رد شبهة:" أنصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا"!

قالوا: من رحمة نبي الإسلام بكم أنه أوصاكم أن تنصروا بعضكم البعض، وتظلموا غيركم.... فقد قال نبيُّكم لرجلٍ: " انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا ".
الحديث في صحيح البخاري كِتَاب (كِتَاب الْمَظَالِمِ وَالْغَصْبِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ }) بَاب ( أَعِنْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا ) برقم 2263 عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t قال :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : " انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا ".
أليست هذه عنصرية لصالحكم وحدكم... ؟!

الرد على الشبهة


أولًا: إن الإسلام الذي جاء به النبيُّ محمدٌ r نهى عن ظلمِ المسلمين لأنفسهم و لغيرهم ... دلت على ذلك أدلةٌ منها :

قوله I : ]وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ [ (إبراهيم42).

قوله : I ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [ (المائدة8).

3- السلسلة الصحيحةِ برقم 767 قال r :" اتقوا دعوةَ المظلوم وإن كان كافرًا ؛ فإنه ليس دونها حجاب ".
نلاحظ من قولِه r :" وإن كان كافرًا ".

ضرب الصحابةٌ y أروع الأمثلة في العدل مع المخالفين لهم ، وهذا ثابت في كتبِ السيرةِ والتاريخِ ؛ منها ما سبق ذكره في الشبهةِ الماضية ، ومنها قصة عمرt والمصري النصراني لما أمرهt أن يضرب بن عمرو بن العاص وأباه ، وقال له:" أضرب ابن الأكرمين...".

وعليه : يسقط ادعاؤهم الباطل بأنّ النبي محمدًا r أوصى المسلمين أن ينصروا بعضهم البعض، ويظلموا الآخرين المخالفين....


ثانيًا: إنّ الحديثَ الذي استدل به المعترضون جاء من عدةِ طرقٍ في صحيح البخاري وغيره؛ لكنهم لم يدققوا البحث - إنْ أحسنتُ بهم الظن-.....!
فمنها هذه الرواية التي تُفصّل وتُخصص الروايةَ التي استدلوا بها على شبهتهم ، وذلك من خلالِ الجمعِ بين الروايتين ...في صحيح البخاري برقم 6438 عَنْ أَنَسٍ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :" انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا " فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ ؟
قَالَ :" تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ ".

الملاحظ: أنّ هذه الرواية تُخصص وتٌفصّلُ الروايةَ الأولي التي استدل بها المعترضون ... لمعنى النصرة ، وذلك لما سأل الصحابيُّ النبيَّ محمدًا r فقال : " يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟!
قَالَ:" تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ ".

قلتُ: بالمثال يتضح المقال : لو أن هناك رجلاً مسلمًا كان يسير في طريقه إلى العمل اسمه ( خالد ) ووجد مسلمًا يتعارك مع نصراني ؛ المسلم يضرب النصراني بعنفٍ وبقسوةٍ ، فتدخل خالد فأخذ المسلم الظالم وعنفه ليدفعه عن ظلمه للنصراني الظاهر بالنسبة له .... فإن ذلك بالنسبة للمسلم الظالم نصرة له حيث منع عن ظلمِه وتعديه على النصراني المظلوم ؟!
وأتساءل: هل هذا ظلمٌ للآخرين أم قمة العدل والرحمة من النبي محمد الرحيم r ؟! الجواب : لا شك أن هذا الحديثَ من أروعِ ألأحاديث التي تدل على العدالة والرحمةِ مع غيرِ المسلمين.....

مثال آخر: في طريق ذهاب ( أحمد ) للمسجد وجد (إسماعيل) وهو أخ مسلم له يدخن ، فقام أحمد ليمنعه عن التدخين بالنصيحة أو الفعل...
فكان ذلك نصرة لإسماعيل حيث إنّ إسماعيل ظالم لنفسِه بالتدخين؛ فهذا هو معني حديثِ النبيِّ محمد الرحيم r : " انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا ".
وليس كما فهم المعترضون والمغرضون...!!


ثالثًا : إن النبيَّ محمدًا نهى عن ظلم المعاهد والذمي المسالم .... وهذا يبطل ادعاءهم بأنه r أمر بظلمِ غير المسلمين....!
تدلت على ذلك أدلة منها:

سنن أبي داود كِتَاب (الْخَرَاجِ وَالْإِمَارَةِ وَالْفَيْءِ) بَاب ( فِي تَعْشِيرِ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِذَا اخْتَلَفُوا بِالتِّجَارَاتِ) برقم 2654 حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي أَبُو صَخْرٍ الْمَدِينِيُّ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ سُلَيْمٍ أَخْبَرَهُ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r عَنْ آبَائِهِمْ دِنْيَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ rقَالَ :" أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا ، أَوْ انْتَقَصَهُ ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".

2- صحيح البخاري كِتَاب ( الْجِزْيَةِ ) بَاب ( إِثْمِ مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا بِغَيْرِ جُرْمٍ ) برقم2930 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ :" مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا ".

تنبيه: من الأمثال المشهورة على الألسن عندنا في مصر:"أنا وأخويا على بن عمي وأنا وابن عمي على الغريب ".
قلتُ: إنّ هذا المثل يدعو إلى العنصريةِ البغيضة التي نهى عنها اللهُ تعالى، ورسولُه الأمين...


رابعًا: إن المتأملَ في الكتابِ المقدس يجد فيه المثلَ الشائع عندنا في مصر:" أنا وأخويا على بن عمي وأنا وابن عمي على الغريب ". وذلك لما قتل موسىu الرجل البريء (المصري ) الذي تعارك مع أخيه (الإسرائيلي) كما ذكر سفر الخروج أصحاح2عدد11وَحَدَثَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ لَمَّا كَبِرَ مُوسَى أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى إِخْوَتِهِ لِيَنْظُرَ فِي أَثْقَالِهِمْ، فَرَأَى رَجُلاً مِصْرِيًّا يَضْرِبُ رَجُلاً عِبْرَانِيًّا مِنْ إِخْوَتِهِ، 12فَالْتَفَتَ إِلَى هُنَا وَهُنَاكَ وَرَأَى أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ، فَقَتَلَ الْمِصْرِيَّ وَطَمَرَهُ فِي الرَّمْلِ.

فإنْ قيل: إن ذلك في القرآنِ الكريم !

قلتُ : إنّ القرآنَ الكريم يقول: ] وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ [ (القصص15).

الملاحظ : " فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ " . ومعنىَ ( وَكَزَهُ ) أي: دفعه .

وعليه: فلم يكن موسىu متعمدًا لقتلِ المصري... واللهُ يقولI :] وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً [
( الأحزاب 5 ).

لكن بالنظر إلى نصِ الكتابِ المقدس أجد أنْ موسى u كان متعمدًا لقتل المصري ؛ لأنه كان يلتفت هنا وهناك ليرى هل يراه أحدٌ قبل قتله للمصري وَطَمَرَهُ فِي الرمال....!
وذلك بحسب ما نسب نص الكتاب المقدس الذي يقول: " فَالْتَفَتَ إِلَى هُنَا وَهُنَاكَ وَرَأَى أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ، فَقَتَلَ الْمِصْرِيَّ ...".
لا تعليق!

كتبه / أكرم حسن مرسي