قالوا: ما هذه الوحشية التي جاء بها نبي الإسلام ... يقطع يد السارق، ويشوه خلقته؛ لمجرد أنه سرق..... !

واستندوا في ذلك إلى الآتي :


1-قوله I : ]وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [ (المائدة 38) .


صحيح البخاري كِتَاب (الْحُدُودِ ) بَاب ( قَوْلِ اللَّهِ I : ]وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [ . وَفِي كَمْ يُقْطَعُ؟ وَقَطَعَ عَلِيٌّ مِنْ الْكَفِّ، وَقَالَ قَتَادَةُ فِي امْرَأَةٍ سَرَقَتْ: فَقُطِعَتْ شِمَالُهَا لَيْسَ إِلَّا ذَلِكَ) برقم 6291 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ النَّبِيُّ r: " تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا ".

3-صحيح مسلم كِتَاب ( الْحُدُودِ ) بَاب ( حَدِّ السَّرِقَةِ وَنِصَابِهَا ) برقم 3190 عَنْ عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ : " لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا ".

الرد على الشبهة

أولًا : إن الشريعة الإسلامية جاءت بمقاصد عظمى ،منها : حفظ الدين ، وحفظ النفس ، وحفظ العقل ، وحفظ العرض، وحفظ المال ...
قال الإمامُ النوويُّ - رحمه اللهُ - في شرحِه :
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : صَانَ اللَّه تَعَالَى الْأَمْوَال بِإِيجَابِ الْقَطْع عَلَى السَّارِق ، وَلَمْ يُجْعَل ذَلِكَ فِي غَيْر السَّرِقَة كَالِاخْتِلَاسِ وَالِإنْتِهَاب وَالْغَصْب ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَلِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى السَّرِقَة ؛ وَلِأَنَّهُ يُمْكِن اِسْتِرْجَاع هَذَا النَّوْع بِالِاسْتِدْعَاءِ إِلَى وُلَاة الْأُمُور ، وَتَسْهُل إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ السَّرِقَة فَإِنَّهُ تَنْدُر إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهَا ، فَعَظُمَ أَمْرهَا ، وَاشْتَدَّتْ عُقُوبَتهَا لِيَكُونَ أَبْلَغ فِي الزَّجْر عَنْهَا . اهـ


قلتُ : إن السرقةَ من أكبرِ الجرائم التي تنفر منها النفوسُ والتي تتنافي مع مقاصدِ الشريعةِ ، وتتنافي مع الإيمانِ الصحيح .... ثبت في صحيح البخاري برقم 6284 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ: " لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ".


وعليه : فإن الحدودَ التي شرعها اللهُ I تساعدُ على استقرار الأمن الحقيقي للمجتمعِ والأسرِ.... وعلى العكس من ذلك فإنني أجد أن القوانين الوضعية التي منبعها الغرب تساعد على نمو الإجرام وانتشاره ...!
مثال ذلك: الحبس للسارق، يدخل "السجنَ" مجرمٌ صغيٌر ويخرج منه مجرمًا كبيرًا لتعرّفه هنالك على مجرمين أكبر وأكثر منه خبرةً وإجرامًا...

إن قيل : إن السارق بعد قطع يد السارق يعيش عالةً على المجتمع لا يعمل ...!
قلتُ: إن العقوبةَ لا تنصُ على قطع كلتا يديه؛ وإنما قطع يدٍ واحدةٍ فقط من الكف ، كما أنّ تحمل شخصٌ واحد المشقة أخف من إيذاء ملايين الأبرياء الذين لا ذنب لهم يعانون من التعب والشقاء في العمل من أجل حياتهم وأسرهم ...وهذا السارق يأتي يسرق أموالهم بكل بساطة ويترك ذعرا ...
بل ويكون من الشقاء وعدم الأمان للمجتمع أن تكون السرقة بالإكراه أو مصحوبة بطعنات أو طلقات للضحية .....!!


ثانيًا: إن هناك سؤالًا يطرح نفسه هو: من هو السارق المستحق لعقوبة قطع يده ...؟!

الجواب : جاء من خلال الآية الكريمة والأحاديث الشريفة لما جاء الوصف ب " السارق والسارقة "
قال I : ]وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [ (المائدة 38) .
الله يقول "السارق" ولم يقل :"من سرق" ..

ومن هنا أفهم أن الذي يسرق لابد أنه معلوم باعتياده على السرقة ،ومحل شبهة لدى المجتمع ؛وذلك لأن "أل " تعريفيه ....فقد عُرف عنه أن له سابقة إجرامية ...
وليس كل من سرق لحاجة تقطع يده مباشرة من قبل القضاء .... فإذا جاعت البطون ضاعت العقول ....
وهذا ما فهمه وفعله الصحابي الجليل عمر بن الخطاب أنه أوقف حد السرقة في عام الرمادة " المجاعة" حينما انتشر الجوع بين الرعية ...
وبالتالي : أفهم من الآية الكريمة أن الواجب على الحاكم أولا أن يُكفي حاجة المواطنين حتى لا تمتد أيدهم إلى السرقة وإثارة الذعر والرعب في السكن والطرقات .....!
يقطع أيديهم أولا عن السرقة بتوفير حاجاتهم المعيشية ....ولو اختاروا الجريمة فحينها العقوبة تكون مرضية ....
ثالثًا: سؤال يطرح نفسه: ما هو مقدار السرقة التي تقطع فيها اليد... ؟

الجواب: ذكره الإمام النوويُّ - رحمه اللهُ - في شرحِه لصحيحِ مسلمٍ قال :

قَالَ الْقَاضِي عِيَاض - أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى قَطْع السَّارِق فِي الْجُمْلَة ، وَإِنْ اِخْتَلَفُوا فِي فُرُوع مِنْهُ .
قَوْله : ( عَنْ عَائِشَة - رَضِيَ اللَّه عَنْهَا - قَالَتْ : كَانَ رَسُول اللَّه r يَقْطَع السَّارِق فِي رُبْع دِينَار فَصَاعِدًا ) وَفِي رِوَايَة ( قَالَ رَسُول اللَّه r : لَا تُقْطَع يَد السَّارِق إِلَّا فِي رُبْع دِينَار فَصَاعِدًا ) وَفِي رِوَايَة : ( لَا تُقْطَع الْيَد إِلَّا فِي رُبْع دِينَار فَمَا فَوْقه ) وَفِي رِوَايَة : ( لَمْ تُقْطَع يَد السَّارِق فِي عَهْد رَسُول اللَّه r فِي أَقَلّ مِنْ ثَمَن الْمِجَنّ ) وَفِي رِوَايَة اِبْن عُمَر t قَالَ : ( قَطَعَ النَّبِيّ r سَارِقًا فِي مِجَنّ قِيمَته ثَلَاثَة دَرَاهِم ) وَفِي رِوَايَة أَبِي هُرَيْرَة ( قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه r : لَعَنَ اللَّه السَّارِق يَسْرِق الْبَيْضَة فَتُقْطَع يَده وَيَسْرِق الْحَبْل فَتُقْطَع يَده ) . أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى قَطْع يَد السَّارِق كَمَا سَبَقَ ، وَاخْتَلَفُوا فِي اِشْتِرَاط النِّصَاب وَقَدْره ، فَقَالَ أَهْل الظَّاهِر : لَا يُشْتَرَط نِصَاب بَلْ وَيُقْطَع فِي الْقَلِيل وَالْكَثِير ، وَبِهِ قَالَ اِبْن بِنْت الشَّافِعِيّ مِنْ أَصْحَابنَا ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاض عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالْخَوَارِج وَأَهْل الظَّاهِر ، وَاحْتَجُّوا بِعُمُومِ قَوْله I : ] وَالسَّارِق وَالسَّارِقَة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهمَا [, وَلَمْ يَخُصُّوا الْآيَة ، وَقَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء : وَلَا تُقْطَع إِلَّا فِي نِصَاب لِهَذِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة . ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي قَدْر النِّصَاب ، فَقَالَ الشَّافِعِيّ النِّصَاب رُبْع دِينَار ذَهَبًا ، أَوْ مَا قِيمَته رُبْع دِينَار ، سَوَاء كَانَتْ قِيمَته ثَلَاثَة دَرَاهِم أَوْ أَقَلّ أَوْ أَكْثَر ، وَلَا يُقْطَع فِي أَقَلّ مِنْهُ ، وَبِهَذَا قَالَ كَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ ، وَهُوَ قَوْل عَائِشَة وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْث وَأَبِي ثَوْر وَإِسْحَاق وَغَيْرهمْ
الملاحظ :أن قطع اليد لا يكون إلا على ما هو ذو قيمة كبيرة...وإلا فإن العقوبة تعزيرية ...

ولو سرق إنسانٌ أكلًا أو دواءً...لضرورية حياتية...فحفظ النفس مُقدم على حفظ المال في الشريعة المحمدية ...

لو سرق مريض نفسي فإنه يُعالج نفسيًّا في مصحة .... ولا تقطع يده...

ولو أن صاحب عمل لم يعط أجيره ماله وتسبب في ضياعه ...وسرق الأجير صاحب عمله لأخذ حقه أو دونه ....فالمعاقب في تلك الحالة هو صاحب العمل ؛لأنه ظالم لأجيرة وهو يقينا من الرعية ....
وهذا ما فعله الصحابي الجليل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لما رفعت إلية قضية في غلمان ابن حاطب بن أبى بلتعة حينما سرقوا ناقة رجل من مزينة فقد أمر بقطعهم ولكن حين تبين له أن سيدهم يجيعهم درأ عنهم الحد وغرم سيدهم ضعف ثمن الناقة تأديباً له.

والأصل أن الحدود تُدْرَء بالشبهات، وهذه قاعدة شرعية ....


رابعًا : إنّ الأصل في هذه العقوبة لتلك الجريمة"السرقة" ليس الهدف منها التشفي وسيل الدماء وقطع الأعضاء ...إنما الهدف منها زجر ورعب من تسول له نفسه لمجرد التفكير في أن يسطو على أموال الأبرياء والآمنين..... فلو قطعت يد مرة واحدة في ميدان عام لأزدجر وارتعب كل المجرمين...
والمتأمل على مر التاريخ الإسلامي من بلاد المسلمين يجد أن حد السرقة لم تطبق إلا أشخاص محدودة فهم عشرات من ملايين،إما بإقرار أو شهود .... وعلى قدر الجرم تكون العقوبة .....
وعليه : ليس من حق المعترضين أن يقولوا عقوبة وحشية ودموية ...
لاسيما في عصرنا الحديث ؛فقد تتطور الطب ومجال الجراحة الطبية فهناك الكثيرون ممن قطع كف أيديهم في مشاجرات ....قام الأطباء بتوصيلها وبكامل أوتارها ....وتبقى له الذكرى لعقوبته نفسية ، حينما يتذكر معانته من أول تطبيق العقوبة عليه أمام الناس وأوجاعه الجسدية...

خامسًا : إن الكتاب المقدس نسب إلى الربِّ أنه أمر بقطع يد المرآة التي تمسك العضوَ الذكري لرجل أجنبي أثناء عراكه مع زوجها...!

جاء ذلك في سفر التثنية أصحاح 25 عدد11«إِذَا تَخَاصَمَ رَجُلاَنِ، رَجُلٌ وَأَخُوهُ، وَتَقَدَّمَتِ امْرَأَةُ أَحَدِهِمَا لِكَيْ تُخَلِّصَ رَجُلَهَا مِنْ يَدِ ضَارِبِهِ، وَمَدَّتْ يَدَهَا وَأَمْسَكَتْ بِعَوْرَتِهِ، 12فَاقْطَعْ يَدَهَا، وَلاَ تُشْفِقْ عَيْنُكَ .


وأتساءل: أليس قطع اليد وحشية ودموية.... ؟!

لماذا لم يطعن المعترضون على ذلك النص ؛ كما طعنوا في الآية الكريمة و حديث النبيِّ r وقالوا ما قالوا بسخرية...!


سادسًا: إنّ هناك سؤالًا يفرض نفسه على المعترضين : هل حد السرقة في القرآنِ الكريمِ وحديث النبي محمد العظيم فقط أم أنه ثابت في الكتاب المقدس أيضًا.... ؟!!

الجواب : حد السرقة ثابت في الكتاب المقدس بعقوبات جدًا وحشية.... للآتي :


1-سفر الخروج أصحاح 22 عدد2إِنْ وُجِدَ السَّارِقُ وَهُوَ يَنْقُبُ، فَضُرِبَ وَمَاتَ، فَلَيْسَ لَهُ دَمٌ ...


2-سفر التثنية أصحاح 24 عدد 7«إِذَا وُجِدَ رَجُلٌ قَدْ سَرَقَ نَفْسًا مِنْ إِخْوَتِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَاسْتَرَقَّهُ وَبَاعَهُ، يَمُوتُ ذلِكَ السَّارِقُ، فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ وَسَطِكَ.


1-سفر زكريا أصحاح 5 عدد3فَقَالَ لِي: «هذِهِ هِيَ اللَّعْنَةُ الْخَارِجَةُ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ. لأَنَّ كُلَّ سَارِق يُبَادُ مِنْ هُنَا بِحَسَبِهَا، وَكُلَّ حَالِفٍ يُبَادُ مِنْ هُنَاكَ بِحَسَبِهَا. 4إِنِّي أُخْرِجُهَا، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ، فَتَدْخُلُ بَيْتَ السَّارِقِ وَبَيْتَ الْحَالِفِ بِاسْمِي زُورًا، وَتَبِيتُ فِي وَسَطِ بَيْتِهِ وَتُفْنِيهِ مَعَ خَشَبِهِ وَحِجَارَتِهِ».


الملاحظ ما سبق أن حد السرقة في الكتاب المقدس هو القتل دون رحمة وإنسانية... ، وليس قطع اليد التي قد تعاد لصاحبها في عصرنا ..... بينما هو لا يمنح للإنسان فرصة للتوبة والحياة .....

وأتساءل : أليست هذه النصوص أمر من اللهِ لموسى u ولغيرِه من الأنبياء فلماذا لا يطبقونها ؟


وأين النصُ الذي منعهم عن تطبيق هذا الحد... ؟!!

أم هل هذا من قبيل النسخِ عندهم ؟! فإذا كان كذلك فأين هو الدليل الناسخ؟ !


ثم إن إنجيل متى نسب إلى يسوع المسيح أنه قال في الأصحاح 18 عدد 8 فَإِنْ أَعْثَرَتْكَ يَدُكَ أَوْ رِجْلُكَ فَاقْطَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ أَعْرَجَ أَوْ أَقْطَعَ مِنْ أَنْ تُلْقَى فِي النَّارِ الأَبَدِيَّةِ وَلَكَ يَدَانِ أَوْ رِجْلاَنِ. 9وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ عَيْنُكَ فَاقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ أَعْوَرَ مِنْ أَنْ تُلْقَى فِي جَهَنَّمِ النَّارِ وَلَكَ عَيْنَانِ.


الملاحظ من هذه النصوص حرفيًّا دلالةٌ على جوازِ قطعِ الأيدي ، والأرجل ،بل وقلع الأعين ؛ حينما يكونون معسرةً للإنسان وعائقًا بينه وبين دخول(الجنة ) الحياة الأبدية ، فذلك أفضل له من أن يُلقى بها في نار جهنم ...
وعليه أقول للمعترضين كما قالوا في شبهتهم : أليست هذه وحشية ...؟!

كتبه / أكرم حسن مرسي