الخليفة المأمون المفترى عليه

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

لمسات بيانية الجديد 10 لسور القرآن الكريم كتاب الكتروني رائع » آخر مشاركة: عادل محمد | == == | الرد على مقطع خالد بلكين : الوحي المكتوم المنهج و النظرية ج 29 (اشاعة حول النبي محمد) » آخر مشاركة: محمد سني 1989 | == == | قالوا : ماذا لو صافحت المرأة الرجل ؟ » آخر مشاركة: مريم امة الله | == == | () الزوجة الصالحة كنز الرجل () » آخر مشاركة: مريم امة الله | == == | مغني راب أميركي يعتنق الإسلام بكاليفورنيا » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | الإعجاز في القول بطلوع الشمس من مغربها » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | الكاردينال روبيرت سارا يغبط المسلمين على إلتزامهم بأوقات الصلوات » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | لمسات بيانية الجديد 8 لسور القرآن الكريم كتاب الكتروني رائع » آخر مشاركة: عادل محمد | == == | الرد على شبهة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنهما بعمر السادسة و دخوله عليها في التاسعة » آخر مشاركة: محمد سني 1989 | == == | المصلوب بذرة ( الله ) ! » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == |

مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

    

 

 

    

 

الخليفة المأمون المفترى عليه

صفحة 2 من 5 الأولىالأولى 1 2 3 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 49

الموضوع: الخليفة المأمون المفترى عليه

  1. #11
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,112
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    12:17 PM

    افتراضي

    ومن المعقول أيضًا أن ينكر الأمين ذلك من ناحيته أيضًا، والمعقول أن يبدأ بالتدبير على المأمون ليصدف عنه قلوب رجاله، وأن تتسلسل الحلقات وتستطرد الإجراءات المحتومة الوقوع في مثل هذه الحالات.
    وربما كنا على حق إذا قلنا: إن النزاع أضحى بين الفضلين؛ ابن سهل وابن الربيع، وانقلب عنيفًا أعظم العنف، فقد كان بين كفايتين لا يعرفان الونية ولهما من الحصافة وثقوب البصيرة، ومن سعة الحيلة وفَدْح الخَتْل، ومن وفرة الحنكة وغناء الاختبار، ومن مضاء العزيمة وثروة الذهن، لهما من ذلك كله وما إلى ذلك من شتى الصفات السياسية ما لا قبل لأحدهما به من صاحبه، فلكلٍّ من صاحبه بواء ونديد، ومُنازِل عنيد، وكميٌّ صنديد.
    وقد أثار موقف الأمين من أخيه غضب أهل خرسان؛ فانحازوا إلى المأمون ضد أخيه، وكان على رأس المؤيدين “هرثمة بن أعين” قائد الجند، و” طاهر بن الحسين” الذي خرج على رأس جيش كبير معظمه من الفرس من خراسان.
    وفي المقابل جهز الأمين جيشًا مكونا من ثمانين ألف مقاتل معظمهم من عرب البادية، وجعل عليه علي بن عيسى”، وكان يكره أهل خراسان؛ لأنهم دسوا عليه عند الرشيد، فعزله من ولاية خراسان وحبسه، حتى أطلقه الأمين واتخذه قائدًا لجيشه.
    والتقى الجيشان على مشارف “الري”، ودارت بينهما معركة عنيفة، كان النصر فيها حليفًا لجيش المأمون بقيادة “طاهر بن الحسين”، وقُتل “علي بن عيسى” قائد جيش الأمين.
    وأعلن طاهر بن الحسين خلع الأمين، ونادى بالبيعة للمأمون بالخلافة؛ فأرسل الأمين جيشًا آخر قوامه عشرون ألف مقاتل، وجعل على رأسه “عبد الرحمن بن جبلة الأبنادي”، لكنه لقي هزيمة منكرة وقُتل الكثير من جنوده، وما لبث أن قُتل.
    وأرسل الأمين جيشًا ثالثًا بقيادة “أحمد بن مزيد” على رأس أربعين ألف مقاتل من عرب العراق، ولكن طاهر بن الحسين استطاع أن يبث جواسيسه داخل ذلك الجيش فأشاعوا الفرقة بين قواده وجنوده حتى اقتتلوا وانسحبوا عائدين قبل أن يلقوا خصومهم.
    ولم يستطع الأمين أن يجهز جيشًا آخر لملاقاة أهل خراسان، بعد أن رفض الشاميون السير معه، وانضم عدد كبير من جنوده وأعوانه إلى خصومه، وفر كثير منهم إلى المدائن.
    حصار بغداد وسقوط الأمين
    وقد سادت الفوضى والاضطراب “بغداد” عاصمة الخلافة؛ حتى قام “الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان” بانقلاب ضد الأمين، وأعلن خلعه من الخلافة، وحبسه هو وأمه زبيدة في قصر المنصور في (رجب 196 هـ = مارس 812م)، وأعطى بيعته للمأمون، لكن فريقًا من أنصار الأمين استطاعوا تخليصه من الأسر، وأعادوه إلى قصر الخلافة.
    وتقدم جيش المأمون نحو بغداد فحاصرها خمسة عشر شهرًا، وضربها بالمجانيق حتى أصيبت بأضرار بالغة، وتهدمت أسوارها، وأصابها الخراب والدمار، وسادت فيها الفوضى، وعمت المجاعات حتى اضطر الأمين إلى بيع ما في خزائنه للإنفاق على جنوده وأتباعه.
    قتل الأمين

    ولقد ضيق طاهر وهرثمة على الأمين الخناق، وفكَّرا فيمن يتسلَّم الأمين ليكون له قصب السبق، وإنه لمن المؤلم حقًّا أن ترى الأمين وهو يُقبِّل أولاده، ومن المؤلم أن تسمعه وهو يقول: «وددت أن الله قتل الفريقين جميعًا، فما منهم إلا عدوٌّ من معي ومن عليَّ، أما هؤلاء فيريدون مالي، وأما أولئك فيريدون نفسي!» وقال:
    تفرقوا ودعوني / يا معشر الأعوان
    فكلكم ذو وجوه / كثيرة الألوان
    وما أرى غير إفك / وتُرَّهات الأماني
    ولست أملك شيئًا / فسائلوا خُزَّاني
    فالويل لي ما دهاني / من نازل البستان؟
    وإنه لمن المؤلم حقًّا أن يتفقا على أن يأخذ أحدهما بدنه، والآخر خاتم الخلافة وشاراتها! ومن المؤلم حقًّا أن تُختم حياته بمأساته المُروِّعة.
    وبدأت المدينة تتهاوى حتى سقطت أمام جنود المأمون، وتم القبض على الأمين ووضعه في السجن. وفي ليلة (25 من المحرم 198 هـ = 25 من سبتمبر 813م) دخل عليه جماعة من الفرس في محبسه، فقتلوه .
    والسؤال الأن هل قتل الخليفة المأمون أخاه الخليفة الأمين؟..
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  2. #12
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,112
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    12:17 PM

    افتراضي

    بداية لقد نقض الخليفة الأمين العهد الذي قطعه على أبيه خليفة المسلمين هارون الرشيد واعلانه البيعة بولاية العهد لابنه موسى وسماه “الناطق بالحق”، وأمر بالدعاء له على المنابر بعده، وقطع ذكر المأمون والمؤتمن. وبذلك يكون قد نكث عما أخذه عليه أبوه الرشيد من عهود ومواثيق.
    فما هو حكم ناكث العهد في الإسلام؟..
    إنّ احترام المواثيق، والوفاء بالعهود، شرط ضروري لاستقرار الحياة الاجتماعية واستقامتها، إذ الثقة المتبادلة ركن أساس لهذه الحياة، ولا تتحقّق هذه الثقة المتبادلة إلا بالوفاء بالعهود، والاحترام المتقابل للمواثيق والوعود، ولهذا، أمر الله سبحانه وتعالى بلزوم الوفاء بالعهد، وقال: «وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُول» (الإسراء: 34). ويقول عن صفات المؤمنين: «وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ» (المؤمنون: 8). وتبلغ أهميّة ذلك، أنّ القرآن كما يمدح الموفين بالعهد، ويقول: «الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنقُضُونَ المِيثَاقَ» (الرعد: 20)، يذمّ في المقابل الناقضين للعهود، ويقول عنهم: «وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ» (الرعد: 25). بل يشبّه الناقض للعهد بالمرأة الناقضة لغزلها، بعد أن تعبت على صنعه، إشارة إلى ما يتركه نقض العهد من اختلال في الحياة الاجتماعية، فيقول: «وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً» (النحل: 91 92). وقد تضافرت الأحاديث على التأكيد والإيصاء بهذا الأمر، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليف إذا وعد». وقال أيضاً: «أقربكم منّي غداً في الموقف، أصدقكم في الحديث، وأداكم للأمانة، وأوفاكم بالعهد». إنّ نقض العهد والميثاق خير دليل على فقدان الوازع الديني، وانعدام الشخصية الدينية، ولهذا قال النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم): «لا دين لمن لا عهد لهُ». إنّ الذي لا يرتاب فيه أحد، هو أنّ المشركين واليهود أشدّ الناس عداوةً للمؤمنين، كما صرّح القرآن بذلك، قائلاً: «لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا» (المائدة: 82). ومع ذلك، نجد القرآن الكريم يصرّح بلزوم احترام المواثيق والمعاهدات المعقودة مع المشركين، فيقول: «وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ المُشْرِكِينَ» (التوبة: 3 ــــ 4). نعم، أجاز الإسلام قتال المشركين إذا نكثوا إيمانهم وخالفوا عهودهم مع المسلمين، ولذلك قال سبحانه: «وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ)» (التوبة: 12). ولأجل أهميّة العهود والمواثيق المعقودة بين المسلمين وغيرهم من الحكومات والأطراف، أوصى الإمام عليّ (عليه السلام) واليه الأشتر باحترام المواثيق، إذ كتب في عهده المعروف: «وإن عقدت بينك وبين عدُوِّك عُقدةً أو ألبستهُ منك ذمّةً، فحُطْ عهدك بالوفاء، وارع ذمَّتك بالأمانة، واجعل نفسك جُنّةً دون ما أعطيت، فإنّهُ ليس من فرائض الله شيء الناسُ أشدّ عليه اجتماعاً مع تفرّق أهوائهم، وتشتّت آرائهم من تعظيم الوفاء بالعُهود». ومن نماذج التزام النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بمواثيقه وتعهّداته، ردّ أبي بصير إلى مكّة بعد توقيع ميثاق الحديبية، حيث التزم توخّياً للمصلحة في أحد بنود ذلك الميثاق، أن يردّ إلى المشركين كلّ مَن فرَّ من مكّة إلى المدينة واعتنق الإسلام، فلمّا قدم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة، أتاه أبو بصير، وكان ممّن حُبِس لإسلامه بمكّة، فلمّا قدم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كتبت فيه قريش إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) يطلبونه منه وفق ما التزم في صلح الحديبية وأرسلوا مَن يعيده إلى مكّة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «يا أبا بصير، إنّا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت، ولا يصلُحُ لنا في ديننا الغدر، وإنّ الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً، فانطلق إلى قومك». قال: يا رسول الله، أتردّني إلى المشركين يفتنونني في ديني؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «يا أبا بصير، انطلق، فإنّ الله تعالى سيجعلُ لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً». وقد فرّج عنه في ما بعد، كما وعده الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بإذن الله. سعادة الطاعة في فعل الخير للعطاء أوجه متعدّدة، يمكن أن يقدّمها الانسان للأشخاص المحيطين به، أو المقرّبين على وجه التحديد، بيد أنّ هناك مَن يرى أنّ العطاء قد يكون متشعّباً ويضحّي الإنسان من خلاله بأُمور كثيرة، مقابل أن يقدِّم السعادة للآخرين. ولأوجه العطاء أثر إيجابي على المدى البعيد، لأشخاص ضحّوا بحياتهم من أجل حياة آخرين.. فقد حضَّنا الإسلام على فعل الخيرات والعطاء والتكافل، حيث تبرز إنسانية الإنسان في وجهها المشرق الذي يملأ الحياة سعادةً وأُلفةً وطمأنينةً، والمجتمع المتوادّ والمتراحم والمعطاء الذي يضحّي أفراده في سبيل الآخرين، ويعطون من أوقاتهم وجهدهم وإمكاناتهم في سبيل رفع الحرمان ومساعدة الآخرين، هو مجتمع يعيش بالفعل روح الإسلام في الدعوة إلى الخيرات ونشر المحبّة والتآلف، وبذلك يتعزّز وضع المجتمع وتقوى أُسسه، وتتكرّس العلاقات الإنسانية فيه بأحسن صورها وأصدقها نبلاً. وعن الذين يقومون بفعل الخيرات، قال تعالى: «أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ» (المؤمنون: 61)، لأنّهم ارتكزوا في حياتهم على القاعدة الصلبة التي ينطلق منها كلّ خير، وهي الإيمان بالله وبتوحيده، والخوف منه، والمحبّة له، والوجل من المصير يوم الحساب، ولذلك فإنّهم ينتهزون كلّ فرصةٍ لعمل الخير، لئلا تفوتهم، فتفوتهم سعادة الطاعة ونتائجها السعيدة، فيسارعون فيها.. «وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ» (المؤمنون: 61)، لأنّ مَن يسارع إلى الهدف الذي يحبّه، لا بدّ من أن يسبق الناس إليه.. وتلك هي الجنّة التي يتنافس فيها المتنافسون، وينطلق إليها المتسابقون، «وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا» (المؤمنون: 62)، فلكلٍّ طاقته على عمل الخير، وعليه القيام بما يستطيعه منه، فلن يطلب الله منه أكثر من ذلك، لأنّ الله لا يكلّف عباده بما لا يطيقون، لأنّه ظلم لا يصدر عنه سبحانه وسيجزيه الله جزاء ذلك، «وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ» (المؤمنون: 62) يسجِّل لعامل الخير كلّ دقائقه وخفاياه، «وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ» (المؤمنون: 62) شيئاً من ذلك، بل يأخذونه وافياً كاملاً غير منقوص.
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  3. #13
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,112
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    12:17 PM

    افتراضي



    اهتم القرآن الكريم بمسألة الوفاء بالعهود، ولم يتسامح فيها أبداً؛ لأنها قاعدة الثقة التي ينفرط بدونها عقد الجماعة ويتهدم. وجعل من الفضائل فضيلة الوفاء بالعهد، واحترام الوعود، فقد أمر سبحانه عباده المؤمنين بالإيفاء بالعقود، فقال سبحانه: {
    أوفوا بالعقود} (المائدة:1)، وجعل الالتزام بالعهود والوعود من المسؤوليات التي يحاسب عليها المؤمن، فقال عز وجل: (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا (الإسراء:34.
    من أجل ذلك، كان نقض العهد نقيصة مخجلة؛ لأن الإنسان يحيد بها عن حق الله تعالى، وحق عباده؛ ذلك أن من ينقض ما عاهد الله عليه، من السهل أن ينقض عهود الناس، وألا يلتزم بوفاء الوعود، ما يجعل العلاقات الإنسانية عرضة للمخاطر التي تجلب الأضرار المادية والمعنوية، وتلحق الأذى والدمار بالصلات والروابط على اختلافها.
    والنصوص القرآنية هنا لا تقف عند حد الأمر بالوفاء، والنهي عن النقض، بل تستطرد لضرب الأمثال، وتقبيح نكث العهد؛ إذ القصد بالأمثال صرف المكلف عن مضمونها إذا كان قبيحاً، والدعاء إليه إذا كان حسناً.
    ولهذا، بعد أن أمر الله بالعدل والإحسان، ونهى عن المنكر والعدوان، أعقب ذلك بقوله سبحانه: (وأفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان} (النحل:91}، توجيهاً للناس نحو الحق والخير، وأمراً لهم بالوفاء بالعهد، ونهياً عن نقض الأَيمان.
    ثم ضرب الله سبحانه مثلاً توضيحيًّا للذين ينقضون بالعهود، ولا يوفون بالوعود، فقال عز من قائل: {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا} (النحل:92)، فجاء هذا المثل من واقع الناس، يرونه في حياتهم. حيث يأمرهم ربهم بألا يكونوا مثل تلك المرأة الحمقاء الخرقاء، التي تغزل صوفها بإحكام، ثم تعود وتحل ما غزلته، فيذهب تعبها وعملها سدى، وبحسب التعبير القرآني: {أنكاثا}، أي: قطعاً متفرقة، أو خيوطاً مبعثرة، لا تصلح في حياكة ثوب، أو صُنع شيء يُنتفع به.
    وقد تحدث سيد قطب رحمه الله عن هذا المثل، فقال: "مثل من ينقض العهد مثل امرأة حمقاء ملتاثة ضعيفة العزم والرأي، تفتل غزلها، ثم تنقضه، وتتركه مرة أخرى قطعاً منكوثة ومحلولة! وكل جزئية من جزيئات التشبيه تشي بالتحقير والترذيل والتعجب. وتشوه الأمر في النفوس، وتقبحه في القلوب، وهو المقصود. وما يرضى إنسان كريم لنفسه أن يكون مَثُلُه كمثل هذه المرأة الضعيفة الإرادة، الملتاثة العقل، التي تقضي حياتها فيما لا غناء فيه!".
    والمراد من ضرب هذا المثل التحذير والتخويف من سوء عاقبة نقض العهود والمواثيق، والحث على الوفاء بها، وبيان أن فعل ذلك كمثل المرأة التي غزلت غزلاً وأحكمته، فلما استحكم، نقضته فجعلته أنكاثاً. قال الألوسي: "ففي الآية تشبيه حال الناقض بحال الناقض في أخس أحواله؛ تحذيراً منه، وأن ذلك ليس من فعل العقلاء، وصاحبه داخل في عداد حمقى النساء".
    أما الشيخ الشعراوي فقد قال عن المراد من هذا المثل ما نصه: "فكأن القرآن شبه الذي يعطي العهد ويوثقه بالأيمان المؤكدة، ويجعل الله وكيلاً وشاهداً على ما يقول بالتي غزلت هذا الغزل، وتحملت مشقته، ثم راحت فنقضت ما أنجزته، ونكثت ما غزلته...والحق تبارك وتعالى بهذا المثل المشاهد يحذرنا من إخلاف العهد، ونقضه؛ لأنه سبحانه يريد أن يصون مصالح الخلق؛ لأنها قائمة على التعاقد والتعاهد والأيمان التي تبرم بينهم، فمن خان العهد، أو نقض الأيمان لا يوثق فيه، ولا يُطمأن إلى حركته في الحياة، ويُسقطه المجتمع من نظره، ويعزله عن حركة التعامل التي تقوم على الثقة المتبادلة بين الناس".
    ويُستدل من هذا المثل على وجوب احترام معاهدات الصلح والاتفاق بين الأمم، وعدم نقضها من طرف واحد؛ لأن الأصل في ذلك توافق إرادة الطرفين المتعاهدين على إلغاء المعاهدة أو وقفها، وأن يُقصد بها الإصلاح والعدل والمساواة، فتبنى على الإخلاص دون الغش والخداع والمكر؛ ذلك أن الإسلام يريد الوفاء بالعهد والمعاهدات، وعدم اتخاذ الأيمان ذريعة للغش والخداع. وعلى هذا الأساس السليم والمتين من الوفاء بالعهود والوعود قام بناء الدولة الإسلامية؛ فنَعِمَ العالم بالطمأنينة والثقة في المعاملات الفردية والدولية، يوم كانت قيادة البشرية لهذا الدين القويم.
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  4. #14
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,112
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    12:17 PM

    افتراضي

    في الوفاء بالعهود

    الإسلام يجعل العلاقات بالآخر تقوم على العهود والمواثيق ومدى ما يوفره المسلم من ضمانات لاستمرارها وثباتها ذلك لأن هذه المواثيق والعهود الله تعالى طرف فيها، وصيانة العهود والمواثيق هي في حقيقتها حماية للمبادئ والقيم التي دعا إليها الإسلام، وشدد في وصاياه للمسلمين على أن يصونوها ولا يفرطوا فيها، بل اعتبرها من معالم الصراط المستقيم الذي نسأله ليلا ونهارًا أن يهدينا إليه، يقول تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مسؤولا) (الإسراء/ 34).
    وحذر الإسلام أشد التحذير من نقض العهود والمواثيق، فقال تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) (النحل/91) والإسلام يحذر أتباعه من خيانة العهود والمواثيق حتى ولو كانت مع الكفار الذين يريدون الشر بالإسلام والمسلمين ذلك لأن الله تعالى طرف في العهود والمواثيق ويجب ألا تخفر ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم.
    والإسلام يشدد على الوفاء بالعهود حتى ولو كانت مع غير المسلمين، بل حتى من يناصب الإسلام العداء، فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال «ما منعني أن أشهد بدرًا إلا أني خرجت أنا وأبى حسيل، قال: فأخذنا كفار قريش، قالوا إنكم تريدون محمدًا، فقلنا: ما تريده، ما نريد إلا المدينة، فأخذوا علينا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة، ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فأخبرناه الخبر، فقال: انصرفا، تفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم» رواه مسلم.
    أي التزام بالعهود كهذا الالتزام ومع من مع كفار يريدون الشر بالمسلمين؟ ولو غير رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي وصفه مولاه سبحانه بقوله: (وإنك لعلى خلق عظيم) (القلم/4) لاستغل هذا الظرف ونقض العهد معهم لكنه صلوات ربي وسلامه عليه وفى لهم بعهدهم واستعان بالله تعالى على حربهم، والنصر من عند الله تعالى مهما تعاهد الأعداء عليك، وتداعوا عليك من كل جانب.
    إن أخلاقيات الإسلام تمنعه من أن ينقض العهود والمواثيق، وتحدثنا السيرة المباركة أنه (صلى الله عليه وسلم) عندما دفع عهد الصلح بينه وبين قريش، وقبل أن يجف الحبر جاء ابن سهيل بن عمر هاربًا من قريش، فقال سهيل مندوب قريش للرسول (صلى الله عليه وسلم) العهد بيننا وبينكم أن تعيدوا إلينا من جاءكم مسلمًا ونحن لا نعيد إليكم من جاءنا كافرًا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صدقت لك ذلك، فقال ابن سهيل كيف ترجعوني إليهم قد آمنت بالإسلام؟
    فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صبرًا لعل الله تعالى يجعل لك من ذلك مخرجًا، وفعلا عندما أرجعه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إليهم ورأى بعض المسلمين في ذلك غبنا ولم يدركوا الحكمة النبوية البالغة فلما وفى الرسول (صلى الله عليه وسلم) بعهده لهم هرب منهم وقطع عليهم الطريق حتى طلبوا من الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن يستعيده فرجع إلى جماعة المسلمين وجاهد معهم الكفار.
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  5. #15
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,112
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    12:17 PM

    افتراضي

    معالم قرآنية في الصراع مع اليهود

    الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ ﴾ [الأنفال: 56] ﴿ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة: 100].
    ينظر اليهود إلى العهود والمواثيق التي يوقعونها مع غيرهم إنها توقع للضرورة ولغرض مرحلي ولمقتضيات مصلحة آنية، فإذا استنفذ الغرض المرحلي، نقض اليهود الميثاق من غير استشعار بأي اعتبار خلقي أو التزام أدبي، فاللجوء إلى العهود والمواثيق ما هو إلا حالة اضطرارية إن لم يستطع اليهود تجاوزها بالحيلة والخداع والتزوير، أو خشوا البطش بهم أو القضاء على مصالحهم المادية.
    ولكن عندما تتوافر الظروف المناسبة، وتزول الحالة الطارئة التي اقتضت التوقيع على الميثاق، فلا بد من إزالة هذا القيد الذي هو يقيد تصرفاتهم أو يحد من حركتهم للوصول إلى هدفهم الذي يسعون إليه.
    ويشير القرآن الكريم إلى هذه الطبيعة الماكرة في اليهود في قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ * فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ﴾[الأنفال: 56 – 58].
    إن العلاج الناجع لمثل هؤلاء القوم الذين اعتادوا نقض العهود المرة تلو المرة ينبذ إليهم عهدهم وألا يدخل معهم في ميثاق، وإنما تعد لهم القوة التي ترهبهم فهؤلاء لا يستقيمون على شرعة إلا إذا كانت القوة تهددهم، فلا ينبغي أن يكون العهد ملتزماً به من جانب واحد فيصبح له قيداً يثقل كاهله بينما الطرف الآخر لا يتقيد به وينتهز الفرص. ولكن الفرق بين المؤمنين وغيرهم، أن المؤمن يُعلم عدوه بنبذ العهد جهاراً لقاء عدم التزام العدو به فيكون في حل منه، أما العدو فيخاتل وينقضه سراً من غير أن يجرؤ على البوح بمقصده.
    وهذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع يهود بني قينقاع فقال: "إني أخاف من بني قينقاع فنبذ إليهم عهدهم وكان من الأمر ما كان".
    وسياسة اليهود في نقض العهود أن ينبذه فريق منهم ويبقى فريق محافظاً على العهد وذلك تجنباً للاستئصال، فإن لقي الناقضون للعهد جزاء رادعاً، لم يقدم الآخرون على ذلك، أما إن سلموا من العقوبة والتأديب لحق بهم الآخرون في النقض والتفلت من الميثاق.
    وهذه السياسة أشار إليها القرآن الكريم في معرض الحديث عن اليهود ﴿ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة: 100] أكثرهم لا يؤمنون بالعهد ومضمونه وإنما يلتزمون به ظاهراً ويعملون على تعطيله وإلغائه باطناً. وتأتي بعد هذه الآية ما يشعر بأنهم قد تحرروا من أكبر عهد وميثاق أخذه الله عليهم ولم يلقوا له بالاً فما بالك بالعهود التي يقطعونها على أنفسهم مع البشر. حيث يقول جل شأنه: ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 101].
    لقد كان ضمن ما نزل عليهم في التوراة أنهم إن أدركوا زمان آخر الأنبياء أن يؤمنوا به ويتبعوه وينصروه، وأغلظ الميثاق عليهم في ذلك كما جاء في قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 81 – 82].
    إن من يلقي بعهد الله وراء ظهره، فكيف يظن به أن يحافظ على المواثيق مع البشر بل إنهم يطبقون ما نصت عليه توراتهم المحرفة. جاء في التوراة (فلا تقطعوا عهداً مع سكان هذه الأرض) انظر سفر القضاة 2/2.
    وينص التلمود. (على اليهودي أن يؤدي عشرين يميناً كاذبة، ولا يعرض أحد إخوانه اليهود لضرر ما)، انظر الكنز المرصود ص 95 نقلاً عن صراعنا مع اليهود في ضوء السياسة الشرعية/102.
    هذا كان موقفهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، غدر يهود بني قينقاع بعد غزوة بدر وساءهم انتصار المسلمين على المشركين.
    وغدرت بنو النضير بعد غزوة أحد وتجرأوا على المسلمين بعد أن أصابهم ما أصابهم في أحد.
    وغدرت بنو قريظة يوم الأحزاب وتمالؤوا مع المشركين على طعن المسلمين من الخلف، فكان من أمرهم أن منهم من أجلي ومنهم من أسر ومنهم من قتل جزاءاً وفاقاً لغدرهم وخياناتهم.
    واليوم يعيد التاريخ نفسه، كم هدنة وقعت مع اليهود، فكانت كل هدنة تمهد لحرب لاحقة وتضم إلى أراضي إسرائيل أرض جديدة.
    واليوم يقدم العرب على تجربة جديدة مع اليهود للتنازل لهم عن فلسطين فهل يرضى اليهود بذلك أم تكون خطوة مرحلية للانقضاض مرة أخرى لتحقيق حلم دولة إسرائيل الكبرى.
    إننا على يقين تام أن هذا الأمر لن يطول، وأن التوسع سيعود من جديد لأن الهدف النهائي لم يتحقق بعد وسيطرة اليهود على العالم لم تتم بشكل ظاهر ولم يتوج ملكهم على العالم.
    وهذا الحدث لن نقف عنده طويلاً فأحداث التاريخ كالمحيط من أراد أن يعرف أكثر عليه أن يغوص أكثر..
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  6. #16
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,112
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    12:17 PM

    افتراضي


    الفصل الثاني
    الخليفة المأمون
    نسبه ونشأته
    هو عبد الله بن هارون الرشيد سابع خلفاء بني العباس، ولد المأمون عام 170 للهجرة هو ما يوافق عام 786 ميلادية، وهو ابن الخليفة العباسي هارون الرشيد، أمُّه جارية فارسية توفِّيت بعد ولادته بأيام بسبب مرضها بحمى النِّفاس، وقد ولد المأمون في ليلة من ليالي شهر ربيع الأول، سُمِّيت هذه الليلة بليلة الخلفاء ففيها توفِّي عم المأمون موسى الهادي وكان خليفة، وفيها تولَّى والده الخلافة وفيها ولد المأمون الخليفة اللاحق، وقد عاش المأمون في بيت الخلافة آنذاك فأبوه هارون الرشيد خليفة المسلمين، فتعلَّم وتربَّى وتثقَّف كما ينبغي للأمراء والملوك وكان فطنًا ذكيًا، وبسبب ذكائه عقد له والده الرشيد بيعة الخلافة بعد أخيه الأمين.
    إن الخليفة المأمون كان ضحية المؤرخين الذين افتروا عليه شتى المفتريات تمشياً مع روح العصر الذي يكتبون فيه؛ ونرى أننا كلما بعدنا عن عصر الخليفة المأمون كثرت المفتريات والأباطيل..
    فإن الخليفة المأمون قد شوهت صورته من قبل الروافض ونسجت حولها الخرافات بشكل يجعلها أقرب إلى الأسطورة من الحقيقة فهو أفاضل خلفاء العصر العباسي الأول وعلمائهم وحكمائهم، وكان فطنًا، شديدًا، كريمًا. شهد عهده ازدهارا بالنهضة العلمية والفكرية، واتسمت سياسة المأمون بأنها جمعت بين المواقف المتناقضة التي يصعب التوفيق بينها، وهو الذي أظهر القول بخلق القرآن وامتحن الناس عليه، وبه كانت محنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.
    ومن الإنصاف أن يسجل المؤرخ لمن يؤرخ له ما أصاب فيه بمثل ما يسجل عليه ما أخطأ فيه واضعاً قول الله تعالى (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ ) المائدة:8، نصب عينيه.
    ولولادته قصة طريفة: كان والده هارون الرشيد متزوجا من ابنة عم له تدعى زبيدة وكانت زبيدة قد أمضت عدة أعوام تحت كنف الرشيد، دون أن تحمل منه فكان ذلك مبعث أسى وحسرة في نفس الرشيد التواقة إلى البنين الشغوفة بالولد وكان في ذلك الحين وليا للعهد. ينازعه فيه أخوه موسى الهادي ويعمل على انتزاعه وغصبه، فتضاعفت همومه وأحزانه وفي ذات يوم كان يحدث بعض خاصته فيما يعانيه،
    انتهز البرامكة ذلك الأثر النفسي فسعت أم الفضل مرضعة الرشيد بالاحتيال عليه فأشارت عليه بأن يتزوج من غير زبيدة لعل الغيرة تحرك فيها عوامل الحمل.. وضربت له مثلا بما كان من أمر سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام، بين سارة وهاجر ففكر هارون في الأمر ثم عزم على تنفيذ النصيحة، فتزوج من جارية خراسانية كانت قد أعدتها له تدعى مراجل من قرية باذجيس ودخل بها في القرية التي كانت تقيم فيها وهي تقع على ضفة نهر عيسى تسمى الياسرية قريبة من بغداد وسرعان ما حملت مراجل من هارون وكذلك زبيدة وكان الوقت بين ولادة المأمون والأمين أشهرا قليلة ومن جميل الصدف أن تكون ولادة المأمون في اليوم الذي وسد فيه أمر الخلافة إلى الرشيد وانتقل من ولاية العهد إلى إمارة المؤمنين.
    ولاية المأمون للعهد: - رأت زبيدة أن تعجل الأمر وتوثقه إلى ولدها الأمين، وسعت بكل ما أوتيت من تدبير وذكاء وسلطان إلى الرشيد لكتابة ولاية العهد لولدها الأمين لكن ضمير الرشيد ظل يؤرقه ويضايقه بعد ذلك لما يعلم من كفاءة المأمون وصلاحيته للخلافة، ولم يسترح حتى كتب كتابا آخر يضمن فيه ولاية العهد للمأمون بعد الأمين وأخذ من كلا الأخوين موثقا على ذلك. وأشهد عليهما.
    ولما بلغ المأمون في شبابه المقدرة على مباشرة المعارك والحروب وقيادة الجيوش، الرشيد يوجهه على رأس قوات المسلمين لخوض المعارك تدريبا منه له على القيادة، وكسبا لفضل الجهاد في سبيل الله. فأثبت المأمون مقدرة فائقة في قيادة الجند وحسن إدارة المعارك وكسب النصر على الأعداء خصوصا مع الروم، ولقد ترك ذلك أثره العظيم في نفس الرشيد فازداد إقباله على المأمون.
    وعلى الرغم مما عرف عن هارون الرشيد من ذكاء وبعد نظر، فإنه وقع فيما وقع فيه أسلافه، فقد لجأ تحت ضغط من زوجته زبيدة والقوة العربية في الدولة إلى تعيين الأمين وليًا للعهد سنة 175هـ/791م، وجعل له ولاية العراق والشام حتى أقصى المغرب، وما لبث سنة 182هـ/799م أن عين المأمون في ولاية العهد الثانية على أن تكون له ولاية خراسان وما يتصل بها من الولايات الشرقية، وأعقب ذلك سنة 186هـ/802م البيعة لابنه القاسم بعد المأمون ودعاه المؤتمن وولاه الجزيرة والثغور.
    وقد اتُبع هذا الاتجاه نحو تقسيم الدولة إلى قسمين شرقي وغربي منذ قيام الدولة العباسية، فكان الخلفاء يقلدون كل قسم لأحد القادة المتنفذين أو المظفرين أو أولياء العهود، فإذا كانوا صغار السن عين الخليفة من ينوب عنهم، وهؤلاء بدورهم كانوا يستخلفون العمال على ولاياتهم.
    والي خراسان: - رأى الرشيد ازدياد حدة المنافسة بين المأمون وأخيه الأمين، وخشي مغبة ذلك مستقبلا على وحدة الأمة وتماسك الدولة من خلال انشقاق الأخوين، فرأى أن يوزع جهودهما وممارسة سلطانهما على البلاد المترامية الأطراف ويحدد لكل منهما مقاطعة الحكم والسلطان، فجعل الأمين قيما على العراق والشام والحجاز ومصر، وجعل المأمون قيما على خراسان، وما وراءها من ديار الشرق الإسلامي. ولم يكن الاختيار على عبث أو دون رأي وتدبير، ذلك أن أخوال المأمون كانوا من خرسان فكان ذلك أوحد وأثبت لحكمه وسلطانه، أما الأمين فأمه عربية هاشمية فكانت إمارته على البلاد ا لعربية أليق به ، ومن ثم أقام المأمون في مرو حاكما مطلق اليد، يدين بالطاعة والولاء لأمير المؤمنين هارون الرشيد ومن بعده لأخيه الأمين ولي العهد. وقد أثبت المأمون في ميدان الحكم قدرة عظيمة على ضبط الأمور وحسن الإدارة والتوجيه وتنظيم البلاد. والعدل بين الناس.
    وضع الرشيد بتصرفه هذا وباختياره ثلاثة من أبنائه لولاية العهد بذرة التفكك السياسي وأوقع الدولة في خضم حرب أهلية كبيرة كانت لها نتائجها الخطيرة على مستقبل الدولة، فقد تكتل العرب بزعامة الفضل بن الربيع إلى جانب الأمين، في حين انضم الفرس بزعامة الفضل بن سهل إلى جانب المأمون.
    وهذه الفعلة من الرشيد رحمه الله أدت لنشوب الخلاف بين الأمين والمأمون ووقوع القتال أكثر من أربعة سنوات.
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  7. #17
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,112
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    12:17 PM

    افتراضي

    الشقاق: كان الحكم وسدة السلطان في نظر الأمين مجال ترف واستمتاع وغرق في اللذات واستياق الشهوات، على عكس ما كان المأمون الذي جند نفسه بكل طاقاته وإمكاناته لخدمة ولايته والاضطلاع بمسؤوليات الفتح ورد العدوان وتثبيت الأمن والاستقرار، ولقد تهيأ لكلا الطرفين من يزين له موقفه ، وبدأت حدة النزاع والشقاق تظهر بين الأخوين، وكانت البداية من الفضل بن الربيع وزير الأمين الذي زين له أن يخلع أخاه من ولاية العهد ويجعلها في ولده من بعده، وقد راقت هذه الفكرة للأمين فعمل على تنفيذها على مراحل، فبدأ ببذر الفتنة وقطع صلة الرحم فزاد في الإيذاء والضرر لأخيه المأمون، فجرد الخليفة من بغداد جيشا تعداده 40 ألف مقاتل ووجهه إلى خراسان لإخضاع المأمون والإتيان به أسيرا أو قتله إن قاوم وركب رأسه. واستشار المأمون وزيره الناجح الفضل بن سهل فأشار إليه بعدم التخاذل والضعف فلابد من مقاومة جند الأمين، وفعلا التقى الجيشان في معارك ثلاث وكان النصر فيها حليف جيش المأمون وهزم جيش الأمين شر هزيمة، وقتل الأمين عندما ولى هاربا على يد طاهر بن الحسين فبكى وحزن لما آل إليه أمر الخلاف بينه وبين أخيه، وهكذا انتهى أمر الأمين ودوره من على مسرح الحكم وبدأت الدولة العباسية عهدا جديدا هو عصر المأمون بكل ما في الكلمة من معنى، وكان ذلك سنة 198هـ.
    خلافته
    توفي الخليفة العباسي هارون الرشيد عام سنة 193هـ / 809م في خراسان، وأخذت البيعة لابنه الأمين وفقا لوصية والده التي نصت أيضا أن يخلف المأمون أخاه الأمين، إلا أن الخليفة الجديد سريعا ما خلع أخاه من ولاية العهد وعين ابنه موسى الناطق بالحق وليا للعهد، وكان المأمون آنذاك في خراسان، فلما علم بأن أخاه قد خلعه عن ولاية العهد، أخذ البيعة من أهالي خراسان وتوجه بجيش لمحاربة أخيه، وحدثت فتنة عظيمة بين المسلمين، وقد استمرت الحروب بينهما أربع سنوات، إلى أن استطاع المأمون محاصرة بغداد، والتغلب على الأمين وقتله عام 198هـ / 813م، ظافرا بالخلافة.
    وكان المأمون محظوظًا في وجود عدة شخصيات قوية من حوله ساعدته على الحصول على الخلافة والانتصار على أخيه الأمين، من أمثال هذه الشخصيات القائدين الحربيين الكبيرين طاهر بن الحسين وهرثمة بن أعين والوزير صاحب الدور المشبوه الفضل بن سهل.
    اتسمت سياسة المأمون بأنها جمعت بين المواقف المتناقضة التي يصعب التوفيق بينها، فكان يميل إلى الفرس تارة، ثم إلى العلويين تارة أخرى، ثم يميل إلى أهل السنة والجماعة تارة ثالثة، فاستطاع بتلك السياسة المرنة أن يجمع بين المواقف المتناقضة وأن يرضي جميع الأحزاب ويتغلب على معظم الصعاب. بويع بالخلافة أثناء وجوده في خراسان ولهذا لم ينتقل إلى بغداد مقر الخلافة العباسية، بل ظل مقيما في مدينة مرو بخراسان مدة ست سنوات تقريبا، وكان من الطبيعي أن يفضلها بعد أن انفرد بالخلافة؛ لأنها تضم أنصاره ومؤيديه.
    وكان الفرس يودون أن يبقى بمرو لتكون عاصمة الخلافة، ولكنها بعيدة عن مركز الدولة، وهى أكثر اتجاهًا نحو الشرق، مما جعل سيطرتها على العرب ضعيفة. وقد تسبب عن بقاء المأمون بعيدًا عن عاصمة دولته بغداد بعض الأزمات السياسية خصوصًا أنه فوّض إدارة البلاد إلى وزيره الفضل بن سهل وأخيه الحسن بن سهل، وأثار تحيز المأمون إلى الفرس غضب أهل العراق من بني هاشم ووجوه العرب، فأشاعوا أن بني سهل قد حجبوا الخليفة واستبدوا بالرأي دونه. واضطر المأمون أخيرًا أن يذهب إلى بغداد وأن يترك مرو للقضاء على هذه التحركات فى مهدها، فانتقل بعدها إلى بغداد في منتصف شهر صفر من سنة 204هـ.
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  8. #18
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,112
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    12:17 PM

    افتراضي

    علمه وثناء العلماء عليه
    قال عنه ابن دحية الكلبي: الإمام المحدث النحوي اللغوي. قال ابن طباطبا في كتابه الفخري: "واعلم أن المأمون كان من عظماء الخلفاء ومن عقلاء الرجال وله اختراعات كثيرة في مملكته. منها أول من لخص منهم علوم الحكمة وحصل كتبها وأمر بنقلها إلى العربية وشهَّرها، وحل إقليدس ونظر في علوم الأوائل وتكلم في الطب وقرب أهل الحكمة".
    تتلمذ المأمون على شيوخ الأدب واللغة في عصره، أمثال سيبويه واليزيدي ويحيى بن المبارك. ذكر ثمامة بن أشرس النميري: "ما رأيت رجلا أبلغ من جعفر بن يحيى والمأمون". خاطبه يحيى بن أكثم قائلا: "يا أمير المؤمنين إن خضنا في الطب كنت جالينوس في معرفته، أو في النجوم كنت كهرمس في حسابه، أو في الفقه كنت كـعلي بن ابي طالب في علمه". ويعلق الأستاذ موير عن عصر المأمون بقوله: "وقصارى القول إن عصر خلافته كان بوجهه الأجمل من أزهى عصور التاريخ الإسلامي".
    وهكذا كان عصر المأمون من أزهى عصور الثقافة العربية، وقد أبدى المأمون اهتمامه بجمع تراث الحضارات القديمة وخاصة الحضارة اليونانية، أرسل بعثات من العلماء إلى القسطنطينية وقبرص للبحث عن نفائس الكتب اليونانية ونقلها إلى بيت الحكمة في بغداد، وكان اهتمام المأمون ببيت الحكمة ببغداد كبيرا، وهو مجمع علمي، ومكتبة عامة لنسخ الكتب ودارًا لترجمتها إلى العربية، وكان لها مديرون ومترجمون ومجلدون للكتب، ومرصد فلكى، وأقام فيه طائفة من المترجمين، وأجرى عليهم الأرزاق من بيت المال، فاستفاد المسلمون من هذه الكتب العلمية، ثم ألفوا وابتكروا في كافة العلوم، التي أسهمت في نهضة أوروبا يوم أن احتكت بالعرب في الحروب الصليبية وغيرها.
    كما نهض بمهمة بناء المراصد الفلكية، فأنشأ مرصدًا في حي الشماسية ببغداد، وبنى على قمة جبل قاسيون بدمشق مرصدًا آخر، وقرب العلماء والفقهاء والمحدثين والمتكلمين وأهل اللغة والأخبار والمعرفة بالشعر والأنساب، وأطلق حرية الكلام للباحثين وأهل الجدل والفلاسفة، كذلك شجع المأمون المناظرات الكلامية والبحث العقلي في المسائل الدينية كوسيلة لنشر العلم وازالة الخلاف بين العلماء.
    وأصدر المأمون برنامجا منهجيا للدراسات الفلكية في أول المراصد الفلكية التخصصية المقامة ببغداد ودمشق، وأرسل أول بعثة موسعة لإجراء التجارب العلمية، وكشفت هذه المساعي عن طريقة العلماء العرب في فهم المتون واستيعابها.
    ولجأ الخليفة إلى علماء بيت الحكمة طلبا للعون على شؤون الدين والدنيا، وطلب منهم تحديد المكان الدقيق لبغداد ومكة لمعرفة القبلة الشرعية الصحيحة، كما أراد الخليفة صورة دقيقة لطول وعرض العالم الذي يحكمه.
    وكان للمدارس التي فتحها المأمون في جميع النواحي والأقاليم أثرها في نهضة علمية مباركة. إلا أن الاطلاع على بعض فلسفات الأمم الأخرى قد جعل العقل يجتهد في أمور خارج حدوده وتفكيره، ومن هنا نشأ الفكر الاعتزالى الذي يُعْلي من قيمة العقل، ويجعله حكمًا على النص دون حدود أو قيود.
    لذا كان عصر المأمون عصر العلم في الإسلام. ولهذا قيل: لو لم يكن المأمون خليفة، لصار أحد علماء عصره.
    ولعل من أبرز الأسباب التي أدت إلى ظهور تلك النهضة الحضارية والعلمية في عصر المأمون ذلك الهدوء الذي ساد الأجواء بين الخلافة العباسية والروم، والذي استمر لأكثر من عشرة أعوام.
    صفاته وأخلاقه
    كان المأمون ذا خبرة عظيمة في سياسة الحكم عالمًا بأحوال رعيته وخاصة باطنته وخواصه، محبًا للعدل يرى فيه أساسًا لثبات الحكم وكان يجلس بنفسه للفصل بين الناس ويأخذ الحق من أي شخص كائنًا ما كان، وكان محبًا للعفو عن المخطئين وقال عن نفسه: "ليت أهل الجرائم يعرفون مذهبي في العفو، حتى يذهب الخوف عنهم". وكان يقول: "أنا والله أستلذ العفو، حتى أخاف ألا أؤجر عليه، ولو عرف الناس مقدار محبتي للعفو؛ لتقربوا إلى بالذنوب!". وقال: "إذا أصلح الملك مجلسه، واختار من يجالسه؛ صلح ملكه كله". ورفع إليه أهل الكوفة مظلمة يشكون فيها عاملا؛ فوقَّع: "عيني تراكم، وقلبي يرعاكم، وأنا مولّ عليكم ثقتي ورضاكم". وشغب الجند فرفع ذلك إليه، فوقَّع: "لا يعطون على الشغب، ولا يحوجون إلى الطلب".
    ووقف أحمد بن عروة بين يديه، وقد صرفه على الأهواز، فقال له المأمون: "أخربتَ البلاد، وأهلكت العباد. فقال: يا أمير المؤمنين، ما تحب أن يفعل الله بك إذا وقفتَ بين يديه، وقد قرعك بذنوبك؟ فقال: العفو والصفح. قال: فافعل بغيرك ما تختار أن يفعل بك. قال: قد فعلت، ارجع إلى عملك فوالٍ مستعطِف خير من وال مستأنف". وكتب إلى على بن هشام أحد عماله، وقد شكاه غريم له: "ليس من المروءة أن تكون آنيتك من ذهب وفضة ويكون غريمك عاريًا، وجارك طاويًا".
    وكان كريمًا بصورة تصل إلى السرف حتى أنه أنفق في عرسه على "بوران بنت الحسن" ما يوازي خمسين مليون درهم. وكان فيه شهامة عظيمة وقوة جسيمة في قتال الكافرين، خاصة الروم الذي حاصرهم وصابرهم مرات كثيرة، وباشر القتال بنفسه.
    وكان يستمع إلى النصيحة ويرجع إلى الحق. أمر يومًا بإباحة نكاح المتعة "وهذا يوضح أثر التشيع على المأمون لأن نكاح المتعة مباح عند الشيعة، فدخل عليه القاضي يحيى بن أكثم مهمومًا مغتمًا، فقال له المأمون: مالك يا يحيى؟ قال له يحيى: أبيح اليوم الزنا يا أمير المؤمنين. فارتعد المأمون قائلًا: وكيف ذلك؟ قال يحيى: أبيع اليوم نكاح المتعة. فقال المأمون: وهل هو زنا ؟ قال يحيى: يا أمير المؤمنين قل لي عن زوجة المتعة: هل هي التي ترث أو تعتد أو هي ملك يمين؟ فقال المأمون: كلًا. فقال يحيى: إذا هي زنا. فقال المأمون: أستغفر الله من ذلك. وأمر مناديًا بتحريم المتعة.
    وهكذا كان المأمون، حتى لقد وصفه الواصفون بأنه من أفضل رجال بنى العباس، حزمًا وعزمًا وحلمًا وعلمًا ورأيًا ودهاءً، وقد سمع الحديث عن عدد كبير من المحدّثين، وبرع فى الفقه واللغة العربية والتاريخ.
    ومن سرعة بديهة المأمون وسعة فقهه في الدين، أن امرأة جاءت إليه وهو في مجلس من العلماء، وقالت له: يا أمير المؤمنين مات أخي وخلف ستمائة دينار، أعطوني دينارا واحدا. فأخذ المأمون يحسب ثم قال لها: هذا نصيبك. فقال له العلماء: كيف علمت يا أمير المؤمنين؟ فقال: هذا الرجل خلف ابنتين، قالت: نعم، قال فلها الثلثان أربعمائة، وخلف والدة فلها السدس مائة، وخلف زوجة فلها الثمن خمسة وسبعون. وباالله: ألك اثنتا عشر أخًا؟ قالت: نعم، قال: أصابهم ديناران وأصابك دينار.
    وكان المأمون من حفظة القرآن كثير التلاوة، حتى أنه كان يتلو في رمضان ثلاثًا وثلاثين ختمة، وكانت له بصيرة بعلوم متعددة، فقهًا وطبًا وشعرًا وفرائض وكلامًا ونحوًا حتى علم النجوم.
    كان يقول: أنا والله أستلذ العفو حتى أخاف ألا أؤجر عليه، ولو عرف الناس مقدار محبتي للعفو؛ لتقربوا إلي بالذنوب! وقال: إذا أصلح الملك مجلسه، واختار من يجالسه؛ صلح ملكه كله.
    ويؤثر عنه أن أهل الكوفة رفعوا مظلمة يشكون فيها عاملًا؛ فوقَّع: عيني تراكم، وقلبي يرعاكم، وأنا معوّل عليكم ثقتي ورضاكم. وشغب الجند فرفع ذلك إليه، فوقع: لا يعطون على الشغب، ولا يحوجون إلى الطلب. ووقف أحمد بن عروة بين يديه، وقد صرفه على الأهواز، فقال له المأمون: أخربت البلاد، وأهلكت العباد فقال: يا أمير المؤمنين، ما تحب أن يفعل الله بك إذا وقفت بين يديه، وقد قرعك بذنوبك؟ فقال: العفو والصفح. قال: فافعل بغيرك ما تختار أن يفعل بك. قال: قد فعلت، أرجع إلى عملك، فوالٍ مستعطف خيرٌ من والٍ مستأنف. وكتب إلى علي بن هشام أحد عماله، وقد شكاه غريم له: ليس من المروءة أن تكون آنيتك من ذهب وفضة ويكون غريمك عاريًا، وجارك طاويًا.
    هكذا كان المأمون، حتى لقد وصفه الواصفون بأنه من أفضل رجال بني العباس حزمًا وعزمًا وحلمًا وعلمًا ورأيًا ودهاءً، وقد سمع الحديث عن عدد كبير من المحدثين، وبرع في الفقه واللغة العربية والتاريخ، وكان حافظًا للقرآن الكريم.
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  9. #19
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,112
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    12:17 PM

    افتراضي

    الحسن بن سهل يصف المأمون:-

    الحسن بن سهل، وهو الشخص الذي كان مقرَّبا للغاية من المأمون والذي زوَّج ابنته بوران للخليفة، يصف الأخير، قائلاً: “وقد أصبحَ أميرُ المؤمنين محمودَ السِّيرة، عفيف الطَّعمة، كريمَ الشِّيمة، مبارك الضريبة، محمود النَّقيبة، مُوفِّياً بما أخَذَ اللهُ عليه، مضطلعاً بما حَمَّله منه، مؤدياً إلى الله حقه، مُقرَّاً له بنعمته، شاكِراً لآلائه، لا يأمر إلَّا عدلاً، ولا ينطِقُ إلَّا فصلاً، لدينهِ وأمانته، كافَّاً ليده ولسانه”.
    حديث ابن العبري عن المأمون:-

    تحدث المؤرخ ابن العبري (المتوفى سنة 1331 م) عن شخصية ومُنجزات الخليفة المأمون الذي كان له اليد الطولى في تأسيس نشاط الترجمة الذي أطلق بدوره شرارة النهوض العلمي للأمة الإسلامية في ذلك الوقت.
    واستعار ابن العبري من مقولات عدد من الشخصيات التي تناولت ابن هارون الرشيد، وذلك نظراً لتباعد المسافة الزمنية ما بينه وما بين الفترة التي حكم فيها المأمون.
    سياسة المأمون
    يمكننا أن نقسم كلامنا عن حكم المأمون إلى مدتين: المدة الخراسانية، والمدة البغدادية، وفي بيان هاتين المدتين بيان للحالة السياسية الداخلية في عصره، وهو ما سنعالج الكلام فيه الآن.
    السياسة الداخلية للمأمون
    لقد تتلمذ المأمون على شيوخ الأدب واللغة في عصره، أمثال سيبويه واليزيدي ويحيى بن المبارك. ذكر ثمامة بن أشرس النميري: "ما رأيت رجلا أبلغ من جعفر بن يحيى والمأمون". خاطبه يحيى بن أكثم قائلا: "يا أمير المؤمنين إن خضنا في الطب كنت جالينوس في معرفته، أو في النجوم كنت كهرمس في حسابه، أو في الفقه كنت كـعلي بن أبي طالب صلوات االله عليه في علمه".
    ويعلق الأستاذ موير عن عصر المأمون بقوله: "وقصارى القول إن عصر خلافته كان بوجهه الأجمل من أزهى عصور التاريخ الإسلامي".
    النهضة العلمية في عهد المأمون
    أبدى المأمون اهتمامه بجمع تراث الحضارات القديمة وخاصة الحضارة اليونانية، أرسل بعثات من العلماء إلى القسطنطينية وقبرص للبحث عن نفائس الكتب اليونانية ونقلها إلى بيت الحكمة في بغداد، كان بيت الحكمة معهد علمي يضم مكتبة لنسخ الكتب ودارًا لترجمتها للعربية، وكان له مدير ومساعدون ومترجمون ومجلدون للكتب، وبحسب ما ذكر ابن النديم في كتاب الفهرست؛ فقد بلغ من شغف المأمون بالثقافة الإغريقية أن أرسطو ظهر له في المنام مؤكدًا له أنه لا يوجد تعارض بين العقل والدين، كذلك شجع المأمون المناظرات الكلامية والبحث العقلي في المسائل الدينية كوسيلة لنشر العلم وإزالة الخلاف بين العلماء، مما أدى إلى قوة نفوذ العلماء في الدولة وكان من أشهرهم أبو عثمان الجاحظ
    أصدر المأمون برنامجًا منهجيًا للدراسات الفلكية في أول المراصد الفلكية التخصصية المقامة ببغداد ودمشق، وأرسل أول بعثة موسعة مكرسة لإجراء التجارب العلمية، وكشفت هذه المساعي عن طريقة العلماء العرب في فهم المتون الكلاسيكية واستيعابها لا كغاية بحد ذاتها، بل كنقطة انطلاق لإجراء أبحاثهم ودراساتهم الخاصة وكانت هذه المشروعات بداية السيرة المهنية لبعض من أهم العلماء والمفكرين الأوائل في الإسلام.
    أظهر المأمون فضولًا صحيًا لمعرفة العالم من حوله وميلًا إلى البحث والمنهج العلمي؛ فخلال زيارة له إلى مصر سنة 832 م حاول تعلم الهيروغليفية القديمة لكنه تمكن من دخول هرم الجيزة الأكبر ليجد القبر الملكي فارغًا قد نهبه اللصوص. وقد اهتم المأمون اهتمامًا عميقًا لعمل العلماء ببيت الحكمة؛ فكان يتردد إليه بانتظام للتباحث مباشرة مع الخبراء والمستشارين في آخر ما انتهت إليه البحوث وفي مسائل التمويل وسوى ذلك من مسائل ذات صلة، وشدد على الاستزادة من دراسة الرياضيات وعلم الفلك من عمل.
    بعثة المأمون في قياس محيط الأرض
    محمد بن موسى الخوارزمي وضع نسخة مختصرة عن زيج السند هند بطلب من المأمون والذي بقي يستخدم قرونا في العالم الإسلامي وأوروبا.
    بالرغم من كتيبة العلماء الكبار الذين كانوا تحت تصرف المأمون، لم يكن يحصل الخليفة دومًا على الأجوبة التي يريدها، ويروي حبش الحاسب أحد أرفع علماء الفلك لدى الخليفة عنه أنه "عندئذ سأل التراجمة عن معنى كلمة (Stades) وهي وحدات طول يونانية، أعطوه ترجمات مختلفة". ولما أعيت خبراؤه الإجابة، قرر المأمون إيجاد طول الدرجة الواحدة من الدائرة الكبرى للأرض بالقياس واضعًا خطة مفصلة لتجربة علمية لحل المعضلة، ففي توسعة لتجربة الرياضي اليوناني القديم اراتوسينس أرسل المأمون فريقين من علماء الفلك والمساحين وصانعي الآلات إلى سهل سنجار الصحراوي، بالقرب من الموصل حيث أخذوا القراءات لارتفاع الشمس قبل أن ينقسموا فريقين، فريق اتجه إلى صوب الشمال وفريق آخر صوب الجنوب الأصلي ومع تحركهم كانوا يسجلون بدقة ما قطعوا من مسافة واضعين في الأرض علامات خاصة على الدرب، وعندما كانت مجموعة ثانية من القراءات الشمسية تشير أنهم قطعوا درجة على دائرة خط الطول يتوقفون ويعودون أدراجهم للتثبت من المسافة التي قطعوها، ثم تحلل المجموعتان المستقلتان النتائج وتقارن الواحدة بالأخرى لتعطيا رقمًا نهائيًا دقيقًا إلى حد لافت. كان حساب بحّاثة المأمون قريبا جدًا مما يعرف اليوم.
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  10. #20
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    2,112
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-12-2022
    على الساعة
    12:17 PM

    افتراضي


    الرياضيات وعلم الفلك
    عندما كان يحصل خطأ ما، كان المأمون يسارع إلى التدخل وقد استغل ذات مرة زيارة له إلى دمشق، زمن الحرب لقيادة بعثة لتقصي الحقائق بعدما تبين له أن نتائج المحاولات الأولى لتتبع منازل الشمس والقمر في السماء من مرصد بغداد لم تكن دقيقة، طلب الخليفة من مستشاريه إيجاد فلكي مؤهل لتحسين نتائج بغداد، يقول حبش الحاسب: "أمره المأمون بتجهيز أصح ما يمكن من آلات ومراقبة الأجرام السماوية طوال العام" ثم جمعت الحصيلة الضخمة للقياسات الفلكية ورتبت بأمر من المأمون ونشرت لمن يرغب في تعلم ذلك العلم.
    من أهم علماء الفلك الذين عاصروا المأمون هو محمد بن موسى الخوارزمي الذي وضع سنة 825 نسخة مختصرة من عمل السند هند بطلب من المأمون وجداول شهيرة للنجوم عرفت بزيج السند هند ظلت تستخدم قرونًا في العالم الإسلامي ثم في أوروبا المسيحية، ساعد نجاح وانتشار زيج الخوارزمي على تكريس جداول النجوم كعنصر أساس من الترسانة العلمية الإسلامية، يشهد بذلك شيوع استخدامه وطول بقائه الملفت، وقد وضع أكثر من 225 جدولًا من هذا النوع في العالم الإسلامي في ما بين القرنين الثامن والتاسع. كان هذا الزيج الدقيق يزود مستخدمه بكل ما يحتاج إليه من أدوات لتحديد منازل الشمس والقمر والكواكب المرئية الخمسة، وتعيين الوقت من النهار أو الليل استنادًا إلى الأرصاد النجمية أو الشمسية، وكانت مفيدة خاصة لضبط أوقات الصلوات الخمس في الإسلام، وتحري الهلال لتحديد بداية الشهر القمري عند المسلمين، كما كان في الإمكان استخدام الزيج مع بعض الآلات الفلكية غالبًا لحل المسائل المعقدة في الهندسة الكروية وتعيين الوقت. كما أهدى الخوارزمي كتاب الجبر والمقابلة إلى المأمون الذي يتناول حلولًا رياضية للقضايا الدينية والعملية، حيث يقول الخوارزمي: «" وقد شجعني ما فضل الله به الامام المأمون على أن ألفت من حساب الجبر والمقابلة كتابا مختصرا حاصرا للطيف الحساب، وجليله لما يلزم الناس من الحاجة اليه موارثهم ووصاياهم وفي مقاسمتهم وأحكامهم وتجاراتهم وفي جميع ما يتعاملون به بينهم من مساحة الأرضين وكري الأنهار والهندسة وغير ذلك من وجوهه وفنونه"».
    تطور علم الجغرافيا
    الاسطرلاب تم اختراعه في عهد المأمون
    كان المأمون مسؤولًا عن الصالح الديني لمجتمع المسلمين الواسع في إمبراطوريته، لجأ الخليفة إلى علماء بيت الحكمة طلبًا للعون على شؤون الدين والدنيا، طلب من هؤلاء الخبراء تحديد المكان الدقيق لبغداد ومكة لمعرفة القبلة الشرعية الصحيحة، كما أراد الخليفة صورة دقيقة لطول وعرض العالم الذي يحكمه عند فلكيي بيت الحكمة الآخرين، كان كل ذلك يؤول إلى حل مسائل أساسية في الهندسة الكروية، وكانوا قد حذقوا بالاستعانة بالقدماء لتحديد نظام الإحداثيات الجغرافية، أي استخدام خطوط الطول ودوائر العرض التخيلية التي تعطي كل نقطة منها موقعًا فريدًا يمكن تحديده بهذه الدوائر.
    طبق العلماء العرب بسهولة الرياضيات الكروية على مسائل الجغرافيا من البداية، وكان هؤلاء العلماء قد تعلموا من بطليموس صاحب كتاب 'المجسطي' وكتاب 'جغرافيا'، كان المسح الجيوديزي الذي أمر بإجرائه المأمون في برية سنجار الصحراوية قد أعطى طول الدرجة الواحدة من محيط الأرض بوحدات قياس عربية، فكان 56 ميلًا، والميل العربي 4000 ذراع والذراع التي وضعها المأمون 120 اصبعًا حسب المسعودي في المروج، بينما قدمت تصحيحات المسلمين لجداول بطليموس التي تحدد الإحداثيات 8000 مدينة ومكان وما أضافوا إليه من بيانات جديدة أكثر دقة للفلكيين والجغرافيين على السواء..
    كانت المعلومات والتقنيات التي طورها خبراء المأمون وأمثالهم، تستطيع تحديد القبلة بدقة من خط الطول المحلي للدائرة الكبرى للكرة الأرضية، كانت الجغرافيا التي تعرف القبلة بأنها الخط المستقيم الذي يصل المؤمن بمكة، لكن فلكيي ورياضيي بيت الحكمة علموا أن الشكل الكروي للأرض يعني أن القبلة الفعلية كانت في الحقيقة خطًا مائلًا بزاوية محددة من نقطة الصلاة، لا تزال تعرف اليوم باسم السمت، ويستخدم هذا النظام في الحسابات الجغرافية المعاصرة للمسافة والاتجاه، وبذلك تم وضع أعظم إنجاز للمأمون وهي وضع خريطة للعالم وقد عثر على شاخصات تعود للعصر العباسي تبين المسافة من بغداد حتى فلسطين وجورجيا بالقوقاز، جمع المأمون فريقًا من عشرات العلماء لصنع خريطة للعالم صور فيها العالم بأفلاكه ونجومه وبره وبحره وعامره ومساكن الأمم والمدن، وهي أفضل مما يقدمه بطليموس ومارينوس، جاء في خريطة المأمون ومسحه وصف ل530 مدينة وبلدة مهمة وخمسة أبحر و290 نهرًا و200 جبل ومقدارها وما فيها من معادن وجواهر. كما صحح جغرافيو المأمون تمثيل بطليموس التقليدي للمحيط الهندي كبحر محاط باليابسة وأوضحوا لأول مرة أنه كتلة كروية من الماء تحيط بالعالم المسكون وهو ما فتح الطريق لما يعرف بعصر الاكتشافات الجغرافية بأوروبا.
    حركة الترجمة
    وكان لتشجيعه حركة الترجمة أكبر الأثر في ازدهارها في عهده، فظهر عدد كبير من العلماء ممن قاموا بدور مهم في نقل العلوم والفنون والآداب والفلسفة إلى العربية، والإفادة منها وتطويرها، ومن هؤلاء:
    “حنين بن إسحاق” الطبيب البارع الذي ألف العديد من المؤلفات الطبية، كما ترجم عددًا من كتب أرسطو وأفلاطون إلى العربية.
    و” يحيى بن ماسويه” الذي كان يشرف على “بيت الحكمة” في بغداد وكان يؤلف بالسريانية والعربية، كما كان متمكنًا من اليونانية، وله كتاب طبي عن الحميات اشتهر زمنًا طويلاً، ثم ترجم بعد ذلك إلى العبرية واللاتينية.
    و” ميخائيل بن ماسويه” وكان طبيب المأمون الخاص، وكان يثق بعلمه فلا يشرب دواءً إلا من تركيبه.
    كما شهد عصر المأمون نهضة حضارية كبيرة، فقد كان المأمون محبًا للعلم والأدب وكان شاعرًا وعالمًا وأديبًا، يحب الشعر ويجالس الشعراء ويشجعهم، وكان يعجب بالبلاغة والأدب، كما كان للفقه نصيب كبير من اهتمامه، وكان العلماء والأدباء والفقهاء لا يفارقونه في حضر أو سفر، وقد أدى تشجيعه للشعراء في أيامه إلى إعطاء الشعر دفعة قوية، وكان تشجيعه للعلوم والفنون والآداب والفلسفة ذا أثر عظيم في رقيها وتقدمها، وانبعاث حركة أدبية وعلمية زاهرة، ونهضة فكرية عظيمة امتدت أصداؤها من بغداد حاضرة العالم الإسلامي ومركز الخلافة العباسية إلى جميع أرجاء المعمورة، فقد استطاع المأمون أن يشيد صرحًا حضاريًا عظيمًا، وأن يعطي للعلم دفعة قوية ظلت آثارها واضحة لقرون عديدة.
    لقد أرسل المأمون البعوث إلى “القسطنطينية” و” الإسكندرية” و” إنطاكية” وغيرها من المدن للبحث عن مؤلفات علماء اليونان، وأجرى الأرزاق على طائفة من المترجمين لنقل هذه الكتب إلى اللغة العربية، وأنشأ مجمعًا علميًا في بغداد، ومرصدين أحدهما في بغداد والآخر في “تدمر”، وأمر الفلكيين برصد حركات الكواكب، كما أمر برسم خريطة جغرافية كبيرة للعالم.
    لتحميل كتبي فضلاً الضغط على الصورة التالية - متجدد بإذن الله

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



صفحة 2 من 5 الأولىالأولى 1 2 3 ... الأخيرةالأخيرة

الخليفة المأمون المفترى عليه

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. حوار لبيان المفترى من الكلام مع السيد المسيح عليه السلام
    بواسطة هريدى المصرى في المنتدى حقائق حول عيسى عليه السلام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 29-11-2014, 03:01 PM
  2. ثعلبه الصحابى المفترى عليه
    بواسطة ابو اسامه المصرى_1 في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-03-2012, 02:55 AM
  3. رد الشيخ د. عبدالرحمن الأطرم المختصر على الإختلاط المفترى عليه
    بواسطة فريد عبد العليم في المنتدى المنتدى الإسلامي العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 13-12-2009, 02:00 AM
  4. الاسلام هذا الدين المفترى عليه
    بواسطة محمد ابوقاسم في المنتدى الرد على الأباطيل
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 08-02-2009, 02:54 AM
  5. الرد على بولس الرسول المفترى عليه
    بواسطة kholio5 في المنتدى مشروع كشف تدليس مواقع النصارى
    مشاركات: 22
    آخر مشاركة: 07-05-2008, 03:47 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

الخليفة المأمون المفترى عليه

الخليفة المأمون المفترى عليه