الخليفة المأمون المفترى عليه

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

    

 

 

    

 

الخليفة المأمون المفترى عليه

صفحة 3 من 5 الأولىالأولى ... 2 3 4 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 30 من 49

الموضوع: الخليفة المأمون المفترى عليه

  1. #21
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,112
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    11:17 AM

    افتراضي

    علماء في رعاية الخليفة
    بداية نذكر ما نقله ابن العبري عن الأندلسي:-

    فقد قال القاضي صاعد بن أحمد الأندلسي: إن العرب في صدر الإسلام لم تكُن معنية بأيٍ من أنماط العلوم، سوى تلك المتعلقة بلغتها وأحكام الشريعة، هذا فضلاً عن بعض المعارف ذات الصلة بالطبِّ الذي مورس من قبل شريحة محددة من الأشخاص وذلك نظراً للحاجة الماسة لهذه المهنة، لصون النفس وحمايتها، وقد استمر الأمر على ذلك حتى في ظلِّ الدولة الأموية.
    وأضاف الأندلسي” فلمَّا أدال الله تعالى للهاشمية وصرف الملك إليهم؛ ثابت الهمم من غفلتها وهبَّت الفطن من ميتتها، وكان أول من عُني منهم بالعلوم؛ الخليفة الثاني أبو جعفر المنصور، وكان مع براعته في الفقه؛ كلفاً في علم الفلسفة وخاصةً علم النجوم”..
    ويضيف ابن العبري” فمن المنجمين في أيام المأمون؛ حبش الحاسب المروزي الأصل البغدادي الدار.. ومنهم أحمد بن كثير الفرغاني صاحب المدخل إلى علم هيئة الأفلاك.. ومنهم عبد الله بن سهل بن نوبخت، كبير القدر في علم النجوم.. ومنهم محمد بن موسى الخوارزمي، كان الناس قبل الرصد وبعده يعولون على زيجة الأول والثاني.. ومنهم يحيى بن أبي المنصور، رجل فاضل كبير القدر إذ ذاك مكين المكان..”.

    ابن ماسويه.. الطبيب المترجم الكبير
    ومن الحكماء الذين قرّبهم المأمون؛ يوحنا بن البطريق الترجمان، الذي كان أميناً على ترجمة الكتب الحكمية، ومن الأطباء سهل بن سابور، وكان إذا اجتمع مع ابن ماسويه، كل من جيورجيس بن بختيشوع وعيسى بن الحكم وزكريا الطيفوري؛ قصَّر عنهم في العبارة، ولم يقصّر عنهم في العلاج”.
    ومن طبيعة الأسماء العلمية الضخمة التي قرَّبها المأمون وكانت رافعته ودولته في أنشطة الترجمة وعلوم الفلك والطب والهيئة والرياضيات، فضلاً عن الفلسفة والمنطق؛ يمكن لنا إذا التقين من أن ارتقاء الدول يتطلب إرادة وحاضنة سياسية، كانت كفيلة آنذاك بوضع العالم الإسلامي في رأس هرم الأمم المتقدمة علمياً وفكرياً.
    بنو موسى بن شاكر.. أسرة موسوعية

    عاشت هذه الأسرة المباركة في القرن الثالث الهجري، وتبدأ القصة من الأب الذي كان مقرَّبًا إلى الخليفة المأمون العباسي، وأتقن علوم الرياضيات والفلك حيث اشتهر بحساباته الفلكية المتميزة.. الجدير بالذكر هنا ما أورده المؤرخون من دور المأمون (ذلك الخليفة العالم) في التكوين العلمي لموسى بن شاكر الذي عُرف عنه قطع الطريق في بدايات حياته، إلا أن المأمون نجح في تحويل مسار حياته ليقطع أشواطًا في طريق العلم بدلاً من قطع طريق المارَّة!!..
    ولا بد أن تتوقف هنا لتدرك دور الحاكم المسلم في تقدُّم مسيرة بلاده العلميَّة؛ فقد كانت جهود الخلفاء – كما ترى – تتعدى التوجيه العام إلى التبنِّي الخاص المباشر لمشروعات علميَّة بشريَّة.. يتعهَّدها بنفسه، وينفق على تنميتها بسخاء..
    ولم يتمكَّن موسى بن شاكر من مواصلة مسيرة العلم مع بنيه؛ إذ مات وهم صغار.. إلا أنه كان قد عهد بهم إلى المأمون رحمه الله، الذي يواصل القيام بدوره الفريد في احتضان العلماء ورعايتهم؛ فنراه يتبنى بالكامل بني موسى علميًّا وتربويًّا؛ فلقد تكفَّل بهم بعد وفاة أبيهم، وعهد بهم إلى عامله على بغداد "إسحق بن إبراهيم المصعبي" الذي كان – كما تشير الروايات التاريخية – يُسمي نفسه (خادمًا لأبناء موسى!!) من كثرة ما كان المأمون يوصيه بهم؛ فلقد كان المأمون لا يقطع السؤال عنهم كلما كتب إلى بغداد وهو في أسفاره وغزواته في بلاد الروم.
    ولم يُخَيِّب إسحق بن إبراهيم رجاء الخليفة؛ فقد عهد بأبناء موسى إلى شخصية علمية بارزة في بغداد آنذاك وهو "يحيى بن أبي منصور" مدير بيت الحكمة ببغداد وأحد علماء الفلك، فنشأ الإخوة الثلاثة نشأة علمية خالصة في ذلك الصرح العلمي الضخم (بيت الحكمة) الذي كان يُعد محور العلم في الأرض دون منازع؛ إذ كان يعجُّ بالكتب والعلماء والآلات الغريبة النادرة... في هذا الجو المُشَبَّع بالعلم والمحتدم بالمناقشات الهامة بين العلماء نشأ هؤلاء الأطفال (بنو موسى) وترعرعوا؛ فلا عجب إذًا أن يصيروا فيما بعد من أساطين العلم والمعرفة في الحضارة الإسلامية..
    والحق أنه من الصعب مغادرة هذه اللقطة الهامة من لقطات الروعة في الحضارة الإسلامية دون أن نكرر الانبهار والإعجاب بخليفة مثل المأمون الذي يستطيع - من بين المعارك وهموم السياسة – أن يخصص قدرًا غير ضئيل من اهتمامه وجهده لتفقُّد أطفال ثلاثة يحرص على أن يكونوا علماء كأبيهم!!.. حتى ليكتب عبر الصحاري والقفار إلى عامله على بغداد المرَّة بعد المرَّة، لا ينسى في أيٍّ منها الوصاية ببني موسى.. لا عجب بعد ذلك أن تبلغ الحضارة الإسلاميَّة في تلك العهود المجيدة آفاقًا لم يبلغها غيرها.. ولا عجب – أيضًا – أن يهبط المسلمون عن تلك القمم هبوطًا مخجلاً بعد أن تخلَّوا عن العلم الذي هو من ميراث النبوَّة..
    أوقدت النشأة في بيت الحكمة – إذًا – شعلة العلم في عقول وقلوب الإخوة الثلاثة؛ فتعاونوا فيما بينهم في البحوث والدراسات؛ حتى نبغوا في الهندسة والرياضيات والفلك، وعلم الحيل (الميكانيكا) الذي عرفنا طرفًا من جهودهم فيه في مقال سابق.
    وإذا كنا سنتوقف الآن أمام ظاهرة (بني موسى بن شاكر) التي لمعت في سماء الحضارة الإسلامية خلال القرن الثالث الهجري، وشكَّلت سبقًا للمسلمين في ميادين البحث العلمي الجماعي بكل ما يميزه من سمات وما ينتج عنه من ثمار.. إذا كنا سنتوقف أمام هذه الجماعة العلميَّة الفذَّة فإننا سنحاول النظر إليها من ثلاث زوايا: ملامح العمل الجماعي وإنجازاته، إلى جانب رصد ذلك السخاء المادي الفريد في الإنفاق على العلم ورعاية الباحثين، وأخيرًا تبنِّي الطاقات العلمية الناشئة كدليل على التجرُّد للعلم.. وكنوع من ردِّ الجميل للأمة التي أخرجتهم وللمجتمع الذي تعهَّدهم.
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  2. #22
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,112
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    11:17 AM

    افتراضي

    السياسة الخارجية للمأمون

    نعتقد أن الوقت لم يَأْن بعدُ لدرس السياسة الخارجية في أيام المأمون وغيره من خلفاء المسلمين دراسة علمية محققة؛ ذلك لأن كل ما نعرف من أمر هذه السياسة إنما هو الروايات العربية التي تناقلها المؤرخون متأثرين بأشياء كثيرة.
    فقد كان الكثيرون من هؤلاء الرواة يجهلون لغات الأمم الأجنبية التي كانت العلاقات متصلة بينها وبين المسلمين، كما كانوا متأثرين بالحرص على رفع شأن الدولة الإسلامية والتنويه بمجدها وسلطانها؛ فاضطرها هذا كله إلى الغلو حينًا، وإلى التقصير حينًا آخر.
    ولم يظفر البحث بعدُ بنصوص تاريخية واضحة معاصرة كتبت في غير اللغة العربية، ومع أن الباحثين في تاريخ الإمبراطورية البيزنطية «الروم» جادون في التنقيب على النصوص والآثار التي تجلو تاريخ هذه الدولة في القرون الوسطى، فهم لم يصلوا بعدُ إلى شيء ذي غناء فيما يَمسُّ علاقتها بالدول الإسلامية، فأما الأمم الشرقية الأُخَر التي كانت على اتصال بالمسلمين فلم تترك لنا شيئًا، أو لم نظفر من آثارها التاريخية بشيء ذي قيمة، وإذن فنحن مضطرون إلى أن نعتمد اعتمادًا مؤقتًا ملؤه الاحتياط والتحفظ على ما كتبه العرب.
    ونحن نعلم أن السياسة الخارجية في عصر المأمون كانت تنقسم إلى قسمين متمايزين:
    الأول سياسته مع دول إسلامية مستقلة عن الخلافة.
    والثاني سياسته مع دول أجنبية غير إسلامية.

    وليس هناك شكٌّ في أن سياسة المأمون مع الدول الإسلامية المستقلة كانت واضحة بينة الأسلوب؛ فقد اعتقدت الخلافة العباسية دائمًا أن المسلمين جميعًا يجب أن يذعنوا لسلطانها، وإذن فلم تعترف في وقت من الأوقات باستقلال الأمويين في الأندلس، ولا الأدارسة في المغرب الأقصى، وإنما اعتبرتهم بغاةً وعجزت مع ذلك عن إخضاعهم لسلطانها فعلًا أو اسمًا، فاضطرت إلى أن تتقيهم من ناحية، وتؤلب عليهم من ناحية أخرى.
    جهاده
    كان المأمون يكتب إلى عمّاله على خراسان في غزو من لم يكن على الطاعة والإسلام من أهل بلاد ما وراء النهر ولم يغفل المأمون عن قتال الروم، بل غزاهم أكثر من مرة، فقاد المأمون في السنوات الأخيرة من حياته جيوشه بنفسه وتوغل في الأراضي البيزنطية في آسيا الصغرى ما بين 214 - 218هـ، وجعل معظم إقامته في الشام متخذًا دير مُران في دمشق مقرًا له.
    وأهم ما تميزت به حروب المأمون مع البيزنطيين اتخاذه موقف الهجوم، وتغلغله في الأراضي البيزنطية، وفي حملته الثالثة تحقق حلم المأمون بالاستيلاء على حصن لؤلؤة الذي يسيطر على مفارق الطرق.
    ففي سنة 215هـ/830م خرج المأمون بنفسه على رأس الجيوش الإسلامية لغزو الروم، فافتتح حصن قرة، وفتح حصونًا أخرى من بلادهم، ثم رحل عنها، وعاود غزو الروم في السنة الثالثة سنة 216هـ، ففتح هرقلة، ثم وجّه قواده فافتتحوا مدنًا كبيرة وحصونًا، وأدخلوا الرعب في قلوب الرومان، ثم عاد إلى دمشق، ولما غدر الروم ببعض البلاد الإسلامية غزاهم المأمون للمرة الثالثة وللعام الثالث على التوالي سنة 217هـ، فاضطر الروم تحت وطأة الهزيمة إلى طلب الصلح..
    ومن أهم أعماله:
    أولا: استعادة بغداد: بعد انتهاء الفتنة التي دارت بين الأمين والمأمون، كان متوقعا أن يكون للعنصر الفارسي الذي شد عضد المأمون تأثيرا كبير على سياسته الداخلية فاعتمد على وزراء ومستشارين من الفرس، كالفضل بن سهل والحسن بن سهل. بل عمل على تحويل الخلافة العباسية إلى آل علي بن ابي طالب رضي الله عنه، حينما جعل ولاية العهد في علي رضا بتأثير من أولئك الوزراء فلم ترض هذه السياسة أنصار العباسيين، وخرجت بغداد وبايعت بالخلافة إبراهيم بن مهدي عم المأمون وعندما شعر بالخطر قرر المسير إلى بغداد، وفي الطريق توفي علي رضا والفضل بن سهل في ظروف غامضة، فقام بإعادة الأمر إلى العباسيين، وعندما صار المأمون على مشارف بغداد خرج الناس للقائه وخلعوا عمه وبايعوه وذلك سنة 204هـ.
    ثانيا: القضاء على حركة آل علي بن أبي طالب: كانت سياسة المأمون كما أسلفنا تقوم على تقريب آل علي بن أبي طالب حتى كاد ينقل الخلافة إليهم، ومع ذلك فلم يسلم عهده من ثوراتهم، حيث خرج محمد بن جعفر بن محمد بن علي زين العابدين وبويع بالخلافة في مكة غير أن المأمون أرسل إليه جيشا فقضى على ثورته وظفر به ثم عفا عنه وأطلق سراحه.
    ثالثا: الولايات في عهده: كانت أولى الولايات التي انفصلت عن الدولة العباسية هي الدولة الأموية في الأندلس التي استقر بها الأمير عبد الرحمن بن معاوية في عهد الخليفة أبي جعفر المنصور ثم تبعتها بعد فترة دولة الأدارسة بالمغرب الأقصى وبعض دويلات الخوارج، وقد ترتب على قيام هذه الدول أن عمدت الدولة العباسية منذ عهد الرشيد إلى إنشاء حزام من الإمارات شبه مستقلة، مثل دولة بني الأغلب في تونس، ودولة بن زياد في اليمن تحكمها أسرة موالية للخلافة بإمكانها التصدي للأخطار المحدقة بالخلافة من ناحية وأن تدعم وجودها من ناحية أخرى، أما الدول التي استقلت في عهد المأمون فهي:
    1-الدولة الزيادية في اليمن: وذلك أنه عندما تولى المأمون الخلافة شعر بضرورة الحيلولة دون وقوع اليمن ضحية للفتن، فعين محمد بن إبراهيم الزيادي أميرا عليها سنة 204هـ فقام بالقضاء على عناصر الفتنة وظلت الأسرة الزيادية تحكم اليمن مدة طويلة.
    2-إمارة خراسان: وكان أميرها طاهر بن الحسين أحد قادة المأمون الذين أبلوا بلاء حسنا في تثبيت أركان الخلافة وقد كافأه المأمون بولاية خراسان التي استمرت في عقبه ردحا من الزمن.
    على ذلك نستطيع أن نفهم تشجيعها دولة بني الأغلب في إفريقية وعطفها عليها؛ فقد كانت هذه الدولة تستمتع بشيء من الاستقلال غير قليل، وتظفر بحماية الخلافة؛ لأنها كانت بمثابة الحرس الأمامي الذي يرد عن الخلافة غارات هؤلاء البُغاة، ويحول بينهم وبين التوسع على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
    نستطيع أن نفهم هذا، وأن نفهم أيضًا ما نلمحه لمحًا في القصص من اتصال علاقات ودية بين بغداد وملوك الفرنج الذين كانوا يُناوئون بني أمية في الأندلس.
    ملخص الحالة العامة في المدة الخراسانية

    اطلعنا في دور النزاع بين الأخوين على شيء غير قليل من تصرفات الفضل بن سهل وتدبيراته، ووقفنا على أثره العظيم في الدولة، كما اطلعنا على ما كان من نجاح طاهر بن الحسين وهرثمة بن أعين في حروبهما للجيوش الأمينية.
    ونتساءل الآن، بعد أن تم الأمر للمأمون وحزبه وخلا الجو إلى حد كبير للفضل بن سهل: أمن المعقول أن تستطيع هذه الشخصية البارزة، الفارسية المنبت والنزعة، ذات البيت الكبير والحُماة والأصدقاء، والعُفاة والأنصار، أن تحتمل أن يكون إلى جانبها شخصيات بارزة من العرب كهرثمة بن أعين، وأبطال من ذوي الفضل العظيم والدور الأول في النجاح كطاهر بن الحسين؟.
    نحن نعلم ما كان من أبي مسلم الخراساني مع أمثاله من القادة والكُماة، كما نعلم ما كان نصيبه من الخليفة المنصور، نعلم ذلك كما نعلم الكثير من أمثال ذلك، وإنه ليلوح لنا من غير أن نعدو الصواب كثيرًا أنه في مقدورنا أن نجيب عن تساؤلنا هذا. إن المعقول في طبيعة هذه الشخصيات الفذة في تلك الأزمان المطلقة الحكم أنها تعمل على إزالة كل الشخصيات البارزة من طريقها؛ ليكون ذلك لأطماعها ممهدًا، ولخططها معبدًا.
    يلوح لنا أنا لا نعدو الصواب إذا قلنا ذلك؛ إذ إن هذا هو ما فعله الفضل بن سهل مع الظاهرين وأصحاب الكلمة في الدولة، فإن التاريخ ينبئنا أنه رأى مستقبله ومستقبل حزبه يكون مهددًا إذا بقي طاهر وهرثمة في العراق، فاستصدر أمرين ملكيين: أولهما بتولية شقيقه الحسن بن سهل جميع ما فُتح بجهود طاهر وقيادته الحكيمة وإخلاصه للقضية المأمونية. ينبئنا بأنه نصَّبه على كور الجبال وفارس وعلى الأهواز والبصرة، وعلى الكوفة والحجاز واليمن، كما ينبئنا بأنه ولَّى طاهرًا الموصل والجزيرة والشام والمغرب. ولكي يتمَّ الأمر بإبعاده كتب إليه أن يُسلم الحسن بن سهل جميع ما بيده من الأعمال، وأن يُبادر في الشخوص إلى الرقة لمحاربة نصر بن شبث.
    وثانيهما إلى هرثمة بن أعين يُكلِّفه به أن يشخص إلى خراسان.
    ولنتساءل الآن: هل كان من المصلحة السياسية هذه الصدمة العنيفة لزعيمين قويين أحسنا البلاء في الدولة، ولهما مكانتهما ولهما حزبهما؟.
    وهل كل من المصلحة السياسية إخلاء العراق وهو مصدر الشقاق والنفاق والعصيان والعدوان من هرثمة وطاهر؟.
    وهل كان من المصلحة السياسية أن يترك المأمون مسألةً كمسألة تعيين الحسن بن سهل وإقصاء هرثمة وطاهر تمرُّ هكذا؛ فيستغلها الدعاة على ملكه من بني هاشم ممن لم يكن لهم حظ في دولته، ومن غير بني هاشم ممن يودُّون زوال الملك الهاشمي، فيقول — فيما يقولون عنه: إنه غلب على أمره، أو أن الفرس ملكوا زمامه، أو أن الفضل بن سهل أنزله قصرًا فحجبه عن رجالات دولته، وأن السلطان ومقاليد السلطان قد نزعت منه؟
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  3. #23
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,112
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    11:17 AM

    افتراضي


    نعود نتساءل: أكان ذلك كله من مصلحته السياسية؟.
    لم يكن ذلك من المصلحة السياسية طبعًا، لا سيما أنه لم تسكن الفتن والثورات بعدُ في الأقطار المأمونية، ولكنا نميل إلى اعتقاد أن المأمون كان مرغمًا على الوقوع في هذه الغلطة السياسية وهو ذلك السياسي المحنك والداهية القدير، كما رأينا وكما سنرى في موضعه؛ لأن لظروف الأحوال نصيبها في ذلك التصرف منه ومن غيره ممَّن يكون في مكانه، ولأنه ربما تحاشى بتصرفه ذلك خطرًا أجسم، وأوسع نطاقًا، وأبعد مدًى؛ وهو خطر إغضاب الفضل بن سهل وجماعة الفضل بن سهل.
    ومهما يكن من شيء، فإن هذه التصرفات التي كانت من الفضل بن سهل وإقرار المأمون لها، وبقاء المأمون بعد أن تم له الأمر في مَرْو دون بغداد عاصمة الخلافة العباسية، كانت لها نتائجها السيئة في شيعة المأمون وأنصاره من جهة، وفي أعدائه والراغبين عن سلطانه من جهة أخرى، ذلك بأن أنصار المأمون وقواده، ونخصُّ بالذكر منهم طاهر بن الحسين وهرثمة بن أعين، قد كسَر قلوبهم وفلَّ من عزائمهم، أن يكون جزاؤهم على فوزهم وحسن بلائهم وإخلاصهم تلك التصرفات السيئة التي كانت نصيبهم من المأمون ومن حاشية المأمون.
    هذا كان أثرها في شيعته وخاصة أنصاره، وأما غير هؤلاء فقد جعلت هذه التصرفات ألسنتهم تنطلق باتِّهام المأمون بأنه يميل إلى الخراسانيين، وأنه أصبح آلة في أيديهم يُحرِّكونه كما يشاءون، وقد حدث من جراء هذه الإشاعات وفتور همة أنصار المأمون الذين لم يجازوا الجزاء الأوفى أن اضطربت الأمور وكثرت الفتن، ووجد أعداء المأمون الفرصة سانحة لتحقيق أطماعهم، ومن تلك الفتن ما يحدثنا التاريخ عنه من خروج محمد بن إبراهيم العلوي المعروف بابن طباطبا بالكوفة، وقد قام بتدبير أمره رجل من رجالات هرثمة بن أعين وكبار أنصاره، وقد خرج لأنه حبس عنه ما كان يُعطاه من رزق. هذا الرجل هو أبو السرايا السري بن منصور، وكان هو الخارج على المأمون في الواقع لا ابن طباطبا، وقد بلغ من أمره أن ضرب الدراهم وجند الجنود حتى اضطر الحسن بن سهل أن يسترضي هرثمة ويستعينه؛ ليكفيه شرَّ هذا الخارج القوي.
    ويظهر أن موت الزعماء كان طلسمًا من الطلاسم أو سرًا من الأسرار، أو صناعة من الصناعات الخفية؛ فإنا نجد أن محمد بن إبراهيم هذا، الذي سمت منزلته بين أتباعه وعظمت طاعتهم له، قد مات بعد أن كُتب النصرُ للقائم بتدبير أموره على سليمان بن جعفر والي الكوفة من قِبَل المأمون، ثم نرى هذا المنتصر يولي مكانه غلامًا أمرد حدثًا هو محمد بن محمد بن زيد العلوي.
    وتعال معي لننظر في حوادث سنة تسع وتسعين ومائة؛ ففيها ما يكشف القناع عن أمور جسام تُفيدنا في تفهم الروح الحزبية بين العلويين والعباسيين، وتفيدنا أيضًا في إماطة اللثام عن سبب هامٍّ من الأسباب التي يرجع إليها تبرُّم بعض الوُلاة الكُفاة بدولة الفضل بن سهل، وانفراده هو وجماعته بمراتب الدولة ووظائفها.
    وإنا نلخص لك الحوادث التي وقعت بعد أن قمَع هرثمةُ ثورةَ أبي السرايا التي انتهت بقتله عام ٢٠٠ﻫ وإخماد فتنته، معتمدين في ذلك على الطبري.
    لما قمع هرثمة ثورة أبي السرايا عاد إلى نهروان دون أن يعرِّج على والي بغداد، وهناك وافاه أمر الخليفة بتوليه حكم سوريا وبلاد العرب، وكان قد اعتزم الذهاب بعد ذلك إلى «مرو» مباشرة ليكشف للخليفة عن حقيقة الموقف وحرجه الذي يخفيه عنه وزيره الفضل، بسبب بقاء الخليفة في «مرو»، وأن الغرب سينتقض عليه سريعًا ويخرج من يده إذا هو لم يبادر إلى العودة إلى بغداد، فلما أحس الفضل عزم هرثمة على القدوم فطن إلى ما ينويه، فدس له عند المأمون حتى أوغر صدره عليه، وكادت السنة تنتهي قبل أن يذهب هرثمة إلى «مرو»، فلما ذهب خشى أن يكتم الفضل خبر قدومه عن المأمون، فدق الطبول عند دخوله المدينة، فلما علم الخليفة الموغر الصدر بقدومه أمر بإحضاره، فلما مثَل بين يديه بالغ في تقريعه وتأنيبه على توانيه في تسكين ثورة أبي السرايا، وفي مخالفة ما أصدره إليه من أمره بالذهاب إلى ما ولاه من أعمال، وما كاد هذا القائد يهم بالكلام ويشرح لمولاه الحالة حتى هجم عليه الحرس الذين أسَرَّ إليهم الفضل أن يغلظوا في تعذيبه، فانهالوا عليه ضربًا ولكمًا على وجهه وجسمه ثم سحبوه بسرعة إلى السجن حيث مات به بعد زمن قصير متأثرًا بجروحه، ولقد اعتقد عامة الناس أن الذي أماته هو الفضل.
    وهكذا انطوت صحيفة هذا الباسل العظيم الذي ذبَّ عن مُلك المأمون، وكافح في توطيد دعائم الدولة من إفريقية إلى خراسان، والذي يرجع إليه الفضل الأكبر في انتصار المأمون على أخيه المخلوع.
    ومات هذا القائد العظيم ضحية للسعاية ونكران الجميل كما مات أمثاله من قبل من صناديد هذه الدولة من جراء السعاية والمنافسة، ومن جراء أعمال البطانة ودسائس الحاشية.
    ولنتساءل: ماذا كانت نتيجة قتل هرثمة؟
    يحدثنا التاريخ أن هرثمة كان محبوبًا في الغرب، وأن موته أحدث فتنًا وقلاقل في بغداد، وثارت الجنود في وجه الحسن بن سهل؛ إذ عدوه آلة في يد أخيه الفضل الذي كانوا ينعتونه بالمجوسي، وبعد قتال دام ثلاثة أيام طردوا الحسن من المدينة، فلجأ إلى «المدائن» ثم ارتد إلى «واسط»، واستمرت الفتن والقلاقل بعد ذلك قائمة ببغداد شهورًا عدة نشطت في خلالها عصابات اللصوص وشراذمة الصعاليك، وشمرت عن ساعدها في أعمال النهب والسلب حتى طغى سيل غاراتهم على تلك المدينة المنكودة التي أصبحت تحت رحمتهم.
    ويحدثنا التاريخ أنهم قد أسرفوا في ذلك إسرافًا عظيمًا مما فزع له أعيان المدينة ووجهاؤها، فأجمعوا أمرهم على صد هؤلاء السفلة الأشرار ودفع غائلتهم عن المدينة وأهلها، ولما تم لهم ما أرادوا اختاروا من بينهم رجلين من ذوي الفضل والمكانة فيهم وولوهما تدبير الحكم ريثما تستقر الحال ويعود الأمن إلى نصابه، ثم عرضوا عرش الخلافة على المنصور بن المهدي والبيعة له، فتأبى عليهم ولكنه عاد وقَبِل أن يتولَّى الحكم باسم الخليفة المأمون.
    ولم توشك هذه السنة أن تنتهي حتى كان قواد الجند في بغداد قد سئموا القتال، فاتفقوا مع الحسن بن سهل الوالي فعاد إلى بغداد بعد أن أصدر عفوًا عامًّا، ووعد بأنه يدفع للجند رواتبهم عن ستة أشهر، وبأن يدفع كذلك لذوي المعاشات أرزاقهم حسبما هو مدرج بقوائمهم.
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  4. #24
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,112
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    11:17 AM

    افتراضي

    الثورات في عهد المأمون
    ثورة نصر بن شبث العقيلي:
    1 ـ في الصراع بين الأمين والمأمون كان معظم أنصار الأمين من العرب بسبب أن أمه عربية هاشمية عباسية، بينما كان معظم أنصار المأمون من الفرس (الموالي سابقا في العصر الأموي). كانت لا تزال هناك ملامح استعلاء لدى العرب مترسبة من العصر الأموي الذي ساد فيه احتقار الشعوب غير العربية خصوصا (الموالي) أي الفرس، وقابلها الفرس في العصر العباسي بالشعوبية (أي التغني بالقومية الفارسية والحضارة الفارسية)، وهذه المواجهة الثقافية هي التي مكنت الفرس من الاحتفاظ بلسانهم الفارسي حتى الآن بينما اندثرت ألسنة المصريين والأنباط والسريان.
    وهذه المواجهة الثقافية بين العرب والفرس كانت العامل المساعد في سخط بعض العرب على المأمون وكراهيتهم لانتصاره على أخيه الأمين.
    لم يهتموا بتفاهة الأمين وعدم صلاحيته للخلافة، ولكن الذي أهمهم هو أن انتصار المأمون أصبح انتصارا للفرس على العرب ويمثل وجهة النظر هذه (نصر بن شبث العقيلي ).
    2 ـ بمجرد انتصار المأمون وقتل الأمين في عام 198 ـ أعلن نصر بن سيار بن شبث العقيلي الخلاف على المأمون؛ ( وكان نصر من بني عقيل يسكن كيسوم، شمالي حلب، وكان في عنقه بيعة للأمين، وله فيه هوى؛ فلما قتل الأمين أظهر نصر الغضب لذلك، وتغلب على ما جاوره من البلاد، وملك سميساط، واجتمع عليه خلق كثير من الأعراب، وأهل الطمع، وقويت نفسه، وعبر الفرات إلى الجانب الشرقي. ).
    طمع نصر هذا في التغلب على المنطقة وقت أن كان المأمون في الشرق لم يأت الى بغداد بعدُ ،وكثرت جموع نصر العقيلي ، وأصبح خطرا حقيقيا على سُلطة المأمون .
    3 ـ لذا بادر المأمون عام 198 بتعيين أفضل قواده العسكريين ( طاهر بن الحسين ) وأمره أن يسير إلى ( الرقة ) لمحاربة نصر بن شبث العقيلي، وولاه الموصل والجزيرة والشام والمغرب، فسار طاهر إلى قتال نصر بن شبث، وأرسل إليه يدعوه إلى الطاعة، وترك الخلاف، فلم يجبه إلى ذلك، فتقدم إليه طاهر، والتقوا بنواحي كيسوم، واقتتلوا قتالاً شديداً أبلى فيه نصر بلاءً عظيمأ وانتصر على طاهر بن الحسين الذى تراجع الى الرقة مهزوما، واقتصر على الحفاظ على ما تحت سيطرته .
    4 ـ واستفحلت ثورة نصر بن شبث العقيلي مع استمرار غياب المأمون في الشرق بعيدا عن العراق ، وفى عام 199 تكاثرت جموعه ، وحاصر مدينة (حران ).
    5 ـ وبسبب انتصاراته المتتابعة جاءه بعضهم يطلبون منه أن يبايع لخليفة يحارب باسمه، قالوا له: ( قد وترت بني العباس، وقتلت رجالهم.. فلو بايعت لخليفة كان أقوى لأمرك.)، فقال: (من أي الناس؟) فقالوا: (نبايع لبعض آل علي بن أبي طالب؛) فقال مستنكرا: (أبايع بعض أولاد السوداوات فيقول إنه خلقني ورزقني؟) قالوا: (فنبايع لبعض بني أمية؛) فقال: (أولئك قد أدبر أمرهم، والمدبر لا يقبل أبدأ، ولو سلكت على رجل مدبر لأعداني إدباره.) ثم قال لهم يعبر عن رأيه: (، وإنما هواي في بني العباس، ولكن حاربتهم محاماة على العرب لأنهم يقدمون عليهم العجم. ). هواه مع بنى العباس، ولكنه ليس مع المأمون الذي انحاز للفرس على حساب العرب.
    6 ـ ثم رحل المأمون من الشرق واستقر في بغداد عام 204، وفى عام 206 مات يحيى بن معاذ والى المأمون على الجزيرة، والذي كان يواجه نصر بن شبث العقيلي، وقد عهد يحيى قبل موته لابنه أحمد بن يحيى بن معاذ. ولم يرض المأمون بهذا، ولم ير المأمون الوالي الجديد أحمد كفئا لمواجهة نصر العقيلي، فاستدعى المأمون عبد الله بن طاهر من مصر، وولاه الرقة مركز الجزيرة، وأمره بحرب نصر بن شبث.
    وكان عبد الله بن طاهر بن الحسين ينقم على (نصر العقيلي) أنه هزم من قبل أباه (طاهر بن الحسين)، ولقد كتب طاهر لابنه عبد الله كتابا يعظه وينصحه، ذكره الطبري بالكامل، اعتبره المأمون وحاشيته آية في الأدب السياسي.
    7 ـ ودارت الحرب بين عبد الله بن طاهر ونصر بن شبث العقيلي حتى عام 209. ودحر ابن طاهر غريمه العقيلي، وحاصره عام 209 في معقله كيسوم. وصمد نصر في الحصار قليلا ثم طلب الأمان، ودارت مفاوضات اشترط فيها المأمون أن يأتي نصر خاضعا اليه، ورفض نصر خوفا من الغدر، وطمأنه المأمون - عن طريق مبعوثه - بأنه صفح من قبل عمّن خانه، كالفضل بن الربيع، وعيسى بن محمد ابن أبي خالد.
    ورفض نصر، فضيق ابن طاهر عليه الحصار، فرضخ في النهاية نصر، وتحول من معسكره إلى الرقة وسلّم نفسه الى عبد الله بن طاهر، بعد حصار وحرب استمرت خمس سنين، فلما خرج إليه أخرب عبد الله حصن كيسوم، وسير نصراً إلى المأمون. ووصل نصر في صحبة عبد الله بن طاهر الى المأمون في صفر سنة عشر ومائتين. فأنزله المأمون في مدينة المنصور وحدد إقامته في بيت فيها ‏.يروى لنا التاريخ أن عبد الله بن طاهر الذي نهد لمحاربة نصر بن شبث كتب إلى المأمون يُعلمه أنه حصَره وضيَّق عليه وقتل رؤساء من معه، وأنه قد عاذ بالأمان وطلبه، فأمره أن يكتب له كتاب أمان، فكتب إليه أمانًا نسخته: «أما بعد، فإن الإعذار بالحق حجة الله المقرون بها النصر، والاحتجاج بالعدل دعوة الله الموصول بها العز، ولا يزال المُعْذر بالحق المحتج بالعدل في استفتاح أبواب التأييد، واستدعاء أسباب التمكين حتى يفتح الله وهو خير الفاتحين، ويمكن وهو خير المُمكِّنين، ولست تعدو أن تكون فيما لهجت به أحد ثلاثة: طالب دين، أو ملتمس دنيا، أو متهورًا يطلب الغلبة ظلمًا؛ فإن كنت للدين تسعى بما تصنع فأوضِحْ ذلك لأمير المؤمنين يغتنم قبوله إن كان حقًّا، فلعمري ما همته الكبرى ولا غايته القصوى إلا الميل مع الحق حيث مال، والزوال مع العدل حيث زال، وإن كنت للدنيا تقصد فأعْلِمْ أمير المؤمنين غايتك فيها، والأمر الذي تستحقها به، فإن استحققتها وأمكنه ذلك فعله بك؛ فلعمري ما يستجيز منْع خَلْق ما يستحقه وإن عظُم، وإن كنت متهورًا فسيكفي اللهُ أميرَ المؤمنين مُؤنتك، ويُعجل ذلك كما عجل كفايته مؤن قوم سلكوا مثل طريقك كانوا أقوى يدًا، وأكثف جندًا، وأكثر جمعًا وعددًا ونصرًا منك، فيما أصارهم إليه من مصارع الخاسرين، وأنزل بهم من جوائح الظالمين.
    وأمير المؤمنين يختم كتابه بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله ﷺ، وضمانه لك في دينه وذمته الصفح عن سوالف جرائمك، ومتقدمات جرائرك، وإنزالك ما تستأهل من منازل العز والرفعة إن أنبْتَ وراجعت إن شاء الله. والسلام».
    وقد ذهب عبد الله بن طاهر إلى وجهه في محاربة نصر ولبث في مناهدته حتى اضطره إلى التسليم نحو خمس سنين، وفي أثناء هذه المدة سعى المأمون إلى إخماد الثورة من طريق الصلح، فندب جعفر بن محمد العامري ليؤدي رسالة منه إلى نصر يطلب منه فيها ترك الحرب والجنوح إلى السلم.
    ثم أخذ عبد الله يَجِدُّ في محاربته وحصره حتى ضيَّق عليه واضطره إلى طلب الأمان، وقد احتُفي بنصر وهو ذاهب إلى بغداد خاضعًا للخليفة احتفاء عظيمًا، بيد أن جماعة ممن كانوا ناقمين على المأمون لم يرقهم أن ينتهي الخلاف بينه وبين ثائر قوي، فأرادوا أن يكدروا صفاء السرور فدبروا مؤامرة، وهي أن يقطعوا جسر الزوارق عند اقتراب نصر بموكبه الحافل، فقبض عليهم، ولأمرٍ ما كان المأمون على غير عادته قاسيًا في عقابهم، فقد جاء بزعيمهم ابن عائشة، فيما قال الرواة، وهو من بني العباس، ووضعه على باب داره في أشعة الشمس المحرقة ثلاثة أيام، ثم أمر بضربه بالسياط، ثم أمر بضرب عنقه مع كثير ممن كانوا معه.
    نقول لأمرٍ ما كان المأمون قاسيًا في عقابهم لأن الرجل الذي يصل به عفوه وحلمه إلى أن يعفو عن إبراهيم بن المهدي والفضل بن الربيع وغيرهما من أصحاب الكبائر وممن كادوا له حقًّا، وسعوا في ضياع ملكه واستلاب عرشه، لا بد أن يكون الدافع له إلى القسوة في عقاب هؤلاء الأشخاص حاجة في نفسه عمِّيت علينا، ونحن نعترف بأن المصادر التي بين أيدينا لم تفسر لنا تفسيرًا مقنعًا السر في هذا الاشتطاط وهذه المبالغة في العقوبة من المأمون الوديع الحليم.
    على أن هذه الحادثة تحتاج إلى تحقيق دقيق، ولم تُتِح لنا المصادر الحاضرة القيام بتعرف وجه الحق فيها، ولا يستبعد البتة أن يكون المأمون منها براء.
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  5. #25
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,112
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    11:17 AM

    افتراضي

    ثورة مصر

    ضعفت السلطة المركزية في بغداد نتيجة الفتن والحروب التي تخللت عصر الأمين وأوائل عصر المأمون مما أدى إلى انتقال عدواها إلى الأقاليم الإسلامية الاخرى كما شجعت بعض الولاة على التهاون بمصالح الناس وارهاقهم بكثرة الضرائب والأعباء المالية المختلفة مما أدى إلى جنوحهم للثورة والعصيان.
    كان أخطر هذه الثورات جميعا ثورة مصر، ذلك أن الأحوال في مصر كانت مضطربة إذ انتقلت إليها عدوى الخلافات بين الأمين والمأمون ففريق كان يؤيد الأمين وفريق آخر كان يؤيد المأمون وفريق ثالث بزعامة السري بن الحكم وأولاده يعمل لحسابه الخاص ويضرب فريقا باخر بغية الاستقلال بمصر، وتصادف في ذلك الوقت أن قامت ثورة في الأندلس ضد أميرها الحكم الأول الأموي وقد عاقبهم الأمير بهدم ديارهم وحرق حيهم ونفيهم من الأندلس فعبر بعضهم إلى المغرب أما البعض الآخر فقد واصلوا سيرهم في البحر شرقا حتى وصلوا شواطئ الإسكندرية فنزلوا في أوائل عصر المأمون وكانت الأحوال في مصر مضطربة وانتهز الأندلسيون المهاجرون فرصة هذه الفتن واستولوا على مدينة الإسكندرية بمعاونة أعراب البحيرة وأسسوا فيها إمارة أندلسية مستقلة عن الخلافة العباسية دامت أكثر من عشر سنوات وعندما استتب الأمر للخليفة المأمون أرسل قائده عبد الله بن طاهر بن الحسين إلى مصر لإعادة الأمور إلى نصابها سنة 828 فأرسل إلى هؤلاء الأندلسيين يهددهم بالحرب ان لم يدخلوا الطاعة فأجابوه إلى طلبه حقنا للدماء ثم اتجهوا في مراكبهم إلى جزيرة كريت وكانت تابعة للدولة البيزنطية فاستولوا عليها وهناك أسسوا قاعدة بحرية إسلامية ضد الدولة البيزنطية.
    غير أن الأوضاع بمصر لم تستقر بعد حملة عبد الله بن طاهر بن الحسين بسبب تعسف الولاة وفداحة الجزية وكثرة الأعباء الملقاة على كاهل المصريين، ففي سنة 216 ه قام الأقباط بثورة خطيرة عمت الساحل المصري كله واستمرت الثورة ثمانية أشهر حتى اضطر الخليفة المأمون وكان في الشام وقتئذ أن يذهب إلى مصر بنفسه لتهدئة الحالة، وغضب الخليفة على والي مصر وقتئذ وأنبه بقوله " لم يكن هذا الحدث العظيم الا عن فعلك وفعل عمالك حملتم الناس ما لا يطيقون وكتمتموني الخبر حتى تفاقم الأمر واضطربت البلاد" ثم أمر بعزله، وحاول المأمون في بادئ الأمر أخذ الثوار باللين فوسط بينه وبين أسقف عرف باسم دنيس ولكن الوساطة لم تأت بالنتيجة المرجوة، فاضطر إلى استعمال الشدة والعنف لإخماد تلك الثورة. كذلك قامت القبائل والعشائر العربية في الشام والجزيرة بثورات مختلفة بقيادة زعيم عربي اسمه نصر بن شبث وكانت هذه الثورات موجهة ضد النفوذ الفارسي لميل المأمون إلى جانب الخراسانيين، وقد استطاع القائد عبد الله بن طاهر بن الحسين تهدئة القبائل الثائرة بالحزم والشدة تارة، وبالاستصلاح تارة أخرى إذ رفع عنهم الكثير من الضرائب.
    أما ما كان من أمر عبد الله بن طاهر في مصر، فإن التاريخ يحدثنا أنه لما انتهى أمر نصر بن شبث، كما قدمنا، كتب المأمون إلى عبد الله يأمره بالتوجه إلى مصر لإخماد ما فيها من فتنة، فذهب إليها وجادَّ الثائرين القتال حتى اضطرهم جميعًا إلى طلب الأمان فأجابهم إليه.
    وأما الأندلسيون الذين حضرت جماعة كبيرة منهم إلى الإسكندرية فقد طلبوا الأمان على أن يرتحلوا عنها إلى بعض أطراف الروم، فرحلوا إلى جزيرة إقريطش «كريت» فاستوطنوها وأقاموا بها.
    وأما ما كان من ابن السري فإنه طلب الأمان إلى عبد الله، وذلك بعد قتال عنيف وانهزامه شر هزيمة.
    ولما أخمدت الفتنة في مصر وبلغ المأمون الخبر كتب إلى عبد الله يهنئه، وجعل في أسفل كتابه أبياتًا من الشعر إن ثبت صدورها من المأمون حقًّا ولم تكن من وضع القُصاص والرواة، فإنها تعتبر آية في كرم أخلاق المأمون.
    وقد خرج المأمون إلى مصر في ١٦ من ذي الحجة سنة ٢١٦ هجرية أثر شخوصه إلى دمشق للمرة الثانية، وكان خروجه إلى مصر، فيما يقول الرواة، لإخماد ما قام فيها من فتن واضطرابات، وذلك أن أهالي الوجه البحري خرجوا ومعهم أقباط البلاد على عيسى بن منصور عامل مصر؛ لسوء سيرته فيهم ولقبح صنيعه معهم.
    ويحدثنا التاريخ أن عيسى هذا قد بذل ما في مقدوره لإخماد الفتنة والقضاء على الثورة، فلم يحالفه الظفر، وأخرجه الثوار أقبح مُخْرج من البلاد، فقدم القائد التركي المعروف بالأفشين وعمل على قمع الفتنة وإخماد الثورة، وقتل مقتلة ذريعة من الأهلين فسكنت الفتنة إلى حين.
    ثم عادت الفتنة ثانية واندلع لهيبها واستدعت خطورتها قدوم المأمون إلى مصر، فجاء إليها ونظر في شكاة الأهلين وعمل على إنصافهم، وسخط على عيسى بن منصور ونسب إليه وإلى سيئ أعماله كل ما حدث في طول البلاد وعرضها من فتن وثورات.
    ويظهر أن الثورة المصرية لم تُخمَد تمامًا، وأنها تطلَّبت من المأمون إلى جانب ما أظهره من رغبة في إحقاق الحق وإجراء العدل شيئًا من الحزم واستعمال القوة، فجادَّ الثائرين القتال حتى أذعنوا أخيرًا، ويقول المؤرخون: إنه لبث في مصر أربعين يومًا أو يزيد؛ إذ قدمها في الخامس من محرم سنة ٢١٧ﻫ وبقي بها إلى الثامن عشر من صفر.
    ويظهر أنه قضى هذه المدة إلى جانب اشتغاله بحرب أهلها بالتنقل بين العاصمة وبعض الأعمال مثل سِنْجار وحُلوان وغيرهما.
    ومن أعماله في مصر تعمير مقياس النيل وبعض إصلاحات أخرى بالجزيرة تجاه الفسطاط. وعاد المأمون أخيرًا إلى دمشق بعد أن شَهِد المصريين وخربهم وعدم احتمالهم ظلم الحكام والولاة.
    عبيد الله بن السري (206 - 211/ 821 - 826م):

    وهكذا كانت مصر مسرحًا للقلاقل والفتن، وكان رأس الفتنة وزعيمها عبيد الله بن السري بن الحكم الذي عظم خطره باشتغال عبد الله بن طاهر بمحاربة نصر بن شبث وإخضاعه.
    ولقد بُويِع عبيد الله واليًا على مصر بعد وفاة أخيه محمد في شعبان سنة 206هـ/ يناير 822م ولم يعترف الخليفة المأمون بولايته، فأرسل واليًا آخر هو خالد بن يزيد بن مزيد الشيباني سنة 207هـ/ 822م لكن عبيد الله تمكَّن من طرْدِه فاضطرَّ الخليفة المأمون للاعتراف بسلطة عبيد الله وتثبيته واليًا على مصر، واستمرَّ في الحكم حتى صفر سنة 211هـ/ مايو 826م عندما أرسل الخليفة المأمون جيشًا بقيادة عبدالله بن طاهر فدخل مصر وعزل عبيد الله عن ولايتها، ورغم أن الخليفة المأمون لم يعترف بعبيد الله واليًا على مصر إلا بعد سنة 207هـ فقد سجَّل عبيد الله اسم الخليفة المأمون على النقود التي ضربها بمصر منذ بداية حكمه سنة 206هـ، ومن نقود عبيد الله بن السري دينار ضرْب سنة 206هـ محفوظ في متحف قطر الوطني بالدوحة.
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  6. #26
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,112
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    11:17 AM

    افتراضي

    شاهد دينار عباسي ضرب عام 208 هـ\823 م بالفسطاط (مصر) في عهد الخليفة المأمون. كتب على وجه الدينار: للخليفة المأمون، وكتب على ظهره: عبيد الله بن السري، وهو والي مصر في ذلك العصر. وضرب عبيد الله بن السري سلسلة من الدنانير منذ بداية حكمه في سنة 206هـ وحتى عزله في سنة 211هـ، وتوجد دنانيره في العديد من المتاحف مثل: متحف الآثار بإسطنبول، والمتحف البريطاني، والمتحف العراقي، ومتحف الفن الإسلامي بالقاهرة، ومتحف قطر الوطني بالدوحة.

    ونصوص كتاباته كما يلي:


    الوجه: مركز: لا إله إلا
    الله وحده
    لا شريك له
    عبيد الله بن السري
    هامش: محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله.
    الظهر: مركز: للخليفة
    محمد
    رسول
    الله
    المأمون
    هامش: بسم الله ضرب هذا الدينار سنة ست ومئتين.
    وبهذا نرى كيف تسبَّب الصراع على الخلافة بين الأمين والمأمون في خروج مصر من سلطة الخلافة العباسية، وإذا كان نقش اسم الخليفة على النقود من أبسط شارات السلطة، فإن ولاة مصر في تلك الفترة المضطربة قد سلبوا هذا الحق من الخلفاء العباسيين، وتحكَّم الجند والقادة في زمام الأمور وبقي في أيديهم الحل والعقد فصاروا يعزلون ويولُّون كما يشاؤون دون الرجوع إلى الخليفة، واستمرَّ هذا الحال حتى تمكَّن عبدالله بن طاهر من إعادة مصر تحت سلطة الخلافة العباسية سنة 211هـ/ 826م.
    الزط

    أما الزُّطُّ فهم المعروفون بما قاله ابن خلدون عنهم: إنهم قوم من أخلاط الناس غلبوا على طريق البصرة وعاثوا فيها وأفسدوا البلاد.
    أما نحن فلا نستطيع من ناحيتنا أن نسلك هؤلاء القوم في سلك أصحاب الثورات، أو الخارجين على الخليفة لنحلة دينية أو مذهب سياسي، وإنما هم طائفة من هنود آسيا كانوا يسكنون شواطئ الخليج الفارسي، قد وُجدوا به حين اضطراب الأمن في أطراف الدولة وضعف سلطان الحكومة، وانصراف القائمين بتدبير الشئون العامة إلى أمر الفتنة القائمة بين الأمين والمأمون التي انتهزها الزط وأمثال الزط فرصة للسلب والنهب والعيث في الأرض فسادًا، فتجمعوا واستولوا على طريق البصرة، فهم بقُرْصان البحر وقطَّاع الطرق أشبه منهم بالثائرين وأصحاب المبادئ.
    ويظهر أنهم كما يقول الأستاذ المرحوم محمد الخضري بك: كانوا إذا أخرجهم الجند تفرقوا في تلك الفيافي، فإننا نرى المأمون يكلِّف غير مرة أكثر من قائد أمر القضاء عليهم، ثم نراهم لا يزالون يعيثون في الأرض فسادًا حتى السنة الأولى من عهد المعتصم الذي كلف أحد قواده، عجيف بن عنبسة، القضاء عليهم، فاهتم عجيف بحربهم وضيق عليهم طريق البر والبحر وحصرهم من كل وجه، ثم حاربهم وأسر منهم نحو خمسمائة رجل، وقتل منهم نحو ثلاثمائة، وقطع رءوس الأسرى وبعث بالرءوس جميعًا إلى المعتصم، وجدَّ في حربهم حتى اضطرهم إلى التسليم، فإذا عِدَّتُهم سبعة وعشرون ألف شخص بين رجل وامرأة وصبي، وكان من هذا العدد اثنا عشر ألف مقاتل، ثم حملهم في السفن إلى بغداد، فمروا على المعتصم بأبواقهم وهيئتهم الحربية ثم نقلوا آخر الأمر إلى قرية تُسمى عين زَرْبة.
    وقد ذكر ابن الأثير في حوادث سنة ٢٤١ﻫ في عهد المتوكل أن الروم أغارت على عين زربة هذه فأخذت من كان فيها أسيرًا من الزط مع نسائهم وذراريهم وذويهم. دخول المأمون بغداد (في صفر سنة ٢٠٤ﻫ/أغسطس سنة ٨١٩م)

    عرفنا فيما سبق أن المأمون بويع بالخلافة أثناء وجوده في خراسان ولهذا لم ينتقل إلى بغداد مقر الخلافة العباسية، بل ظل مقيما في مدينة مرو بخراسان مدة ست سنوات تقريبا، وكان من الطبيعي أن يفضلها بعد أن انفرد بالخلافة؛ لأنها تضم أنصاره ومؤيديه.
    وكان الفرس يودون أن يبقى بمرو لتكون عاصمة الخلافة، ولكنها بعيدة عن مركز الدولة، وهي أكثر اتجاهًا نحو الشرق، مما جعل سيطرتها على العرب ضعيفة. وقد تسبب عن بقاء المأمون بعيدًا عن عاصمة دولته بغداد بعض الأزمات السياسية خصوصًا أنه فوّض إدارة البلاد إلى وزيره الفضل بن سهل وأخيه الحسن بن سهل، وأثار تحيز المأمون إلى الفرس غضب أهل العراق من بني هاشم ووجوه العرب، فأشاعوا أن بني سهل قد حجبوا الخليفة واستبدوا بالرأي دونه. واضطر المأمون أخيرًا أن يذهب إلى بغداد وأن يترك مرو للقضاء على هذه التحركات في مهدها، فانتقل بعدها إلى بغداد في منتصف شهر صفر من سنة ٢٠٤ﻫ/أغسطس سنة ٨١٩م.
    وكان لا يزال الشعارُ الأخضر شعارُ العلويين الذي اتخذه المأمون وهو في مرو شعارَ الدولة، فما زال به كبار قواده وأهل بيته حتى طرحه واستبدل به الشعار الأسود شعار العباسيين.
    ويحدثنا يحيى بن الحسن أن المأمون لبس الخُضرة بعد دخوله بغداد تسعة وعشرين يومًا ثم مُزِّقت، ثم خلع الخلع السنية على من حضر من القواد والأشراف ورجالات الدولة، وعفا عن الفضل بن الربيع وزير الأمين الذي كان اختفى بعد مقتله ثم ظهر مساعدًا لإبراهيم بن المهدي في ثورته، وكذلك عفا عن عيسى وزير إبراهيم مع أنهما كانا رأسي الفتن والقلاقل التي أثيرت على حكم المأمون، فكان موقف المأمون معهما غاية في التسامح والكرم.غزو المأمون للروم

    كانت سياسة المأمون نحو الإمبراطورية الرومانية المقدسة استمرارا لسياسة والده الرشيد التي تقوم على مصادقة هذه الدولة الأوروبية الغربية، وعلى الرغم من أن وفاة شارلمان حدثت في العام التالي من خلافة المأمون سنة 814 إلا أن ذلك لم يحل دون استمرار سياسة التفاهم مع ولده لويس التقي، إذ تشير المصادر الأوروبية إلى أن الإمبراطور لويس أرسل سفارة إلى البلاط العباسي في بغداد في عهد المأمون سنة 831.
    أما عن علاقة المأمون بالإمبراطورية البيزنطية فكانت سياسة عدائية على غرار سياسة آبائه من قبل، ويشير المؤرخون أن المأمون استغل فرصة الفتنة الداخلية التي تزعمها توماس الصقلبي ضد الإمبراطور البيزنطي ميخائيل الثاني 821 وأخذ يمده بالسلاح والمال كي يعينه على فتح القسطنطينية والاستيلاء على الحكم كما أوعز إلى بطريارك القسطنطينية أن يتوج هذا الثائر إمبراطورًا، ليصبغ حركته بصبغة شرعية لكن الدولة البيزنطية كشفت أخبار هذه الاتصالات وانتهي الأمر بهزيمة توماس الصقلبي وقتله على أبواب القسطنطينية سنة 823. ولم يتردد المأمون في السنوات الأخيرة من حياته من قيادة جيوشه بنفسه والتوغل في أراضي الدولة البيزنطية.، إذ قاد حملة من بغداد وسار إلى منبج ثم إلى طرسوس ومنها دخل أراضي الإمبراطورية البيزنطية، في يوليو من عام 830 ففتح حصن قرة عنوة وأمر بهدمه واشترى السبي بستة وخمسين ألف دينار، ثم خلى سبيلهم وأعطاهم دينارًا دينارًا، ثم توجه المأمون إلى الشام وهناك ورده أن الإمبراطور البيزنطي قتل عددًا من سكان طرسوس والمصيصة، فأعاد المأمون الكَرَّة على أراضي الروم فسار حتى وصل أنطيفوا فخرج أهلها على الصلح، ثم توجه إلى مدينة هرقلة فخرج أهلها على صلح أيضا خوفًا من قوات المأمون، ثم وجه عدة حملات داخل الأراضي البيزنطية وتم فتح ثلاثين حصنا بقيادة أحد إخوته، أعاد المأمون التوغل في أراضي الروم مرة ثالثة وأغار على مدينة لؤلؤة مدة مائة يوم ثم رحل عنها، واستخلف عليها قائده عجيف بن عنبسة، لكن أهل المدينة خدعوه وأسروه فأرسل المأمون كتيبة لإنقاذه فتم إخلاء سبيله عبر تفاوض مع الإمبراطور تيوفيل. حاول المأمون غزو البيزنطيين عام 833 فدخل أراضيهم بجيشه عن طريق طرسوس غير أن الوفاة أدركته هناك إثر إصابته بالحمى ودفن بطرسوس..
    ثورة بابك الخُرَّمِي

    يخبرنا المؤرخون أن بابك الخرمي قد ظهر من كورة في شمال بلاد فارس تسمى «البذ»، وقد كان خروجه للدعوة إلى مذهبه الإباحي سنة ٢٠١ﻫ، وكان المأمون لا يزال في «مرو» قبل أن ينتقل إلى عاصمة ملكه بغداد، وقد امتدت فتنة بابك عنيفةً طوال عهد المأمون وصدرًا من عهد المعتصم.
    فتح جزيرة صقلية
    كانت علاقة المأمون بدولة الأغالبة في أفريقية أو المغرب استمرارًا لسياسة والده التي تقوم على الاعتراف بحكم هذه الأسرة على أساس الاستقلال الذاتي، مع التبعية للخلافة العباسية، وكان يحكم دولة الأغالبة زيادة الله الأول بن إبراهيم بن الأغلب، الذي بقي حليفًا وتابعًا مخلصًا للمأمون، وقد تم في عهده الاستيلاء على جزيرة صقلية التابعة للبيزنطيين. ففي سنة 212 هـ/ 827 أمر زيادة الله بغزوها وأسند قيادة الحملة إلى قاضي القيروان أسد بن الفرات بن سنان، وكان الجيش الفاتح يتكون من عشرة آلاف فارس، معظمهم من الفرس الخراسانيين والبقية من الأفارقة والأندلسيين المقيمين في أفريقية، وأبحروا من ميناء سوسة في أسطول من مائة مركب إلى جنوب جزيرة صقلية، حيث نزلوا في مدينة مازرة وغيرها من النواحي المواجهة للساحل التونسي جنوبًا، ودارت معركة شديدة بين الجيش الإسلامي والبيزنطي انتهت بانتصار الجيش الإسلامي واستشهد أسد بن الفرات بعد أن وطد الحكم الإسلامي في بعض نواحيها، وكتب زيادة الله إلى الخليفة المأمون يبشره بفتح صقلية.
    واللوحة المرفقة توضح السفير البيزنطي البطريرك يوحنا الرابع القسطنطيني «النحوي» يقف بين إمبراطور الروم «ثيوفيلوس» (يمين) والخليفة العباسي المأمون (يسار) في سنة 829م اللوحة من القرن 12 أو القرن 12:

    The embassy of John the Grammarian in 829, between the Byzantine emperor Theophilos (right) and the Abbasid caliph Al-Ma'mun, from the Madrid Skylitzes, fol. 47r, detail.
    المصدر:
    Chronicle of John Skylitzes, cod. Vitr. 26-2, Madrid National Library
    Abbasid Caliph
    Al-Ma'mun
    sends an envoy to Byzantine Emperor
    Theophilos
    https://en.wikipedia.org/wiki/Arab%E...Theophilos.png

    By his marriage with
    Theodora
    , Theophilos had several children, including:
    Constantine, co-emperor from c. 833 to c. 835.
    Michael III, who succeeded as emperor.
    Maria, who married the Caesar Alexios Mouseles.
    Thekla, who was a mistress of Emperor Basil I the Macedonian.

    , who was a mistress of Emperor
    Basil I the Macedonian

    Emperor Theophilos in discussion with Theodore Krateros

    Contributor:
    The History Collection
    / Alamy Stock Photo
    Image ID: J8GETW
    File size:
    7.2 MB (0.4 MB Compressed download)
    Dimensions: 2424 x 1031 px | 41 x 17.5 cm | 16.2 x 6.9 inches | 150dpi
    Releases: Model - no | Property - no
    Do I need a release?
    More information:
    This image is a public domain image, which means either that copyright has expired in the image or the copyright holder has waived their copyright. Alamy charges you a fee for access to the high-resolution copy of the image.
    This image could have imperfections as it’s either historical or reportage. . English: Abbasid Caliph al-Mamun sends an envoy to Byzantine Emperor Theophilos. 23 September 2012, 18:34:37. Unknown, 13th-century author 847 Mamun sends an envoy to Theophilos
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  7. #27
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,112
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    11:17 AM

    افتراضي


    . English: Abbasid Caliph al-Mamun sends an envoy to Byzantine Emperor Theophilos. 23
    This image is a public domain image, which means either that copyright has expired in the image or the copyright holder has waived their copyright. Alamy charges you a fee for access to the high-resolution copy of the image.
    This image could have imperfections as it’s either historical or reportage.



    A 13th century CE illustration showing
    Byzantine emperorMichael III
    (r. 842-867 CE) crowning his great friend and political ally Basil the Macedonian co-emperor. The latter would take the crown himself in 867 CE as
    Basil I
    . (Madrid Sklitzes, National Library, Madrid)
    . English: Emperor Theophilos and the monk Lazaros, miniature, Madrid Skylitzes, fol. 49v, detail .



    11th-12th centuries. from the Middle Ages, unknown 841 MadridSkylitzesTheophilosLazarosFol49v
    Lazaros, miniature, Madrid Skylitzes, fol. 49v, detail. 11th-12th centuries. from the Middle Ages, unknown 841 MadridSkylitzesTheophilosLazarosFol49v
    Contributor:
    The Picture Art Collection
    / Alamy Stock Photo
    Emperor Theophilos and his court, Skylitzes Chronicle - Muslim conquest of Sicily - Wikipedia, the free encyclopedia


    رسم لخريطة العالم عام 820 م وتظهر حدود الدولة العباسية واضحة في عهد المأمون

    كلمة ختامية عن وفاة المأمون ورجالاته ومعاصريه ووصيته
    لقد عاجلت المنية المأمون دون تحقيق خطته بموضع يقال له «البدندون» بين «لؤلؤة» و«طرسوس»، وكانت وفاته لثلاث عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ٢١٨ﻫ وسِنُّه ثمان وأربعون سنة وأربعة أشهر.
    أما عن كبار رجالات المأمون وولاته فيقول اليعقوبي:
    وكان الغالب عليه في خلافته ذو الرياستين ثم جماعة منهم: الحسن بن سهل، وأحمد بن أبي خالد، وأحمد بن يوسف، وكان على شرطته العباس بن المسيب بن زهير، ثم عزله وولَّى طاهر بن الحسين ثم عبد الله بن طاهر الذي استخلف إسحاق بن إبراهيم ببغداد، فوجَّه إسحاق بأخيه خليفة له على شرطته.
    وكان على حرسه شبيب بن حميد بن قحطبة، ثم عزله وولاه قومس، واستعمل مكانه هرثمة بن أعين ثم عبد الواحد بن سلامة الطحلاوي قرابة هرثمة، ثم علي بن هشام ثم قتله وولَّى عجيف بن عنبسة، وكانت حجابته إلى أحمد بن هشام وعلي بن صالح صاحب المُصلَّى، قال: وخلَّف من الولد الذكور ستة عشر ذكرًا؛ وهم: محمد، وإسماعيل، وعلي، والحسن، وإبراهيم، وموسى، وهارون، وعيسى، وأحمد، والعباس، والفضل، والحسين، ويعقوب، وجعفر، ومحمد الأكبر — وهو ابن معللة وتوفي في حياته — ومحمد الأصغر وعبيد الله أمهما أم عيسى بنت موسى الهادي.
    أما صاحب «نهاية الأرب» فقد ذكر في الجزء العشرين من كتابه أن حجابه هم: عبد الحميد بن شبث، ثم محمد وعلي ابنا صالح مولى المنصور، ثم إسماعيل بن محمد بن صالح.
    وذكر أن قضاته هم: محمد بن عمر الواقدي، ثم محمد بن عبد الرحمن المخزومي، ثم بشر بن الوليد. وكان نقش خاتمه فيما ذكره المسعودي في التنبيه والإشراف: «الله معه عبد الله به نؤمن».
    •••
    وقد يكون من المفيد لنا من وجهة نظر التاريخ المصري أن نقف على ولاة مصر وقضاتها في عهد المأمون؛ وذلك ييسره لنا كتابان ممتعان وافيان في هذا الموضوع، وهما: كتاب «ا
    لنجوم الزاهرة
    » لابن تغري بردي الأتابكي، وكتاب «
    الولاة والقضاة
    » الذين ولوا أمر مصر وقضاءها للكندي. ونحن ذاكرون لك هؤلاء الولاة والقضاة على وجه الاختصار:
    أما الولاة فهم:
    مالك بن دلهم، وحاتم بن هرثمة، وجابر بن الأشعث، وعبَّاد بن محمد، والمطلب بن عبد الله، والعباس بن موسى، والسري بن الحكم، وسليمان بن غالب، ومحمد بن السري، وعبيد الله بن السري، وعبد الله بن طاهر، وعيسى بن يزيد، وعمير بن الوليد، وعبدويه بن جبلة.
    ولقد حدثنا المؤرخون في أيامه عمَّا سُمِّي في مصر بالبدع المأمونية الأربع:
    فالبدعة الأولى
    منها هي لبس الخُضْرة وتقريب العلوية وإبعاد بني العباس.
    والثانية:
    القول بخلق القرآن،
    والثالثة:
    ما كتبه المأمون إلى نائبه ببغداد أن يأخذ الجند بالتكبير إذا صلوا الجمعة وبعد الصلوات الخمس.
    ثم أباح المأمون في هذه السنة — وهي سنة ٢١٥ﻫ — «المُتْعة»، فقال الناس: هذه بدعة
    رابعة.
    وبعد ولاية ابن جبلة هذا ولاية عيسى بن منصور ونصر بن عبد الله، وشهرته كيدر، والمظفر بن كيدر.
    أما قضاة مصر في عهده فهم:
    عبد الرحمن العمري، وهاشم بن أبي بكر البكري، وإبراهيم بن البكاء، ولهيعة بن عيسى الحضرمي، والفضل بن غانم، وإبراهيم بن إسحاق العاري، وعطاف بن غزوان، وجعله عبد الله بن طاهر على المظالم، وبعدئذٍ ولي القضاء من قبله عيسى بن المنكدر، وأخيرًا هارون بن عبد الله.
    أما معاصروه فقد كان يعاصره في الأندلس الحكم بن هشام ثالث أمراء بني أمية، ثم ابنه عبد الرحمن.
    وكان يعاصر المأمون في بلاد المغرب الأقصى إدريس بن إدريس بن عبد الله ثم ابنه محمد بن إدريس، ويعاصره في إفريقيا من بني الأغلب عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب ثم ابنه زيادة الله بن إبراهيم فاتح صقلية، ويعاصره في فرنسا «شارلمان» صديق أبيه، ثم «لويز الأول» المُلقَّب باللين، ويعاصره في القسطنطينية «ليون الأرمني» و«ميخائيل» المُلقَّب بالتمتام، ثم ابنه «توفيل».
    أما صفته فهي كما ذكرها صاحب «نهاية الأرب»: «كان المأمون ربعة أبيض طويل اللحية رقيقها قد وخطه الشيب، وقيل: كان أسمر تعلوه صفرة، أجنى أعين ضيق الجبهة، بخده خال أسود» وكذلك وصفه الطبري وغيره.
    ولما حضرته الوفاة أوصى لأخيه المعتصم من بعده، وعلل بعضهم أن الوصية كانت للمعتصم دون ابنه العباس بأن الثاني كان متغيبًا عنه ساعة وفاته.
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  8. #28
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,112
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    11:17 AM

    افتراضي


    الفصل الثالث
    المحنة وقضية خلق القرآن من 218ـ 231هـ
    تقديم
    هذه المسألة من المسائل التي أخذت من الوقت والجهد وشدة الجدال بين أرباب المذاهب الكلامية أكثر مما ينبغي لها، فقد سفكت بسببها دماء كثيرة وجرت من أجلها محن عظيمة وبلايا متتالية على العلماء في زمن المأمون والمعتصم، واشتد الأمر وغصت السجون بالمخالفين فيها القائلين بأن القرآن كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود.
    وفي هذه المقدمة نود أن نقرأ قراءة متأنية في كتاب المحنة " للدكتور فهمي جدعان "
    فمن هو الدكتور فهمي جدعان؟.
    لا شك في أن الحديث عن المفكر والمبدع فهمي جدعان متشعب جداً، فهو واحداً من المفكرين العرب الليبراليين الذين تعاملوا مع الفلسفة بروح تجديدية منفتحة، وهو من الباحثين الجادين الذين لا يثيرون الجدل بكتاباتهم بقدر ما يثيرون الإعجاب ويدفعون إلى التأمل، حيث يمتلك القدرة على النفاذ إلى بواطن الأمور، وهو رائد من رواد التنوير وعملاق من عمالقة الثقافة العربية.
    والدكتور فهمي جدعان هو مفكر أردني من أصول فلسطينية، من مواليد سنة 1940م، في بلدة عين غزال الفلسطينية، درس الفلسفة في جامعة السوربون وحصل منها على شهادة الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام سنة 1968م، عمل أستاذا للفلسفة والفكر الإسلامي في جامعة الكويت والجامعات الأردنية، وشغل منصب عميد البحث العلمي بالجامعة الأردنية، ونال عضوية مجلس إدارة معهد العالم العربي في باريس بالفترة من 1980 حتى 1984، له آراء جدلية حول الإسلام السياسي حاصل على جوائز عديدة، كما تم اختياره لعنوان الشخصية الفكرية لعام 2013 من قبل بعض المؤسسات الثقافية في بلده.
    من أهم إنجازاته وأعماله: أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث، والمحنة – بحث في جدلية الديني والسياسي في الإسلام، والطريق إلى المستقبل: أفكار – قوى للأزمنة العربية المنظورة، والماضي في الحاضر: دراسات في تشكلات ومسالك التجربة الفكرية العربية، ورياح العصر: قضايا مركزية وحوارات كاشفة، وفي الخلاص النهائي: مقال في وعود الإسلاميين والعلمانيين والليبراليين، والمقدّس والحرية، وخارج السِّرب – بحث في النِسْوية الإسلامية الرافضة وإغراءات الحرية.
    فبعد أربع سنوات من البحث، قدم فهمي جدعان دراسته التي حملت عنوان "المحنة".. بحث في جدلية الديني والسياسي في الإسلام، حيث صدرت عن دار الشروق بعمان – الأردن، ويقع كتاب المحنة في أربعمائة وثماني وأربعين صفحة، أتت من القطع المتوسط، قسمه المؤلف علي مقدمة ومدخل وخمسة فصول، عرض فيها وقائع محنة خلق القرآن في إطارها الزمني وتصاعدها حتى انتهائها علي يد الخلفة المتوكل ليثير البحث نقاشاً واسعاً بين المهتمين بالتاريخ الإسلامي ومحنة خلق القرآن والتي اُعتبرت إحدى أهم الجدليات في تراث المسلمين.
    والكتاب ملئ بالحوادث المتشابكة والمعقدة ويحوي قائمة طويلة من أسماء الإعلام بلغت (718) اسماً منها ما يذكر عشرات المرات، أما المراجع العربية فقد بلغت 164 مرجعا وبلغت المراجع غير العربية 27 مرجعا وقام بفهرسة لأسماء الفرق وأهل المقالات والمذاهب الإسلامية أو غير إسلامية وبلغت (45) فرقة منها ما ذكر عشرات المرات ولم يفهرس للاماكن وللآيات والأحاديث والأشعار.

    علاوة علي بحوثه الكثيرة نذكر منها : الكتاب والحكمة، والطريق الملك، ومعنى السلفية، والعالم بين حدين، ونظريات الدولة في الفكر الإسلامي المعاصر، والمعطيات المباشرة للإشكالية الإسلامية المعاصرة، ونظرة طائر": بانوراما الفلسفة العربية، والفارابي: مدخل إلى تجربة العلم والفعل عنده، وهوميروس عند العرب، والمرْكَب والمجاز، ونظر في التراث، وفكرة التقدم عند المفكرين العرب في القرن التاسع عشر، وابن خلدون في الفكر العربي الحديث، والإسلام وأوروبا: الثقة المفقودة، والإسلام وتحولات الحداثة، والمستقبل العربي في ضوء قيمة التواصل، وهواجس الأزمة وأحكام الفعل، والثقافة الكونية والنظم الثقافية العربية، والحضارة المعاصرة ومُشْكِل البدائل، والديمقراطية من منظور تنويري، وفي العدالة والشورى والديمقراطية، والسلفية: حدودها وتحولاتها، والطاعة والاختلاف بين الواجب وبين الحق في الإسلام، وأسئلة المستقبل، والحركات الإسلامية المعاصرة.. الخ..
    وفي هذا المقال نود أن نناقش موقف فهمي جدعان من المسائل الخطيرة التي وقعت في التاريخ الإسلامي ما سمى بقضية "خلق القرآن"، والتي كان ضحيتها عدد من رجال المجتمع فى العصر العباسي؛ خاصة في عصر الخليفة المأمون، على رأسهم الإمام أحمد بن حنبل، وهذا ما يناقشه كتابه "المحنة: بحث في جدلية الديني والسياسي في الإسلام" والصادر عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر في مايو 1989م.
    ويبدو أن محاولة عرض كتاب ما " لا يمكن أن تقوم مقام قراءته " ولهذا غالباً ما يكون عرض كتاب يشكل صعوبة لا يسهل تذليلها، وإذ قمت بقراءة كتاب المحنة للمرة الثانية للقيام بمهمة عرضه، والإشارة إلى مواضيعه، فإنني أعترف صراحة: أنَّ عرض كتاب المحنة يكاد يكون مستحيلاً، لتماسك مادته، وشدة كثافتها، وما تثيره مادة الكتاب من طلب للبحث والاستقصاء خارج الكتاب، فهذه القراءة هي مجرد محاولة للدخول إلى الكتاب.
    ولذلك يرى فهمي جدعان أن قضية "محنة خلق القرآن" هي واحدة قضايا الفكر الإسلامي التاريخي القابعة في كهف الغرابة والليل الطويل، وأن النظر السديد يقضي بإزاحة الستار عن وجهها وبتجريد دلالتها البعيدة لا في إطارها العقيدي والتاريخي المعاصر لها فحسب، وإنما أيضاً في حدود بنية الفكر الديني والسياسي الذي يمد جذوره في عصور الإسلام الأولى وينشر فروعه في أعصرنا العربية والإسلامية الحديثة والمعاصرة. فكان ذلك مشروع هذا البحث في جدلية الديني والسياسي في الإسلام.
    وهذا الكتاب ليس كتابا، وإنما هو حيثيات قضية، هي قضية خلق القرآن، وتدوين تاريخي شامل لما حدث بسبب منها، تماما كما توثق القضايا في المحاكم، المراد من هذا التوثيق جعل القارئ قاضياً فاهماً عدلاً قادراً على الحكم ـ بعد اطلاعه على جميع أوراق القضية ـ فقضية محنة خلق القرآن جرت الكتابة فيها من قبل الحنابلة بداية فقط، ثم كتب فيها غيرهم، ومصدرهم أقوال الحنابلة، وكانوا ولا زالوا يسجلون الصراع على غير حقيقته، يزورون المقال ويـخفون الكثير من الأوراق، فمثلا لم يسأل واحد عن الزمن الذي جرى فيه القول بخلق القرآن، هل يعود القول بخلق القرآن إلى زمن المحنة أي : 218-232هـ أم أنه قبل ذلك بكثير، وإذا كان القول يعود إلى زمن قبل زمن المحنة بأكثر من قرن من الزمان على الأقل، فلماذا لم تحدث محنة فيه قبل ذلك ؟ فمدونة أهل الحديث (الحنابلة) تقول أنَّ أبا حنيفة ت 150هـ استتابة أصحابه من القول بخلق القرآن، والكتاب يقول بوجود صراع حول سورة المسد، لقد ورد في ترجمة عمرو بن عبيد المعتزلي المشهور في تـهذيب التهذيب وكانت وفاته 144هـ ما يلي : وقال أحمد بن إبراهيم الدورقي عن معاذ بن معاذ سمعت عمرو بن عبيد يقول : إن كان (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) في اللوح المحفوظ فما لله على ابن آدم حجة ! يقصد عمرو بن عبيد أنَّ السورة مخلوقة والبنية الفكرية لها دالة دلالة واضحة على خلقها. فما هي الحجة على أبي لـهب إنْ كان قد دُوِّنَ عليه: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) منذ الأزل؟ هل هناك واحد من المسلمين يعرف هذه الحقائق؟ ولماذا غابت هذه الحقائق؟. هذه الكتابة تعيد ربط أوراق القضية فقط في كل أزمانـها: قبل المحنة، ومع المحنة، وبعد المحنة. هذه هي خطة تدوين هذه القضية، وليس وضع كتاب فيها، لترك القارئ يواجه ملفا لا كتابا، لقد كلف جمع هذا الملف زمنا طويلا، إذ بدا العمل في هذا الملف قبل عام 1990 م، وهذا هو عام 2005 م وقد اكتملت جـمع كل الأوراق الضرورية، لـجعل القارئ يصدر الحكم في جهتين: جهة الموضوع ـ أي القول هو الحق؟ القول بخلق القرآن، أم القول بأزليته ـ والثانية هي التثبت من مقدار التزييف في المدونة التاريخية في مسار القضية، أما إعلان تبرئة المعتزلة من صنع المحنة، فقد تكفل به كتاب الدكتور فهمي جدعان ( الـمحنة جدلية الديني والسياسي ) وكتاب الدكتور جدعان أزال الستارة عن وجه المحنة، فمن الـممكن للقارئ الكريم الاطلاع على كتاب المحنة، ويستطيع ـ إن كان على عجل من أمره ـ أن يقرأ محاضرة بعنوان ( قراءة عجلى في كتاب المحنة ) في كتاب موسوعة جدل الأفكار القسم الأول من الجزء الثالث .ولسوف أثبت المحاضرة ولكنني بعد قراءتها اسميتها ( قراءة مـتأنية في كتاب المحنة ).
    لم يأت الكتاب ليؤرخ للمحنة أو ليعالج الوجه الكلامي الخالص أي ليجيب على مسألة خلق القرآن بالنفي أو الإثبات وإنما جاء الكتاب ليزيح الستارة عن وجه المحنة ويوجه الأنظار لدلالاتها السياسية ومن هنا أستمد موضوع الكتاب قيمته إذ يتجاوز البدا هات الخاطئة التي استقرت في الأذهان من مجرد نطق اسم أحمد بن حنبل أو المعتزلة أو خلق القرآن، إذ ما أن ينطق بها أيُ من الناس حتى تستدعي صورة حدث تاريخي درامي صورة احمد بن حنبل المحدث فقط وقد قطع حجة خصومة المشهورين بقوة الجدل والحجاج ولم يجْد هؤلاء الخصوم إلا أن يتحولوا إلى جلادين يمسكون السوط يلهبون جلد احمد بن حنبل وتشبع السياط من جلده دون أن يتزحزح عن موقفه قيد أنمله إذ هو ثابت كالطود الأشم ! . .ومما لا شك فيه أن الحديث عن المفكر والمبدع فهمي جدعان متشعب جداً، فهو واحداً من المفكرين العرب الليبراليين الذين تعاملوا مع الفلسفة بروح تجديدية منفتحة، وهو من الباحثين الجادين الذين لا يثيرون الجدل بكتاباتهم بقدر ما يثيرون الإعجاب ويدفعون إلي التأمل، حيث يمتلك القدرة علي النفاذ إلي بواطن الأمور، وهو رائد من رواد التنوير وعملاق من عمالقة الثقافة العربية.قال عنه الأستاذ جمال الدين فالح الكيلاني:" يربط المفكر العربي الدكتور فهمي جدعان الأفكار والتمثّلات الفلسفيّة في مشاغله كافة بمعين الوجدان، ونهر الحياة، وقوة الأمل، فهذه في نظره من المحدّدات التي يعوّل عليها من أجل تعبيد السبيل أمام الأجيال القادمة، والحيلولة دون إنتاج المزيد من الآفاق المسدودة. ويعتقد جدعان أنّ المثقف يحتاج، كي يفهم الواقع ويحلّله ويوجهه، إلى المفكر وأدواته العلميّة والفلسفيّة المنضبطة والضابطة؛ لأنّ التعويل يكون على «قول» المفكر، لا على «رغبة» المثقف. ويدافع جدعان، عن حتميّة البرمجة الوجدانيّة «الصحيّة»، النبيلة، النّزيهة لأبنائنا، اليوم وغدًا، ففي نظره أنّ غياب هذه القيم والمبادئ، التي ينبغي أن تقترن بها التربية الوجدانيّة المبكّرة، هو الذي يفسّر التدلّي والتخلف والعقم الذي يغلّف ويتلبّس هذه الأجيال المتأخرة من شعوبنا العربيّة".
    وفهمي جدعان ( مع حفظ الألقاب) هو مفكر أردني من أصول فلسطينية، من مواليد سنة 1940م، في بلدة عين غزال الفلسطينية، درس الفلسفة في جامعة السوربون وحصل منها على شهادة الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام سنة 1968م، عمل أستاذا للفلسفة والفكر الإسلامي في جامعة الكويت والجامعات الأردنية، وشغل منصب عميد البحث العلمي بالجامعة الأردنية، ونال عضوية مجلس إدارة معهد العالم العربي في باريس بالفترة من 1980 حتى 1984، له آراء جدلية حول الإسلام السياسي حاصل على جوائز عديدة، كما تم اختياره لعنوان الشخصية الفكرية لعام 2013 من قبل بعض المؤسسات الثقافية في بلده.
    من أهم إنجازاته وأعماله : أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث، والمحنة – بحث في جدلية الديني والسياسي في الإسلام، والطريق إلى المستقبل: أفكار – قوى للأزمنة العربية المنظورة، والماضي في الحاضر: دراسات في تشكلات ومسالك التجربة الفكرية العربية، ورياح العصر: قضايا مركزية وحوارات كاشفة، وفي الخلاص النهائي: مقال في وعود الإسلاميين والعلمانيين والليبراليين، والمقدّس والحرية، وخارج السِّرب – بحث في النِسْوية الإسلامية الرافضة وإغراءات الحرية.علاوة علي بحوثه الكثيرة نذكر منها : الكتاب والحكمة، والطريق الملك، ومعنى السلفية، والعالم بين حدين، ونظريات الدولة في الفكر الإسلامي المعاصر، والمعطيات المباشرة للإشكالية الإسلامية المعاصرة، ونظرة طائر": بانوراما الفلسفة العربية، والفارابي: مدخل إلى تجربة العلم والفعل عنده، وهوميروس عند العرب، والمرْكَب والمجاز، ونظر في التراث، وفكرة التقدم عند المفكرين العرب في القرن التاسع عشر، وابن خلدون في الفكر العربي الحديث، والإسلام وأوروبا: الثقة المفقودة، والإسلام وتحولات الحداثة، والمستقبل العربي في ضوء قيمة التواصل، وهواجس الأزمة وأحكام الفعل، والثقافة الكونية والنظم الثقافية العربية، والحضارة المعاصرة ومُشْكِل البدائل، والديمقراطية من منظور تنويري، وفي العدالة والشورى والديمقراطية، والسلفية: حدودها وتحولاتها، والطاعة والاختلاف بين الواجب وبين الحق في الإسلام، وأسئلة المستقبل، والحركات الإسلامية المعاصرة.. الخ..
    وهنا يذكر الدكتور نارت قاخون (الباحث في التاريخ الإسلامي):
    كتاب المحنة للدكتور فهمي جدعان هو نتاج سنوات من البحث في تجلية مسألة مهمة جدا مرتبطة بتاريخنا الإسلامي، وعنوانها " المحنة "، وقد صدر في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، وتُلقي بقبول حسن عند جمهرة من الباحثين ولا سيما المختصين في الشأن الفكري.
    طرحت الدراسة أفكارا جديدة تنسق السائد والمتداولة حول محنة خلق القرآن وتقلب الطاولة على ما شاع في الحقل العلمي حول تلك المحنة من روايات رآها فهمي جدعان ضعيفة، اعتمدها الباحثون كنوع من الكسل العقلي والركون إلى السهل والمتداول..
    وعندما قام الدكتور فهمي جدعان حقيقة بدراسة قضية خلق القرآن دراسة نوعية، استطاع حقيقة أن يفكك كثيراً من الصور النمطية والنماذج النمطية التي تسود حول هذه المرحلة التاريخية والقضايا المحيطة بها، ولا سيما في عصر رواجان روايات تاريخية ودينية معينة ذات منظور ديني خاص، واتجاه ديني معين.
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  9. #29
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,112
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    11:17 AM

    افتراضي

    كان جدعانيري أن المعتزلة هم المتهمون حقيقة بهذه المحنة، وكانوا في تواطؤ مع السلطة، وهنانجد جدعان يقول: لقد رد البحث المعاصر إلى المعتزلة قدراً عظيما من "الاعتبار" الذي يليق بهم. لا بل إن بعض الكتاب المفعمين بروح "العقلانية" قد أسرفوا في إسباغ الثناء والمديح عليهم حتى لقد تصور بعضهم انالنكبة التي لحقت بهم قريبا من منتصف القرن الثالث الهجري، وبعد ذلك، إنما كانتنكبة للإسلام نفسه آذنت بأفول العصر الذهبي له..
    وأنا أؤيدما قاله فهمي جدعان؛ لا سيما وأن للمعتزلة لهم أصول خمسة، وهي التوحيد والعدلوالمنزلة بين المنزلتين والوعد والوعيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. فأصلالتوحيد لا شيء يشبه الله، فالله لا نظير له وهو الواحد الأحد بلا نظير ولاشريك.. والذين يقولون إن القرآن قديم والقرآن غير مخلوق.. هذا يعني أنالقرآن يشترك مع الله في صفة معينة، وهي صفة القدم، فعندما تقول إن القرآن قديم،فقد أشركت بالله، والإشراك بالله عند المعتزلة معناه الكفر؛ وهنا نجد فهمي جدعانيقول:" ومن الثابت أن القول بالقرآن مخلوق يرجع إلى عهد بعيد جدا عن مبدأ"الامتحان" الذي شهره المأمون في عام 218 هـ، وأن القضية في مبدئها قضية" جهمية"، تجد أصداء قوية لها في بعض الأقوال المنسوبة إلي الإمامالشيعي جعفر الصادق (ت 148/765م) الذي يعزي إليه أنه أجاب عن السؤال: القرآن خالقأم مخلوق؟ بالقول ليس خالقا ولا مخلوقا، بل هو كلام الله.
    إذنالمعتزلة لم يكونوا أول من قال بقضية خلق القرآن ولم يكونوا وحدهم، هنا حقيقةاتجاهات ومذاهب وأشخاص كان لهم حضور قالوا بأن القرآن مخلوق، فالمعتزلة هم جزء منمجموعة ومنظومة قالت بذلك، ولكن المعتزلة حقيقة هي التي قدمتالاستدلالات والحجج المتينة القوية والجدالات لتأسيس هذه القضية، مقارنة بالمذاهبأو الاتجاهات الأخرى التي كانت تتعرض للتضييق والمحاربة ؛ وهنا يقول الدكتور عبدالكريم الوريكات (الأستاذ بقسم أصول الدين بالجامعة الأردنية): إن فهمي جدعانيحاول ما استطاع أن يبعد هذه التهمة عن المعتزلة، لكن للأسف الشديد المحنة أكبردليل علي قول المعتزلة وتبني المعتزلة وتأصيل المعتزلة بل وممارسة المعتزلةلهذه العقيدة بالقول والفعل؛ كما يقول حسن حنفي: إن قضية خلق القرآن ليس رأيالمعتزلة وحدهم ولكنه رأي جميع فرق المعارضة حتي تسمح لنفسها بأن تعارض وأن تفسروأن تفهم وأن تواجه السلطان بعلماء السلطان ومن ثم فهو رأي سياسي بالأصالة ...
    وهنا نجدفهمي جدعان يقول:" وحياة المأمون ملحمة من الملاحم مبدؤها الصراع علي الملكالذي كان بينه وبين أخيه محمد الأمين، وقد تفجر هذا الصراع حين أقدم الأمين علىخلع المأمون وهو بخرسان والدعوة إلى نفسه في عام 195هـ. ونجح طاهر بن الحسين ذواليمنيين، في قتل الأمين ، فبايع الناس خلع المأمون بالخلافة وتم ذلك في سنة198هـ.
    من الملاحظهنا جعل فهمي جدعان القسم الثاني من الفصل الأول مختصاً بتفسير العلاقة بينالمعتزلة والخلفاء العباسيين الثلاثة المأمون والمعتصم والواثق.
    والمعتزلةالذين ثبت اتصالهم بهؤلاء الخلفاء أو بالمأمون على وجه التخصيص هم أهل الطبقةالسادسة والسابعة من المعتزلة يأتي علي رأس هؤلاء ثمامة بن الأشرس (ت 213 هـ)ويليه أبو الهذيل محمد العلاف (ت 235 هـ) ثم أبو أسحق إبراهيم بن سيار النظام (ت231 هـ) وأبو بكر عبد الرحمن بن كيسان الأصم (ت 225 هـ) وكذلك أبو موسى عيسى بنصبيح المردار راهب المعتزلة ت (226 هـ) وأستاذ الجعفرين: جعفر بن حرب وجعفر بنمبشر ولاستكمال صورة الروابط بين المعتزلة والمأمون لا بد من الإشارة إلى صلة هذاالخليفة بثلاثة رجال ينسبون كلهم،أو بعضهم إلى المعتزلة هم الجاحظ (ت 255 هـ) وبشرالمريسي (ت 218 هـ) وأحمد بن أبي دؤاد (ت 240 هـ) وكتاب طبقات المعتزلة جعل أحمدبن دؤاد والجاحظ من الطبقتين السادسة والسابعة باستثناء بشر المريسي فلا علاقة لهبالمعتزلة يقينا مع أن الدكتور جدعان لم يشر إلى ذلك .
    وكتابالمحنة يبين علاقة هؤلاء بالتفصيل مع المأمون من (ص 65- ص 98) من خلال العرض يتبينوخاصة العرض من خلال علاقة ثمامة والمأمون أن المأمون ليس معتزليا وهذا ما أكدهالكتاب انظر (ص 65 – 69) وذلك حسب قول أمين نايف ذياب.
    أما القسمالثالث من الفصل الأول وهو آخر قسم في هذا الفصل فأنه مكرس لفحص علاقة أحمد بن أبيدؤاد في المحنة فأحمد بن دؤاد متقلدٌ أسمى مناصب الدولة منصب قاضي القضاة ومهامقاضي القضاة جسيمة أولها اختيار القضاة وعزلهم وبالتالي الإشراف على عملية فصلالخصومة سواء بين طرفين مشخصين أو بين طرف مشخص وآخر هو حق الطاعة أو حق الإسلامأو حق الأمة الإسلامية ولا بد من أن ينهض بأعباء وظيفة ولهذا كان لا بد من أن يكونالمرجع في الامتحان، وإذ يقوم بذلك فإنما يقوم به حسب مذهبه.
    ويذهبالدكتور جدعان إلى أن ابن أبي دؤاد لم يكن متعطشاً للدم والسلطة والقسر، ولا شكانه كان ذا عرق نبيل أبي النفس كريماً، وليس أدل على ذلك منموقفه من أهل الكرخ حين رقق المعتصم حتى أطلق له مالاً قسمه على الناس، فضلاً عنمال عنده،ويخرج الدكتور جدعان في كتابه المحنة قائلاً " والمدقق في وقائعالمحنة يتبين بوضوح أن أحمد بن أبي دؤاد كان يحاول دوماً التخفيف من حدتها والبحثعن الوسائل المجدية من أجل ذلك " وينفي الدكتور جدعان أية علاقة لأبي جعفرمحمد بن عبد الله الإسكافي (ت 240 هـ) والذي أعجب به المعتصم إعجابا شديداً فقدمهوأوسع عليه، ومع هذا فلا علاقة له بالمحنة ومع رحيل المعتصم سنة (227 هـ) وتوليالواثق (227- 232 هـ) لا يشك الدكتور جدعان أن علاقة احمد بن أبي دؤاد بالواثق هينفس علاقته بالمعتصم أي علاقة الوظيفة لا غير، فلماذا يتحمل المعتزلة ولم يكونواخلفاء الدولة، بل أن أكثرهم على عدم ولاء للدولة إلى حد القطيعة، والذين اتصلوابخلفاء الدولة إنما اتصلوا بحكم الوظيفة، أو بحكم الإعجاب بهم . أو بحكم حضورجلسات الجدال في أيام المأمون، ولم يكن ما أصاب ابن أبي دؤاد وأهله من محن على يديالمتوكل، راجع إلا لأنهم كلهم سواء بالاهتمام بالحفاظ على سلطتهم السياسية وفيسبيلها ولا جلها يكون ما يظهر من مواقف عقدية، وذلك حسب قول أمين نايف ذياب..
    ويعنونفهمي جدعان الفصل الثاني ويستغرق الصفحات من (111- 187) وهو هنا يؤرخ للمحن كواقعتاريخي (المقصود بالمحنة امتحان الفقهاء والقضاء وأهل الحديث بل والشهود بمقولتهمفي القرآن) ومن تعرض لمثل هذا الامتحان من الكثرة منهم من يذكر التاريخ ومنهم منلا يذكره فعلام ارتباط المحنة بأحمد بن حنبل دون غيره؟ مع أن المصادر التاريخيةتجمع على أنه لم يجلد أكثر من (68) سوطاً على ثلاث فترات لقد استطاع الإعلامالحنبلي الميكافيلي أن يضخم صورة تلك المحنة بحيث ارتبطت بأحمد بن حنبل، والقارئللمحنة (كما جمعها ابن عمه وتلميذة حنبل بن اسحق) يدرك الفجوات الواضحة والكثير فيسياق هذه المحنة، وهذا وحده كاف كدعوة للدخول إلى دراسة دواعي المحنة ورجالها. أماالفصل الثالث في كتاب المحنة الذي يستغرق الصفحات من (187 – 263) وهي دراسة تركزعلى رسائل المأمون في محاولة لاكتشاف الدواعي من خلال الوعي على المعطى التي تقدمهتلك الرسائل ولاكتمال الصورة، وجه الكتاب النظر إلى الممتْحَنين من حيثُ واقعهمالعقدي وواقعهم العملي، ولقد ركز المأمون في رسائله على بيان الصور القاتمة فيواقعهم العملي، وقد بلغ عدد من توجهت الدراسة إليهم أربعون شخصاً يتوزعون علىالعراق والشام ومصر ويتوزعون من ناحية أخرى على أهل الحديث وأهل الرأي والفقهاءوواحد منهم هو عم الخليفة المدعو إبراهيم بن المهدي ليس من هؤلاء .
    وفي آخرالفصل الثالث يحاول الكتاب بناء صورة لفكر المأمون وعقيدته مع أن المادة المتيسرةلمثل هذه الدراسة قليلة ولا تفي بالغرض، ويتعرض من خلال الهامش ص (233- 235)لنظريات تفسر الدواعي التي أدت إلى قيام المأمون بجعل الإمام الثامن للشيعة الاثناعشرية وليا لعهده، ويخرج الكتاب بصورة عقدية وفكرية وواقعية تخالف ما استقر فيالأذهان عن المأمون وليس من وجاهة نقل صورة عن الممتحنين من مصادر تعد في موقعالتحيز لهم.
    أما الفصلالرابع وهو أهم فصول الكتاب بل تعتبر الفصول السابقة مقدمة له والذي يعنونهالدكتور باسم تسويات لحساب التاريخ ص (267 – 290) فهو يكشف عن واقع دور المعتزلةفي المحنة، معلناً أن لا علاقة للمعتزلة في هذه المحنة، ويكشف حقيقة أهل الحديث ـوخاصة أبو مسهر الدمشقي وأحمد بن حنبل ـ وقيام سلطة لهم من خلال العامة موازيةللسلطة، بل والتهديد الفعلي لها، وأنهم أصحاب هوى أموي، وقد شارك أبو مسهر بالذاتفي الثورة مع السفياني (195- 198 هـ) ورغم القضاء على ثورة السفياني ومرور عقدينعليها إلا أن المأمون يكشف عام (217 هـ) أثناء زيارة لدمشق استمرار الهوى الأمويفيها مما جعله يدرك الخطر، خطر أهل الحديث إدراكاً واقعياً ويشعر قارئ هذا الفصلبمقدار كبير من الإثارة، وذلك حسب قول أمين نايف ذياب .
    ويختمالكتاب في الفصل الخامس بعنوان جدلية الديني والسياسي ص (293 – 359) ليرى أن قضيةالمحنة محكومة بالصراع على سلطة، وهي هنا بالتأكيد الصراع بين الديني والسياسي،ولكن الدكتور لا يبين لنا الفروق الواضحة بين ما هو سياسي وبين ما هو ديني، وهل منالحكمة أن تتكون حدوداً فاصلة بين ما هو ديني وبين ما هو سياسي؟!؛ وذلك حسب قولأمين نايف ذياب. والذي سوف نعرض لقوله تفصيلاً فيما بعد.
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  10. #30
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,112
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    11:17 AM

    افتراضي

    إذ لا شك أن أحدهما يؤثر في الآخر على وجه ما، وإذا كانت غاية الديني الآخرة من خلال الالتزام بالدين، فإن غاية السياسي الإسلامي السلطوي الآخرة من خلال إحسان العمل السياسي، طبعا المقصود السياسي الراشد، لقد نقلنا الدكتور في كتابه القيم ضمن رحلة شيقة في التاريخ من خلال المراجعة للمحنة ومحاولة الوصول للأسباب المختفية وراءها وهذا ما يحاول الكتاب إبرازه وبيانه جلياً واضحاً لحساب التاريخ كما قرر الدكتور في مدخله.
    والفكرة المحورية التي أرادها فهمي جدعان في دراسته القيمة هذه هي بيان صراع السلطة السياسية مع سلطة موازية تعتمد على العامة هي سلطة الديني أي سلطة أهل الحديث خاصة. فهما أي السلطة السياسية والسلطة الدينية طرفاً المحنة ومع الإشارة للعلاقة ما بين ثورة السفياني (195- 198) وسلطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للوقوف أمام الفوضى في بغداد أثناء صراع الخليفتين الأمين والمأمون، وإذ تتوجت أعمال أهل الحديث بثورة أحمد بن نصر الخزاعي ومقتله بيد الواثق على تلك الصورة سنة (231 هـ) انتهي خطر أهل الحديث، ولهذا أصبحت الأجواء مهيأة لإعلان الانقلاب والعودة لرأي أهل الحديث في المسائل العقدية التي آثارها المعتزلة وخاصة مسألة خلق القرآن ولهذا ما أن توفي الواثق حتى أعلن أخوه المتوكل قراره بمنع المناقشة والمجادلة في تلك المسألة وغيرها، مع إبقاء أحمد بن حنبل وهو من أهم مراكز الخطر على الدولة العباسية في حالة سجن شرف في سامراء دون تمكينه من العودة لتحديث العامة تلك التي شكلت قلقا دائماً للمأمون .
    والختام اللائق بهذا العرض القاصر عبارة أوردها الدكتور جدعان في بداية مدخله للكتاب إذ قال " وليس يخفى على أحد أن مسألة محنة خلق القرآن قد احتلت مكاناً فسيحاً في مصادرنا العربية وفي حياتنا الثقافية الاتباعية والحقيقة أن الذي بتابع الوقائع وينظر إليها من أجل الفهم فإن عليه أن يعد نفسه لحالة من الإعياء الشديدة.
    وأخيراً هل في فتح هذه المسألة من جدوى أو نفع لأحد والجواب؟ إن الضرورة تحتم فتح هذه المسألة ليس لإشكاليتها العقدية في موضوع العدل، ولأهميتها في موضوع التوحيد وليس لحساب التاريخ أيضاً بل لضرورتها كمشكلة لا تزال تثير الشقاق بين الفرق الإسلامية المتواجدة والموزعة على العالم العربي ولقد كانت هذه المشكلة محوراً من محاور التكفير للإباضية في رسالة من ابن باز لطالب عربي يدرس في الولايات المتحدة مما حدا بالشيخ أحمد الخليلي أن يقوم بإصدار كتاب يعالج المسائل الثلاث: الرؤية وخلق القرآن وخلود العصاة من زاوية خلافية.
    إنَّ الدليلَ على أنَّ المحنة، لم تكن من صنيع المعتزلة ـ رغم قول المعتزلة بخلق القرآن إجماعا ـ فأساس قول المعتزلة بخلق القرآن، بُني على أنـها مسألة من مسائل العدل، بينما هي عند الجبرية من مسائل التوحيد، والقارئ لنقاشات المحنة، يراها تدور حول التوحيد، أي حول انفراد الله بالخالقية، وحول علم الله الأزلي، وليس حول العدل، وهذا يكشف أنَ أيام المأمون، والمعتصم والواثق لم تكن زمناً اعتزالياً وإنما هو زمن عباسي، يرفض التشبيه، ويقبل الجبر ويمارس الجور أما في أيام المتوكل فهو يقبل التشبيه، والجبر، ويمارس الجور، ويزيد على ذلك ارتكاب الأعمال الحرام [ يقصد من ارتكاب الأعمال الحرام أعمال المتوكل نفسه في شربه المسكر وفي الأمة بممارسة سياسة الظلم في الرعية ] ويقيم سياسة غاية في السوء مع أهل الكتاب، ويقهر التفكير، ويمنع الجدل، ويهبط مستوى العلم، ويبدأ عصر استهانة العسكر التركي بالخلفاء وزيادة في التقرب للنواصب، يعمد إلى هدم قبر الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام .
    ويعلن الدكتور فهمي منذ البداية في المدخل (ص 12) أنه يسير تماماً في الاتجاه المعاكس لمجرى التيار وذلك عند أمرين اثنين على الأقل.
    الأول: أنه نأى بالمعتزلة نأياً يشبه أن يكون تاماً عن عملية الامتحان التي نسبت إليهم وأنه يَرُدُّ الأمور إلى نصابها في هذا الشأن لحساب التاريخ،
    والثاني
    أنه يريد أن ينظر في مسألة المحنة كحالة تبين إبانة بينة عما يمكن أن تكون عليه صيغة العلاقة بين السلطة أو الأمر من وجه وبين الطاعة من وجه آخر في دولة هي دولة الخلافة لا شيء يحول اعتبارها أكمل ممثل تاريخي لما وصل إليه الملك في الإسلام.
    ويقتضي التاريخ التحفظ على المحور الثاني وخاصة اعتبار الخلافة المركزية الممثل التاريخي لما وصل إليه الملك في الإسلام إذ تتضمن هذه العبارة إسقاط المحور التاريخي المتمثل في العديد في المحاولات لإزاحة هذا الملك العضوض ومع أن الكتاب في فصله الثالث " الدواعي والرجال " يشير إلى بعض من هذه المحاولات ولكنه لا يربط هذه المحاولات في الأسس الفكرية التي يستند عليها.
    ومع أن الدكتور جدعان أعلن بداية انه غير معني ببحث الوجه العقدي في قضية خلق القرآن إلا أنه اضطر في المدخل الذي استغرق الصفحات من (11- 44) أن يتعرض للأقوال المتعددة في مسألة خلق القرآن متعرضاً للرأيين اللذين يستحيل التوفيق بينهما على وجه ما وعرض أربعة آراء أخرى تشكل مواقف متوسطة أساسية متوقفاً عند حدود العرض مما يجعل القارئ محتاراً لا يدري بعد أن ادخله الكتاب إلى صميم هذه المسألة ما رأي الدكتور في تلك المسألة، ولقصور حيثيات المسائل المعروضة يبقى القارئ في حالة من الفراغ حول هذه المسألة، إلاَّ القارئ الذي له موقف مسبق في هذه المسألة .
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



صفحة 3 من 5 الأولىالأولى ... 2 3 4 ... الأخيرةالأخيرة

الخليفة المأمون المفترى عليه

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. حوار لبيان المفترى من الكلام مع السيد المسيح عليه السلام
    بواسطة هريدى المصرى في المنتدى حقائق حول عيسى عليه السلام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 29-11-2014, 02:01 PM
  2. ثعلبه الصحابى المفترى عليه
    بواسطة ابو اسامه المصرى_1 في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-03-2012, 01:55 AM
  3. رد الشيخ د. عبدالرحمن الأطرم المختصر على الإختلاط المفترى عليه
    بواسطة فريد عبد العليم في المنتدى المنتدى الإسلامي العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 13-12-2009, 01:00 AM
  4. الاسلام هذا الدين المفترى عليه
    بواسطة محمد ابوقاسم في المنتدى الرد على الأباطيل
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 08-02-2009, 01:54 AM
  5. الرد على بولس الرسول المفترى عليه
    بواسطة kholio5 في المنتدى مشروع كشف تدليس مواقع النصارى
    مشاركات: 22
    آخر مشاركة: 07-05-2008, 02:47 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

الخليفة المأمون المفترى عليه

الخليفة المأمون المفترى عليه