) ويغمز حديث العرنيين بجعله منكرا أو معلا – فما جرى على المثل يجري على مماثله - والقتل والصلب أقسى من الرجم.نسأل الله السلامة والعافية.
    وقد رد الإمامان الجصاص والفخر الرازي على من له ذائقة لغوية ما ذاقها في الحياة الدنيا ولا في الآخرة غيره يعتقد من خلالها أن قوله تعالى ( ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) المقصود بها الجلد، فيقول الجصاص في أحكام القرآن 5/100: قوله تعالى: ( ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) روي عن الحسن وعطاء ومجاهد وأبي مجلز قالوا: في تعطيل الحدود لا في شدة الضرب، ويقول الفخر الرازي في كبيره 9/53: اللين والرفق انما يجوز اذا لم يفض الى إهمال حق من حقوق الله، فأما إذا أدى الى ذلك لم يجز، قال الله تعالى (يأيها النبى جهد الكفار والمنفقين واغلظ عليهم ) وقال للمؤمنين في إقامة حد الزنا: ( ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله ). وذكرتني هذه الذائقة والاعتراض بها لإبطال حد من حدود الله تعالى - وبأنه صلى الله عليه وسلم أمر بإراحة الذيبحة ونهى عن التمثيل بالبهائم - ما كان يعترض به أبو العلاء المعري على قطع يد السارق في السرقة إذ يقول:
    يد بخمس مئين عسجد وديت=ما بالها قطعت في ربع دينار
    تناقض مالنا إلا السكوت له=فنستعيذ ببارينا من النـــــــار
    وللعلماء عنه أجوبة كثيرة نظماً ونثراً، منها قول القاضي عبد الوهاب البغدادي المالكي مجيباً له في بحره ورويه:
    يد بخمس مئين عسجد وديت=لكنها قطعت في ربع دينار
    عز الأمانة أغلاها، وأرخصها ذل=الخيانة،فافهم حكمة الباري
    قال الإمام محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: والملحدون يقولون: إن الرجم قتل وحشي لا يناسب الحكمة التشريعية، ولا ينبغي أن يكون مثله في الأنظمة التي يعامل بها الإنسان لقصور إدراكهم عن فهم حكم الله البالغة في تشريعه.
    والحاصل أن الرجم عقوبة سماوية معقولة المعنى، لأن الزاني لما أدخل فرجه في فرج امرأة على وجه الخيانة والغدر، فإنه ارتكب أخس جريمة عرفها الإنسان بهتك الأعراض، وتقذير الحُرمات، والسعي في ضياع أنساب المجتمع الإنساني،والمرأة التي تطاوعه في ذلك مثله. ومن كان كذلك فهو نجس قذر لا يصلح للمصاحبة، فعاقبه خالقه الحكيم الخبير بالقتل ليدفع شره البالغ غاية الخبث والخسة،وشر أمثاله عن المجتمع ويطهره هو من التنجيس بتلك القاذورة التي ارتكب، وجعل قتلته أفظع قتلة، لأن جَرِيمته أفظع جريمة والجزاء من جنس العمل... إلى أن قال: وتشريع الحكيم الخبير جلَّ وعلا مشتمل على جميع الحكم من درء المفاسد وجلب المصالح، والجري على مكارم الأخلاق، ومحاسن العادات، ولا شك أن من أقوم الطرق معاقبة فظيع الجناية بعظيم العقاب جزاءً وفاقاً، ومن هدي القرآن للتي هي أقوم: هديه إلى أن التقدم لا ينافي التمسك بالدين. فما خيله أعداء الدين لضعاف العقول ممن ينتمي إلى الإسلام من أن التقدم لا يمكن إلا بالانسلاخ من دين الإسلام باطل لا أَساس له، والقرآن الكريم يدعو إلَى التقدم في جميع الميادين التي لها أهمية في دنيا أو دين. ولكن ذلك التقدم في حدود الدين، والتحلي بآدابه الكريمة، وتعاليمه السماوية. أضواء البيان 3/36-37.
    فلا خير في مستقبل يبعدنا عن هدي ديننا القويم ويجعلنا نشكك في ثوابت من ديننا أطبق عليها السلف والخلف قبلنا وهذا المعنى هو الذي ضمنه كراي بن أحمد يوره رحمه الله قصيدته التي وجهها للعلماء يسألهم فيها عن حكم بعض الاختراعات المعاصرة إذ يقول فيها:
    أما التقدم في الدنيا فيبعدنـــا عن ديننا الحق فاسعوا نحوه قدمــــــــــا
    يا مؤمنين برب العرش عزوجــــــــــــل اقفوا السبيل التي من يقفها سلمـــــــــا
    ألم تروا فتنا كالليل مظلمـــة يمسي ويصبح منها الموج ملتطمــــــا
    لا تجعلوا دين غير المصطفى حكما إن تجعلوه تضلوا الحكم والحكمــــــــا
    فالرأي أن نعرض الأحداث قاطبة على الشريعة قطعا يقطع التهمــــــــــا
    فإن توافق فذاك التمر خالطـــــه زبد وإلا تركنا النهي محترمـــــــــــا
    آراء الحديث عن الرجم في القرآن الكريم باعتباره عملا إجراميا يقوم به الكفار والمشركون والمجرمون ضد الأنبياء والمؤمنين والصالحين، وليس العكس؛ إذ هدد أبو إبراهيم ابنه بالرجم في قوله: أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا”مريم (46).
    وهدد قوم شعيب نبيهم بالرجم: قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ هود (91). وخاف موسى من فرعون أن يرجمه: وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ الدخان (20). وهدد به قوم الأنبياء الثلاثة أنبياءهم: قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ يس (18)..
    وخشي أصحاب الكهف من قومهم أن يرجموهم ، فقالوا: “إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا الكهف (20). لكن القرآن الكريم لم يحدثنا أبدا أن نبيا أو صالحا كان يرجم المخالفين، أو أن حكما شرعيا كان له علاقة بالرجم.
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  8. #78
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,125
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    12:17 PM

    افتراضي

    المطلب الثالث عشر
    الشبهة العاشرة:
    وبعض الناس قد يقول: ما هي حكمة الشريعة في جعل عقوبة الزاني غير المحصن جلد مائة وتغريب عام، وجعل عقوبة الزاني المحصن الرجم بالحجارة؟! .
    الجواب عنها:
    أن الشريعة وضعت عقوبة الجلد على أساس محاربة الدوافع التي تدعو للجريمة بالدوافع التي تصرف عن الجريمة، فالذي يدعو الزاني للزنا هو اشتهاء اللذة والاستمتاع بالنشوة التي تصحبها، والدافع الذي يصرف الإنسان عن هذه اللذة المحرمة هو الألم، فالشريعة حينما جعلت عقوبة الجلد للزاني غير المحصن لم تضعها اعتباطاً، وإنما وضعتها على أساس من طبيعة الإنسان، وفهم لنفسيته وعقليته.
    والشريعة الإسلامية حينما قررت عقوبة الجلد للزنا دفعت العوامل النفسية التي تدعو للزنا بعوامل نفسية مضادة تصرف عن الزنا، فإذا ارتكب الزاني غير المحصن الزنا وجلد، ففيما يصيبه من ألم الجلد ما ينسيه اللذة، ويحمله على عدم التفكير فيها مرة أخرى.
    بالإضافة إلى أن الزاني غير المحصن يُغرَّب من بلده الذي زنى فيه إلى بلد آخر لمدة سنة، وذلك للتمهيد لنسيان الجريمة بأسرع ما يمكن، ولأن إبعاد المجرم من مكان الجريمة يجنبه مضايقات كثيرة، والإبعاد يهيء له أن يحيا حياة كريمة من جديد، وأن يتوب إلى الله في غربته، ثم يأتي إلى الناس بوجه جديد.
    ووضعت الشريعة عقوبة الرجم للزاني المحصن على نفس الأساس الذي وضعت عليه عقوبة الجلد للزاني غير المحصن، ولكن شددت عقوبة المحصن للإحصان؛ لأن الإحصان يصرف الشخص عادة عن التفكير في الزنا، فإن فكر فيه بعد ذلك فإنما يدل ذلك على قوة اشتهائه للَّذة المحرمة، وشدة اندفاعه لهذه الجريمة البشعة، فناسب أن توضع له عقوبة غليظة جداً بحيث إذا فكر في هذه اللذة المحرمة، وذكر معها العقوبة التي يستحقها شرعاً؛ تغلب التفكير في الألم الذي يصيبه من العقوبة على التفكير في اللذة التي يصيبها من الجريمة.
    إن الزاني المحصن مثَلٌ سيء لغيره من المحصنين، وليس للمثل السيء في الشريعة حق البقاء، فإن بقاءه في المجتمع ضرر محض، وقتله رحمة بالمجتمع كما يقطع العضو المصاب بالسرطان رحمة بالبدن.

    فالشريعة الإسلامية تقوم على الفضيلة المطلقة، وتحرص على الأخلاق والأعراض والأنساب من التلوث والاختلاط، وهي توجب على الإنسان أن يجاهد شهوته ولا يستجيب لها إلا من طريق الحلال، وأوجبت عليه إذا استطاع الزواج أن يتزوج حتى لا يُعرِّض نفسه للفتنة أو يُحَمِّلها ما لا تطيق، فإذا لم يتزوج وغلبته الشهوات على عقله ودينه وعزيمته فعقابه أن يجلد مائة جلدة، وشفيعه في عدم رجمه تأخيره في الزواج الذي أدى به إلى الجريمة.
    أما إذا تزوج فأحصن فقد حرصت الشريعة ألا تجعل له بعد الإحصان سبيلاً إلى الجريمة، فلم تجعل الزواج أبدياً حتى لا يقع في الجريمة أحد الزوجين إذا فسد ما بينهما، فأباحت للزوج الطلاق، وأباحت للزوجة الخلع، وهو طلب الطلاق مقابل مال تعطيه زوجها، وأباحت كذلك للزوجة أن تطلب الفسخ لغيبة الزوج الطويلة أو مرضه أو إعساره أو لأي ضرر يلحقها في بقائها معه، وهكذا أباحت للزوج أن يتزوج ثانية وثالثة ورابعة على أن يعدل بينهن.
    وبهذا فتحت الشريعة للمحصن كل أبواب الحلال، وأغلقت دونه باب الحرام، فإذا زنى مع هذا فلا وجه لتخفيف العقوبة عنه، وموته خير له حتى لا يزداد إثماً إلى إثمه، وخير للمجتمع ليسلم من شره.
    المطلب الرابع عشر
    المُغِيْرَةُ بنُ شُعْبَةَ بنِ أَبِيْ عَامِرٍ بنِ مَسْعُوْدٍ الثَّقَفِيّ يزني.. ولا يرجم:
    قالوا إن عمر بن الخطاب درأ حد الزنا عن المغيرة بن شعبة مع ثبوته بالبينة وهي أربعة رجال، ولقن الرابع كلمة تدرأ الحد فقد قال له لما جاء للشهادة: أرى وجه رجل لا يفضح الله به رجلاً من المسلمين.
    وقبل أن ندرأ تلك الشبهة من المهم أن نذكر هنا النص الذي يتحدث عن زنا المغيرة، ودرء الحد عنه وفقاً لما ذكره ابن خلكان وغيره.. فنقول:
    قالوا: إن هذه القضية حدثت في السنة السابعة عشرة للهجرة.
    وذلك أن عمر بن الخطاب كان قد رتب المغيرة أميراً على البصرة، وكان يخرج من دار الإمارة نصف النهار، وكان أبو بكرة يلقاه فيقول: أين يذهب الأمير؟!.
    فيقول: في حاجة.
    فيقول: إن الأمير يزار ولا يزور.
    [قال]: وكان يذهب إلى امرأة يقال لها: أم جميل بنت عمرو، وزوجها الحجاج بن عتيك بن الحارث بن وهب الجشمي.
    (فبلغ ذلك أهل البصرة، فأعظموه، فوضعوا عليهما الرصد).
    ثم روى: أن أبا بكرة بينما هو في غرفته مع إخوته، وهم نافع، وزياد، وشبل بن معبد أولاد سمية فهم إخوة لأم، وكانت أم جميل المذكورة في غرفة أخرى قبالة هذه الغرفة، فضرب الريح باب غرفة أم جميل ففتحه.
    (وفي نص آخر: أنهم كشفوا الستر)، ونظر القوم، فإذا هم بالمغيرة مع المرأة على هيئة الجماع.
    فقال أبو بكرة: بلية قد ابتليتم بها فانظروا، فنظروا حتى أثبتوا، فنزل أبو بكرة، فجلس حتى خرج عليه المغيرة، فقال له: إنه كان من أمرك ما قد علمت، فاعتزلنا.
    (قال وذهب المغيرة ليصلي بالناس الظهر، ومضى أبو بكرة.
    فقال أبو بكرة: لا والله، لا تصلي بنا وقد فعلت ما فعلت.
    فقال الناس: دعوه فليصل فإنه الأمير، واكتبوا بذلك إلى عمر، فكتبوا إليه، فأمرهم أن يقدموا عليه جميعاً:
    فلما قدموا جميعاً صعد عمر بن الخطاب المنبر وخطب في الناس كما يحكي البخاري ومسلم في صحيحيهما من طريق ابن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس وقال في خطبته: إن الله بعث محمدا صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها، وعقلناها، ووعيناها، رجم رسول الله صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ، ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زنى، إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف". (البخاري 6829؛ 6830؛ 7323) (1691مسلم)..
    المغيرة والشهود.
    فلما قدموا عليه جلس عمر، فدعا بالشهود والمغيرة، فتقدم أبو بكرة فقال له: رأيته بين فخذيها؟!
    قال: نعم والله لكأني أنظر إلى تشريم جدري بفخذيها.
    فقال له المغيرة: ألطفت النظر؟!
    فقال أبو بكرة: لم آل أن أثبت ما يخزيك الله به.
    فقال عمر: لا والله حتى تشهد لقد رأيته يلج فيه إيلاج المرود في المكحلة.
    فقال: نعم أشهد على ذلك.
    فقال: اذهب مغيرة ذهب ربعك.
    (قال أبو الفرج: وقيل: إن علياً «عليه السلام» هو قائل هذا القول).
    ثم دعا نافعاً فقال له: علام تشهد؟!
    قال: على مثل ما شهد أبو بكرة.
    قال: لا، حتى تشهد أنه ولج فيها ولوج الميل في المكحلة.
    قال: نعم حتى بلغ قذذة.
    فقال له عمر: اذهب مغيرة، قد ذهب نصفك.
    ثم دعا الثالث فقال له: علام تشهد؟!
    فقال: على مثل شهادة صاحبي.
    فقال له عمر: اذهب مغيرة فقد ذهب ثلاثة أرباعك.
    (فجعل المغيرة يبكي إلى المهاجرين، وبكى إلى امهات المؤمنين حتى بكين معه، كما قال أبو الفرج.
    وقال أيضاً: ولم يكن زياد حضر ذلك المجلس، فأمر عمر أن ينحى الشهود الثلاثة، وألا يجالسهم أحد من أهل المدينة، وانتظر قدوم زياد).
    ثم كتب إلى زياد، وكان غائباً، وقدم. فلما رآه جلس له في المسجد، واجتمع عنده رؤوس المهاجرين والأنصار، فلما رآه مقبلاً قال: إني أرى رجلاً لا يخزي الله على لسانه رجلاً من المهاجرين، ثم إن عمر رفع رأسه إليه، فقال: ما عندك يا سلح الحبارى؟!.
    فقيل: إن المغيرة قام إلى زياد، فقال: لا مخبأ لعطر بعد عروس.
    فقال له المغيرة: يا زياد، اذكر الله تعالى، واذكر موقف يوم القيامة، فإن الله تعالى، وكتابه ورسوله، وأمير المؤمنين قد حقنوا دمي، إلا أن تتجاوز إلى ما لم تر مما رأيت، فلا يحملنك سوء منظر رأيته، على أن تتجاوز إلى ما لم تر، فوالله لو كنت بين بطني وبطنها ما رأيت أن يسلك ذكري فيها.
    قال: فدمعت عينا زياد، واحمر وجهه، وقال: يا أمير المؤمنين، أما إن أحق ما حقق القوم فليس عندي، ولكن رأيت مجلساً، وسمعت نفساً حثيثاً وانتهازاً، ورأيته مستبطنها.
    وقيل: قال زياد: رأيته رافعاً رجليها، فرأيت خصيتيه تردد ما بين فخذيها، ورأيت حفزاً شديداً وسمعت نفساً عالياً.
    فقال عمر: رأيته يدخله ويولجه كالميل في المكحلة.
    فقال: لا.
    فقال عمر: الله أكبر، قم يا مغيرة إليهم فاضربهم.
    فقام إلى أبي بكرة فضربه ثمانين. وضرب الباقين. وأعجبه قول زياد، ودرأ الحد عن المغيرة.
    فقال أبو بكرة بعد أن ضرب: أشهد أن المغيرة فعل كذا وكذا.
    فهمَّ عمر أن يضربه حداً ثانياً.
    قال له علي بن أبي طالب «عليه السلام»: إن ضربته فارجم صاحبك. فتركه.
    واستتاب عمر أبا بكرة، فقال: إنما تستتيبني لتقبل شهادتي.
    فقال: أجل.
    فقال: لا أشهد بين اثنين ما بقيت في الدنيا.
    فلما ضربوا الحد قال المغيرة: الله أكبر، الحمد لله الذي أخزاكم.
    فقال عمر: أخزى الله مكاناً رأوك فيه.
    (قال وذكر عمر بن شبة في كتاب أخبار البصرة: أن أبا بكرة لما جلد أمرت أمه بشاة فذبحت، وجعل جلدها على ظهره.
    فكان يقال: ما كان ذاك إلا من ضرب شديد.
    (قال وحكى عبد الرحمن بن أبي بكرة: ان أباه حلف لا يكلم زياداً ما عاش، فلما مات أبو بكرة كان قد أوصى أن لا يصلي عليه إلا أبو برزة الأسلمي. وكان النبي «صلى الله عليه وآله» آخى بينهما. وبلغ ذلك زياداً، فخرج إلى الكوفة.
    وحفظ المغيرة بن شعبة ذلك لزياد، وشكره.
    ثم إن أم جميل وافت عمر بن الخطاب بالموسم والمغيرة هناك، فقال له عمر: أتعرف هذه المرأة يا مغيرة؟!
    فقال: نعم هذه أم كلثوم بنت على.
    فقال عمر: أتتجاهل علي؟! والله، ما أظن أبا بكرة كذب فيما شهد عليك، وما رأيتك إلا خفت أن أرمى بحجارة من السماء.
    درء الشبهة
    يلاحظ أن هذه الرواية تحدثت عن (آية الرجم) معتبرة إياها مما نزل من القرآن، وأن الناس قرأوها وعقلوها ووعوها وعملوا بها؛ لكنهم يخشون على لسان عمر بن الخطاب أن يأتي زمان ويقول قائل: “ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله”. ثم يواصل الراوي على لسان عمر بن الخطاب: “والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف.”
    يلاحظ أن الشيخين (البخاري ومسلم) لم يذكرا صيغة الآية، كما لم يذكر صيغتها أصحاب الكتب الستة كذلك.
    وفي القصة اتهام عمر بن الخطاب بعدم إقامة حد الرجم عليه. فلو لم يكن هناك رجم ما شهدت هذه القضية جدالاً يذكر.
    وواقع الأمر أن سيدنا عمر بن الخطاب لم يطبق حد الزنا في هذه الحادثة لأنه لم يتحقق فيها شرط تطبيق الحد:وهو اعتراف الزاني بواقعة الزنا وهنا لم يحدث.
    او وجود ٤ شهود عليها، وفي هذه الحادثة، شهدا ابى بكرة ونافع ونفيع على زنا المغيرة الا ان زياد تلجلج في شهادته فدرء عمر الحد عن المغيرة بالشبهة واقام حد قذف المحصنات وهو الجلد على الثلاثة الاوائل.
    وهذه الحادثة لا تطعن في المغيرة فقط بل تطعن في عمر بن الخطاب نفسة وفي إيمانه وفي ايمان كل من كان في هذه الفترة، وهذا أكبر دليل على أن هدف الإسلام ليس تطبيق الحدود والجري وراء الناس وقطع الأيدي والأرجل كما يدعي الجاهلون، بل الغرض من مفهوم الحدود هو حماية الحياة والأموال والأعراض. ولهذا وضع الإسلام شروطًا تكاد تكون تعجيزية لتطبيق الحدود ومنها حد الزنا. وليس هذا فحسب بل إن الشهود الأربعة إذا لم يشاهدوا بما هو مطلوب شرعا أو تراجع أحدهم وأصبحوا ثلاثة فإن الأربعة سوف يتم جلدهم بتهمة قذف وانتهاك الأعراض. هل هناك قانون إنساني أكثر من هذا.
    أن درء الحد إنما يكون بعد ثبوته، ولم يثبت لعدم شهادة الرابع كما ينبغي، وتلقينه الشاهد كذب وبهتان من أهل العدوان، إذ قد يثبت في التواريخ المعتبرة كتاريخ البخاري وابن الأثير وغيرهما أنه لما جاء الرابع وهو زياد بن أبيه قالوا له: (أتشهد كأصحابك؟ قال: أعلم هذا القدر، إني رأيت مجلساً ونفساً حثيثاً وانتهازاً ورأيته مستبطنها – أي: مخفيها تحت بطنه - ورجلين كأنهما أذنا حمار، فقال عمر: هل رأيت كالميل في المكحلة؟ قال: لا). وقد وقع ذلك بمحضر الأمير وغيره من الصحابة. ولفظ (أرى وجه رجل لا يفضح الله به رجلاً من المسلمين) إنما قاله المغيرة في ذلك الحين كما هو حال الخصم مع الشهود.
    ومما طعنوا به على الخليفة الثاني رضي الله عنه: أنهم يفترون عليه بأنه عطل الحدود ويقولون: إنه لم يحد المغيرة بن شعبة حد الزنا، ولقن الرابع وهو زياد بن أبيه فتركها وحد الثلاثة، وكيف يجوز له صرف الحد عن مستحقه. ) انظر الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم: (3/21)، وانظر منهاج الكرامة المطبوع مع منهاج السنة: (3/138). حق اليقين في معرفة أصول الدين: (1/183-184.
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  9. #79
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,125
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    12:17 PM

    افتراضي


    ويرد على هذا الهذيان:
    بأن جماهير العلماء على ما فعله عمر في قصة المغيرة، وأن البينة إذا لم تكمل حد الشهود، والذي فعله بـ المغيرة كان بحضرة الصحابة رضي الله عنهم وأقروه على ذلك وعلي منهم، والدليل على إقرار علي له أنه لما جلد الثلاثة الحد أعاد أبو بكرة القذف، وقال: والله لقد زنى فهم عمر بجلده ثانياً، فقال له علي: (إن كنت جالده فارجم المغيرة ) منهاج السنة: (3/138)، وانظر المنتقى للذهبي، (ص:351-352)، مختصر التحفة الإثني عشرية، (ص:254-255).
    ( يعني: يكون تكراره للقول بمنزلة شاهد آخر فيتم النصاب أربعة فيجب رجمه فلم يحده عمر، وهذا دليل على رضا علي بحدهم أولاً دون الحد الثاني، وإلا كان أنكر حدهم أولاً كما أنكر الثاني... وعمر رضي الله عنه من المتواتر عنه أنه كان لا تأخذه في الله لومة لائم، حتى أنه أقام على ابنه( يكنى بأبي شحمة وهو عبد الرحمن الأوسط. انظر قصة عبد الرحمن هذا في الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير، لأبي عبد الله الجوزقاني: (2/193-194)، تنزيه الشريعة المرفوعة: (2/220).) الحد لما شرب بـ مصر بعد أن كان عمرو بن العاص ضربه الحد، لكن كان ضربه سراً في البيت، وكان الناس يضربون علانية، فبعث عمر إلى عمرو يزجره ويتهدده لكونه حابى ابنه، ثم طلبه فضربه مرة ثانية، فقال له عبد الرحمن: مالك هذا، فزجر عبد الرحمن، وما روي أنه ضربه بعد الموت فكذب على عمر وضرب الميت لا يجوز، وأخبار عمر المتواترة في إقامة الحدود وأنه كان لا تأخذه في الله لومة لائم أكثر من أن تذكر .
    -ثم أيضاً يقال للرافضة -: أي غرض كان لـ عمر في المغيرة بن شعبة، وكان عمر عند المسلمين كالميزان العادل الذي لا يميل إلى ذا الجانب ولا ذا الجانب) منهاج السنة: (3/138)، وانظر المنتقى للذهبي من: (351-352)، مختصر التحفة الإثني عشرية: (254-255).
    وأما قولهم: إنه لقن الشاهد الرابع كلمة تدرأ الحد وهي أنه قال له: أرى وجه رجل لا يفضح الله به رجلاً من المسلمين. فهذا كذب وبهتان من أهل العدوان، وإنما الثابت في التواريخ المعتبرة أن هذه الكلمة إنما قالها المغيرة في ذلك الحين كما هو حال الخصم مع الشهود، ولا سيما إذا كان يترتب على الشهادة حكم موجب لهلاكه() مختصر التحفة الإثني عشرية: (254-255)).
    وقالوا أن عمر رضي الله عنه أسقط حد الزنا عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، فعطل بذلك حداً من حدود الله (تلخيص الشافي للطوسي (ص:437-438 )، ومنهاج الكرامة للحلي (ص:137)، ومؤتمر علماء بغداد لمقاتل بن عطية (ص:71-72)، والصراط المستقيم للبياضي (3/14)، وعقائد الإمامية للزنجاني (3/31).
    قال مقاتل بن عطية يعدد ما أسماه بمخالفات عمر: وأسقط حد الزنا عن المجرم الزاني المغيرة بن شعبة(مؤتمر علماء بغداد لمقاتل بن عطية (ص:71-72.). ) .
    وزعم الطوسي أن تلقين عمر رضي الله عنه لـ زياد بن أبيه) هو ابن سمية، الذي صار يقال له: زياد بن أبي سفيان، أسلم في عهد أبي بكر رضي الله عنه. وتوفي سنة ثلاث وخمسين. الإصابة لابن حجر (1/580)، هو الذي كان السبب في تعطيل الحد، قال: (لأن زياداً ما حضر إلا ليشهد بما شهد به أصحابه، وقد صرح بذلك كما صرحوا قبل حضورهم، ولو لم يكن هذا هكذا لما شهد القوم قبله وهم لا يعلمون هل حاله في ذلك كحالهم، ولكنه لجلج الشهادة لما رأى كراهية متولي الأمر لكمالها، وتصريحه بأنه لا يريد أن يعمل بموجبها.. إلخ() تلخيص الشافي للطوسي (ص:437-438)
    أولاً:المناقشة من ناحية المتن:
    إن المتتبع لسيرة الفاروق رضي الله عنه في إمضاء الحدود يجد أن الأخبار عنه قد تواترت في إقامة الحدود، وأنه كانت لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يقصّر في إمضاء حد ثبت حتى على أقرب الناس إليه؛ فلقد أقام حد شرب الخمر على ابنه عبد الرحمن ) هو عبد الرحمن الأوسط يكنى أبا شحمة، لا يعد من الصحابة، مات قبل موت أبيه بمدة. الإصابة لابن حجر (3/72). بعد أن كان عمرو بن العاص ضربه الحد سراً، فبعث إلى عمرو وزبره وزجره لكونه حابى ابنه فلم يقم عليه الحد أمام الناس، وطلب منه أن يبعثه إليه، فبعثه، فضربه الحد ثانية أمام الناس) قال الحافظ ابن حجر: (وقد أخرج عبد الرزاق القصة مطوّلة عن معمر بالسند المذكور، وهو صحيح). تاريخ عمر لابن الجوزي (ص:267-270)، ومنهاج السنة النبوية لابن تيمية (2/36)، والإصابة لابن حجر (3/72).
    أما عن قصته مع المغيرة: فإن ما فعله هو الصواب باتفاق أهل العلم على أن الزنا يثبت بالإقرار أو بالشهادة؛ فقد أجمع العلماء على أن الزنا يثبت بالإقرار أو بالشهادة، وأجمعوا أن عدد الشهداء المطلوب لإثبات الزنا أربعة، لقوله تعالى: (وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) [النساء:15]، وقوله: (لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) [النور:13]، وقوله: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) [النور:4]، وهؤلاء الأربعة لو شهد منهم ثلاثة دون الرابع في مجلس الحكم بزنا، حُد الثلاثة بالاتفاق حد القذف، دون الرابع؛ لأنه لم يقذف.
    وهذا هو الذي حصل في قصة المغيرة ؛ فإن الحد لم يجب عليه؛ لأن الرابع وهو زياد بن أبيه لم يبت الشهادة) فتح الباري لابن حجر (5/256). فلم تكتمل البينة، فحدّ الشهود حد القذف.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [والذي فعله بـ المغيرة كان بحضرة الصحابة رضي الله عنهم، وأقروه على ذلك، وعلى منهم، والدليل على إقرار على له: أنه لما جلد الثلاثة الحد أعاد أبو بكرة القذف، وقال: والله لقد زنى. فهمّ عمر بجلده ثانياً. فقال له علي: إن كنت جالده فارجم المغيرة؛ يعني أن هذا القول إن كان هو الأول فقد حد عليه، وإن جعلته بمنزلة قول ثان فقد تمّ النصاب أربعة فيجب رجمه، فلم يحده عمر، وهذا دليل على رضا علي بحدهم أولاً دون الحد الثاني، وإلا كان أنكر حدهم أولاً كما أنكر الثاني) منهاج السنة لابن تيمية 6/34-35).
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  10. #80
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,125
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    12:17 PM

    افتراضي

    ثانياً:المناقشة من ناحية السند:
    أورد الطبري القصة في 3 / 170 ـ 171(1) في ذكر حوادث سنة 17 ه‍‍ من حديث سيف في اتّهام المغيرة.
    ورواها البلاذري في فتوح البلدان ص 423 والماوَردي في الاحكام ص 280 وغيرهما من غير سيف.
    ومن ثم فإننا سوف نناقش القصة أولاً من خلا مناقشتنا لسند الحديث، ثم نعقد ثانية للمقارنة بينهما.
    أولاً: حديث سيف.
    أورد الطبري في 3 / 170 ـ 171(ط. أوربا 1 / 2530 ـ 2533.) في ذكر حوادث سنة 17 ه‍‍ عن (سيف) عن محمّد وطلحة والمهلَّب وعمرو باسنادهم في زنا المغيرة ما مُلَخَّصه: أن سبب شهادة الشهود بالزنا على المغيرة هي المنافرة التي كانت بين المغيرة وأبي بكرة(أبو بَكرَة نُفَيع بن مَسرُوح الحَبَشي . وقيل أبوه الحارث بن كَلَدَة بن عمرو بن علاج بن أبي سلمة بن عبد العُزّى بن عَوْف بن قيس وهو ثقيف ، واُم أبي بكرة سُمية جارية ، وكان من عُبَيْد الحارث . ولمّا حاصر النبي الطائف تدلّى من حِصن الطائف ببكرَة ونزل إلى النبي(ص) ، فاعتقه رسول اللّه وكنّاه أبا بكرة وهو من موالي الرسول . سكن البصرة وكان ممن اعتزل الجمل بسبب رواية رواها عن الرسول وتوفي بها سنة 51 ه‍ . الاستيعاب 3 / 538 و 4 / 24 ، والا صابة 3 / 542 .) أحد الشهود، وكان لهما مشربتان متقابلتان بالبصرة لكلّ منهما كُوّة مقابلة الاُخرى.
    وفيما كان عند أبي بكرة جماعة يتحدّثون إذ (هبّت ريح ففتحت باب الكُوّة وقام أبو بكرة ليصفقه فبصر بالمغيرة ـ وقد فتحت الريح باب كُوّته ـ بين رِجلي امرأة، فقال للنفر: قوموا فانظروا، ثم قال: اشهدوا، قالوا: ومن هذه؟ قال: اُمّ جميل، وكانت غاشية(الغاشية: السُّوّال يأتونك والزُوّار والاصدقاء ينتابونك ـ القاموس وفي غيره اخدَم أيضاً.) للمغيرة وتَغشَى الاُمراء والاشراف، فقالوا: إنما رأينا أعجازاً ولا ندري ما الوجه، ثم إنهم صمّموا حين قامت) ثم قال في كيفية شهادة الشهود: إنّ المغيرة قال لعمر: (سل هؤلاء الاعبُد كيف رأوني؟ مُسْتَقبِلَهُم أو مُستَدبِرَهُم؟
    وكيف رأوا المرأة وعرفوها؟ فإن كانوا مستقبليَّ فكيف لم استتر؟!! أو مستدبريَّ فبأي شي‌ء استحلّوا النظر إليّ في منزلي على امرأتي. واللّه ما أتيت إلاّ امرأتي وهي تشبهها).

    ثم ذكر أن أبا بكرة ونافعاً(نافعُ بن الحارث بن كَلَدّة الثقفي واُمّه سميّة مولاة الحارث، وقد اعترف الحارث ببنوته له، وكان ممّن سكن البصرة وأول من اقتنى بها إبلاً واقطعه عمر بن الخطاب عشرة أجربة من أراضيها. الاستيعاب 3 / 512، والاصابة 3 / 514.) قالا: إنّهما شهداهما مُستدبِريهما، وإن شبلاً(شِبْل بن مَعْبَد بن عُبَيْد بن الحارث بن عمرو بن علي بن أسلم بن أحمس البَجَلي الاحمسي ، اختلفوا في أنّه صحابي أدرك النبي أم أنّه تابعي . الا صابة 2 / 159 ، ونسبه في جمهرة ابن حزم ص 389) قال: إنه رآهما مستقبلهما، وإن زياداً لم يشهد بمثل شهادتهم، فأمر بالشهود الثلاثة فجُلدوا بالحد، وأنّه قال للمغيرة: (أما واللّه لو تمّت الشّهادة لرجمتك).

    حديث غير سيف:

    وأما غير سيف، فقد روى البلاذري في فتوح البلدان ص 423 والماوَردي في الاحكام ص 280: ((إن المغيرة جعل يختلف إلى امرأة من بني هلال يقال لها: اُمّ جميل بنت الافْقَم بن مِحْجَن بن أبي عَمْرو بن شُعْبَة بن الهرم(في جمهرة ابن حزم ص 274 بعض الاختلاف مع ما ذكر هنا من نسبها.) وقد كان لها زوج من ثقيف يقال له الحَجّاج بن عتيك... الخ)). وقد رواها اليعقوبي في تاريخه 2 / 124، وأوردها الطبري وابن الاثير في ذكر حوادث سنة 17 ه‍‍ إلى غيرهم.
    ونورد تفصيل القصّة عن الاغاني.
    ذكر أبو الفرج في ج 14 من الاغاني ص 139 ـ 142 من طبعة ساسي سنة 1959 وأخرجه ابن أبي الحديد في شرح النهج 2 / 161 أنّه: ((كان المغيرة بن شعبة وهو أمير البصرة يختلف سِرّاً إلى امرأة من ثقيف يقال لها الرَّقطاء ولها زوج من ثقيف يقال له الحجّاج بن عتيك، فلقيه أبو بكرة يوماً فقال: أين تريد؟
    قال: أزور آل فلان، فأخذ بتلابيبه وقال: إنّ الامير يُزار ولا يَزور، وأنّ المغيرة كان يخرج من دار الامارة وسط النهار فكان أبو بكرة يلقاه فيقول له: أين يذهب الامير؟ فيقول له: إلى حاجة، فيقول: حاجة ماذا؟ إن الامير يزار ولا يزور. قالوا:
    وكانت المرأة التي يأتيها جارة لابي بكرة فقال: فبينما أبو بكرة في غرفة له مع أخويه نافع وزياد ورجل آخر يقال له شِبْل بن مَعْبَد، وكانت غرفة جارته تلك مُحاذية غرفة أبي بكرة فضربت الريح باب غرفة المرأة ففتحته فنظر القوم فإذا هم بالمغيرة(وقد ذكر قصة المغيرة كل من ابن جرير وابن الاثير وأبي الفداء في وقائع سنة 17 ه‍ والبلاذري في 1 / 490 ـ 492 بتفصيل أوفى، وفي الطبري ط. أوربا 1 / 2529.) ينكحها، فقال أبو بكرة: هذه بلية قد ابتُليتُم فانظروا. فنظروا حتى أثبتوا، فنزل أبو بكرة فجلس حتى خرج عليه المغيرة من بيت المرأة، فقال له أبو بكرة: إنه قد كان من أمرك ما قد علمت فاعتزلنا، فذهب المغيرة وجاء ليُصلّي بالناس الظهر فمنعه أبو بكرة وقال: لا واللّه لا تصلي بنا وقد فعلت ما فعلت، فقال الناس: دعوه فليصل إنه الامير واكتبوا إلى عمر فكتبوا إليه فورد كتابه أن يقدموا عليه جميعاً، فتجهّز المغيرة وبعث إلى أبي موسى بعقيلة جارية عربية مُربية من سَبي اليمامة من بني حنيفة مُولدة الطائف ومعها خادم وسار المغيرة، حتى قدم على عمر، فجلس له عمر ودعا به وبالشهود فتقدّم أبو بكرة، فقال: أرأيته بين فخذيها؟ قال:
    نعم واللّه لكأنّي أنظر إلى تشريم جُدَري بفخذيها قال المغيرة: لقد الطفت النظر، قال أبو بكرة: لم آل أن اُثبت ما يخزيك اللّه به، فقال عمر: لا واللّه حتى تشهد لقد رأيته يَلج فيها كما يَلِج المِرْوَدُ في المكْحَلَة، قال: أشهد نعم ذلك، فقال عمر: إذهب مغيرة ذهب ربعك)).

    قال أبو الفرج ويقال: إنّ علياً هو قائل هذا القول، ثم دعا نافعاً، فقال: علام تشهد؟ قال: على مثل شهادة أبي بكرة، فقال عمر: لا، حتى تشهد أنّك رأيته يلج فيها ولوج المِرْوَدِ في المكْحَلَة.

    قال: نعم حتى بلغ قذذه، فقال: إذهب مغيرة ذهب نصفك ثم دعا الثالث وهو شِبْلُ بن معبد، فقال: على مثل شهادة صاحبي فقال: إذهب مغيرة ذهب ثلاثة أرباعك. قال: فجعل المغيرة يبكي إلى المهاجرين فبكوا معه وبكى إلى اُمهات المؤمنين حتى بكين معه قال: ولم يكن زياد حضر ذلك المجلس، فأمر عمر أن يُنحّى الشهود الثلاثة وأن لا يجالسهم من أهل المدينة أحد وانتظر قدوم زياد فلمّا قدم وجلس في المسجد واجتمع رؤوس المهاجرين والانصار قال المغيرة: وكنت قد أعددت كلمة أقولها، فلمّا رأى عمر زياد مقبلاً قال: إنّي لارى رجلاً لن يخزي اللّه على لسانه رجلاً من المهاجرين(وقد أورده ابن خلكان في 5 / 406 من وَفَيات الاعيان بترجمة يزيد بن مُفَرّغ.)، وقد روى قول عمر هذا لزياد كل من اليعقوبي في تاريخه 2 / 124، وفي كنز العمال 3 / 88 الحديث 12682، وفي مُنْتَخَبِه 2 / 413 قال عمر: إني أرى غلاماً كَيساً لن يشهد إن شاء اللّه إلاّ بحقّ. وفي الاصابة واُسد الغابة بترجمة شبل قريب من ذلك. وفي رواية أبي الفداء 1 / 171 أن عمر قال لزياد: ((أرى رجلاً أرجو أن لا يفضح اللّه به رجلاً من أصحاب رسول اللّه)).
    وفي رواية الاغاني عن أبي عثمان النَّهدي(أبو عثمان عبدالرحمن بن مُلّ بن عمرو بن عدي بن وهب بن ربيعة بن سعد بن كعب بن جذيمة بن كعب. أسلم في عصر الرسول وشهد القادسية وما بعدها. مات سنة 100 ه‍ بعد أن عمّر أكثر من 130 سنة.الاستيعاب 2 / 419 ـ 421. ونسبه بجمهرة ابن حزم ص 447.): ((أنّه لمّا شهد الشاهد الاول عند عمر تغيّر لذلك لون عمر، ثم جاء الثاني فشهد فانكسر لذلك انكساراً شديداً، ثم جاء الثالث فشهد فكأنّ الرَّماد نُثِرَ على وجه عمر. فلمّا جاء زياد جاء شاب يخطُر بيديه، فرفع عمر رأسه إليه وقال: ما عندك أنت يا سَلَحَ العُقاب(وفي رواية اليعقوبي 2 / 124 وابن أبي الحديد تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم 12 / 237 قال له عمر: (ما عندك يا سَلَحَ العُقاب) والسلح التّغوّط وهو خاصّ بالطائر وكان زياد يلبس ثياباً بيضا.) وصاح أبو عثمان النَّهدي صيحة تحكي صيحة عمر.

    قال الراوي: لقد كدت أن يُغشى عليّ لصيحته.

    فقال المغيرة: يا زياد أُذَكّرك اللّه وأُذَكّرك موقف القيامة، فإنّ اللّه وكتابه ورسوله وأمير المؤمنين قد حقنوا دمي إلى أن تتجاوزه إلى ما لم تر.

    فقال زياد: يا أمير المؤمنين أما أن اُحقّ ما حقّ القوم فليس عندي، ولكنّي رأيت مجلساً قبيحاً، وسمعت نفساً حثيثاً وانبهاراً، ورأيته مُتَبَطّنها فقال عمر: أرأيته يُدخل ويُخرج كالميل في المكْحَلَة؟ قال: لا! قال أبو الفرج: وروى كثير من الرواة أنّه قال: رأيته رافعاً برجليها ورأيت خصيصته مُترَدّدين بين فخذيها وسمعت حفزاً شديداً وسمعت نفساً عالياً.
    فقال عمر: أرأيته يُدْخِله ويُخرجه كالميل في المكحلة؟ قال: لا.
    فقال عمر: اللّه أكبر، قم يا مغيرة إليهم فاضربهم، فجاء المغيرة إلى أبي بكرة فضربه ثمانين وضرب الباقين! وروى قوم أن الضارب لهم الحدّ لم يكن المغيرة. وأعجب عمر قول زياد ودرأ الحدّ عن المغيرة)) انتهى.
    وفي رواية الحاكم في المستدرك والذَّهبي في تلخيصه 3 / 448: ((فكبّر عمر وفرح إذ نجا المغيرة وضرب كلّهم إلاّ زياداً))، وفي فتوح البلدان: ((فقال شِبل: أتَجْلِدُ شُهُودَ الحقّ وتُبْطِلُ الحدَّ؟)) فلمّا جُلد أبو بكرة قال: أشهد أنّ المغيرة زان، فقال عمر:
    حُدّوه، فقال عليّ: إن جعلتها شهادة فارجم صاحبك. وقريب من هذا ما ذكره في الكنز ومنتخبه، واليعقوبي في تاريخه من موقف علي.
    وذكر في الاغاني وشرح النهج: ((فقال أبو بكرة بعد أن ضُرِب: أشهد أنّ المغيرة فعل كذا وكذا، فهمّ عمر بضربه فقال له علي7: إن ضربته رَجَمْت صاحبك ونهاه)).
    قال أبو الفرج: ((يعني إن ضربه تصير شهادته شهادتين فيوجب بذلك الرجم على المغيرة قال: فاستتاب عمر أبا بكرة فقال: إنما تستتيبني لتقبل شهادتي؟
    قال: أجل، قال: فإنّي لا أشهد بين اثنين ما بقيت في الدنيا، قال: فلمّا ضربوا الحدّ قال المغيرة: اللّه أكبر الحمد للّه الذي أخزاكم، فقال عمر: أُسكت! أخزى اللّه مكاناً رأوك فيه، قال: وأقام أبو بكرة على قوله وكان يقول: واللّه لا أنسى فَخِذَيها. فتاب
    الاثنان فَقُبلت شهادتهما، وكان أبو بكرة إذا طُلِبَ إلى شهادة قال: أُطلُبُوا غيري فإنّ زياداً أفسد عليّ شهادتي)).
    وذكر بقاء أبي بكرة على رأيه وتوبة الاثنين الاخرين ابن عبد البرّ في ترجمة أبي بكرة. وروى في الاغاني وفي شرح النهج عن الشعبي قال: كانت الرَّقْطاء التي رُمي بها المغيرة تختلف إليه في أيام إمارته الكوفة في حوائجها فيقضيها لها. قال أبو الفرج: وحجّ عمر بعد ذلك مرّة فوافق الرَّقطاء بالموسم فرآها، وكان المغيرة هناك فقال له عمر: أتعرف هذه؟ قال: نعم هذه اُمّ كلثوم بنت عليّ. فقال له: ويحك أتتجاهل عليّ؟ واللّه ما أظنّ أبا بكرة كذب عليك، وما رأيتك إلاّ خِفْتُ أن أُرمى بحجارة من السماء(وفي رواية اليعقوبي 2 / 124: (وكان عمر إذا رأى المغيرة بن شعبة قال: يا مغيرة ما رأيتك قط‍ إلاّخشيت أن يرجمني اللّه بالحجارة).).

    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



صفحة 8 من 9 الأولىالأولى ... 7 8 9 الأخيرةالأخيرة

رجم المحصن الزاني في اليهودية والمسيحية والإسلام

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. الصلاة بين اليهودية والمسيحية والإسلام
    بواسطة ابوغسان في المنتدى منتدى نصرانيات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-11-2014, 05:02 PM
  2. حمل كتاب ( الخلاص فى اليهودية والمسيحية والاسلام )
    بواسطة limo2004 في المنتدى منتدى الكتب
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 08-11-2009, 10:45 PM
  3. مصطلح أبن الله فى اليهودية والمسيحية
    بواسطة حامد النمير في المنتدى منتدى نصرانيات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26-11-2008, 11:45 PM
  4. الله فى اليهودية والمسيحية
    بواسطة البريق في المنتدى منتدى نصرانيات
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 18-11-2007, 10:26 PM
  5. اليهودية والمسيحية تمهيد للأسلام
    بواسطة ali9 في المنتدى منتدى نصرانيات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 14-02-2006, 05:26 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

رجم المحصن الزاني في اليهودية والمسيحية والإسلام

رجم المحصن الزاني في اليهودية والمسيحية والإسلام