تابع السؤال رقم 14:


وإذا كان الناقد يقول ان " كلمة الله " لا يصح أن يُسمّى بها مخلوق، لأنها خاصة بالسيد المسيح فقط ... حيث انفرد بها عن سائر الملائكة والبشر ... وارتكز سيادته في ذلك على ما ورد في القرآن الكريم بشأن " كلمة الله " ليدعم موقف عقيدته !!! فنقول لسيادته أنه ارتكز على شيء يخالف تماما عقيدته ... وكيف ؟؟؟ لأن
" كلمةَ الله " في القرآنِ أُطلِقَتْ على غير المسيح ... وكيف ؟؟؟ لقد ذُكِرَتْ
" كلمةُ الله " في مقابلِ " كلمةِ الذين كفروا " ... وذلكَ في سياقِ الحديثِ عن نصرِ اللهِ رسولَه محمداً - صلى الله عليه وسلم - في رحلةِ الهجرة ... قال تعالى: " فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " التوبة 40 ... فكلمةُ الكفار: هي رغبتُهم وإِرادتُهم في محاربةِ الحَقِّ والقضاءِ عليه ... أما كلمةُ اللهِ هنا: فهي إِرادةُ اللهِ في نَصْرِ الحَق وهزيمةِ الباطل ... وسُميتْ إِرادَتُه سبحانه " كلمة "، لأَنها أَمْرٌ من اللهِ - عز وجل -، حيثُ يأمرُ بإنفاذِ قدرتِه وإرادتِه، وتحقيقِ علمه، فيكونُ ما أَرادَه سبحانه وأَمَرَ به ... قال تعالى: " إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ " يس 82


وعبارةُ " كلمةِ الله " في القرآن الكريم ليستْ خاصةً بالمسيحِ عليه السلام ... إِنما أُطلقَتْ على عيسى وعلى غيره أيضاً ... قال تعالى: " وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ " الأعراف 137 ... فكلمةُ رَبّك هنا: هي إِرادَتُه وأَمْرُه بنَصرِ بني إِسرائيل وإِهلاكِ أَعدائِهم ... فمعنى كون عيسى - عليه السلام - كلمةَ الله: أَنَّ اللهَ أَرادَ أَنْ يَجعلَ خَلْقَه معجزةً، عن غيرِ طريقةِ الخَلْقِ المعروفةِ المألوفة، عن طريقِ التزاوجِ والاتِّصالِ والمعاشرةِ والإِخصاب ... فأَنْفَذَ إِرادَتَه وخَلَقَ عيسى في رَحِمِ مريمَ العذراء ... وكان خَلْقُه بكلمتِه التكوينيةِ التنجيزية، التي تُحَوّلُ إِرادةَ اللهِ من صورتِها العلميةِ النظريةِ إِلى صورتِها العمليةِ الحادثة، التي تَمَّ بها إِيجادُ عيسى عليه السلام ...


وفَرْقٌ شاسع بينَ إِخبارِ القرآنِ الكريم أَنَ عيسى كلمةُ (الله) ... أَيْ أَنَّه خُلِقَ بكلمةِ اللهِ وإِرادتِه ... وبين كَلامِ الإِنجيلِ أن المسيح كلمةُ الله ... وبما أَنَّ الكلمةَ هي الله ... إذن فإِنَّ المسيحَ هو الله: " فِي البَدْءِ كَانَ الكَلِمَةُ، وَالكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللّه، وَكَانَ الكَلِمَةُ اللّه. "يوحنا 1: 1 -2 !!! وهذا المفهوم مخالف بالطبع تماماً لما ورد في القرآن الكريم.

لقد قاس الناقد كلمةَ اللهِ على كلمةِ الإِنسان !!! فقال: " ولقد سُمّيَ المسيحُ كلمةَ الله، لأَنَّ كلمةَ الإِنسانِ هي منه، ومن مقوماتِ شخصيتِه، فهي صورةُ عَقْلِه وفِكْرِه، والمترجمةُ له، والمنفذةُ لسلطانِه وقوَّتِه ... فالمسيحُ هو ذاتُ كلمةِ الله، وهذا يُثبتُ لاهوتَه (أي الوهيته) ... والناقد بذلك خالف كتابه المقدس الذي نهى عن تشبيه الله بمخلوقاته ... وذلك بهدف أن يزج في فكر القارئ السطحي ان المسيح هو الله ... وكيف ؟؟؟ " فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَ اللهَ ... وَأَيَّ شَبَهٍ تُعَادِلُونَ بِهِ ؟؟؟ " سفر إشعياء 40/18 ... " فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَنِي فَأُسَاوِيهِ؟» يَقُولُ الْقُدُّوسُ. " اشعياء 40/25 ... " بِمَنْ تُشَبِّهُونَنِي وَتُسَوُّونَنِي وَتُمَثِّلُونَنِي لِنَتَشَابَهَ ؟؟؟ " اشعياء 46/5 ... " وَقَالَ: «بِمَاذَا نُشَبِّهُ مَلَكُوتَ اللهِ ؟؟؟ أَوْ بِأَيِّ مَثَل نُمَثِّلُهُ ؟؟؟ " مرقص 4/30 ... وفى هذا المقام نهمس في اُذن الناقد بأن الله ... " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ"الشورى 11

ولكن من ناحية أخرى فإنه لا يوجد اطلاقا في الكتاب المقدس أي نص قال فيه السيد المسيح صراحة " انا الله فأعبدونى " ولكن يستنتج النصارى ذلك من عدة نصوص ... ومن اقوى النصوص التي يعتمدون عليها في ذلك هي النص الذي استدل به الناقد: " فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ " يوحنا 1/1 ... وهذا النص حسب نسخة الملك جيمس:
" In the beginning was the Word، and the Word was with God، and the Word was God "

ولكن هناك سؤالاً يطرح نفسه ... من هو الله في هذا النص هل هو الآب أم الكلمة (أي السيد المسيح الابن) أم الروح القدس ... أم الثالوث (أي الآب والسيد المسيح الابن والروح القدس معاً كإله واحد) ؟؟؟

الاحتمال الأول:الله هو الآب ... وعليه يكون النص هكذا ...

فِي الْبَدْءِ كَانَ السيد المسيح ... وَالسيد المسيح كَانَ عِنْدَ الآب ... وَكَانَ السيد المسيح الآب ... فهل يستقيم المعنى ؟؟؟؟
الاحتمال الثاني: الله هو السيد المسيح ... وعليه يكون النص هكذا ...

فِي الْبَدْءِ كَانَ السيد المسيح ... وَالسيد المسيح كَانَ عِنْدَ السيد المسيح ... وَكَانَ السيد المسيح السيد المسيح ... فهل يستقيم المعنى ؟؟؟
الاحتمال الثالث: الله هو الروح القدس ... وعليه يكون النص هكذا ...

فِي الْبَدْءِ كَانَ السيد المسيح ... والسيد المسيح كَانَ عِنْدَ الروح القدس ... وَكَانَ السيد المسيح الروح القدس ... فهل يستقيم المعنى ؟؟؟
الاحتمال الرابع: الله هو الثالوث (الآب والسيد المسيح الابن والروح القدس إله واحد) ... وعليه يكون النص هكذا ...

فِي الْبَدْءِ كَانَ السيد المسيح ... والسيد المسيح كَانَ عِنْدَ الثالوث ... وَكَانَ السيد المسيح الثالوث ... فهل يستقيم المعنى ؟؟؟
ولكن قد يقول قائل ان هناك احتمالاً أخيراً وهو أن يكون السيد المسيح الكلمة هو الله ... لأن النص يقول" وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ " ... وعليه يكون النص هكذا:

فِي الْبَدْءِ كَانَ الله ... والله كَانَ عِنْدَ الله ... وَكَانَ الله الله ... فهل يستقيم المعنى ؟؟؟

هذا ونترك الاختيار والحكم لذكاء القارئ !!!

المسيح روح الله:


قال الناقد: جاء في سورة النساء 171 ... " إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ ... وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ... وَرُوحٌ مِنْهُ " ... ولم تكتف الآية بنعت المسيح بالرسالة، بل شهدت أنه كلمة الله ... ولكيلا نتوهم خلاف المقصود باللفظ كلمة الله أَتْبعها بما يزيل الشك وهو روحٌ منه ... لنفهم أن المسيح ليس مجرد رسولٍ عادي ... بل ابنٌ مرسَل من أبيه إلى عالم الدنيا، كأشعة الشمس المنبعثة إلى الأرض من الشمس ... وما الفرق بين القول إن المسيح نور من نور إله حق من إله حق، والقول روح الله أو روحٌ من الله ؟؟؟ أليس أنه من ذات الله ومن جوهره ؟؟؟

ونقول للسيد الناقد:

لقد لجأ الناقد لمحاولة تعزيز موقف عقيدته التي تقول ان المسيح هو الله ... بالتعلق بنص قرآني ينفى ذلك تماماً ... ولو كان موقف عقيدته بمفردها ان المسيح هو الله قوياً ... لما احتاج للتعلق بنص قرآني ... ولكن من ناحية أخرى وطالما أن الناقد يريد التعلق بنص قرآني لتدعيم موقفه ... اذن فيتوجب عليه ذكر باقي النصوص التي تتحدث عن موقف القرآن الكريم تجاه موضوع ان المسيح هو الله ... حيث وضح القران الكريم وبحسم قاطع الموقف ممن يدعى أن السيد المسيح هو الله رب العالمين خالق السماوات والأرض وما بينهما ... حيث قال تعالى:" لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ " المائدة 17 ... وبنفس الوضوح والحسم قال تعالى: " لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ " المائدة 73 وصَدق اللهُ في نصحِه للنصارى قائلاً: " فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ " النساء 171


لقد أوضحنا في الفقرة السابقة مفهوم أن المسيح كلمة الله ... وأنها لا تعنى أن المسيح هو الله كما يعتقد بذلك السيد الناقد ... أما بالنسبة أَنَّهُ روحٌ من عند الله: " وَرُوحٌ مِنْهُ " ... فهي تعنى أَنَّ اللهَ خَلَقَ روحَ عيسى عليه السلام ... كما خَلَقَ روحَ أَيِّ إِنسان ... سواءٌ كانَ نبيّاً أَو إِنساناً عاديّاً ... حيث صدر امرَ الله الى جبريلَ (الروحَ القُدُسَ) أَنْ يحملَ روحَ عيسى المخلوقة ... وأَنْ ينفُخَها في مريمَ العذراءِ البتولِ عليها السلام ... فلما فعل جبريل ذلك ... حملَتْ مريم بعيسى بأَمْرِ الله ... وكلمة " مِنْ " في قوله: (وَرُوحٌ منْهُ) بيانيَّة ... وليستْ تبعيضيَّة كما ادعى الناقد (أي لا تعنى أن عيسى بعضاً أو جزءاً من الله) ... أي أنها تُبَيِّنُ أَنَّ روحَ عيسى التي نُفخَتْ في مريمَ إِنما هي من عندِ الله ... ولتأكيد ذلك المعنى ... اقرأ قوله تعالى ... " وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض جَمِيعاً مِنْهُ " الجاثية 13 ... أي أن كل ما هو مسخر {جميعاً منه} أيْ: كلُّ ذلك تفضُّلٌ منه وإحسانٌ ... التفسير الوجيز ... فإذا ادعى الناقد أن قوله تعالى ... " وَرُوحٌ مِنْهُ " توجب أنَّ عيسى بعض من الله ... وجب أن تكون «الأرض» قطعة من الله ... وكذلك الشمس أيضاً !!!


مما تقدم يتضح ان فكرة الناقد التي تقومُ على أَنَّ المسيحَ ليس بشراً أو مجرد رسولٍ عادي كباقي الرسل من البشر ... إنما هو جزءٌ ماديّ من ذاتِ اللهِ المادية وابنٌ مرسَل من أبيه إلى عالم الدنيا ... هي فكرة باطلة ومخالفة للحق ... فكلُّ ما في الأَمْرِ أَنَّ اللهَ الحكيمَ خَلَقَه بدونِ أَب، وأَنطَقَه وهو في المهد، وهو في هذا يَختلفُ عن باقي الرسل ... وفيما سوى ذلك هو رسول وبشر عاديٌّ كباقي الرسل ... وشَبَّهَ القرآنُ خَلْقَ عيسى بخْلقِ آدم - عليه السلام -، ليُزيلَ استغرابَ النصارى من خَلْقِه بدون أَب ... قال تعالى: " إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ... الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ " آل عمران 59-60 ... هذا ولقد نفى القرآنُ أَنْ يكونَ لله وَلَدٌ ... قال تعالى: " مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ " المؤمنون 91 - وقال تعالى: " بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلّ شَيْءٍ " الأنعام 101


أما تشيبه الناقد علاقة عيسى باللهِ كأشعة الشمس المنبعثة إلى الأرض من الشمس ... فنذكر الناقد بأنه قد خالف كتابه المقدس الذي نهى عن تشبيه الله بمخلوقاته وذلك بهدف أن يزج في فكر القارئ السطحي ان المسيح هو الله ... وكيف ؟؟؟ " فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَ اللهَ ... وَأَيَّ شَبَهٍ تُعَادِلُونَ بِهِ ؟؟؟ " سفر إشعياء 40/18 ... " فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَنِي فَأُسَاوِيهِ؟» يَقُولُ الْقُدُّوسُ. " اشعياء 40/25 ... وفى هذا المقام نهمس في اُذن الناقد بأن الله ... " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ"الشورى 11



إن قول الناقد: " أَليسَ أَنه من ذاتِ اللهِ ومن جوهرِه " فسيادته بذلك قد فصل عيسى عن اللهِ انفصال الجزءِ عن الكُلِّ !!! بمعنى أن المسيح جُزْءٌ ماديٌّ صَغيرٌ من ذاتِ اللهِ الكبيرة !!! وبالتالي يكون لله ذاتاً مادية، وجَوْهَراً وجوديّاً، يُمكنُ أَنْ يُحصَرَ وُيجَسَّمَ ويُحَدَّدَ، ويُمكنُ أَنْ يَنفصلَ عنه جزءٌ صغير، فيه روحٌ وحياة، اسْمُه المسيح ... ونترك الحكم لذكاء القارئ !!!


ولادته بالروح القدس من عذراء:

قال الناقد: انفرد المسيح عن سائر البشر بولادته من عذراء !!! فلماذا تميّز عن سائر الأنبياء بدخوله عالمنا بهذه الطريقة المعجزية ؟؟؟ إنه كلمة الله وروح الله حل في أحشاء العذراء ... وتجسد وظهر بين الناس آية ورحمة للعالمين ... فهو ابنٌ ... مَن أمه ؟؟؟ مريم ... ومَن أبوه ؟؟؟ الله ..." فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ "الأنبياء 91
ونقول للسيد الناقد:
سبق في الفقرتين السابقتين أن تكلمنا عن معنى كونِ عيسى كلمةَ اللهِ، وروحاً من اللهِ ... والجديدُ في هذا السؤال هو أن الناقد يريد أن يجعل المسيح ابناً لله ... وأَرادَ بالبُنُوَّةِ ... البنوَّةَ الحقيقيةَ المادية ... لأَنه قال: أُمّه مريمُ ... وأَبوهُ الله !!! وارتكز في ذلك على أنه دخل عالمنا بطريقة معجزية ... ونقول لسيادته أن المسيح لم ينفرد وحده بالدخول لعالمنا بطريقة معجزية ولكن سبقه في ذلك آدم الذي ادخله الله الى عالمنا بطريقة معجزية (دون وجود رجل وامرأة) ... وحواء أيضاً (دون وجود امرأة) ... وبدخول المسيح بهذه الطريقة تحقق الاحتمال الثالث لدخول البشر لعالمنا بطريقة معجزية (دون وجود رجل) ... ولذلك قالت الآية التي استدل بها الناقد: " وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ " الأنبياء 91


إن القرآنُ الذى يحاول الناقد أن يستدل بأحد آياته لإثبات بنوة المسيح لله ... كان صريحاً في رفْضِ كونِ المسيح ابناً لله ... قالَ تعالى: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ... اللَّهُ الصَّمَدُ ... لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ... وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ "الإخلاص 1-4 ... وقد كفر القرآن من قال ان لله وَلَداً ... قال تعالى: " وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ... ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ... قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ "التوبة 30 ... فالمسيح عبد لله ... ورسول الله ... كما نطق بذلك المسيح نفسه وهو في المهد ... " قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا " مريم 30 ... وجاء في القرآن على لسان المسيح: " أن اعبدوا الله ربي وربكم " المائدة 117 ... وبعدَ ما تحدَّثَتْ آياتُ سورةِ مريمَ عن قصةِ حَمْلِ مريمَ بعيسى وولادتِه وكلامِه في المهد، عَقَّبَتْ على ذلك بنفي بُنُوَّتِه لله قال تعالى: " ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ... مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ ... إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ "مريم 34-35


وإذا كان الناقد يريد أن يعرف الإجابة على السؤال الذي طرحه: " ومَن أبوه ؟؟؟ " فعليه التوجه لكتابه المقدس ليعرف منه الإجابة ... لا أن يحاول أن يلوى عنق نص لا يؤمن به سيادته أصلاً ليدعم به موقفه ... لاسيما أنه لا يدل ولا يعنى ولا يحتمل ما يهدف اليه سيادته في النهاية !!! ونصوص كتاب الناقد المقدس تثبت نسب المسيح عند النصارى ... بل وتقرر بشريته، وأنه ليس ابن الله ... وكيف ؟؟؟


ورد في إنجيل لوقا في نسب المسيح: " وَلَمَّا ابْتَدَأَ يَسُوعُ كَانَ لَهُ نَحْوُ ثَلاَثِينَ سَنَةً، وَهُوَ عَلَى مَا كَانَ يُظَنُّ ابْنَ يُوسُفَ، بْنِ هَالِي، بْنِ مَتْثَاتَ، بْنِ لاَوِي، بْنِ مَلْكِي، بْنِ يَنَّا، بْنِ يُوسُفَ ........ بْنِ مَهْلَلْئِيلَ، بْنِ قِينَانَ، بْنِ أَنُوشَ، بْنِ شِيتِ، بْنِ آدَمَ، ابْنِ اللهِ " لوقا 3/23-38 ... فالمسيح كما هو واضح من النص (على فرض صحته) لم ينسب لله، بل الذي نسب لله هو آدم، ويعني ذلك أن الكتاب المقدس نفسه يضع آدم في مكانة أعلى من المسيح ... إذن فآدم (في زعمهم) هو ابن الله ... وأما المسيح فهو أحد أبناء آدم كما هو واضح ... وأما نحن المسلمون فعقيدتنا واضحة فهو ابن مريم، وهو كلمة ألقاها الله إلى مريم ...


بل إن لوقا نفسه قال عن مريم ويوسف: إنهما " أبواه " أو " أبوه وأمه " ... ونص ذلك: " وَعِنْدَمَا دَخَلَ بِالصَّبِيِّ يَسُوعَ أَبَوَاهُ، لِيَصْنَعَا لَهُ حَسَبَ عَادَةِ النَّامُوسِ، أَخَذَهُ عَلَى ذِرَاعَيْهِ وَبَارَكَ اللهَ ". لوقا 2/27 ... وأيضاً اقرأ عندما فقدت مريم الصبي يسوع (الذي يعتقد النصارى أنه الله رب العالمين خالق السماوات والأرض وما بينهما!!!) واخذت تبحث عنه ثلاثة أيام حتى وجدته ... فماذا قالت أم الله بدهشه عندما عثرت على الله (كما يعتقد النصارى) ؟؟؟ " فَلَمَّا أَبْصَرَاهُ (مريم ويوسف) انْدَهَشَا ... وَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: «يَا بُنَيَّ، لِمَاذَا فَعَلْتَ بِنَا هكَذَا ؟؟؟ هُو َذَا أَبُوكَ وَأَنَا كُنَّا نَطْلُبُكَ مُعَذَّبَيْنِ!» " لوقا 2/48 ... وهذا النص يدل بالتأكيد ان مريم كانت لا تعلم أن ابنها عيسى هو الله أو ابنه أو ما شابه ذلك ... وإلا ما كانت تخاف وتتعذب من فقدانه !!!


ومن ناحية أخرى وحتى نريح السيد الناقد فإن الكتاب المقدس أطلق لفظ " ابن الله " على بشر كثيرين ومنذ أول الخليقة؛ حيث سمى آدم كما رأينا "ابن الله" ... كما سمى آخرين بذلك: "وَحَدَثَ لَمَّا ابْتَدَأَ النَّاسُ يَكْثُرُونَ عَلَى الأَرْضِ، وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ، أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأَوْا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ ... فَاتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا اخْتَارُوا ... فَقَالَ الرَّبُّ: «لاَ يَدِينُ رُوحِي فِي الإِنْسَانِ إِلَى الأَبَدِ، لِزَيَغَانِهِ ... وَبَعْدَ ذلِكَ أَيْضًا إِذْ دَخَلَ بَنُو اللهِ عَلَى بَنَاتِ النَّاسِ وَوَلَدْنَ لَهُمْ أَوْلاَدًا " سفر التكوين 6/1-4


وأقرأ أيضاً: " قَدِّمُوا لِلرَّبِّ يَا أَبْنَاءَ اللهِ ... قَدِّمُوا لِلرَّبِّ مَجْدًا وَعِزًّا. " المزامير 29/1 ... وأقرأ: " لأَنَّهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ يُعَادِلُ الرَّبَّ ... مَنْ يُشْبِهُ الرَّبَّ بَيْنَ أَبْنَاءِ اللهِ ؟؟؟ " مزامير 29/1 ... وأيضاً: " طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ ... لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ. " متى 5/9 ...


إذن فلماذا يخص النصارى عيسى عليه السلام وحده بأنه ابن الله ؟؟؟ هذا فضلا عن أن المسيح قد أخذه الشيطان ليجربه فوق الجبل ويدفعه إلى السجود (كاعتقاد النصارى) وليس من المعقول أن يجرب الشيطان الله أو ابنه ... ليرى أيمكن أن يسجد له الله أو ابنه أم لا !!! كما أنه ليس من المعقول أن يكون رد الله على الشيطان هنا هو " اذهب يا شيطان؛ لأنه مكتوب: للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد". لوقا 4/8 ... وهو ما يعني بكل جلاء أن عيسى كان ينظر لله على أنه " ربه " ... ومن الواجب عليه أن يسجد له ... لا على أنه هو نفسه ... ولا على أنه " أبوه " ... كما أنه عليه السلام قد سمى نفسه أيضا: " ابن الإنسان " متى 11/19 ... إذن فهذا هو الكتاب المقدس يدلل على أن المسيح ليس ابن الله، ولا كل ما ذكرناهم أبناء الله أيضاً بنوَّةَ حقيقيةَ مادية ... فالله سبحانه وتعالى: " لم يلد ولم يولد ... ولم يكن له كفوا أحد " الإخلاص 3-4


أما محاولة الناقد الاستدلال بالقرآن الكريم (الذي لا يؤمن به سيادته) على أن الله تجسد وحل في أحشاء العذراء ... ثم مكث تسعة أشهر بداخلها ... ثم خرج فرضع منها وعلمته أمه كيف يذهب لقضاء حاجته ... فسيادته له أن يعتقد من العقائد ما يشاء ... لكن دون أن يستدل على عقيدته في أن عيسى هو الله أو ابنه بآيات القرآن الكريم التي تدعو إلى توحيد الله وتنفى كل ذلك ... تعالى الله عما يقول الناقد علوا كبيراً ...


وإذا كان الناقد يحاول أن يوظف النص القرآني وفق ما يروق له بطريقة انتقائية ... فنقول لسيادته: لو كان هذا الاستدلال بالآية الكريمة:" فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا " الأنبياء 91 صحيحاً ... لكان هذا دليلا على بنوة آدم عليه السلام -لله -سبحانه وتعالى من باب أولى ... وليس عيسى وحده ... فالله سبحانه وتعالى قال في خلق آدم تماما مثلما جاء في الحديث عن عيسى وأمه: " فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي " الحجر 29 ...


بل ليس آدم وعيسى عليهما السلام وحدهما فقط يصيران ابني الله عز وجل ... إن صحت تلك الآية دليلا ... بل كل أبناء آدم يصبحون أبناء الله سبحانه وتعالى -فالله -عز وجل -يقول عن النوع الإنساني كله: " الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ... ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ... ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ " السجدة 7-9 ... ولو كان النوع الإنساني كله هم الله أو أبناء لله ... فلا حاجة اذن لإرسال الرسل ... وستكون الدنيا بأسرها عبثا، ولن تكون هناك خطيئة، ولكن الأمر يقتضى بأن يكونوا بشرا، فمن هنا نقول بأن عيسى عليه السلام بشر أيضاً


والله تعالى أعلم وأعظم
يتبع بإذن الله تعالى وفضله