الأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية
الشيخ صالح آل الشيخ
تفريغ : أبو تقي الدين ناصر الدين الجزائري

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد:
فموضوع هذا الدرس إجابة للأسئلة الواردة منكم حول ما سمعتم من شرح العقيدة الواسطية والتي منَّ الله جل وعلا بتمام شرحها في الأسبوع الماضي.
وحبذ لو يراع في الأسئلة أن تكون في الموضوعات التي سبق الكلام عليها في هذه العقيدة المباركة حتى تكون جلاءً لبعض ما قد يغمض ، أو بياناً لبعض ما قد يكون مبهماً ، أو مجملاً.

نبتدئ ، اليوم فيما يتعلق بالإجابة على الأسئلة العلمية ، أما الاقتراحات فقررنا أن يكون الدرس إن شاء الله تعالى في شرح كتاب (كشف الشبهات).

قال: ذكرتم أن الفرقة الطائفة هم أهل الحديث وهم أهل الأثر ، فهل يخرج بذلك أهل الرأي من الحنفية؟

الجواب: أن أهل الرأي من الحنفية ومن بعض أهل المدينة كأتباع ربيعة الرأي شيخ الإمام مالك ، وغير هؤلاء من علماء الأمصار ، إذا قيل أهل الرأي فإنما يعنى به من أعملوا الرأي في الفقهيات من حيث تقديم القياس ، أو النظر في المسائل الفقهية والإفتاء بالقواعد والأقيسة دون النظر في الأدلة الشرعية.
فقول السائل: فهل يخرج بذلك أهل الرأي؟ هذا على اعتبار أن أهل الرأي من الفرق أو من الطوائف العقدية ، وهذا ليس كذلك.
أما الحنفية فهم فئات ومنهم الأولون من المرجئة ، والمتأخرون منهم ماتريدية ، وقد ذكرت لكم أن أهل السنة والجماعة لا يدخل فيهم على التحقيق من لم يسلك سبيلهم في مسائل الاعتقاد من الأشاعرة والماتريدية فضلاً عن المرجئة ، والخوارج ونحو ذلك ، وإنما نبهنا على خروج الأشاعرة والماتريدية رداً على السفاريني ومن نحى نحوه ممن اعتبر أهل السنة والجماعة ثلاثة طوائف قال هم:
* أهل الأثر
* والأشاعرة
* والماتريدية
وهذا لا شك أنه غلط لأن الأشاعرة والماتريدية خالفوا أهل السنة والجماعة ، خالفوا النصوص في التأصيل ، تأصيل أخذ المسائل ، وأيضاً في التطبيق.
فمن حيث التأصيلات هم يقولون بقول جهم في تقديم العقل على النص في إثبات وجود الله جل وعلا ، وفي الصفات وفي غير ذلك.

وأيضاً هم في باب الصفات مؤولة ، وإن كانوا صفاتية لأنهم يثبتون بعض الصفات ، لكنهم يؤولون ما لم يتفق مع القاطع العقلي ، وعندهم أن العقل قاضٍ ، والشرع والنص شاهد ، ولهذا قال بعضهم في مقدمة كتاب له في الأصول: لما كان العقل هو القاضي المُحكَّم ، والشرع هو الشاهد المُعدَّل كان كذا وكذا.
فمن أصولهم أن العقل حاكم قاضٍ ، وأن الشرع شاهد مُعدَّلٌ بتعديل العقل له ، وهذا هو الذي أصَّلَه الرازي في قانونه الذي رد عليه بطول وتفصيل شيخ الإسلام في كتاب (العقل والنقل) حيث أصل الرازي في ذلك أن أصل الشرع هو العقل ، وإنما عُرفت صحة الشرع بالعقل ، وإذا كان كذلك كان تقديم الشرع على العقل تقديماً للمدلول على الدليل ، وهذا باطل ، فلزم أن يُقدم العقل على النقل ، فرد عليه شيخ الإسلام بأوجه كثيرة في ذلك الكتاب العظيم الذي قال فيه تلميذه ابن القيم في النونية:

واقرأ كتاب العقل والنقل الذي ما في الوجود له مثيل ثان

يعني مما ألف في زمانه من الكتب.

أيضاً في أبواب الإيمان الأشاعرة مرجئة ، والماتريدية كذلك مرجئة.
وفي أبواب القدر الأشاعرة جبرية متوسطة ، يقولون بالجبر الباطن ، دون الجبر الظاهر ، والجبرية الغلاة هم الجهمية ، وغلاة الصوفية الذين يقولون بالجبر الظاهر والباطن ، وأما الأشاعرة فعندهم كما ابتدع أبو الحسن الأشعري قي ذلك ما سماه بالكسب ، ومُحصله عند محققيهم أنه جبر في الباطن مع بقاء الاختيار ظاهرا ، وجعلوا حركات المكلف ، وتصرفات المكلف كما تتصرف الآلة في يد من يحركها.

وهكذا في مسائل أخر معروفة ، المقصود أن الأشاعرة والماتريدية خلاف أهل السنة ، ولا يدخلون في السنة والجماعة ، وإن زعموا ، ولا يدخلون في اتباع الأثر والحديث ، لكن بالنظر إلى المعتزلة هم من أهل الأثر والحديث بالنظر إلى المعتزلة ، وهم من أهل السنة بالنظر إلى الرافضة ، ولهذا قد يجد بعض القراء في كلام الأئمة من يقول: إن الأشاعرة من أهل الحديث ، وهذا باعتبار المعتزلة ، فإذا صُنف المتكلمون في الصفات أو في العقائد إلى من يحترم الحديث ، ومن لا يحترمه ، فإن الأشاعرة من الذين يعتنون بالحديث والسنة ، فإذا نظرت إلى الخطابي ، والبيهقي ، وأشباه هؤلاء وجدت أنهم يعتنون بالحديث ، والسنة ، ولهذا قد يُقال إنهم من أهل الحديث يعني من رواة الحديث ، ممن يعتنون بالحديث مقابلة بالمعتزلة ، أما أنهم من طائفة أهل الحديث الذين هم الفرقة الناجية ، الطائفة المنصورة ، فليسوا كذلك بمخالفتهم لهم في مسائل الاعتقاد.

طبعاً من جهة العلماء ، علماء الأشاعرة طبقات منهم من يكون قريباً جداً من أهل الحديث كالبيهقي ، ونحوه ، ومنهم من يكون بعيداً جداً ، وهم درجات عند الله.


سؤال: هلا دللتنا على بعض كتب الآداب والسلوك التي ينتفع بها طالب العلم؟

الشيخ: لا شك أن العناية بكتب الآداب والسلوك والأخلاق من المهمات ، ومنها ما يدلك على ذلك وتنتفع به كتاب (رياض الصالحين) ، فإنه من أنفع الكتب في الأدب والسلوك النبوي ، والإرشاد إلى الأخلاق والآداب ، والواجبات في التعامل ، والخُلق ، والأدب ، ومن جهة الزهديات ، كتب السلف في الزهد كــ(الزهد لابن المبارك) ، و(الزهد للإمام أحمد) ، وكــ(كتاب الرقاق) في صحيح البخاري ، و(البر والصلة) في كتب أهل الحديث ، هذه فيها مع شروح أهل العلم عليها ما ينتفع به طالب العلم كثيراً.

ومن الكتب المتأخرة في ذلك كتاب ابن القيم (مدارك السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين) شرح به كتاب (منازل السائلين) للشيخ العروي رحمهما الله تعالى ، وكذلك كتاب شيخ الإسلام (التحفة العراقية) ، وكذلك كتاب (شرح كلمات من فتوح الغيب) له أيضاً لشيخ الإسلام ، ونحو ذلك من الكتب المفيدة العظيمة.

ومن جهة تطبيق السلوك ، تنظر في سير أهل العلم ـ تنظر في التراجم في (سير أعلام النبلاء) ، أو في (تذكرة الحفاظ) ، أو في(حلية الأولياء) ، مع الانتباه لمواقع الغلو ، أو الجفاء في بعض التراجم ، هذه تنتفع بها من الجهة العملية جداً ، والمسألة فيها طول من حيث المراجع ، والاستفادة منها.

سؤال: هل تعلمون أحداً من الأئمة نص على أن لله تعالى خمسة أصابع صفة له جل جلاله ، أم أن طريقتهم رحمهم الله الإثبات إثبات الأصابع دون تحديد العدد؟

الشيخ: الذي أعلمه من طريقة أهل السنة أنهم يثبتون الأصابع لله جل وعلا صفة دون تحديد عدد معين ، وذلك لأن الحديث الذي جاء فيه بما رواه البخاري ومسلم وغيرهما أن الحبر من أحبار اليهود جاء فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: إننا نجد عندنا أن الله جل وعلا يجعل السماوات على ذه ، والأرض على ذه ، والجبال على ذه(1) ، وفي رواية: يجعل السماوات على إصبع ، والأرض على إصبع ، والشجر على إصبع ، وإلى آخره ، وهذه الروايات بينها اختلاف في العدد ن بعضها فيها ستة ، بعضها خمسة ، بعضها ثلاثة ، فيُعلم من ذلك أن المراد منه ذكر الجنس دون العدد ، وقال الراوي بعد ذلك:فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديقاً ـ أو قال: تعجباً من قول الحق(2).


الشيخ: عدة أسئلة تسأل عن الفرق بين الفرقة الناجية والطائفة المنصورة ، وهذا سبق الكلام عليه في شرح الواسطية ولا ينبغي أن يكرر السؤال عن مثل ذلك بمثل هذا الاهتمام ، لأن المسألة واضحة ولله الحمد.

سؤال: هل الطائفة المنصورة فيها أخص من الفرقة الناجية؟

الشيخ: نفس الشيء.

سؤال: هل العفو يُتصور من غير القادر على الانتقام؟

الشيخ: نعم ، من حيث التصور العفو يكون من قادر على الانتقام ، من قادر على العقوبة ، ومن غير قادر ، ولذلك يكون العفو كمالاً إذا كان من قادرٍ على إيقاع العقوبة بمن خالفه ، أو من مكر به ، والله جل وعلا قادر وقدير وعفو سبحانه وتعالى ، وعفوه عن كمال ، كمال قدرته ، كمال عزته ، وكمال جبروته سبحانه وتعالى ، ولذلك كان صفة كمال لذلك ، ومن القواعد المقررة أن قياس الأولى يجري في حق الله جل وعلا ، خلاف قيس الشمول ، وقياس التمثيل ، لأن الأقيسة ثلاثة:
* قياس الأولى
* وقياس التمثيل
* وقياس الشمول

وقياس الأولى يجري في حق الله جل وعلا ، بمعنى أن كل كمالٍ في حق العبد ، الله جل وعلا أولى أن يتصف به سبحانه وتعالى ، هذا قد جاء في القرآن.

أما قياس الشمول ، وهو قياس المناطقة فباطل في حق الله جل وعلا ، وكذلك قياس التمثيل الذي هو قياس الأصوليين ، فهو باطل أيضاً في حق الله جل وعلا.

تدخل أحد الحاضرين: كلامه غير مفهوم:

الشيخ: وكل كمال في حق المخلوق ، إذا قلت كل كمال لا نقص فيه ، الكمال لا يكون كمالاً حتى لا يكون ذهنا ، ولكن بعضهم يزيد هذه العبارة توهما من ، أو إخراجاً للولد ، لأن بعضهم يرى أن الولد كمال بالنسبة للآدمي ، يقول الولد يعني ممن طعنوا في القياس الأولى ، قالوا الولد كمال بالنسبة للآدمي ، ومن لا ولد له من بني آدم فهو ناقص ، قالوا كيف يُنفى الولد عن الله جل وعلا باعتبار هذه القاعدة ، هذا في البحث ناقص ، لأن الحقيقة ليست كذلك ، لأن الولد نقص بالنسبة للآدمي ، بأنه لم يريد الولد؟ يريده لأشياء ، إما لنفعه ، لكي ينتفع منه إذا كبر ، أو ليحمل اسمه خشية من طي اسمه ، ونسيان اسمه وعدم بقاء اسمه ، أو لأجل أنه يحتاج للتفاخر به ، وكل هذه صفات نقص ، والله جل وعلا له صفة الكمال ، فلا نحتاج إلى هذا القيد الذي ذكره الأخ من أن الكمال يُقيد بكمال لا نقص فيه ، بل الكمال معلوم أنه لا نقص فيه.

سؤال: كيف يفتخر المتصدق بصدقته؟

الشيخ: يفتخر المتصدق بصدقته بأن يكون أدلى بها في الظاهر ، في العلن وأعجبه ذلك ، هذا لا بأس به ، لكن الافتخار غير الاختيال ، فالفخر هنا إذا افتخر بذلك فخراً شرعياً كما ذكرنا ، فإن هذا يكون من باب الدلالة ، ولهذا إبداء الصدقات وإظهارها محمود في الشرع {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ} (271) سورة البقرة].
ومن السنن أن المتصدق في المسجد إذا كان تصدقه بحث الإمام الحاضرين على الصدقة أن يعلن ذلك ، كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بدليل حديث ..... حيث جاءوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة وملابسهم مقطعة وقد اجتابوا نمارهم ، فعُرف ذلك في وجه النبي عليه الصلاة والسلام ، فأمر وحث بالصدقة بعد الصلاة ، فقام رجل وتصدق بصدقة ، فقالوا: تصدق فلان بكذا ، فتتابع الناس في الصدقة ، فقال عليه الصلاة والسلام: (من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة)(3) ، فهذا المجال لا بأس ، لكن الفخر يكون من جهة دلالة الخلق على ذلك ، والفرح بفضل الله جل وعلا بذلك ، لا فخراً مذموماً كما ذكرنا لكم من كلام ابن القيم ، تفريق بين صورتي الفخر ، أن هناك فخراً مذموماً ، وهناك فخراً ممدوحاً.

سؤال: قول المؤلف (ويأمرون ببر الوالدين) هل يعني هذا طاعة الوالدين حتى وإن ظلموا أبناءهم ، حتى في أبسط حقوقهم ، وهل يحق للابن أن يمنع والده من أخذ ماله ، علماً بأن الأباء لن يصرف على ابنه هذا ، لأنه عاش في كنف والدته بحكم أنها مطلقة؟


الشيخ: بر الوالدين أصل من الأصول ، وقُربة من القرب العظيمة ، قرن الله جل وعلا حقهما بحقه جل وعلا ، دون تفصيل في الحال {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (36) سورة النساء] ، {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} (23){وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ}(24) سورة الإسراء] ، هذا فيه إقلاع في جميع الحالات ، فعقوق الوالدين كبيرة من الكبائر مقارنة بكبيرة الشرك ، والعياذ بالله ، قرن الله جل وعلا بينهما تعظيماً لهذا ، فكما أن الحق مقترن ، وكذلك الشرك مقترن بعقوق ، أو عقوق الوالدين مقترن بالشرك.

إذا حصل من الوالدين ما لا يُحمد ، لم يطيعا الله جل وعلا في العبد .. فإن الابن يطيع الله جل وعلا فيهما ، لا يفرط في الأمر الشرعي لأجل أنهما فرطا ، بل لو جاهداه على أن يشرك ، لو جاهداه على أن يزيغ ، لو جاهداه على أن ينحرف ، لو جاهداه علة أن يكفر ، فإنه لا يطيعهما في ما أرادا ، ويصاحبهما في الدنيا معروفا ، كما قال جل وعلا: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}(15) سورة لقمان] ، وهذا من القواعد العامة في بر الوالدين.

أما أخذ الوالد الأب ، أو الأم في قول كثير من أهل العلم ، أخذ الأب هل له ذلك؟ الصواب: أن له ذلك ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أنت ومالك لأبيك)(4) ، لأنك جئت بسبب الأب ، فأنت ومالك لأبيك ، لكن الفقهاء قيدوا ذلك بفهم ما جاء في السنة والقواعد ، وعمل الصحابة رضوان الله عليهم في قولهم: وللأب ..أن يتملك من مال ولده ما لا يضره ، ولا يحتاجه ، فللأب أن يتملك من مال الولد ما لا يضره ، ولا يحتاج ، فإذا كان الأخذ يضر الولد ، أو يحتاجه الولد في معيشته ، فإن الأب ليس له ذلك ، لكن إذا كان شيئاً زائداً ، فإن له أن يتملك ذلك ، وكذلك الأم على الصحيح من قول أهل العلم.


سؤال: من كان في عقيدته انحراف عن هدي السلف الصالح ، وكذا في أخلاقه مع الناس ، ما حكم مساعدته في الخروج من المصائب التي تحل به ، وزيارته ، والوقوف بجانبه ، وهل من رفض مساعدته بحجة ما عنده من الانحراف في العقيدة على صواب؟

الشيخ: هناك تنبيه عام في الأسئلة ، وهذا لعلي أعرض له إن شاء الله تعالى في درس عام ، يلقى قريباً إن شاء الله بعنوان (أدب السؤال) ، كثير من الأسئلة يكون عند ملقيه ، أو عند السائل حالة معينة ، فيأتي بصيغة عامة ، هذا غير مناسب أن تسأل أحد أهل العلم ، أو أحد طلبة العلم ن وأنت في ذهنك حالة خاصة ، تصوغ السؤال بصيغة عامة ، وأنت تعني هذه الحالة الخاصة ، هذا يجعل المجيب في غير علم بما في ذهنك ، فيجيب إجابة بقدر السؤال ، وأنت تنزل أعلى ما في ذهنك من الواقع ، وهذا يحصل منه بلبلة كثيرة ، وكثير من الأسئلة التي وُجهت لأهل العلم في هذا الزمن من جهة العموم ، فيجيب العالم ، أو طالب العلم فيها بجواب ، فيستدل منها السائل على أشياء في صالحه فيما يزعم ، وهذا ليس من أدب السؤال ، بل السائل مستفت ، السائل مسترشد لا يسوغ له أن يسأل ليحض من المسؤول بالجواب الذي يلائمه ، لأن السؤال في أصله أن تريد منه أخذ الحق {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [سورة النحل/43] و[سورة الأنبياء/7] ، أما إذا كنت تعلم ، أو عندك شيء مقرراً وتريد أن تسأل لتجعل الجواب في صالحك ، أو مقوياً لك ، فإن هذا ليس من أدب السؤال.

فلهذا نقول: حبذ أن تكون الأسئلة في مثل هذا السؤال ، أن تكون مخصوصة بالحالة ، من كان في عقيدته انحراف عن هدي السلف الصالح ، وكذا في أخلاقه ما حكم مساعدته في الخروج من المصائب ، ويعني حالة معينة ن لكن المسألة هذه تحتاج إلى تفصيل ، كل حالة لها ما يناسبها من الجواب ، كما قد تكتنفها أشياء يعلمها السائل ، ويعلمها المسؤول بإيضاح هذه الأشياء يكون الجواب ، فالجواب ليس في المسائل هذه بأمر عام ، بل بمعرفة الحلة الخاصة.

وهذا حبذ لو يعتني به الإخوان جزاهم الله خيراً.

سؤال: من يأمر بالمعروف ولا يأتيه هل يهجر؟ ، ومن ينهى عن المنكر ويأتي هل يهجر؟

الشيخ: نعم ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير مرتبط بعمل المعروف ن أو الانتهاء عن المنكر ، بأن الواجب على العبد واجبات ، واجب في أن يأتي المعروف ، وأن ينتهي عن المنكر ، هذا واجب.

والواجب الثاني: أن يأمر بالمعروف ، وأن ينهى عن المنكر ، فإذا ترك أحد الواجبين ن فإنه لا يسوغ له شرعاً أن يترك الواجب الأخر ، إذا كان واقعاً في المنكر ، وتاركاً للمعروف الذي يأمر به ، فإنه لا يترك الأمر والنهي ويُفرط في هذا الواجب ، لأجل أنه فرط في الامتثال ، هذا واجب وهذا واجب.
ولهذا ذكرت لك قول الإمام مالك رحمه الله تعالى: لو لم يأمر بالمعروف إلا من أتاه ، ولم ينهى عن المنكر إلا من انتهى عنه ، لم تجد آمراً ناهياً" ، لأن الدين عظيم ، ومسائل الشرع ، والواجبات ، والمستحبات كثيرة ، كذلك المحرمات ، والمكروهات كثيرة ، فالعبد يجب عليه أن يأمر وينهى ، فإنه إذا فرط فإنه يستغفر الله جل وعلا ، ويكون قد فرط في واجب ، أو مستحب ، أو ارتكب محرماً ، ونحو ذلك ، ولهذا لا صلة بين هذا وهذا ، هذا واجب وهذا واجب ، فمن وفقه الله جل وعلا لامتثال الواجبين فإنه هو الذي حضي بالفضل.
وأما من خالف فهذا فيه تفصيل:
إن كان هذه المخالفة دائمة معه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وهو يواقع المنكر ولا يأتي بالمعروف طول حياته ، يعني ملازم بذلك ، فهذا هو الذي جاء في مثله قول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلم وغيره (إنه يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار ، فتندلق أقتابه –يعني أمعاءه- فيقال له: يا فلان ألم تكن تأمرنا بالمعروف ، وتنهانا عن المنكر؟ قال: بلى ، ولكن كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه ، وكنت أنهاكم عن المنكر وآتيه)(5) ، هذا في حال من لازمه وغلب عليه ، أما من أمر ثم استغفر ، ويجاهد نفسه ، هذا له حكم أمثاله ممن خلط عملاً صالحاً ، وآخر سيئاً ، عسى الله أن يعفو عنه.

سؤال: هل يصح عن شيخ الإسلام أنه قال: إن الأشاعرة لم يوافقوا أهل السنة إلا في السيف؟ ، حيث نُقل عنكم ذلك.

الشيخ: هذه أنا ما أذكر أني قلت هذه الكلمة ، ولا أحفظها من كلام شيخ الإسلام رحمه الله ، لكن هم وافقوا أهل السنة في السيف ، يعني جمهور الأشاعرة على أنهم ، أنه لا يجوز الخروج ، وافقوا أهل السنة في السيف ، لكن لم يوافقوهم إلا في هذه ، هذا غير صحيح ، فهم وافقوا أهل السنة في مسائل كثيرة.

سؤال: ما هو الضابط بين ما يجوز تأويله ، وما لا يجوز تأويله؟
وهل يجوز تأويل قوله تعالى: {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} (2) سورة الحشر]
وتأويل قوله: {فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ} (26) سورة النحل].


الشيخ: الجواب أن هذه المسألة مسألة عظيمة ، ودقيقة ، وبعدم معرفتها يكون الخلط بين التأويل ، والقول إيضاحاً للكلام ، أو ما يتضمنه الكلام ، أو لازم الكلام ، وأذكر أني في أثناء الشرح لما تكلمنا عن الصفات عرضت لهذه المسألة ، ولكن أعيدها حتى تتكرر الفائدة.

فالتأويل هو صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه إلى غيره ، لدليل دلَّ عليه أو لقرينة.
فإذا في التأويل عندنا ظاهر ، وهناك صرف للفظ عن ظاهره ،فعماد فهم التأويل على كلمة الظاهر.

كما أن المجاز عندهم هو: نقل اللفظ من وضعه الأول ، إلى وضعٍ ثانٍ لعلاقة بينهما.
ففهم المجاز ، الذي يقابله الحقيقة مبني على فهم الوضع الأول الوضع الثاني العلاقة ، والتأويل مبني على فهم الظاهر والقرينة.

فإذا في التأويل شيئان: ظاهر ، وقرينة ، مهم أن تعتني بهذين حتى تفهم المسألة.

وفي الحقيقة والمجاز ، هناك ثلاثة ألفاظ:
* وضع أول
* وضع ثاني
* وعلاقة

الظاهر في التأويل نوعان:
* الظاهر في الكلام نوعان:
* هناك ظاهر لفظ
* وظاهر تركيب

ظاهر يظهر من لفظ واحد ، وظاهر يظهر من الكلام ، من الجملة.

ولهذا تعريف التأويل قالوا: نقل الكلام ، أو صرف اللفظ ، نقل الكلام من ظاهره المتبادر منه إلى غيره بقرينة ، أو صرف اللفظ عن ظاهره.
فنقل الكلام ، أو صرف الكلام عن ظاهره هذا راجع إلى الظاهر التركيبي ، وصرف اللفظ عن ظاهره هذا راجع إلى اللفظ الإخراجي.

فمثلاً: في قول الله جل وعلا:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (5) سورة طـه] ، قالوا: استوى بمعنى استولى أو هيمن ، هذا تفسير لكلمة استوى ، هنا نقل اللفظ من ظاهره إلى معنى آخر بقرينة ، ظاهر اللفظ هنا ، أن استوى بمعنى علا ، هذا معناها في اللغة ، فأولوها بمعنى استولى ، فصار هذا تأويلاً.
هل هذا تأويل سائغ؟ أم تأويل غير سائغ؟
نقول: هذا تأويل باطل غير سائغ ، لأنه نقل اللفظ عن ظاهره المتبادر منه لغير قرينة ، القرينة التي يدعونها ، القرينة العقلية ، والقرينة العقلية مبنية على أن يكون العقل تصور امتناع إثبات ظاهر اللفظ ، فلذلك نقله.

ومن المتقرر أن علو الله جل وعلا على عرشه لا يمتنع عقلاً ، أليس كذلك؟ ، ما نقول ثابت عقلاً؟ ، العلو ثابت عقلاً ، لكن الاستواء على العرش لا يمتنع عقلاً.
فعلى تقدير مجاراتهم في كلامهم ، نقول: هو جائز عقلاً ، وإذا كان كذلك فيكون نقل اللفظ من ظاهره إلى غيره ، يكون تأويلا باطلاً.

هناك تأويل صحيح من مثل ما ذكر من الآيات ، مثل قول الله جل وعلا: {فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ} (26) سورة النحل] ، ظاهره ، ظاهر اللفظ أن الإتيان هنا لله جل وعلا ، أتى اللهُ ، يعني أن الله يأتي ، لكن أجمع لأهل السنة على أن هذه الآية ليس من آيات صفة الإسلام ، لما؟ لأن الظاهر هنا ، ظاهر تركيبي {فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ} ، معلوم أنه لما قال: من القواعد ، أن الله جل وعلا لم يأتي من القواعد بذاته {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ}(26) سورة النحل] ، وإنما أتى الله جل وعلا بصفاته يعني بقدرته ، بعذابه ، بنكاله.

كذلك قول الله جل وعلا: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} (45) سورة الفرقان] ، {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ} ، ليس معناه رؤية الله جل وعلا ، حيث يُمَد الظل ، وإنما تُرى قدرته جل وعلا حيث يمد الظل ، فهذا الظاهر تركيبي.
هذا لا يسمى تأويلاً أصلاً ، لأنه قول بظاهر الكلام ، ما نقلنا الكلام ، ولا صرفنا الكلام عن ظاهره.

فإذا القاعدة المقررة عند أهل السنة والجماعة ، أنه في نصوص الغيبيات ، في الصفات ، أو في ما يكون يوم القيامة ، أو في الملائكة ، أو إلى غير ذلك ، لا تأويل فيها ، نأخذ بالظاهر ، هذا الظاهر تارة يكون ظاهراً من جهة اللفظ ، وتارة يكون ظاهراً من جهة التركيب.

في قول الله جل وعلا: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (1) سورة الملك] ، قد تجد من يفسرها بقوله: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} ، يعني في قبضته ، وتحت تصرفه ، وهذا التفسير إذا كان مع إثبات صفة اليد لله جل وعلا ، فهو تفسير سائغ ، لأن الملك بيده ، بمعنى أنه تحت تصرفه ، لكن في الآية إثبات صفة اليد.

في قول الله جل وعلا: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (10) سورة الفتح] ، قال ابن كثير وغيره: هذا تشديد في أمر البيعة ، هذا فيه إثبات صفة اليد لله جل وعلا ، ومعنى الكلام في ظاهره التركيبي ، مع إثبات صفة اليد ، أن فيه تشديد أمر البيعة ، فإذا كان أحد من المفسرين فسر بالظاهر التركيبي ، أو فسر بالمتضمن للكلام ، أو فسر باللازم ، فتنظر فيه ، هل يؤول الصفات أو لا يؤولها؟.

فمثلاً: لو نظرت إلى هذه الآية {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (10) سورة الفتح] ، ووجدت أنه في هذه الآية لم يثبت صفة اليد ، وإنما قال: هذا تشديد في أمر البيعة ، لأجل أن لا ينكث بها أحد ، تنظر في الموضع الآخر في قوله جل وعلا: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (75) سورة ص] ، وفي قوله: {يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ} (64) سورة المائدة] ، هل في ذلك إثبات صفة اليد عند هذا المفسر أم لا؟
فإن أوَّل في ذلك الموضع ، علمنا أنه في هذا الموضع أوََّل ، وإن أثبت في ذلك الموضع ، علمنا أنه في هذا الموضع فسر باللازم ، والمتضمن.
وهذا من دقيق المسائل ، إذا لم تفهمه ، فجاوزه ، ولا تخض فيه بعدم فهم له ، لأن هذه من دقيق المسائل ، ولهذا بعضهم يقول: البغوي أوَّل ، أو مثل واحد ألف: ابن كثير بين التفويض أو قال: بين التأويل والتفويض ، ويظن أن بعض الناس أن ابن كثير فوض بعض الآيات ، أو بعض الصفات ، أو أوَّل ، هذا غير صحيح ، كذلك البغوي فوض وأول ، هذا غير صحيح ، لم؟ لأنه قد يفسر باللازم ، قد يفسر بالمتضمن ، قد يفسر بالظاهر التركيبي ، فكيف تعلم الفرق بين المؤول وبين غيره؟ كما سأل السائل هنا بدقة حيث قال: ما هو الضابط بين ما يجوز تأويله ، وما لا يجوز تأويله؟ ، يلتبس في حق بعض المفسرين ، فلا تأخذ بالموضع المشكل الذي يحتمل أن يُفسر باللازم ، ولكن انظر إلى الموضع الذي فيه التنصيص على الصفة ، فإذا أثبت في الموضع الذي فيه التنصيص على الصفة ، فإنه هنا ما أوَّل الصفة ، ولكن فسر بالمتضمن ، أو اللازم ، أو فسر بالظاهر التركيبي.

وهذا بحث يحتاج إلى مزيد بسط ، لكن هذه أصوله.


سؤال: هناك كلام لشيخ الإسلام وهو أن أهل السنة يرون أنه لا مانع في وجود حوادث لا أول لها ، كما يوجد حوادث لا آخر لها.

الشيخ: الزمان مخلوق ، والله جل وعلا هو الأول وهو الآخر ، وهو سبحانه وتعالى حي قيوم ، فعال لما يريد ، فلا بد من ظهور أثر صفاته ، وأثر أسمائه الحسنى في بريته ، فلا بد إذاً أن توجد برية ، فينتهي الزمان ، ويكون هو جل وعلا: أول في صفاته ، وهو آخر أيضاً ، {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} (3) سورة الحديد].

هذه هي المسألة التي يسميها بعضهم قِدم الحوادث ، أو تسلسل الحوادث ، أو نحو ذلك من الأسماء.
ومذهب أهل الحديث والسنة فيها ، أن الله جل وعلا له الأسماء الحسنى والصفات العلى ، وأن أسماءه وصفاته ، لا بد أن يظهر أثرها في خليقته ، لا يكون متصفاً بصفات وله أسماء متضمنة لصفات ، ثم يكون معطلاً جل وعلا عن الفعل حتى يخلق الزمان ، ويخلق المكان ، وهذا فيه دخول في قول الجهمية ، والمعتزلة.
فأهل الحديث يقولون: هو جل وعلا لم يزل حياً سبحانه وتعالى ، وهو فعال لما يريد ، ولا بد أن تكون له إرادة سبحانه وتعالى ، فإرادته أن يفعل ، معنى ذلك أن يحدث فعل ، وصفاته جل وعلا لا بد أن يكون لها أثر في الخليقة ، فصارت حوادث.
ول هذه الحوادث متى؟ ، نقول: الزمان وُجد بعد ذلك ، والله جل وعلا أعلم بهذا الأمر ، يتقاصر العقل والفهم عن هذه الأشياء ، لكن من الظلم ما قالوه ، من أن شيخ الإسلام ، وأهل الحديث قالوا بقول الفلاسفة ، حيث يقول الفلاسفة: بقِدم هذا العالم .
وأن هذا القول الذي ذكرناه من مذهب أهل الحديث هو قول الفلاسفة ، هذا باطل ، وإنما أتوا من جهة عدم الفهم.
الفلاسفة ، والضلال في هذا الباب قالوا: بِقِدم هذا العالم ، فيها الإشارة ، هذا العالم ، والأرض ، قالوا: هي قديمة.

وأما أهل السنة فقالوا: خَلق الله جل وعلا قديم ، ليس هذا العالم ، هناك جنس مخلوقات ، أما هذا العالم فهو محدث مبتدئ ابتداء نعلمه مما جاء في النصوص.
أما فعل الله جل وعلا ، وجنس مخلوقاته ، فهذا علمه إلى الله جل وعلا ، ولا يجوز لأحد أن يدخل في ذلك بتعطيل الله جل وعلا عن فعله بما يريد ، فهو سبحانه وتعالى الحي القيوم ، قائم على ما خلق سبحانه وتعالى ، ولا بد أن يظهر أثر الصفات ، وأثر الأسماء في الخلق ، وهذه مسألة عظيمة خاض فيها من لم يُحسن ، وهدى الله جل وعلا أهل السنة فيها ، لتعظيمه ، وعدم حد صفاته ، وأفعاله.


سؤال: بل هو أسلوب من أساليب العرب ، والقائلين به ، يقولون هو مجاز ، وعليه الخلاف لفظي ، ولا مشاحات في الاصطلاح ، لأن الخلاف لا أثر له ، فما هو جوابكم؟

الشيخ: نقول هذا القول باطل ، وغلط كبير ، لأن المجاز كما عرفته لك بنقل تعريف الأصوليين: إنه نقل اللفظ من وضعه الأول ، إلى وضع ثان ، لعلاقة بينهما.
إذا كان النص لأمور غيبية ، مثل صفات الله جل وعلا ، أو صفات الملائكة ، أو صفات الجنة ، والنار ن أو صفات ما يحدث يوم القيامة ، أو ما في البرزخ في القبور ، ونحو ذلك ، إذا كان اللفظ في الأمور الغيبية ، فإنه لا يجوز دعوى المجاز فيه ، ومن ادعى المجاز فيه ، فهو من جملة أهل البدع ، لم؟
لأن المجاز في تعريفه نقل اللفظ من وضعه الأول ، إلى وضع ثان لعلاقة.

لم نقلوه؟ لعدم المناسبة ، الوضع الأول لا بد أن يكون معلوما ، ثم يُنقل من الوضع الأول إلى الوضع الثاني لعلاقة بينهما ، لعدم مناسبة الوضع الأول.
نقول هذا: لو طبقوه ، لرجع عليهم بإبطال كل ما ادعوا فيه المجاز من المسائل الغيبية ، لأن كل من قال بالمجاز في آية ، أو في حديث أمر غيبي ، قل له: لم؟ سيقول لأن هذا اللفظ ليس لائقاً ، وننقله عن ذلك ، فتقول له: وما أدراك عن الوضع الأول؟ الوضع الأول يعني اللفظ الذي وضعته العرب أول ما وضع في الكلام لهذا المعنى.
فمثلاً: لفظ الأسد هو للحيوان المفترس ، نُقل من الحيوان المفترس إلى الرجل الشجاع ، فإذا قلت: رأيت أسداً احتمل الكلام أن تكون رأيت الحيوان المفترس المعروف ، أو رأيت الرجل الشجاع.

لكن إذا قلت رأيت أسداً فكلمني ، هذا انتهى الأول ، هذا ظاهر لم؟ لأن دلالة السياق حددت لك المراد.
لكن في مثل قوله جل وعلا: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} (3) سورة الفاتحة] ، قالوا: الرحمة مجاز على الإنعام ، يعني أن الرحمة لها معنى في أوله ، وهو الذي يحس به المخلوق حين يرحم ، ثم نُقل إلى وضع ثان ، وهو الإنعام لعدم مناسبة الوضع الأول لله جل وعلا.
فتسأل هذا الذي ادعى المجاز ، تقول له: ومن قال لك إن الرحمة وُضعت أولاً في كلام العرب للرحمة التي يُحس بها الإنسان ، هذه دعوى لا يمكن لأحد أن يقول: الوضع الأول للمعاني هو كذا ، هذا من العسير ، أو يقول: الوضع الأول هو كذا ، تقول له: ما الدليل على أن الوضع الأول هو كذا؟ {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} (24) سورة الإسراء] ، قال: هذا مجاز لم؟ قال: لأن الجناح كالطائر ، فنقول: بأنه مجاز لأن الجناح للطائر ، فننقله من وضعه الأول إلى الوضع الثاني ، للاستعارة كما يقولون: الآية فيها استعار ، نقول: ومن قال: إن العرب وضعت لفظ الجناح للطائر ، ما الدليل؟ ، يقف معك ، لا دليل.
وهكذا في مثل ، يعني مسائل كثيرة في الصفات ، والغيبيات إلى آخره.

فالمقصود من ذلك أن دعوى المجاز في الصفات باطلة ، ولا دليل واضح علمي بتطبيق ما قرروه في تعريف المجاز على ما ادعوه ، فمن قال: إن في آيات الصفات ، والآيات الغيبية مجاز ، فنقول: هذا باطل مخالف للعقيدة ، عقيدة السلف الصالح.

إذا قال في غير آيات الصفات إنه مجاز ، نقول: الخلاف هنا أدبي ، من قال في لفظ من الألفاظ في غير القرآن ، أن هذا فيه مجاز ، نقول: المسألة سهلة ، لأنه لا تعرض فيها للصفات ، ولا للغيبيات ن فمن قال هذا الكلمة فيها مجاز ، بيت الشعر هذا فيه مجاز ، ونحو ذلك ، نقول : أن الأمر سهل ، لأنه م ينبني عليه خلل في العقيدة.

فإذاً إذا ادُعي المجاز في المسائل الغيبية ، في الصفات أو الغيبيات ، فهذا مخالف للعقيدة ، إذا قيل بالمجاز في غير آيات الصفات ، ومسائل الغيبية ، فنقل: هذا خلاف أدبي ، منهم من يرجح أنه لا مجاز ، ومنهم من يرجح أن فيه ، يعني في اللغة مجازا.

وهل القرآن فيه مجاز أم لا؟ أيضاً ثَم خلاف ، من القواعد المقررة عند القائلين بالمجاز ، أن كل مجاز يصح نفيه ، إذا قلتَ: رأيت أسداً فكلمني ن جاز أن تقول بعدها مباشرة: ولكنه ليس بأسد ، تعني الوضع الأول.

{جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} (24) سورة الإسراء] ، يصح بعدها عندهم ولكنه ليس بجناح ، تريد جناح الطائر.

ومن المجمع عليه أنه لا يجوز أن يُنفى شيء في القرآن وهذا من المرجحات لعدم جواز المجاز في المنزل للتعبد.

سؤال: هنا قال هل يوصف الله جل وعلا ، أو يُخبر عنه بأنه ساكت؟

الشيخ: الجواب أن السكوت له معنيان:
* المعنى الأول: سكوت مقابل للكلام ، تكلم وسكت
* والمعنى الثاني: سكوت عن إظهار الحكم ، الإظهار الكلامي ، الإظهار الشيء

أما الأول فلا أعلم أن أهل السنة يصفون الله جل وعلا بالسكوت الذي هو مخالف للكلام ، يعني يتكلم ، ويسكت ، بمعنى يترك الكلام أصلاً ، فلا أعلم أن أحداً من أهل السنة قال به.

وأما المعنى الثاني ، وهو السكوت بمعنى عدم إظهار الخبر ، أو ترك إظهار الحكم ، أو إظهار الكلام ، هذا جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: (وسكت عن أشياء رحمة بكم ، غير نسيان ، فلا تبحثوا عنها)(6).
(سكت عن أشياء): هنا السكوت بمعنى عدم إظهار الحكم ، لأنه قال: (إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحد حدودا فلا تعتدوها ، وسكت عن أشياء) ، فالسكوت هنا عدم إظهار حكم تلك الأشياء ، ليس هو السكوت الذي هو ضد الكلام.

فهذا النوع ثابت ، سكت الله جل وعلا عن هذا الحكم ، يعني لم يظهر حكمه ، لا في الكتاب ، ولا في السنة ، تركها جل وعلا ، فيرجع الأمر إلى القواعد ، إما أن الأصل الإباحة ، أو إلى آخر ما هو معلوم.

وهذا هو المراد بقول من قال من السلف: يتكلم إذا شاء ، ويسكت إذا شاء رعاية لهذا الحديث ، هذا تحقيق القول في هذه المسألة ، والله أعلم.

سؤال: ما رأيك في من استحب التعبير إلى قول السلف الصالح بدلا من مذهب أهل السنة والجماعة؟

الشيخ: أهل السنة والجماعة لفظاً ادعاه الكثيرون ، فالأشاعرة يقولون عن أنفسهم: إنهم هم أهل السنة والجماعة ، والماتريدية كذلك ، لأن لفظ السنة والجماعة لفظان محببان ، جميلان ، فأهل السنة والجماعة كل يدعيها ، ولذلك إذا قلت عند الأشاعرة ، فلا بد أن نذهب إلى ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة يسلم لك ، لا خلاف في هذا ، لأن اللفظ كل يدعيه ، أما لفظ السلف الصالح فإنه يتميز به ، المراد به أهل السنة.

السلف الصالح لا ينتسب إليه الأشاعرة ، والماتريدية ، والمبتدعة ، لأنهم بؤصلون أن طريقة السلف أسلم ، ولكن طريقة الخلف أعلم وأحكم ، فلا ينتسبوا إلى السلف الصالح لأجل أنهم أرادوا السلامة ، والسلامة عندهم خلاف العلم ، والحكمة ، نسأل الله العافية والسلامة.

والواقع أن السلف أسلم ، طريقتهم أسلم ، وأعلم ، وأحكم رحمهم الله تعالى وجزاهم عنا وعن الإسلام خير الجزاء.

ولهذا ينبغي التنبه عند إطلاق أهل السنة والجماعة بتقييده ، وإذا أطلق ، ولم يقيد في بعض الأحيان فلا بأس ، لكن تقييده في بعض الأحيان ، هذا هو طريقة المحققين من أهل العلم ، فيطلقونه بدون تقييد ، وتارة يقيدونه حتى يُحمل المطلق على المقيد.

سؤال: ذكرت أن الجهمية يخرجون من الاثنين وسبعين فرقة ، ولم تذكر الشاعرة.

الشيخ: الأشاعرة من هذه الأمة ، الأشاعرة ليسوا بالخارجين عن الإسلام ، الأشاعرة إنما هم مخالفون ، مبتدعة.

سؤال: فقد عُلم من طريقة السلف أنهم لا يردفون نزول الله بأنه ينزل بذاته ، إلا ما قاله ابن منده: ينزل بذاته من العرش ، ولكن هل في قولنا: إنه ينزل بذاته محظور ، أو فساد للمعنى ، ذلك لأننا نعلم أن هذه الصفة ، صفة اختيارية قائمة بالنفس.
وأيضا لماذا لا ينسحب هذا على صفة الاستواء؟

الشيخ: لو ترك ينسحب هذا يكون أحسن ، لو قال: ولكن لماذا لا يصلح هذا في صفة الاستواء ، أو لماذا لا يقال هذا في صفة الاستواء ، ونحو ذلك.

معلوم أن طريقة السلف متابعة النصوص ، والتصريح في بعض الألفاظ الزائدة عما جاء في النصوص مما يُفهم منها في الصفات ، لا يكون إلا عند الحاجة ، لا يكون هكذا من غير حاجة ، لهذا ترى أن الإمام أحمد قال في أول أمره: من قال إن القرآن غير مخلوق فهو مبتدع ، ومن قال: إنه مخلوق فهو مبتدع ، ثم لما استحكم القول بخلق القرآن ، إذا سئل: هل القرآن مخلوق؟ قال: لا ، ليس بمخلوق ، فترة الأولى حين قال: من قال إن القرآن ليس بمخلوق فهو مبتدع ، لأنه لا حاجة إلى ذكر هذه اللفظة ، لأن ذكر هذا اللفظ يستدعي البحث في خلق القرآن ، هل هو مخلوق ، أو غير مخلوق؟ ، ليس بمخلوق ، لماذا نفع ، فلا تدخلوا في الألفاظ في العقائد ، في ألفاظ مبدعة ، بل تتابع النصوص ، وهذا هو الواجب ، خاصة في الحديث مع العامة ، والناس ، ومع طلبة العلم ، إلا فيما يُحتاج إليه ، ولهذا قد يتحاش طالب العلم أن يُفصل بعض المسائل لبعض المتعلمين ، وطلبة العلم ، لأنه لا حاجة إلى تفصيلها.

وهذا الباب ، باب العقائد الأصل فيه أن يتابع الكتاب والسنة ، وأن لا يزاد عليه ، تُذكر المسألة ، ويُذكر دليلها فقط ، لكن توسع أهل العلم رداً على المخالفين ، فلهذا من زاد بعض الكلمات: استوى على عرشه بذاته ، أو قال: هل استوى بحد ، قال: نعم بحد ، أو ينزل بذاته ، أو يأتي بذاته ، أو نحو ذلك ، فهذا لحاجة كانت في ذلك الزمان ، لما لم تكن الحاجة قائمة في مقابلة أهل البدع ، فإنه لا يُتجاوز القرآن والحديث.

ولهذا مما ينبغي أن يُفهم ، وأن يستحضره طالب العلم جيداً ، أن كتب الردود لا تأخذ منها تقعيد العقائد ، وإنما تأخذ منها فهم مرادات السلف لتقرير العقائد ، ففرق بين المسألتين.

فكتب الردود قد يحتاج فيها العالم الذي رد من أئمة السلف إلى ألفاظ ، لا يقولها عند الابتداء ، والاختيار ، وإذا قرر العقيدة من دون رد ، فإنه لا يأتي بتلك الألفاظ.
ولهذا نقل بعض أهل البدع على بعض أئمتنا كعثمان بن سعيد الدارمي ، وابن منده ، ونحو هؤلاء الأئمة بألفاظ أوردوها ، وإنما أحوجهم إيراد تلك الألفاظ ، الرد على المخالفين ، فتنتبه أن كتب الردود تكون فيها زيادة ، فيها استطراد ، فيها أنه يلتزم بشيء لا داعي له ، لكن في مقام الرد يلتزمه ليبين أنه على ثبت ويقين من الأصل الذي أصله.

فإذاً أعيد لكم هذا الأصل ، وهذه القاعدة ، وهي أن كتب الردود لا يؤخذ منها تقرير عقائد أهل السنة ، وإنما يؤخذ منها فهم تقرير العقائد ، التقرير نفسه ما تأخذ منها ، يعني التقعيد ما تأخذه من كتب الردود ، وإنما كيف تفهم النصوص ، كيف تفهم القواعد ، تفهمها من الردود.

فإذا احتجت ذكرت ما ذكروا ، إذا لم تحتج فلا تتوسع في ذلك ، فباب الصفات ، باب إنما يتابع فيه النصوص ، لا تزيد على النصوص ، إلا إذا كانت ثمة حاجة ، ولهذا بعض طلبة العلم يستأنس في هذا الباب إلى ذكر خلافيات دقيقة في نصوص الصفات ، وكلام أهل العلم ، ويتجادلون في ذلك ، ويتركون بعض الواجب عليهم من مسائل الدين الأخرى ، لا يتعلمون ، وبالتالي لا يعملون به ، وهذا غير سائغ ، لأن طلب العلم في الحقيقة له لذة ، ومن سار في طلبه للعلم على لذته ، حُرِمَ بعض الشباب ، وهذه سبق أن ذكرتها لكم ، وهي أن بعضهم يطلب العلم للذة من الزمن القديم ، له لذة في البحث في الصفات ، فيبحث ويدقق ، لكن باب الإيمان لا يعرفه ، لكن باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما يعرف كلام أهل السنة فيه ، لكن باب الأخلاق ما يعرف كلام أهل السنة فيه ، وهكذا.

فالإيغال في بحث شيء ، وقد فرطت في واجب ، وذاك الذي أوغلت فيه ليس بواجب عليك ، هو من باب تقديم المستحب على الواجب.
فتقديمك المستحب على الواجب لم؟ بأن لك لذة فيه ، ولشيخ الإسلام رحمه الله رسالة في هذا الأصل عنوانها (قاعدة فيما للعبد فيه محبة) يعني من الأعمال ، وهذا من دقائق البحث في أصول العمل ، والنيات ، وما يصلح به القلب.
وهذه الرسالة غير موجودة في الفتاوى ، ولا رسائل شيخ الإسلام ، وإنما موجودة في مجموع اسم: مسائل عربية ، أو بحوث عربية وإسلامية مُهداة إلى أديب العربية محمود محمد شاكر ، مجموعة من تلامذة الأستاذ الشيخ محمود محمد شاكر ، كتبوا تحقيقات ، ومن ضمن تلامذته محمد رشاد سالم حقق هذه الرسالة ، وأودعها على المجموع ، وهي رسالة وجيزة.

بعض الناس يطلب العلم للذته ، تجده يبحث في المصطلح ، ويحقق في المصطلح لماذ1؟
لأن له لذة في ذلك ، يجد استمتاع ، يُخرج الأحاديث ، يدرس الحديث شهر ، وأسبوعين وثلاثة ، لم؟ لأن له لذة في ذلك ، يحفظ حفظاً مطولاً كذا ، هل لأنه الواجب عليه؟ لا ، لأنه له لذة في ذلك ، تجده يحفظ في كتب الحديث ، الحفظ في القرآن ، لا ، لم؟ .. لأن له لذة فيه ، تجد يوغل في البحث في مسائل الأسماء والصفات ، ويأتي فيها ببحوث غريبة ، يعني من جهة أنها غير مشهورة ، وذلك لأن له لذة في ذلك.

فإن كان هذا الاستقصاء بعد تمكن فيما يجب عليه ، فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء ن أما أن يفرط في الواجب ، ويذهب إلى مستحب ، أو يذهب إلى مباح في بعض من الاطلاع على بعض التفاصيل ، فهذا ليس بحسن.

نعود إلى أصل الموضوع ، وهو أن مثل هذه الألفاظ في ذاته أو نحو ذلك ، هذه يذكرها بعض أهل العلم للحاجة إليها ، فإذا لم يكون ثمة حاجة ، فلا مجاوزة للقرآن والحديث.
فنحن نقول: الله جل وعلا مستو على عرشه كما يليق بجلاله وعظمته ، وينزل إلى السماء الدنيا كما أخبر عن ذلك ، كما يليق بجلاله ، وعظمته ، ولا حاجة إلى القول بذاته ، لأن النص ظاهر واضح.

سؤال: نرجو فتح المجال لحفظ كشف الشبهات

الشيخ: أسأل الله جل وعلا لي ولكم الإعانة ، هذا من أعظم ما يُعمل في طلب العلم ، أن تُحفظ المتون ، خاصة كشف الشبهات ، وكتاب التوحيد ، ثلاثة الأصول ، لأن فيها من التوحيد من أصول التوحيد ما تحتاج إليه دائماً ، ومن حفظ ، وأراد أن يتقدم ونسمع له ، ما عندنا مانع.

سؤال: هل الخوارج كفار؟

الشيخ: ليسوا بكفار على الصحيح ، بل كما قال علي رضي الله عنه: من الكفر فروا"(7).
وقول النبي عليه الصلاة والسلام: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)(8) لا يعنى به أصل في الدين ، وإنما يعنى به أكثر الدين.


سؤال: كيف أجمع بين حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: صنفان من أهل النار لم أرهما..)(9) الحديث ، وغيرها من الأحاديث ، وبين قول أهل السنة بعدم خلود أهل الكبائر في النار؟

الشيخ: دخول النار لمن لم يغفر الله جل وعلا له ، أو لم ترجح حسناته على سيئاته ، أو لم يُشفع له ، هذا يكون دخولاً مؤقتاً ، لمن كان من أهل السنة ، أهل التوحيد ، ربما عُذبوا في النار ، لكن تعذيباً مؤقتاً ليس دائماً ، فتعذيبهم ليس بالخلود فيها ، الذي يخلد هو الكافر ، الخارج من الإسلام.

سؤال: كيف يُعرف ، أو كيف يَعرف الرجل البلاء ، إذا نزل به من المصيبة؟

الشيخ: يعني إذا نزل بالعبد شيء هل يعتبره بلاء ، أم يعتبره مصيبة؟ ، وبالواقع أراد أن يقول: هل هو بلاء أم عقوبة؟ فيما يظهر ، أم هو بلاء أم مصيبة؟ ، هو يكون بلاء ، وهو مصيبة في نفس الوقت ، لأن المصيبة يبتلى بها ، ولكن الذي يقارن ، يقال: هل هو بلاء أم عقوبة؟ هذا الذي افهم ، أليس كذلك؟ ، ليشتبه هل هذا بلاء أم عقوبة؟ ، هل هو ابتلاء أم عقوبة؟
أما المصيبة الله جل وعلا يبتلي بالمصائب ، كما هو معلوم.

الأصل أن المسلم ما يصيبه ابتلاء ن لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (عجباً لأمر المؤمن إن أمرَه كله له خير ، إن أصابته سراءُ شكر ، فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر ، فكان خيراً له)(10) ، السراء ، والضراء صارت خيراً للمؤمن ، وتكون إذاً من الابتلاء ، ابتلي بالسراء ، فشكر ، فكانت حيراً له ، وابتلي بالضراء ، فصبر ، فكانت خيراً له.
هذا الأصل في المسلم أنه يُبتلى بذلك ، ويقال: يُخشى أن تكون عقوبة ، فإن كان المسلم في نفسه يعلم أنه من أهل العصيان ، فقد يترجح له أنها عقوبة ، كما قال بعض السلف حينما أصيب يمرضٍ شديد ، في آخر عمره ، قال: مما أصيبت بهذا؟ ، فجعل يتذكر عله ذنب يعاقب عليه ، فتذكر ، فقال: ربما كانت من نظرة نظرتها وأنا شاب.
فهذا مما يخشاه العبد ، يخشى أن يكون ما أصابه عقوبة ، وهو ابتلاء يصبر عليه ، فإذا كان ذلك تذكر معصيته ، وذنبه ن فليبادر للتوبة ، والإنابة ، لأن هذه المصائب كفارات ، وتُذكر العبد ، وتمحو الخطايا ، ولا يزال البلاء بالمؤمن ، حتى يدعه وليس عليه خطيئة ، وقد جاء في البخاري وغيره: (من يرد الله به خيراً يصب منه)(11).

فإذاً نقول: الأصل أنه ابتلاء ولكن ما يجوز أن تقول: هذه عقوبة ، عاقب الله فلاناً ، لأن هذا ما تدري عنه ، عاقب الله أهل البلد الفلانية ، ما تدري هل هي عقوبة أم لا ، لأن هذا علمها عند الله جل وعلا ، تحديد هل هي ابتلاء أم عقوبة ، قد تكون ابتلاء ، وقد تكون عقوبة ، وقد تكون هذه ، وهذه ، في حق البعض كذا ، وفي حق البعض كذا.

نكتفي بهذا القدر ، وأسأل الله جل وعلا لي ولكم العلم النافع ، والعمل الصالح ، والهدى والاهتداء.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

أبو تقي الدين ناصر الدين الجزائري
الجزائر: 28/محرم/1425 الموافق لــ 19/03/2004