الخاتمة :

نختم هذه المقارنة بتلخيص المقارنة بين نقل النص القراني و نقل نص العهد الجديد عبر العصور فيما يلي :

اولا : النص القراني :


1. اعتمد انتقال النص القراني منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم على النقل الشفهي المعتمد على التواتر النقلي المدعوم باسانيد صحيحة تنقل لنا النص القراني بحروفه و كلماته و طريقة ادائه كما خرج من فم النبي صلى الله عليه وسلم الشريفة كما هو موجود في القراءات العشر الصحيحة .

2. عضد تواتر النص القراني شفهيا بجمعه كتابيا حيث بدات الكتابة زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثم جمعت تلك الكتابات في مصحف واحد زمن ابي بكر رضي الله عنه في فترة لم تتجاوز السنة من بعد وفاته عليه الصلاة و السلام عن طريق كاتبه زيد بن ثابت رضي الله عنه - اعتمادا على اخر عرضة للنبي صلى الله عليه وسلم في سنة وفاته - ثم نسخ هذا المصحف الى عدة نسخ زمن عثمان رضي الله عنه وطوبقت النسخ بالاصل البكري للتاكد من موافقتها .

3. قوبل ما نسخه عثمان رضي الله عنه بالرضا باجماع جميع المهاجرين و الانصار في المدينة و قام الرسم العثماني على احتواء العرضة الاخيرة ونسخ ما سواه من الاحرف السبعة و كل ما خالفه ، خالف العرضة الاخيرة تلقائيا و اعتبر قراءة شاذة .


ثانيا : نص العهد الجديد:

1. اعتمد نص العهد الجديد بعد عروج المسيح عليه الصلاة و السلام على النقل الشفهي ، الا انه تميز بسلبيتين عظيمتين : الاول : افتقاد الاسانيد والذي بدوره ادى الى السلبية الثانية و هي : بزوغ قصص وروايات مختلفة كثيرة مجهولة المصدر عن افعال واقوال و حتى سيرة المسيح عليه الصلاة و السلام مما سبب عشوائية كبيرة انتجت لنا اناجيل عديدة في فترة مبكرة جدا من القرن الاول من بعد عروج المسيح عليه الصلاة و السلام ترجع الى زمن الحواريين انفسهم و امام عيني بولس حتى اضطر للاعتراف بتحريف إنجيل المسيح
كما في رسالته الى غلاطية الاصحاح الاول
((
6 إِنِّي أَتَعَجَّبُ أَنَّكُمْ تَنْتَقِلُونَ هكَذَا سَرِيعًا عَنِ الَّذِي دَعَاكُمْ بِنِعْمَةِ الْمَسِيحِ إِلَى إِنْجِيل آخَرَ!
7 لَيْسَ هُوَ آخَرَ، غَيْرَ أَنَّهُ يُوجَدُ قَوْمٌ يُزْعِجُونَكُمْ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُحَوِّلُوا إِنْجِيلَ الْمَسِيحِ.

8 وَلكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا»!
9 كَمَا سَبَقْنَا فَقُلْنَا أَقُولُ الآنَ أَيْضًا: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُبَشِّرُكُمْ بِغَيْرِ مَا قَبِلْتُمْ، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا»!
10 أَفَأَسْتَعْطِفُ الآنَ النَّاسَ أَمِ اللهَ؟ أَمْ أَطْلُبُ أَنْ أُرْضِيَ النَّاسَ؟ فَلَوْ كُنْتُ بَعْدُ أُرْضِي النَّاسَ، لَمْ أَكُنْ عَبْدًا لِلْمَسِيحِ.
11 وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الإِنْجِيلَ الَّذِي بَشَّرْتُ بِهِ، أَنَّهُ لَيْسَ بِحَسَبِ إِنْسَانٍ.))


ويرجع سبب هذه العشوائية في النقل الشفهي و افتقار الضبط في النقل و افتقار عامل الكتابة في هذه الفترة - كما نقلنا سابقا - الى اعتقاد النصارى في تلك الفترة ان الرجعة الثانية للمسيح عليه الصلاة و السلام ستكون قريبة جدا خلال سنوات قليلة !
نقرأ من المدخل إلى العهد الجديد لفهيم عزيز الصفحة 106 - 107 :
(( ويمكن للدارس أن يجد سببين مهمين لعدم إسراع المسيحيين الأوائل في تدوين هذه الشهادة، السبب الأول هو أنهم كانوا يؤمنون أن المسيح آت سريعاً ونهاية العالم قد قربت.... أما السبب الثاني فهو عقيدة الأوائل بأن الكلمة المقولة أعظم كثيراً من الكلمة المكتوبة. وما دام الرسل الذين كانوا معاينين لا زالوا موجودين، ولديهم الخبر اليقين فلا داعي للكتابة فكلمتهم أعظم من أية كلمة تكتب. ولقد ظل هذا الرأي سائداً حتى بعد أن كتبت الأناجيل وانتشرت))

2. تبعت هذه الفترة من النقل الشفهي فترة كتابة الاناجيل و قد تميزت بكثرة التاليف المعتمد على ذلك النقل الشفهي الغير مضبوط و العشوائي و الغير مسند فكتبت عدة اناجيل تميزت هي بدورها ايضا بفقدان اسانيدها مما ادى الى الجهالة من جهة المؤلف ، و لا يمكن تحديد كاتب هذا او ذاك الانجيل او بعض تلك الرسائل الا بالترجيح و الحدس و الظن !!!
نقرا من كتاب المدخل إلى الكتاب المقدس للقس حبيب سعيد الصفحة 215-216:
((.
ويسوع نفسه لم يكتب شيئاً ولا فكر أتباعه في تدوين قصة مكتوبة عن سيدهم وتسليمها للأجيال اللاحقة. ونظراً لعدم وجود أدلة مباشرة نسترشد بها فإننا مضطرون إلى أن نلجأ إلى الحدس والتخمين . ومن المرجح جداً أن بعض تلاميذ يسوع قد جمعوا لاستعمالهم الخاص مجموعات من أقوال المسيح والحوادث التي رأوها ذات شأن خطير. ))

3. و مع هذا و ذاك كان الناتج اناجيل مجهولة المؤلف جمعت بعضا من تلك القصص و الروايات العشوائية و ضاعت بعض تلك الروايات و القصص الاخرى !!
و هنا نضع اعتراف المفسر ادم و كلارك حيث يقول ان في ذلك العهد كانت هناك أناجيل و قصص اخرى متداولة عن المسيح لعل بعضها يتكلم عن التمسك على الشريعة !!! و يشير ادم كلارك هنا الى لوقا 1: 1
نقرا كلام ادم كلارك

((Another gospel - It is certain that in the very earliest ages of the Christian Church there were several spurious gospels in circulation, and it was the multitude of these false or inaccurate relations that induced St. Luke to write his own. See Luk 1:1. We have the names of more than seventy of these spurious narratives still on record, and in ancient writers many fragments of them remain; these have been collected and published by Fabricius, in his account of the apocryphal books of the New Testament, 3 vols. 8vo. In some of these gospels, the necessity of circumcision, and subjection to the Mosaic law in unity with the Gospel, were strongly inculcated. And to one of these the apostle seems to refer.))
https://www.sacred-texts.com/bib/cmt/clarke/gal001.htm


و هذا بدوره يفسر لنا لم قال كاتب انجيل لوقا في بداية إنجيله
((1 إِذْ كَانَ كَثِيرُونَ قَدْ أَخَذُوا بِتَأْلِيفِ قِصَّةٍ فِي الأُمُورِ الْمُتَيَقَّنَةِ عِنْدَنَا،
2 كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا الَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ الْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّامًا لِلْكَلِمَةِ،
3 رَأَيْتُ أَنَا أَيْضًا إِذْ قَدْ تَتَبَّعْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الأَوَّلِ بِتَدْقِيق، أَنْ أَكْتُبَ عَلَى التَّوَالِي إِلَيْكَ أَيُّهَا الْعَزِيزُ ثَاوُفِيلُسُ،
4 لِتَعْرِفَ صِحَّةَ الْكَلاَمِ الَّذِي عُلِّمْتَ بِهِ
.))


4. وبعد ذلك صار نص العهد الجديد ينقل كتابة (على اوراق البردي حتى القرن الرابع حينما ظهرت لنا المخطوطات الكبيرة كالسينائية و الفاتيكانية ) الا ان هذه الكتابة تميزت بسلبيات عديدة : اولها ضياع الكتابات الاصلية او بالاحرى النسخ الاصلية وثانيها فقدان الاسانيد المثبتة لصحة المنقول و امانة ووثاقة وضبط الناقل و ثالثها عدم وجود ضابط او معيار لنقل النص كتابة .
فكان الحاصل من كل ما ذكرناه (عن نص العهد الجديد) بضعة برديات من القرن الثاني الى القرن الرابع ثم مخطوطات من القرن الرابع ، لا نعرف هوية كاتبها و لا وثاقة و لا امانة و لا ضبط الناقل و لا نعرف عن اي نسخة نسخت مع وجود الاختلافات بين المخطوطات بعضها ببعض و بين نسخ العهد الجديد اليوم بتراجمه !!!! مع الاخذ بعين الاعتبار عدم وجود - اليوم- اي بردية او مخطوطة لنص العهد الجديد من القرن الاول !!!
.

و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات و الحمد لله حمدا كثيرا على توفيقه و منه علي باتمام هذه المقارنة

فان اصبت فمن الله و ان اخطات فمن نفسي و الشيطان

هذا وصلى الله على سدنا محمد و على اله وصحبه وسلم