الأدلة على وحدانية الله ـ سبحانه وتعالى الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

لمسات بيانية الجديد 10 لسور القرآن الكريم كتاب الكتروني رائع » آخر مشاركة: عادل محمد | == == | الرد على مقطع خالد بلكين : الوحي المكتوم المنهج و النظرية ج 29 (اشاعة حول النبي محمد) » آخر مشاركة: محمد سني 1989 | == == | قالوا : ماذا لو صافحت المرأة الرجل ؟ » آخر مشاركة: مريم امة الله | == == | () الزوجة الصالحة كنز الرجل () » آخر مشاركة: مريم امة الله | == == | مغني راب أميركي يعتنق الإسلام بكاليفورنيا » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | الإعجاز في القول بطلوع الشمس من مغربها » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | الكاردينال روبيرت سارا يغبط المسلمين على إلتزامهم بأوقات الصلوات » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | لمسات بيانية الجديد 8 لسور القرآن الكريم كتاب الكتروني رائع » آخر مشاركة: عادل محمد | == == | الرد على شبهة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنهما بعمر السادسة و دخوله عليها في التاسعة » آخر مشاركة: محمد سني 1989 | == == | المصلوب بذرة ( الله ) ! » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == |

مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

    

 

 

    

 

الأدلة على وحدانية الله ـ سبحانه وتعالى الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد

النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الأدلة على وحدانية الله ـ سبحانه وتعالى الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    المشاركات
    2,459
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    01-11-2023
    على الساعة
    04:37 PM

    افتراضي الأدلة على وحدانية الله ـ سبحانه وتعالى الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد

    الأدلة على وحدانية الله ـ سبحانه وتعالى ـ

    الأدلة على وحدانية الله كثيرة جداً ويكفي منها شهادته_عز وجل_لنفسه حيث قال: [شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) ] (آل عمران: 18) .
    وصدق من قال:
    وفي كل شيء له آيةٌ **** تدل على أنه الواحد
    __________
    (1) أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة للشيخ حافظ الحكمي.
    تحقيق: مصطفى أبو النصر الشلبي، مكتبة السوادي بجدة، ص50.
    (1/2)
    ________________________________________
    فواعجباً كيف يعصى الإله **** أم كيف يجحده الجاحد

    ولله في كل تحريكةٍ **** وتسكينه أبداً شاهد

    ومن الأدلة على وحدانية الله، وعلى تفرده بالخلق والرزق، وأنه وحده المستحق للعبادة ما يلي:
    1_الفطرة.
    2_الشرع.
    3_العقل.
    4_الحس.
    5_الاستدلال بأسماء الله وصفاته.
    وهذه الأدلة بمجموعها تدل على وجود الله، وتدل على أنواع التوحيد الثلاثة؛ ذلك أن أنواع التوحيد الثلاثة متلازمة، ومن أشرك في واحد منها فهو مشرك في البقية.
    مثال ذلك من دعا غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، فدعاؤه عبادة صَرَفَهَا لغير الله، وهذا شرك في الألوهية.
    وهذا الدعاء لغير الله متضمن لاعتقاد الداعي أن المدعو متصرف مع الله، وقادر على قضاء ذلك، وهذا شرك في الربوبية.
    ثم إنه لم يدعه إلا لاعتقاده أنه يسمعه، وهذا شرك في الأسماء والصفات؛ لاعتقاده أن للمدعو سمعاً محيطاً بجميع المسموعات لا يحجبه قرب ولا بعد.
    ومن هنا نجد أن الشرك في الألوهية مستلزم الشرك في الربوبية والأسماء والصفات (1) .
    وفيما يلي تفصيل للأدلة السابقة.
    * * *
    1ـ دلالة الفطرة

    الفطرة في اللغة هي الخلقة، أما في الشرع فهي الإسلام على القول الراجح كما رجح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم (2) _رحمهما الله تعالى_.
    =وكل مخلوق قد فطر على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكير أو تعليم ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفه+ (3) .
    قال النبي": =ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه+.
    وفي رواية: =إلا على هذه الملة+ وفي رواية =إلا على الملة+ (4) .
    __________
    (1) انظر أعلام السنة المنشورة، ص77، السؤال رقم 73.
    (2) انظر شفاء العليل لابن القيم، ص572_ 575، وانظر درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية 8/371.
    (3) نبذة في العقيدة الإسلامية، للشيح محمد بن عثيمين، ص11.
    (4) رواه البخاري 2/97، ومسلم 4/2047 برقم (1258) .
    (1/3)
    ________________________________________
    وفي حديث عياض بن حمار÷يقول _تعالى_ في الحديث القدسي: =وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم+ (1) .
    قال ابن القيم×=وذكروا عن عكرمة، ومجاهد، والحسن، وإبراهيم، والضحاك، وقتادة في قوله_عز وجل_: [فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا] (الروم: 30) قالوا: (فطرة الله) دين الإسلام (لا تبديل لخلق الله) قالوا: لدين الله+ (2) .
    ثم إن الإنسان مفطور على اللجوء إلى ربه_تبارك وتعالى_عند الشدائد، فإذا ما وقع الإنسان_أي إنسان_حتى الكافر الملحد_في شدة، أو أحدق به خطر_فإن الخيالات والأوهام تتطاير من ذهنه، ويبقى ما فطر عليه ليصيح بأعلى صوته، ومن قرارة نفسه، وعميق قلبه، منادياً ربه؛ ليفرج كربته وهمه، ويلجأ إليه وحده دون سواه (3) .
    وصدق الله_تعالى_إذ يقول: [فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ] (العنكبوت: 65) .
    وليس المراد بأنه يولد على الفطرة أنه يولد عالماً بأمور الإسلام؛ فالله_سبحانه وتعالى_يقول: [وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً] (النحل:78) .
    وليس المراد_أيضاً_أنه يولد ساذجاً لا يعرف شركاً ولا توحيداً؛ لأن الرسول"قال: =إلا ويولد على الملة+ وفي رواية: =على هذه الملة+.
    بل المراد أن كل مولود يولد على محبته لفاطره، وإقراره له بربوبيته، وادعائه له بالعبودية، فلو خُلِّي وعدمَ المعارض لم يعدل عن ذلك إلى غيره، كما أنه يولد على محبة ما يلائم بدنه من الأغذية، والأشربة، فيشتهي اللبن الذي يناسبه ويغذيه (4) .
    __________
    (1) مسلم 4/2197 برقم (2865) .
    (2) شفاء العليل، ص 572_573، وانظر درء تعارض العقل والنقل 8/376.
    (3) مستفاد من مذكرة للشيخ عبد الله الجاسر.
    (4) انظر شفاء العليل لابن القيم، ص578_579.
    (1/4)
    ________________________________________
    ولذلك قال": =فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه+ ولم يقل يسلمانه؛ لأنه باقٍ على الأصل، فاعتناق غير الإسلام يعد خروجاً عن الأصل والقاعدةِ بأسباب خارجة.
    * * *

    2 ـ دلالة الشرع

    أما دلالة الشرع فواضحة معلومة؛ فما جاءت به الرسل ونزلت به الكتب يدل دلالة قاطعة على وحدانية الله، فالكتب السماوية كلها تنطق بذلك، وما جاءت به من الأحكام المتضمنة لمصالح العباد في دنياهم وأخراهم؛ كالصلاة، والزكاة، والحج، وغيرها، وما جاءت به من الأخبار الكونية، والمغيبات التي شهد الواقع بصدقها_كل ذلك يدل على أنها من ربٍّ حكيمٍ عليمٍ مستحقٍ للعبادة وحده لا شريك له (1) .
    * * *

    3 ـ دلالة العقل

    أما دلالة العقل على وحدانية الله فلأن المخلوقاتِ جميعَها لابد لها من مُوجِد وخالق؛ إذ لا يمكن أن توجِد نفسَها بنفسِها، ولا يمكن أن توجَدَ صدفة؛ فهذه المخلوقات لا يمكن أن تُوجِد نفسها بنفسها؛ لأن الشيء لا يخلق نفسه؛ لأنه قبل وجوده معدوم، فكيف يكون خالقاً؟
    كذلك لا يمكن أن توجد صدفة؛ لأن كل حادث لابد له من مُحدِثٍ، ولأن وجودها على هذا النظام المتسق البديع المتآلف، والارتباط الملتحم بين الأسباب والمسببات وبين الكائنات بعضها مع بعض_يمنع منعاً باتاً أن يكون وجودُها صدفةً (2) .
    أضف إلى ذلك ما تجده من افتقار المخلوق الشديد؛ فالافتقار وصف ذاتي للمخلوق ملازم له؛ مما يدل على أنه لابد من وجود خالق، كامل، غني عما سواه، وهو رب العالمين.
    وقد ذكر الله _سبحانه وتعالى_ هذا الدليل العقلي والبرهان القاطع في سورة الطور، حيث قال: [أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ] (الطور: 35) .
    يعني أنهم لم يُخلقوا من غير خالقٍ، ولا هم الذين خلقوا أنفسهم، فتعين أن يكون خالقهم هو الله_تبارك وتعالى_ (3) .
    __________
    (1) انظر نبذة في العقيدة الإسلامية، ص11_12.
    (2) انظر الرياض الناضرة لابن سعدي ص194، ونبذة في العقيدة الإسلامية، ص11_ 15.

    (3) مرجع سابق.
    (1/5)
    ________________________________________
    ولهذا لما سمع جبير بن مطعم÷رسول الله"يقرأ سورة الطور فبلغ قوله_تعالى_: [أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ] الآية وكان يومئذٍ مشركاً_قال: =كاد قلبي أن يطير، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي+.
    رواه البخاري مُفَرَّقاً (1) .
    ولهذا نجد أن الله_سبحانه وتعالى_يحث كثيراً في كتابه على التعقل والتبصر؛ ولا أدل على ذلك من كثرة الآيات التي تُخْتَمُ بمثل قوله: [أّّفّلا تّعًقٌلٍونّ] [لّعّلَّكٍمً تّعًقٌلٍون] ؛ لأن الإنسان إذا تفكر تذكر، وعرف الحق، وإذا تذكر خاف واتقى وانقاد.
    ولهذا نجد أن العقلاء الجادين الباحثين عن الحق_يصلون إليه، ويوفقون له، وليس أدل على ذلك من حال العقلاء في الجاهلية أمثال قُس بن ساعدة الإيادي، وزيد بن عمرو بن نفيل والد سعيد بن زيد وعم عمر بن الخطاب÷فنحن نجد في ثنايا كلامهما الإقرار بوحدانية الله_عز وجل_مع أنهما يعيشان في مجتمع يعج بالجهل والشرك.
    يقول قس في خطبته المشهورة التي ألقاها في سوق عكاظ: =أيها الناس اسمعوا وعوا، من عاش مات ومن مات فات، وكل ما هو آتٍ آتٍ، ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تُزهر، وبحار تزْخَر، وجبال مرساة، وأرض مدحاة، وأنهار مجراة، إن في السماء لخبراً وإن في الأرض لعبراً، ما بال الناس يذهبون فلا يرجعون؟ أرضوا في المقام فأقاموا؟ أم تركوا فناموا؟
    يقسم قُسٌّ بالله قسماً لا إثم فيه أن لله ديناً هو أرضى له وأفضل من دينكم الذي أنتم عليه، إنكم لتأتون من الأمر منكراً، ثم أنشأ يقول:
    في الذاهبين الأوليـ **** ـن من القرون بصائر

    لما رأيت موارداً **** للقوم ليس لها مصادر

    ورأيت قومي نحوها **** يمضي الأكابر والأصاغر

    لا يرجع الماضي إلـ **** ـي ولا من الباقين غابر

    أيقنت أني لا محا **** له حيث صار القوم صائر

    ويقول زيد بن عمرو في شعره المشهور:
    وأسلمت وجهي لمن أسلمت **** له الأرض تحمل عذبا زلالا
    __________
    (1) انظر صحيح البخاري، كتاب التفسير، 6/49_50.
    (1/6)
    ________________________________________
    دحاها فلما استوت شدَّها **** جميعا وأرسى عليها الجبالا

    وأسلمت وجهي لمن أسلمت **** له المزن تحمل عذبا زلالا

    إذا هي سيقت إلى بلدةٍ **** أطاعت فصبت عليها سجالا

    ويقول:
    أرباً واحداً أم ألف رب **** أدين إن تقسمت الأمور

    هجرت اللات والعزى جميعاً **** كذلك يفعل الجلد الصبور

    بل إن كثيراً من كبار المفكرين الغربيين اهتدوا إلى الحق بسبب إجالتِهم أفكارَهم وبحثهم عن الحق.
    ومن نظر في كتاب (الله يتجلى في عصر العلم) _وقد كتبه ثلاثون من علماء الطبيعة والفلك ممن انتهت إليهم الرياسة في هذه الأمور_ومثله كتاب (كريسي موريسون) رئيس أكاديمية العلوم بنيويورك (الإنسان لا يقوم وحده) وترجم إلى العربية تحت عنوان (العلم يدعو إلى الإيمان) _يدرك أن العالِمَ الحقيقيَّ لا يكون إلا مؤمناً، وأن العاميَّ لا يكون إلا مؤمناً، وأن الإلحاد والكفر لا يكون إلا من أنصاف العلماء وأرباع العلماء؛ ممن تعلم قليلاً من العلم، وخسر بذلك الفطرة المؤمنة، ولم يصل إلى العلم الذي يدعو إلى الإيمان (1) .
    وبهذا يتبين لنا أن العقل يدل على وحدانية الله_عز وجل_.
    أما إذا أنكر العقل ذلك فإن الخلل في العقل نفسه، وصدق من قال:
    إذا ادعى عقلك إنكاره **** فأنكر العقل ودعواه

    ومن هنا يتبين لنا بطلان قول من قال: إن هذا الكون نشأ بالصدفة، أو أن الطبيعة هي الخالق.
    __________
    (1) مستفاد من مذكرة للشيخ: د. ناصر القفاري، وانظر كتاب الله يتجلى في عصر العلم، تأليف نخبة من العلماء الأمريكيين بمناسبة السنة الدولية لطبيعيات الأرض، أشرف على تحريره: جون كلوفرمونسيما، ترجمة د. الدمرداش عبد المجيد سرحان، راجعه وعلق عليه. د. محمد جمال الدين الفندي.
    وانظر كتاب العلم يدعو للإيمان، تأليف: كريسي موريسون، ترجمة محمد صالح الفلكي، والكتابان من منشورات دار القلم، بيروت.
    (1/7)
    ________________________________________
    إن هذه الدعاوى ليست إلا مكابرةً وعناداً لما هو متقرر بالمعقول والمنقول، فمن قال: إن هذا الكون نشأ عن طريق الصدفة يقال له: كيف نشأ هذا الكون الفسيح العظيم المتسق المتناسق عن طريق الصدفة؟ !
    وخذ هذا المثال الذي نقله وحيد الدين خان عن العالم الأمريكي (كريسي موريسون) يبين فيه استحالة القول بوجود الكون مصادفة قال: =لو تناولت عشرة دراهم وكتبت عليها الأعداد من واحد إلى عشرة، ثم رميتها في جيبك وخلطتها جيداً، ثم حاولت أن تخرج من الواحد إلى العشرة بالترتيب العددي، بحيث تلقي كل درهم في جيبك بعد تناوله مرة أخرى، فبإمكانك أن تتناول الدرهم المكتوب عليه واحد في المحاولة الأولى هي واحد في المائة وإمكان أن تخرج الدراهم (1_2_3_4) بالترتيب هو واحد في عشرة آلاف، حتى أن الإمكان في أن تنجح في تناول الدراهم من (1_10) بالترتيب واحدٌ في بلايين من المحاولات+ (1) .
    وعلى ذلك فكم يستغرق بناء هذا الكون لو نشأ بالمصادفة والاتفاق؟ إن حساب ذلك بالطريقة نفسها يجعل هذا الاحتمال خيالاً يصعب حسابه فضلاً عن تصوره.
    إن ما في هذا الكون يحكي أنه إيجاد موجد حكيم عليم خبير لكن الإنسان ظلوم جهول [قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ] (عبس: 17_19) (2) .،
    أما القول بأن الطبيعة هي الخالق فتلك فرية عظيمة لا دليل عليها، وتهافتها واضح بيِّن لا يحتاج إلى أي رد بل إن تصور ذلك كافٍ في الرد على أصحابه (3) .
    __________
    (1) انظر العقيدة في الله، للشيخ عمر الأشقر، ص74_75.
    (2) انظر العقيدة في الله ص74_75.
    (3) انظر تفصيل ذلك في المرجع السابق، ص74_98، وانظر إلى كتاب: العلم يتبرأ من نظرية دارون، لزياد أبو غنيمة.
    (1/8)
    ________________________________________
    ومن تلك الدعاوي نظرية (دارون) التي حاول أصحابها أن يعللوا بها وجود الأحياء، وتزعم هذه النظرية أن أصل الإنسان حيوان صغير نشأ من الماء، ثم أخذت البيئة تفرض عليه من التغييرات في تكوينه، مما أدى إلى نشوء صفات جديدة في هذا الكائن، وأخذت هذه الصفات المكتسبة تورَّث في الأبناء حتى تحولت مجموع هذه الصفات الصغيرة الناشئة من البيئة عبر ملايين السنين إلى نشوء صفات كثيرة راقية جعلت ذلك المخلوق البدائي مخلوقاً أرقى، واستمر ذلك النشوء للصفات بفعل البيئة والارتقاء في المخلوقات حتى وصل إلى هذه المخلوقات التي انتهت بالإنسان.
    هذا هو ملخص تلك النظرية، وعوارها وزيفها واضح بيِّن (1) .
    وقد ثبت بطلانها حتى عند أهلها، ومما يقال في ذلك، أنه على فرض صحتها فمن الذي أنشأ ذلك الحيوان الصغير؟ ومن الذي جعله يتطور حتى وصل إلى ما وصل إليه؟ !
    * * *
    4 ـ دلالة الحس

    فالحس يدل بوضوح على وجود الله ووحدانيته_سبحانه وتعالى_والأدلة الحسية على ذلك كثيرة جدَّاً، ومنها:
    أ_إجابة الدعوات:
    ويعني بها إجابة دعوات الملهوفين والمكروبين وغيرهم، ممن يدعون الله _سبحانه وتعالى_ فيستجاب لهم، ويحصل لهم مقصودهم.
    والأمثلة على ذلك لا تحصى ولا تحصر، سواء كان ذلك في حق الأنبياء_عليهم السلام_أم في حق غيرهم.
    ومن ذلك ما قاله الله_سبحانه وتعالى_عن نوح_عليه السلام_: [فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ] (القمر: 10_12) .
    __________
    (1) انظر العقيدة في الله ص79_92 ففيه تفصيل الرد على تلك الدعوى، وانظر العلم يتبرأ من نظرية دارون.
    (1/9)
    ________________________________________
    وما قَصَّهُ الله_سبحانه_عن يونس_عليه السلام_: [فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ] (الأنبياء: 87) فاستجاب دعاءه، ونجاه من بطن الحوت.
    وقال عن أيوب_عليه السلام_: [وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ] (ص:41_43) .
    وفي صحيح البخاري عن أنس÷قال: =إن أعرابيَّاً دخل يوم الجمعة والنبي"يخطب فقال: يا رسول الله هلك المال، وجاع العيال، فادع لنا، فرفع النبي"يديه، فدعا، فثار السحاب كأمثال الجبال، فلم ينزل عن منبره_حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته.
    وفي الجمعة الثانية قام ذلك الأعرابي أو غيره فقال: يا رسول الله تهدم البناء، وغرق المال؛ فادع الله لنا، فرفع يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا، فما يشير إلى ناحية إلا انفرجت+ (1) .
    وما زالت إجابة الداعين أمراً مشهوداً إلى هذا اليوم لمن أتى بشرائط الإجابة، وكثيراً ما نسمع أن الناس ذهبوا للاستسقاء وقبل أن يخرجوا من المسجد إذا هم يمطرون.
    فإجابة الدعاء دليل قاطع على وحدانية الله_عز وجل_.
    ب_صدق الرسل_عليهم السلام_:
    وهذا دليل حسي واضح، فالرسل_عليهم السلام_هم أكمل البشر، قد بلَّغوا عن الله رسالاته، وقد اصطفاهم الله، واختارهم من بين الخلق، وأيَّدهم بالآيات البينات، ونصرهم، وجعل الغلبة لهم، والدولة على أعدائهم.
    __________
    (1) انظر البخاري (1033) .
    (1/10)
    ________________________________________
    فالإنسان إزاء الأنبياء لا يملك إلا أن يقطع بصدقهم؛ إذ إن دعوى النبوة أعظم الدعاوى، ولا يدعيها إلا أصدق الناس أو أكذبهم، فالأنبياء هم أصدق الناس على الإطلاق؛ فظهور المعجزات على أيديهم، وتأييد الله لهم، وخذلانه لأعدائهم، وما جبلوا عليه من كريم الخلال، وحميد الخصال، كل ذلك يدل على صدقهم، وبالتالي نعلم أنهم مبعوثون من عند الله، وأنه_سبحانه_حق، وعبادته حق.
    جـ_ دلالة الأنفس:
    لقد صور الله الإنسان على أحسن صورة، وخَلَقَهُ في أحسن تقويم؛ كما قال_سبحانه وتعالى_[وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ] (التغابن: 3) .
    وكما قال_عز وجل_[لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ] (التين: 4) .
    ولو أن الإنسان أمعن النظر في نفسه وما فيها من عجائب صنع الله، ونظر ظاهره وما فيه من كمال خلقه، وأنه متميز عن سائر الحيوانات_لأدرك أن وراء ذلك رباً خالقاً حكيماً في خلقه، ولعلم أن هذا الخالق هو المنفرد بتدبير الإنسان وتصريفه.
    يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي×في تقرير هذا المعنى عند قوله_تعالى_: [وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا] (الشمس: 7) : =وعلى كلٍّ فالنفس آيةٌ كبيرة من آيات الله التي يحق الإقسام بها؛ فإنها في غاية اللطف، والخفة، سريعة التنقل، والحركة، والتغير، والتأثر، والانفعالات النفسية من الهمة، والإرادة، والقصد، والحب.
    وهي التي لولاها لكان البدن مجرد تمثالٍ لا فائدة فيه، وتسويتُها على ما هي عليه آيةٌ من آيات الله العظيمة.
    والمقصود أن نفس الإنسان من أعظم الأدلة على وجود الله وحده، ومن ثم تفرده بالعبادة+.
    د_ هداية المخلوقات:
    وهذا مشهد من مشاهد الحس الدالة على وحدانية الله_عز وجل_فلقد هدى الله الحيوان: ناطقه وبهيمه، وطيره ودوابه، وفصيحه وأعجمه إلى ما فيه صلاحُ معاشه وحاله.
    ويدخل تحت قوله_تعالى_: [رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى] (طه:50) .
    (1/11)
    ________________________________________
    تلك الآية التي رد بها موسى_عليه السلام_على فرعون_يدخل تحتها من العجائب والغرائب ما لا يحصيه إلا الله_عز وجل_.
    فَمَن الذي هدى الإنسان ساعة ولادته إلى التقام ثدي أمه؟ ومن الذي أودع فيه معرفة عملية الرضاع؟ تلك العملية الشاقة التي تتطلب انقباضات متوالية من عضلات الوجه، واللسان، والعنق، وحركات متواصلة للفك الأسفل، والتنفس مع الأنف، كل ذلك يتم بهداية تامة وبدون سبق علم أو تجربة، فمن الذي ألهمه ذلك؟ إنه [رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) ] .
    ثم إن هدايته بعد أن يكبر إلى السعي في مصالحه من الضرب في الأرض، والسير فيها، كل ذلك من الهداية التامة العامة للمخلوقات.
    أما هداية الطير، والوحش، والدواب_فحدث ولا حرج، فلقد هداها الله إلى الأفعال العجيبة التي يعجز عنها الإنسان.
    وقد ذكر العلامة ابن القيم×في كتابه (شفاء العليل) أموراً عجيبة من هذا القبيل، فقد تحدث عن هداية النحل بما يأخذ بالألباب، ويزيد إيماناً برب الأرباب (1) .
    حيث تحدث عن اتخاذها اليعسوبَ أميراً، وعن طريقة ولادتها، ورعيها، ودقة تنظيمها، وتوزيعها المهام على فرق شتى، فمنها فرقة تلزم الملك ولا تفارقه، ومنها فرقة تهيِّيء الشمع وتصنعه، وفرقة تكنس الخلايا وتنظفها من الأوساخ والجيف والزبل.
    وإذا رأت النحل بينها نحلةً مهينةً بطالةً قطَّعَتْها، وقتلتها؛ حتى لا تفسد عليهن بقيةَ العمال، وتُعْديهِنَّ ببطالتها ومهانتها.
    __________
    (1) انظر شفاء العليل، ص144_164.
    (1/12)
    ________________________________________
    ثم تحدث×عن طريقة بنائها البيوت، فقال: ثم يأخذن في ابتناء البيوت على خطوط متساوية، كأنها سككٌ ومحالٌّ، وتبني بيوتها مسدسةً متساويةَ الأضلاع، كأنها قرأت كتاب =إقليدس+ حتى عرفت أوفق الأشكال لبيوتها؛ لأن المطلوب من بناء الدُّور هو الوثاقة والسعة، والشكل المسدس دون سائر الأشكال إذا انضمت بعض أشكاله إلى بعض صار شكلاً مستديراً كاستدارة الرحى، ولا يبقى فيه فروج ولا خلل، ويشد بعضه بعضاً حتى يصير طبقاً واحداً محكماً، لا يدخل بين بيوته رؤوس الإبر، فتبارك الذي ألهمها أن تبني بيوتها هذا البناءَ المحكمَ+.
    ثم تحدث عن طريقة خروجها للمرعى، وادخارها للكسب ثم قال: =وفي النحل كرامٌ لها سعيٌ وهمةٌ، واجتهادٌ، وفيها لئامٌ كسالى قليلةُ النفع مؤثرةٌ للبطالة؛ فالكرام دائماً تطردها وتنفيها عن الخلية+.
    وفي ختام حديثه عنها قال: =ولما كانت النحل من أنفع الحيوانات وأبركها، قد خُصت من وحي الرب_تعالى_وهدايته بما لم يَشْرَكْها فيه غيرُها، وكان الخارج من بطونها مادة الشفاء من الأسقام والنور الذي يضيء في الظلام بمنزلة الهداة من الأنام_كان أكثر الحيوان أعداءها، وكان أعداؤها من أقل الحيوانات منفعة وبركة، وهذه سنة الله في خلقه وهو العزيز الحكيم+.
    ثم تحدث_أيضاً_عن هداية النمل (1) قائلاً: =وهدايتها من أعجب شيءٍ؛ فإن النملةَ الصغيرةَ تخرج من بيتها وتطلب قُوْتَها، وإن بعدت عليها الطريق، فإذا ظفرت به حملته، وساقته في طرق معوجة بعيدةٍ ذاتِ صعودٍ وهبوطٍ في غاية التوعر، حتى تصلَ إلى بيوتها فتخزن فيها أقواتها وقت الإمكان، فإذا خزنتها عمدت إلى ما ينبت منها ففلقته فلقتين؛ لئلا ينبت، فإن كان ينبت مع فَلْقِهِ باثنتين فَلَقَتْه بأربع، فإذا أصابه بلل، وخافت عليه العفن والفساد انتظرت به يوماً ذا شمس، فخرجت به فنشرته على أبواب بيوتها، ثم أعادته إليها.
    ولا تتغذى منه نملة مما جمعه غيرها.
    __________
    (1) انظر شفاء العليل، ص147_151.
    (1/13)
    ________________________________________
    ويكفي في هداية النمل ما قاله الله_سبحانه_في القرآن عن النملة التي سمع سليمان كلامها وخطابها لأصحابها بقولها [يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ] (النمل: 18) .
    فاستفتحت خطابها بالنداء الذي يسمعه مَنْ خاطبته، ثم بالاسم المبهم، ثم أتبعته بما يثبته من اسم الجنس؛ إرادة للعموم، ثم أمرتهم أن يدخلوا مساكنهم فيتحصنوا من العسكر، ثم أخبرت عن سبب الدخول؛ خشية أن تصيبهم معرةُ الجيش، فيحطمهم سليمان وجنوده، ثم اعتذرت عن نبي الله وجنوده بأنهم لا يشعرون بذلك.
    والنمل من أحرص الحيوان، ويضرب بحرصه المثل، ولها صدق الشم، وبعد الهمة، وشدة الحرص، والجرأة على محاولة نقل ما هو أضعاف أضعاف وزنها.
    وليس للنمل قائد ورئيس يدبرها كما يكون للنحل، إلا أن لها رائداً يطلب الرزق، فإذا أوقف عليه أخبر أصحابه، فيخرجن مجتمعاتٍ، وكل نملة تجتهد في صلاح العامة منها غير مختلسة من الحب شيئاً لنفسها دون صواحبها.
    وهذا الهدهد من أهدى الحيوان، وأبصره بمواضع الماء تحت الأرض، ولا يراه غيره.
    ومن هدايته ما قصه الله عنه في كتابه؛ مما قاله الهدهد لسليمان_عليه السلام_وقد فقده، وتوعده، فلما جاءه بادره بالعذر قبل أن ينذره سليمان بالعقوبة، وخاطبه خطاباً هَيَّجه به على الإصغاء إليه والقبول منه فقال: [أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ] وفي ضمن هذا أني أتيتك بأمر قد عرفْتُهُ بحيث أُحطتُ به، وهو خبر عظيم له شأن؛ فلذلك قال: [وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ] (النمل: 22) .
    والنبأ هو الخبر الذي شأن، والنفوس متطلعة إلى معرفته، ثم وصفه بأنه نبأ يقين لاشك فيه ولا ريب، فهذه مقدمة بين يدي إخباره لنبي الله بذلك النبأ اسْتَفْرَغَتْ قَلْبَ المُخبَر لتلقي الخبر، وأوْجَبَتْ له التشوقَ إلى سماعه ومعرفته، وهذا نوع من براعة الاستهلال، وخطاب التهييج.
    (1/14)
    ________________________________________
    ثم أخبر بباقي القصة عن بلقيس وقومها، وبين بطلان ما هم عليه من عبادة الشمس.
    وهذا الحمام من أعجب الحيوان هدايةً، قال الشافعي: أعقل الطير.
    وبُرُدُ الحمامِ هي التي تحمل الرسائل والكتب، وربما زادت قيمة الطير منها على قيمة المملوك والعبد؛ فإن الغرض الذي يحصل به لا يحصل بمملوك ولا بحيوان غيره.
    وهداية الحمام على قدر التعليم والتوطين، وهو موصوف باليمن والإلف للناس، ويحب الناس ويحبونه، ويألف المكان، ويثبت على العهد والوفاء لصاحبه، وإن أساء إليه، ويعود إليه مسافات بعيدة، وربما صُدَّ فترك وطنه عشرَ حججٍ وهو ثابت على الوفاء حتى إذا وجد فرصة واستطاعةً عاد إليه.
    أما طريقة سِفاده وجمعه عِشَّه، واعتنائه ببيضه وصغاره_فهي من أعجب العجب، وقد ذكر ابن القيم في كتابه (شفاء العليل) أوجه شبه كثيرة بين الإنسان والحمام.
    ومن عجيب هداية الديك الشاب أنه إذا أُلْقِيَ له حبٌّ لم يأكلْه، حتى إذا هرم وشاخ أكله من غير تفريق، كما قال المدائني: إن إياس بن معاوية مر بديك ينقر حبَّاً ولا يفرقه فقال ينبغي أن يكون هرماً؛ فإن الديك الشاب يفرق الحب؛ ليجتمع الدجاج فتصيب منه، والهرم قد فنيت رغبته فليس له همة إلا نفسه.
    ومن عجيب أمر الثعلب أن ذئباً أكل أولاده وكان للذئب أولاد، وهناك زبية، فعمد الثعلب وألقى نفسه فيها، وحفر فيها سرداباً يخرج منه، ثم عمد إلى أولاد الذئب، فقتلهم وجلس ناحية ينتظر الذئب، فلما أقبل وعرف أنها فِعْلَتُه هرب قُدَّامه وهو يتبعه فألقى نفسه في الزبية، ثم خرج من السرداب، فألقى الذئب نفسه وراءه، فلم يجده ولم يطق الخروج، فقتله أهل الناحية.
    ومن عجيب أمره أنه رأى رجلاً ومعه دجاجتان، فاختفى له، وخطف إحداهما، وفَرَّ ثم أعمل فكره في أخذ الثانية، فتراءى لصاحبها من بعيد، وفي فمه ما يشبه الطائر، وأطمعه في استعادتها بأن تركه وفر، فظن الرجل أنها الدجاجة، فأسرع نحوها، فخالفه الثعلب إلى أختها فأخذها وذهب.
    (1/15)
    ________________________________________
    ومن هداية الحمار_وهو من أبلد الحيوان_أن الرجل يسير به، ويأتي به إلى منزله في البعد في ليلة مظلمة، فيعرف المنزل، فإذا خُلِّي جاء إليه.
    ثم إنه يُفرِّق بين الصوت الذي يُسْتَوْقَفُ به، وبين الصوت الذي يُحث به على السير.
    ومن عجيب أمر الفأرة أنها إذا شربت من الزيت الذي في أعلى الجرة فَنَقَصَ، وعَزَّ عليها الوصولُ إليه_ذهبت وحملت في أفواهها ماءً وَصَبَّتْهُ في الجرة؛ حتى يرتفع الزيت فتشربه.
    وكثير من العقلاء يتعلم من الحيوانات البهم أموراً تنفعه في معاشه وأخلاقه، وصناعته، وحربه، وحزمه، وصبره.
    وهداية الحيوان فوق هداية أكثر الناس، قال_تعالى_: [أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً] (الفرقان: 44) .
    قال أبو جعفر الباقر: =والله ما اقتصر على تشبيههم بالأنعام حتى جعلهم أضل سبيلاً منها+.
    قيل لرجل: مَنْ علمك البكور في حوائجك أول النهار لا تخل به؟.
    قال: مَنْ علم الطير تغدو خماصاً كل بكرة في طلب أقواتها على قربها وبعدها لا تسأم ذلك، ولا تخاف ما يعرض لها في الجو والأرض.
    وقيل لآخر: مَنْ عَلَّمك السكونَ، والتحفظ، والتماوت حتى تظفر بإربك، فإذا ظفرت به وثبت وثوب الأسد على فريسته؟.
    فقال: الذي علم الهرة أن ترصد جحر الفأرة فلا تتحرك، ولا تتلوى، ولا تختلج، حتى كأنها ميتة، حتى إذا برزت الفأرة وَثَبَتْ عليها كالأسد.
    وقيل لآخر: مَنْ عَلَّمك حسن الإيثار والبذل والسماحة؟.
    قال: مَنْ علم الديك يصادف الحبة في الأرض وهو يحتاج إليها ولا يأكلها، بل يستدعي الدجاج، ويطلبهن طلباً حثيثاً حتى تجيء الواحدةُ منهن، فتلقطها وهو مسرور بذلك طيب النفس به، وإذا وضع له الحب الكثير فَرَّقه ها هنا وها هنا وإن لم يكن له دجاج؛ لأن طبعه قد ألف البذل والجود؛ فهو يرى أنه من اللؤم أن يستبد وحده بالطعام.
    (1/16)
    ________________________________________
    ومَنْ علَّم الأسد إذا مشى وخاف أن يُقْتَفَى أثره ويُطلب؟ عَفَّى مِشْيَته بذنبه؟!.
    ومن ألهم كرام الأسود وأشرافها أن لا تأكل إلا من فريستها، وإذا مر بفريسة غيره لم يدن منها ولو جهده الجوع؟ !.
    ومن علم الأنثى من الفيلة إذا دنا وَقْتُ ولادتها أن تأتي إلى الماء، فتلدَ فيه؛ لأنها دون الحيوانات لا تلد إلا قائمة؛ لأن أوصالها على خلاف أوصال الحيوان، وهي عالية، فتخاف أن تسقطه على الأرض فينصدع، أو ينشق، فتأتي ماء وسطاً تضعه فيه يكون كالفراش اللين والوطاء الناعم؟ !.
    ومَنْ علم الذباب إذا سقط في مائع أن يتقي بالجناح الذي فيه الداء دون الآخر؟!.
    ومَنْ علم الذئب إذا نام أن يجعل النوم نُوَباً بين عينيه، فينام بإحداهما حتى إذا نعست الأخرى نام بها، وفتح النائمة حتى قيل فيه:
    ينام بإحدى مقلتيه ويتقي **** بأخرى المنايا فهو يقظان نائم

    وهذا باب واسع جدَّاً، ويكفي فيه قوله_سبحانه وتعالى_: [وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ] (الأنعام: 38) .
    قال مجاهد: =أمم أمثالكم+ أصناف مصنفة تُعْرف بأسمائها. وقال الزجاج: =أمم أمثالكم+ في أنها تبعث، وقال ابن قتيبة: =أمم أمثالكم+ في طلب الغذاء وابتغاء الرزق وتَوَقِّي المهالك، وقال سفيان بن عيينة: ما في الأرض آدمي إلا وفيه شبه من البهائم؛ فمنهم من يهتصر اهتصار الأسد، ومنهم يعدو كعدو الذئب، ومنهم من ينبح نباح الكلب، ومنهم من يتطوس كفعل الطاووس، ومنهم من يشبه الخنازير التي لو ألقي إليها الطعام الطيب لعافته، فإذا قام الرجل من رجيعه ولغت فيه؛ فلذلك تجد من الآدميين من لو سمع خمسين حكمةً لم يحفظ منها واحدة وإن أخطأ رجلٌ تروّاه وحفظه.
    (1/17)
    ________________________________________
    وهذا كله من أدل الدلائل على الخالق لها_سبحانه وتعالى_وعلى إتقان صنعه، وعجيب تدبيره، ولطيف حكمته؛ فإن فيما أودعها من غرائب المعارف، وغوامض الحيل، وحسن التدبير، والتَّأتي لما تريده_ما يستنطق الأفواه بالتسبيح، ويملأ القلوب من معرفته، ومعرفة حكمته، وقدرته، وما يعلم به كل عاقل أنه لم يخلق عبثاً، ولم يترك سدىً، وأن له حكمةً باهرةً، وآيةً ظاهرة، وبرهاناً قاطعاً، يدل على أنه رب كلِّ شيءٍ ومليكُه، وأنه المنفرد بكل كمالٍ دون خلقهِ، وأنه على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم (1) .
    هـ _ دلالة الآفاق:
    ومن آياته الدالة على وحدانيتة دلالة الآفاق التي يراها كل أحدٍ؛ العالم والجاهل، المؤمن والكافر، فلو تأمل الإنسان بعين البصيرة والتدبر والتفكر_لأدرك عظمة مَنْ أنشأها، ولَدَعاه ذلك إلى عبادته وحده لا شريك له.
    قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي×عند قوله تعالى: [سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ] (فصلت:53) : =وقد فعل_تعالى_فإنه أرى عباده من الآيات ما به تبين أنه الحق، ولكن الله هو الموفق للإيمان من شاء، الخاذل لمن يشاء+ (2) .
    وقال×في موطن آخر_أيضاً_: =كلما تدبر العاقل في هذه المخلوقات، وتغلغل فكره في بدائع الكائنات_علم أنها خلقت للحق بالحق، وأنها صحائف آيات، وكتب براهين، ودلالات على جميع ما أخبر به عن نفسه ووحدانيته، وما أخبرت به الرسل عن اليوم الآخر، وأنها مدبرات، مسخرات، ليس لها تدبير ولا استعصاء على مدبرها ومصرفها، فتعرف أن العالَم العلويَّ والسفلي كلَّهم إليه مفتقرون، وإليه صامدون، وأنه الغني بالذات عن جميع المخلوقات، فلا إله إلا هو ولا رب سواه+ (3) .
    __________
    (1) انظر شفاء العليل، ص147_164.
    (2) الشيخ عبد الرحمن بن سعدي وجهوده ص72_73.
    (3) الشيخ عبد الرحمن بن سعدي وجهوده ص72_73.
    (1/18)
    ________________________________________
    وقال رحمه في موطن آخر: =فهذا خبره_تعالى_عن أمور مُسْتَقْبَلَةٍ أنه يُري عباده من الآيات والبراهين في الآفاق وفي الأنفس ما يدلهم على أن القرآن حق، والرسول حق، وما جاء به هو الحق+ (1) .
    وفي كل عصر من العصور يُطلع الله عباده على أمور عظيمة في هذا الكون الفسيح.
    وفي العصور المتأخرة ظهر العديد من الاكتشافات والمخترعات والحقائق العلمية، ولا يزال الباحثون يكتشفون في كل يوم سراً من أسرار هذا الكون العظيم، مما جعلهم يقفون حائرين واجمين معترفين بالتقصير والعجز، وأن هناك عوالمَ أخرى مجهولةً، وأخرى لم تكتشف بعد.
    وخلاصة القول في هذا أن كل ما في الآفاق يدل دلالة قاطعة على وجود مدبر حكيم، رب عليم، مستحق للعبادة، ولكن:
    إذا لم يكن للمرء عينٌ صحيحةٌ **** فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر

    و_عبودية الكائنات (2) :
    فالله_سبحانه_قد خلق جميع الكائنات؛ إنسها، وجنها، وملائكها، وحيوانها، وجمادها، ونباتها، وغيرها من الكائنات_لعبادته_سبحانه_وفطرها على توحيده، والاعتراف بألوهيته، والإقرار بفقرها وحاجتها وخضوعها وصمودِها له_جل وعلا_.
    فكل هذه الكائنات تقوم بعبادة الله_عز وجل_ولا يُخِلُّ بذلك إلا الإنسان المعاند الزائغ عن شرع الله_سبحانه وتعالى_المخالف لنظام هذا الكون المحكم البديع؛ الذي ما قام إلا على عبودية الله.
    هذا وتختلف العبوديات من مخلوق إلى مخلوق.
    فمن تلك العبوديات: عبودية الإنس، فهي أشرفها وأفضلها.
    وأشرف ما فيها عبوديةُ الأنبياء لربهم، وقيامهم بالدعوة والجهاد وغير ذلك، ثم عبودية أتباعهم وأتباع أتباعهم.
    ومن ذلك: عبودية الملائكة، والجن وهذا ليس بمستغرب.
    أما الغريب حقَّاً فهو عبودية الجمادات والحيوانات، التي يعتقد كثير من الناس أنها لا تعقل ولا تدرك، وليس لها أيُّ عبودية لله.
    __________
    (1) الشيخ عبد الرحمن بن سعدي وجهوده ص72_73.
    (2) انظر عبودية الكائنات لرب العالمين، للشيخ فريد التوني، دار الضياء، ص234، و245.
    (1/19)
    ________________________________________
    إن هذا الكون الواسع بما فيه من الكائنات كلّه يخضع لخالقه وبارئه، ويؤدي عبودية له_سبحانه وتعالى_فلقد ثبت لهذه الكائنات في الكتاب والسنة طاعاتٌ كثيرةٌ كالسجود، والتسبيح، والصلاة، والاستغفار، والإسلام، والإشفاق، وغيرها.
    فعن سجود هذه الكائنات يقول الله_عز وجل_: [أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ] (الحج: 18) .
    وليس بالضرورة أن يكون هذا السجود مثل سجود الآدميين من المسلمين؛ فسجود كلِّ أحدٍ بحسبه.
    وأما عن تسبيح الكائنات فذلك كما في قوله_تعالى_: [تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً] (الإسراء: 44) . فالكائنات كلها تسبح خالقها تسبيحاً لا نفقهه نحن البشر، وعدم معرفتنا به ليس دليلاً على نفيه؛ فلقد خص الله بعض خلقه بالاطلاع على تسبيح بعض الكائنات، وأفهمه تسبيحها كداود_عليه السلام_.
    أما صلاتُها فقد قال الله_تعالى_: [أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ] (النور: 41) .
    فكلها يصلي، ويسبح لله، وليس بالضرورة أن نفهم ذلك.
    أما عن استغفارها ففي حديث أبي الدرداء÷قال: سمعت رسول الله"يقول: =وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء+ (1) .
    __________
    (1) ابن ماجه، 1/81 برقم (223) ، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع 2/1079 رقم (6297) .
    (1/20)
    ________________________________________
    أما عن إسلامها لله_تعالى_فقد قال_عز وجل_: [أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ] (آل عمران:83) .
    إلى غير ذلك من العبوديات المتنوعة التي لا يتسع المقام لذكرها (1) .
    وهناك كتاب صدر مؤخراً بعنوان (عبودية الكائنات لرب العالمين) (2) حيث تكلم مؤلفه على عبودية الكائنات بالتفصيل، ومن ضمن ما تلكم عليه: سجود الدواب، وإشفاقها من يوم القيامة، وراحتها من موت الفاجر، وعن كلام الدواب، كالبقرة، والجمل، والحيتانِ، والديك، والذئب، والفرس، والنمل، والهدهد.
    كما تحدث عن عبودية الشجر، وسجودها، وسماعها لأذان المؤذن، وتلبيتها في الحج أو العمرة، وعن ولاء الشجر وبرائه، وعن موقف الشجرة من النبي"وسلامها عليه، وانقيادها له، وحنينها إليه، وشهادتها له بالتوحيد، ومواقفها مع المسلمين، كما تحدث عن عبودية الجبال، وسجودها لله، وتسبيحها له، وعن تلبية الحجر، وسماعه للأذان، وعن خشية الجبال، وخوفها، وعرض الأمانة عليها، وسرورها، وفرحها بمن يذكر الله عليها، وعن مواقف الجبال مع بعض الأنبياء_عليهم السلام_.
    كما تحدث عن عبودية السموات والأرض وتسبيحها لله، وإنكارها قول النصارى: إن المسيح ابن الله، وبكائها على فراق المؤمنين الصالحين.
    وتحدث أيضاً عن عبودية الملائكة والإنس والجن، كل ذلك مقرون بالأدلة من الكتاب والسنة.
    ومن هنا يتبين لنا أن المخلوقاتِ مفتقرةٌ إلى الله_سبحانه وتعالى_=وأن فقرَها وحاجَتها إليه وصفٌ ذاتيٌ لهذه الموجودات المخلوقة، كما أن الغنى وصف ذاتي للرب الخالق+ (3) .
    فصمود الكائنات كلها وفقرها إلى الله يدل دلالة واضحة على وحدانيته_سبحانه وتعالى_.
    __________
    (1) انظر جامع الرسائل لابن تيمية تحقيق د. محمد رشاد سالم، 1/1_45.
    (2) الكتاب لفريد التوني، وهو رسالة علمية.
    (3) مجموع الفتاوى لابن تيمية 2/9.
    (1/21)
    ________________________________________
    ز_اختلاف الطعوم والألوان والروائح في النبات:
    وهذا دليل حسي على وحدانية الله؛ فالماء ينزل من السماء عديم اللون والطعم والرائحة، ينزل على الأرض الجرداء، ثم يخرج_بإذن الله_من جَرَّاء ذلك نباتاتٌ مختلفة في اللون، والطعم، والرائحة، فبعضها حلو، وبعضها حامض، وبعضها مُزٌّ، وبعضها أخضرُ، وبعضها أصفرُ، وبعضها أسود.
    بل إن النوع الواحد من بعض الثمار متنوع تنوعاً عجيباً؛ ومن ذلك على سبيل المثال (العنب) فمنه جنات معروشات وغير معروشات، ومنه الحلو، ومنه الحامض، ومنه الحامض الحلو، ومنه الأخضر، ومنه الأحمر، ومنه الأسود، ومنه الطويل، ومنه المدور إلى غير ذلك.
    وقل مثل ذلك في النخل؛ فمنها ما تكون حلاوته بسراً أكثرَ من حلاوته رطباً والعكس بالعكس، ومنه الأسود، ومنه الأصفر، ومنه الطويل، ومنه المدور، كل ذلك وهو يسقى بماء واحد.
    فمن الذي فضَّل بعضها على بعض في الأكل؟ ومن الذي أودعها هذه المزايا من الألوان والأطعمة؟.
    إنه الله [وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى] (الأعلى: 3_5) .
    ح_ اختلاف الألسن:
    فنحن نرى اختلاف الألسن واللغات من شعب إلى شعب، ومن إنسان إلى إنسان، فمن الذي علم الإنسان البيان؟ ومن الذي يعلم تلك اللغات جميعاً، ويحصي ما يقولون فلا تختلط عليه؟.
    إنه الله الواحد الأحد.
    فاختلاف الألسن آية عظيمة تدل على وحدانيته_سبحانه وتعالى_ (1) .
    * * *

    5 ـ دلالة أسمائه وصفاته (2)

    وهذه هي طريقة الخواص يستدلون بالله على أفعاله، فإن قيل: كيف يُسْتَدل بأسمائه وصفاته على استحقاقه للوحدانية، فإن ذلك لا يعهد في الاصطلاح؟
    __________
    (1) انظر تفاصيل ما مضى في الجزء الأول من مفاتيح دار السعادة لابن القيم.
    (2) شرح العقيدة الطحاوية، ص95_96.
    (1/22)
    ________________________________________
    فالجواب: إن الله قد أودع الفطرة التي لم تتنجس بالجحود والتعطيل، ولا بالتشبيه والتمثيل أنه_سبحانه_الكامل في أسمائه وصفاته، وأنه الموصوف بما وصف به نفسه، ووصفه به رسلُه، وما خفي عن الخلق من كماله أعظمُ مما عرفوه منه.
    ومَنْ كماله المقدس شهادتُه على كل شيء، واطِّلاعه عليه؛ بحيث لا يغيب عنه ذرة في السموات ولا في الأرض باطناً وظاهراً.
    ومن هذا شأنُه كيف يليق بالعباد أن يشركوا به، وأن يعبدوا غيره، ويجعلوا معه إلهاً آخر؟!.
    وكيف يليق بكماله أن يقر من يكذب عليه أعظم الكذب، ويخبر عنه بخلاف ما الأمر عليه، ثم ينصره على ذلك، ويؤيده، ويعلي شأنه، ويجيب دعوته، ويهلك عدوه، ويظهر على يديه من الآيات والبراهين ما يعجز عن مثله قوى البشر، وهو مع ذلك كاذب عليه مفترٍ؟ !.
    فأنت ترى من خلال ما مضى أن الاستدلال جرى باسم الله (الشهيد) لتقرير الوحدانية وصدق الرسل.
    أما تقرير الوحدانية فإن الإيمان باسم الشهيد يقتضي المراقبة الدائمة لله_عز وجل_فكيف يليق بالعبد أن يعصي الله وهو يعلم أن الله مطلع عليه في كل أحواله؟.
    وهذه المراقبة هي أعلى مراتب الدين؛ لأنها مرتبة الإحسان.
    أما صدق الرسل من خلال الإيمان بهذا الاسم (الشهيد) ؟ فوجهه أنَّ مَنْ كمال الله_سبحانه_أنه لا يعزب عنه شيءٌ، فكيف يليق بمن هذا شأنه أن يقر من يكذب عليه؟ بل ويؤيده وينصره ويهلك عدوه، بل ويعلي ذكره ودعوته؟ !.
    هذا لا يليق، فلو كان الرسل كاذبين لأخذهم الله كما أخذ الدجالين في الماضي والحاضر كمسيلمة والقادياني وغيرهما.
    ومن هنا نعلم صدق الرسل من خلال الإيمان باسم (الشهيد) . ولهذا قال بعض أهل العلم إن إنكار رسالة الرسول"جحد للرب بالكلية.
    وهذا باب من أبواب الاستدلال على وحدانية الله.
    والقرآن مملوء من هذه الطريق، ومن الأمثلة على ذلك قوله
    (1/23)
    ________________________________________
    _تعالى_: [هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ] (الحشر: 23)

    المصدر رسائل الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد في العقيدة
    وأخيراً أسأل الله عز وجل أن يجعل هذا العمل نافعاً، مباركاً، خالصاً لوجهه الكريم
    وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

    حياكم الله بموقع بداية الهداية الخطوة إلى طريق العلم الشرعي الصحيح
    http://www.musacentral.com/

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    المشاركات
    2,459
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    01-11-2023
    على الساعة
    04:37 PM

    افتراضي

    حياكم الله
    وأخيراً أسأل الله عز وجل أن يجعل هذا العمل نافعاً، مباركاً، خالصاً لوجهه الكريم
    وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

    حياكم الله بموقع بداية الهداية الخطوة إلى طريق العلم الشرعي الصحيح
    http://www.musacentral.com/

الأدلة على وحدانية الله ـ سبحانه وتعالى الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. إلى كل من يشك في وجود الله سبحانه وتعالى
    بواسطة الفارة إلى الله في المنتدى منتديات الدعاة العامة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 22-08-2013, 01:41 PM
  2. دلائل وحدانية الله سبحانه وتعالى
    بواسطة امال عبد الله في المنتدى العقيدة والتوحيد
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 20-05-2013, 06:01 PM
  3. جمال الله سبحانه وتعالى
    بواسطة ابوغسان في المنتدى العقيدة والتوحيد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 30-05-2011, 07:54 PM
  4. شبهة حول صفة مكر الله سبحانه وتعالى
    بواسطة احمد العربى في المنتدى الرد على الأباطيل
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-02-2006, 01:18 AM
  5. شبهة حول صفة مكر الله سبحانه وتعالى؟
    بواسطة محمد مصطفى في المنتدى شبهات حول القران الكريم
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 21-12-2005, 02:00 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

الأدلة على وحدانية الله ـ سبحانه وتعالى الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد

الأدلة على وحدانية الله ـ سبحانه وتعالى   الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد