توحيد الألوهية
الألوهية مشتقة من كلمة «إله» بمعنى المعبود المطاع، وهو يطلق على المعبود بحق كقوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] وشرعًا: هو إفراد الله بأفعال العباد؛ كالصلاة والصيام والزكاة والحج والذبح، والنذر والخوف، والرجاء والمحبة، وعلى أنهم يفعلونها طاعة له وابتغاء مرضاته، ولذا يعلم أنه لا يتحقق توحيد الألوهية إلا بوجود أصلين:
الأول: أن تصرف جميع أنواع العبادة له سبحانه دون ما سواه، ولا يُعطى المخلوق شيئًا من حقوق الخالق وخصائصه. فلا يعبد إلا الله، ولا يُصلى لغير الله، ولا يُسجد لغير الله، ولا يُحلف بغير الله، ولا يُنذر لغير الله، ولا يتوكل على غير الله، وإن توحيد الألوهية يقتضي إفراد الله وحده بالعبادة، والعبادة: إما قول القلب واللسان، وإما عمل القلب والجوارح.
الثاني: أن تكون العبادة موافقة لما أمر به الله ورسوله . إن أهم ما يقتضيه توحيد الألوهية التسليم التام للكتاب والسنة، وهو الذي يأتي بالمدلول الحقيقي لكلمة الشهادة.
* فتوحيد الله سبحانه بالعبادة والخضوع والطاعة؛ هو تحقيق شهادة (أن لا إله إلا الله).
* ومتابعة رسول الله  والإذعان لما أمر به ونهى عنه هو تحقيق شهادة أن (محمدًا رسول الله).
هذان أمران لا نجاة للمسلم إلا بهما، فيجب أن لا نتحاكم إلى غيرهما، ولا نرضى بحكم غيرهما. كما أمر الله عز وجل نبيه : {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود: 112]، حيث أمر الله تعالى نبيه  بالاستقامة وأن تكون هذه الاستقامة وفق الكتاب والسنة، وكل طريق سوى القرآن والسنة هو إلى النار، وليس بعده إلا الضلال.
وهنالك بعض مقومات لهذه الشروط منها:
1- الإخلاص: هو أن يكون مراد العبد بجميع أقواله وأعماله الظاهرة والباطنة وجه الله تعالى وحده، من غير نظر إلى غيره سبحانه من مغنم أو جاه أو ثناء من الناس كائنًا من كان. والشرك ينافي الإخلاص؛ إذ بحسب خلو القلب من الإخلاص يكون فيه رياء، فالرياء هو إرادة ما سوى الله بالعمل، وهو من الشرك الأصغر.
2- التوكل: التوكل مأخوذ من الوكالة، أي تفويض الأمر إليه والاعتماد عليه كليًا، وحتى يحصل الاعتماد كليًا على الله تعالى فلا بُدَّ أولاً من الكفر بغيره، والأخذ بالأسباب التي أمر الله بها. ولذا يمكن القول إن التوكل هو الأخذ بالأسباب والكفر بها( ).
3- محبة الله عز وجل: تعد محبة الله عز وجل من أهم ما يقتضيه توحيد الألوهية ومن أعلى مقاماته. فهنيئًا لمن حازها.
4- الخوف والرجاء: يُعد الخوف والرجاء من أعظم أصول التوحيد؛ فيجب على كل مسلم أن يخاف الله تعالى وحده، وأن لا يخاف أحدًا سواه، والخوف محله القلب إلا أن آثاره تكون على الجوارح، والمؤمن بخير ما لم يَزُل عنه الخوف من الله؛ فإذا زال عنه ضل وغوى ، كما أن الخوف من غير الله من أرذل الرذائل. ويقع الخوف في أمور منها: زوال الإخلاص لله واختلاطه بغيره، والخوف من الفتنة في الدين وأن ترَدَّ الأعمال دون قبول، ووقوع البلايا والمصائب الدنيوية كالفقر الشديد والأمراض وزوال النعم وغيرها.
5- الصبر: يعد الصبر من مقامات التوحيد الرئيسية. ذلك أن العباد معرضون على الدوام للمصائب، والصبر أنواع منها: الصبر على الطاعات، والصبر عن المعاصي والمحرمات، والصبر على أقدار الله تعالى، والصبر عند الغضب. ويجب على المسلم عند الصبر أن يعلم أن له حسن الجزاء والعاقبة، وأن ينتظر الفرج وتهوين البلاء لما يعلم أن هناك بلاءً أشد وأكبر منه.
6- الشكر والحمد: والإيمان نصفان: نصف شكر ونصف صبر، ولا ريب أن واجب العبد أن يحمد ربه في جميع أحواله. أما الشكر فهو ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده.
7- الغيرة والغضب لله: أي غيرة العبد لربه لا غيرة العبد على ربه، قال : «إن الله يغار، وإن المؤمن يغار وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه» [متفق عليه]، وتقتضي غيرة العبد لربه أمورًا هي:
- أن لا يجعل شيئًا من أعماله وأقواله لغير الله.
- أن يغار على وقت فاته من طاعة الله؛ فالوقت أعز شيء على المسلم.
- وأن يغضب لمحارم الله إذا انتهكت ولحقوقه إذا أهملت.
8- الدعاء: هو إفراد الله تعالى وحده بالدعاء بأنواعه كافة، والدعاء هو طلب العبد من ربه ما يحتاجه من أمور دينه ودنياه. وفي الدعاء معان عظيمة منها: إظهار الافتقار إلى الله تعالى، والتبرؤ من الحول والقوة، والدعاء سمة العبودية واستشعار الذلة البشرية، وفيه الثناء على الله، وإضافة الجود والكرم إليه.
9- الشفاعة: هي رفع حاجات المشفوع له إلى الله بدعاء الشافع، وهي نوعان:
- شفاعة مثبتة صحيحة: وهي التي تقع بإذنه سبحانه فلا تكون إلا لمن أذن الله له.
- شفاعة شركية: كالاستشفاع بالموتى أيًا كانوا، لأن طالب الشفاعة اعتقد فيهم القدرة عليها، ولأنه في الغالب يتقرب إليهم بالذبح والنذر وغير ذلك.
10- التوسل: هو الاستشفاع إلى الله تعالى في الدعاء، أي سؤاله سبحانه بشيء ما، والتقرب إليه بذلك الشيء حتى يحقق جل شأنه مراد السائل. والتوسل المشروع هو الذي يُعرف بالأدلة الصحيحة، وكذلك التوسل بعمل صالح قام به الداعي، وأيضًا التوسل بدعاء رجل صالح حي حاضر، وهذه الأنواع مشروعة بالكتاب والسنة وليس هناك توسل بالذوات أو الجاهات أو الحقوق أو المقامات.
11- الحلف: إن الحلف تعظيم للمحلوف به، وبما أن التعظيم نوع من أنواع العبادة لا تكون إلا لله وحده ، والحلف بغير الله من الشرك الأصغر أي من كبائر الذنوب قال : «من حلف بغير الله فقد أشرك» [صحيح: أبو داود].
12- التسمية: وهي أن تبدأ الأقوال والأعمال بذكر اسمه سبحانه وحده، فلا يجوز أن تبدأ بغيرها أو إقران اسم مع اسمه سبحانه، مثل باسم الله والشعب.
13- النذر: وهو إلزام المسلم نفسه القيام بعبادة الله أو بعمل صالح غير واجب عليه أصلاً تجاه ربه. ولا يجوز النذر لغير الله تعالى؛ لأن النذر عبادة والعبادة لله وحده.
واعلم أخي المسلم: أن توحيد الألوهية هو التوحيد الذي جاءت به الرسل إلى أممهم ومن أجله أنزلت الكتب وخلقت السماوات والأرض والجنة والنار. وإن توحيد الألوهية هو أعلى مراتب التوحيد، وهو الذي بدأ به كل رسول دعوته، ومن أجله شرع الجهاد وقامت الحروب بين الموحدين والمشركين، ومن لم يأت به كان مشركًا.
وخلاصة القول في توحيد الألوهية هي: أن يغنى المسلم بعبادة لله عن عبادة ما سواه، وبمحبته عن محبة ما سواه، وبخشيته عن خشية ما سواه، وبطاعته عن طاعة ما سواه، فلا يجعل لله ندًا في قصد ولا حب ولا خوف ولا رجاء ولا لفظ ولا حلف ولا نذر.