الإحصار فى الحج والعمرة
************************************************************ ************************************
.......
الإحصار .. هو المنع أو الحبس أو التضييق أو الحصار ..
حيث يُمنع المرء فيه بعد إهلاله بإحرامه من دخول مكة أو من بلوغ بيت الله الحرام لأداء مناسك حجه أو عمرته ..
فيصبح المرء عاجزاً غير قادر من أداء فرض الله نتيجة الظروف القهرية أو الإضطرارية الخارجة عن إرادته ..
...
فى عام ست من الهجرة النبوية خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مُحرماً هو وأصحابه رضى الله عنهم لأداء مناسك العمرة .
وساقوا الهدى معهم .. وعند مهبط الحديبية منعهم الكفار والمشركون من دخول مكة وصدّوهم عن المسجد الحرام ..
فنزلت آية الإحصار .. وأوجب الله فيه على رسول الله وعلى من تم إحصاره من المسلمين : ذبح هدى ..
فقال تبارك وتعالى : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ }
نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه وأمر أصحابه بنحر هديهم فى مكان إحصارهم بالحديبية ..
...
أتى إلى رسول الله رجلاً من كفار قريش يدعى سهيل بن عمرو ( قبل إسلامه ) يطلب من رسول الله الصلح والهدنة وعدم القتال ..
فأجابه النبى صلى الله عليه وسلم وتم إبرام العقد بين المسلمين والكفار وهو ما يسمى ب " صلح الحديبية " ..
تم سريان العقد إلى أن نزل أمر الله على نبى الله ورسوله بفتح مكة ..
ونزلت آية البراءة من عهود الكفار والمشركين إلا من المدد المعينة والمهل المحددة التى أعطيت ومنحت لهم ..
يقول جل شأنه :
{ بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ . فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ }
{ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ }
..........................
والإحصار قد يكون بسبب عدو كافر أو سلطان جائر أو بسبب المرض أو العجز أو الخوف أو غير ذلك من الأسباب ..
ولقد اختلف الفقه الإسلامى بشأن حكمه ..
فهناك من قيدوه وقصروه على إحصار العدو دون غيره حتى لايفتح بابه للرأى والهوى ..
وهناك من أطلقوه ولم يقيدوه وجعلوه من العدو ومن المرض وغيره ..
.
الإمام مالك والإمام الشافعى والإمام أحمد .. ذهبوا إلى أن الإحصار لايكون إلا منعاً وحبساً من جهة العدو . وذلك اتباعاً
واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ولما نزل عليه فى آية الإحصار وسياقها ..
وأنه لا يتصور أن يثبت منع أو صد لبيت الله الحرام من غير عدو .. ولما ذهب إليه به ابن عمر وما ورد عن ابن عباس بأنه قال :
( لا حصر إلا حصر العدو ) ..
.
وذهب الإمام أبو حنيفة .. إلى أن كل من صار ممنوعاً أو محبوساً من دخول مكة بعد إحرامه بسبب عدو أومرض وغيره كان ذلك له إحصار ..
فيستوى فيه أن يكون بسبب العدو أو المرض أو بسبب العجز أو الكسر أو الجرح أو الخوف أو لأى سبب آخر طالما أدى ذلك إلى
عدم دخول مكة وعدم بلوغ بيت الله الحرام .. وذهب إلى ذلك ابن مسعود وعروة بن الزبير وقد ورد عن سفيان الثورى بأنه قال :
الإحصار فى كلام العرب هو الحبس لعلة أو مرض . وقد جُعل حبس العدو إحصار قياساً على المرض وغيره .. يقول تبارك وتعالى :
{ لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ }
...
والإحصار لايُسقط الفرض الواجب فى الحج أو العمرة التى شرع المرء فى أدائها وعلى المحصر إتمامها بالقضاء ..
ولقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مناسك العمرة التى تم إحصارهم فيها وهى ما تسمى ب " عمرة القضاء " ..
وذهب البعض من الفقه الإسلامى إلى أن الإحصار يسقط الفرض الواجب ..
...
وعلى من تم إحصاره : ذبح الهدى الذى أوجبه الله ( وأعلى الهدى بدنة وأوسطه بقرة وأقل الهدى شاة )
وذبح الهدى يجب أن يكون بمحل الإحصار الذى أحصر فيه فهو الموضع الذى يحل فيه ذبحه ..
وإذا كان الأصل فى محل النحر هو الحرم والبيت العتيق . فذاك لمن هو آمن .. أما المحصر فمحل النحر له هو
موضع الإحصار وذلك تأسياً واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم .. يقول ابن عمر رضى الله عنهما :

( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحال كفار قريش دون البيت فنحر النبى صلى الله عليه وسلم هديه وحلق رأسه ) .

ويقول الإمام الشافعى رحمه الله فى " الأم " :
( لم أسمع ممن حفظت عنه من أهل العلم بالتفسير مخالفاً فى أن هذه الآية نزلت بالحديبية حين أحصر النبى صلى الله عليه وسلم
وحال المشركون بينه وبين البيت وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر بالحديبية وحلق ورجع حلالاً ولم يصل إلى البيت ) .
.
وإن لم يجد المحصر هدياً فى محل إحصاره أو كان معسراً ..
فقد قيل : حكمه كحكم المتمتع ( الصيام أو الإطعام ) .. وقيل : لابدَل له فيه . وعليه أن يتحلل
ويظل الهدى فى ذمته إلى أن يجده . أو إلى أن ييسر الله له أمره ويرزقه من فضله ..
.
************************************************************ ******************************
سعيد شويل