بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

موت الطبيعة البشرية وحدها لا يكفي للفداء

البابا شنودة الثالث
: طبيعة المسيح, الكُلِّيّة الإكليريكية للأقباط الأرثوذكس – صـ19, 20. [أهمّيَّة الوحدة للكفارة والفِداء: إنَّ الإيمان بطبيعة واحدة للكلمة المُتجسِّد، هو أمرٌ لازِمٌ وجَوهَريّ وأساسيّ للفِداء. فالفداء يَتَطَلَّب كفّارة غير محدودة، تكفى لمغفرة خطايا غير محدودة، لجميع
الناس في جميع العصور.
ولم يكن هُناك حلّ سوى تجسُّد الله الكلمة ليجعل بلاهوته الكفّارة غير محدودة. فلو أنَّنا تكلَّمنا عن طبيعتين مُنفصلتين. وقامت الطَّبيعة البشرية بعملية الفِداء وحدها, لما كان مُمكناً على الإطلاق أن تُقدِّم كفّارة غير محدودة لخلاص البشر. ومن هُنا كانت خُطُورة المُناداة بطبيعتين مُنفصلتين، تقوم كل منهما بما يخُصَّها. ففي هذه الحالة، موت الطَّبيعة البشرية وحدها لا يكفى للفِداء. ولذلك نرى القدِّيس بولس الرسول يقول: «لأنَّهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد» (1 كو 2 / 8), ولم يقل لما صلبوا الإنسان يسوع المسيح. إنَّ تعبير ربّ المجد هُنا يدلّ دلالة أكيدة على وحدة الطَّبيعة ولزومها للفِداء والكفّارة والخلاص, لأنَّ الذي صُلِبَ هو ربّ المجد. طبعاً صُلِبَ بالجسد, ولكن الجسد كان مُتَّحِداً باللاهوت في طبيعة واحدة, وهُنا الأمر الأساسي اللازم للخلاص. ويقول القدِّيس بطرس الرسول لليهود «أنكرتم القُدُّوس البار, وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل. ورئيس الحياة قتلتموه» (أع 3 / 14-15). وهُنا أشار إلى أن المصلوب كان رئيس الحياة، وهذا تعبير إلهي، فلم يفصل الطَّبيعتين مُطلقاً في موضوع الصَّلْب لأهمية وحدتهما من أجل عمل الفِداء. ويقول القدِّيس بولس الرسول أيضاً في رسالته إلى العبرانيين «لأنه لاق بذاك الذي من أجله الكلّ وبه الكلّ، وهو آت بأبناء كثيرين إلى المجد، أن يكمل رئيس خلاصهم بالآلام» (عب 2 / 10). وهُنا في مجال آلامه، لم ينسَ مُطلقاً لاهوته، إذ أنَّه من أجله الكلّ، وبه الكلّ. هذا الذي قال عنه في موضع آخر «الكلّ به وله قد خُلِق» (كو 1 / 16). والسيد المسيح نفسة حينما ظهر ليوحنا الرائي قال له: «أنا هو الأول والآخر والحى وكُنتُ مَيِّتاً, وها أنا حيّ إلى أبد الآبدين آمين. ولي مفاتيح الهاوية والموت» (رؤ 1 / 17-18). فهذا الذي كان مَيِّتاً هو الأول والآخر، وبيده مفاتيح الهاوية والموت. وهكذا لم يفصل لاهوته عن ناسوته هُنا وهو يتحدث عن موته. إذن فالذي مات هو ربّ المجد، ورئيس الحياة، ورئيس الخلاص، هو أيضاً الأول والآخر. إنَّها خُطُورة كبيرة على خلاصنا أن نفصل ما بين الطَّبيعتين أثناء الحديث عن موضوع الخلاص, ولعلّ البعض يقول: ومن هذا الذي فصل ؟! أليس مجمع خلقيدونية يقول بطبيعتين مُتَّحِدَتَين ؟! نعم يقول هذا, ويقول طومس لاون أيضاً: «إنَّ المسيح اثنان, إله وإنسان, الواحد يُبهر العجائب, والثاني ملقى للإهانات والآلام ..!», فإن كان هذا الإنسان وحده هو الملقى للآلام، فأيّ خلاص إذاً نكون قد أخذناه ؟!]**
البابا شنودة الثالث: طبيعة المسيح, الكُلِّيّة الإكليريكية للأقباط الأرثوذكس – صـ21, 22. [وفى صلب المسيح يُقدِّم لنا الكتاب آية جميلة جداً في حديث القديس بولس الرسول مع أساقفة أفسس حيث قال: «لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه» (أع 20 / 28). ونَسَبَ الدَّم هُنا إلى الله، بينما الله روح، والدَّم هو دم ناسوته. ولكن هذا التَّعبير يدُلّ دلالة عجيبة جداً على الطَّبيعة الواحدة للكلمة المُتجسِّد، حتى أن ما يتعلَّق بالناسوت يمكن أن يُنسب في نفس الوقت للاهوت، بلا تفريق, إذ لا يوجد انفصال بين الطَّبيعتين. إنَّ انفصال الطَّبيعتين الذي نادى به نسطور لم يستطع أن يُقدِّم حلاً لموضوع الكفّارة والفِداء. وقد حرصت الكنيسة على تعبير الطَّبيعة الواحدة من أجل أهمية هذا الموضوع، كما لباقي النتائج أيضاً المُترتِّبة على وحدة الطَّبيعة. ونحن في التَّعبيرات العادية نقول فُلان مات، ولا نقول إنَّ جسده فقط قد مات، إن كانت روحه على صورة الله وهبها الله نعمة الخلود, والرُّوح لا تموت.]**
البابا شنودة الثالث: طبيعة المسيح, الكُلِّيّة الإكليريكية للأقباط الأرثوذكس – صـ10, 11. [هرطقة نسطور: وكان نسطور بطريركاً للقسطنطينية من سنة 428م, حتى حرمه مجمع أفسس المسكوني المُقدَّس سنة 431م. وكان يرفض تسمية القدِّيسة العذراء مريم بوالدة الإله (QeotokoV ثِيئوتُوكُوس)، ويرى أنَّها ولدت إنساناً، وهذا الإنسان حلّ فيه اللاهوت. لذلك يمكن أن تُسمَّى العذراء أم يسوع. وقد نشر هذا التَّعلِيم قِسِّيسه أنسطاسيوس، وأيَّد هو تعليم ذلك القِسّ وكتب خمسة كُتُب ضدّ تسمية العذراء والدة الإله. ويعتبر أنه بهذا قد أنكر لاهوت المسيح. وحتى قوله أنَّ اللاهوت قد حلّ فيه لم يكن بمعنى الاتِّحاد الأُقنومي، وإنَّما حُلُول بمعنى المُصاحبة أو حُلُول كما يحدث للقدِّيسين. أي أنَّ المسيح صار مسكناً لله، كما صار في عِماده مسكناً للرُّوح القُدُس. وهو بهذا الوضع يُعتبر حامل الله (QeoforoV ثِيئوفُورُوس), كاللَّقب الذي أخذه القدِّيس أغناطيوس الأنطاكي. وقال إنَّ العذراء لا يُمكن أن تلد الإله، فالمخلوق لا يلد الخالق ! وما يُولد من الجسد ليس سوى جسد. وهكذا يرى أنَّ علاقة طبيعة المسيح البشرية بالطَّبيعة اللاهوتية بدأت بعد ولادته من العذراء، ولم تكن اتَّحاداً وقال صراحة: «أنا أفصل بين الطبيعتين». وبهذا الوضع تكون النَّسطُورية ضدّ عقيدة الكفّارة. لأنَّه إن كان المسيح لم يتَّحِد بالطَّبيعة اللاهوتية، فلا يُمكن أن يُقدِّم كفّارة غير محدودة تكفي لغُفران جميع الخطايا لجميع الناس في جميع العُصُور. والكنيسة حينما تقول إنَّ العذراء والدة الإله، إنَّما تعنى أنَّها وَلَدَت الكلمة المُتجسِّد، وليس أنَّها كانت أصلاً للاهوت، حاشا. فالله الكلمة هو خالق العذراء، ولكنَّه في مِلء الزَّمان حلّ فيها، وحَبِلَت به مُتَّحِداً بالناسوت وولدته. والاثنا عشر حرماً التي وضعها القدِّيس كيرلُّس Anathemas، فيها رُدُود على كل هرطقات نسطور. فقد حَرَمَ من قال إنَّ الطَّبيعتين كانتا بطريق المُصاحبة، ومن قال إنَّ الله الكلمة كان يعمل في الإنسان يسوع، أو أنَّه كان ساكناً فيه. كما من فرَّق بين المسيح وكلمة الله، وأنَّه وُلِدَ كإنسانٍ فقط من امرأة.]**
تاريخ الفكر المسيحي، القس الدكتور حنا جرجس الخضري، رسالة بروكلوس أسقف القسطنطينية (عام 435 م) الشهيرة التي أجاب فيها على تساؤلات القادة والأساقفة في كنيسة أرمينيا (4/ 89). [يقول بروكلوس: إن اللاهوت اشترك في ضعف الناسوت، أي إنه تألم وعرف بطريقة فعلية حقيقية تألم الجسد والحزن والموت، فإن الذي تألم وعطش وجاع، وفي نهاية المطاف مات وقام من بين الأموات هو يسوع المسيح، هو الكلمة المتجسد، أي الأقنوم الثاني من اللاهوت.]**
أثناسيوس الرسولي: تجسد الكلمة، الفصل 19، الفقرة 3. (المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، نصوص آبائية 128)

[لأنه جعل حتى الخليقة نفسها تخرج عن صمتها، فالأمر العجيب أنه في موته، أو بالأحرى في انتصاره على الموت وهو على الصليب، اعترفت كل الخليقة أن من ظهر وتألم في الجسد لم يكن مُجرد إنسان بل ابن الله ومُخَلِّص الجميع, فالشمس توارت، والأرض تزلزلت، والجبال تشققت، وارتعب كل البشر. جميع هذه الأمور أوضحت أن المسيح الذي على الصليب هو الله، وأن الخليقة كلها خاضعة كعبد له، وأنها شهدت برعبها لحضور سيدها، وهكذا أظهر الله الكلمة نفسه للبشر بأعماله.]**