بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَنْ والاه، واقتفى أثره واهتدى بهداه، إلى يوم يجمعنا ربنا ونلقاه، أما بعد:
فأصل هذه المقالة كنت قد سطرته ونشرته في أحد المنتديات رداً على مقالٍ لأحد الأخوة الفضلاء، قياماً بواجب النصيحة وتبياناً لمنهج وقواعد أهل السنة والجماعة في النظر إلى المناهج ودعاتها، ونقدها وتقويم دعاتها من خلال ما يظهر منهم ويثبت قولاً وفعلاً وسلوكاً، ( وليس بما يُشاع عنهم أو بالظن ) والتعامل معها وفق حدود الشرع الحنيف، ثم بدا لي – حسب علمي القاصر – أن أجعلها بداية مرحلة جديدة من مراحل الدعوة إلى الله عز وجل، ومن المعلوم الذي لا يخفى، والحق الذي لا يبلى، أن الدعوة إلى الله تعالى من أعظم واجبات الشريعة الغراء المطهرة، وأصل عظيم من أصولها الثابتة الراسخة، بها يكمل نظام الشريعة ويرتفع شأنها، وهي وظيفة المرسلين وأتباعهم، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ولذلك فإنه ينبغي لكل داع إلى صراط رب العالمين، ومَنْ يريد أن يلحق بركب الدعاة المخلصين، أن يقف على أصول الدعوة وحقائقها وخصائصها ومتطلباتها حتى يعلم كيف يدعو الناس ويبين لهم أمور دينهم ومقاصد شريعتهم، حتى لا يصبح من الذين يصدون عن دين الله تعالى من حيث يدري أو لا يدري، فيكون من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، فقلت بعد المقدمة:
قبل كل شيء يجب أن نضع العواطف جانباً، فالأمر يتعلق بالدين، ولذلك يجب علينا جميعاً عندما نريد الكتابة أو الحديث في أي موضوع مراعاة الأمور التالية، وهي بمثابة الخطوط العريضة لمنهج أهل السنة والجماعة المُستمد من الكتاب العزيز والسنة النبوية المطهرة الصحيحة الصريحة الواضحة
[ علم ودعوة واتباع وإسداء نصيحة ]:
1- الانضباط بضوابط شرعنا الحنيف، الذي يأمرنا بالإنصاف في جميع أحوالنا ومع جميع الخلق، والتجافي عن الإعتساف ولو كان مع أشد الناس عداوة وبغضاً، فالواجب علينا أن نقبل الحق ولو قال به العدو اللدود، ونرفض الباطل ولو كان من الحبيب الودود، وبذلك نسلم من الوقوع في الخطأ والزلل والانحراف، وكما يُقالُ:
( بضرب المثال يتضحُ المقال ) فأذكر على ذلك أمثلة من كتاب الله تعالى، حيث يقول سبحانه وتعالى في سورة النساء: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}
وفي آية سورة المائدة يقول تبارك وتعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون}
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله تعالى عليه: [ وأمرنا بالعدل والقسط فلا يجوز لنا إذا قال يهودي أو نصراني فضلاً عن الرافضي قولاً فيه حقٌ أنْ نتركه أو نرده كله ] ( انظر مجموع الفتاوى 22 / 254 )

2- الابتعاد عن التعميم، فإنه فعل ذميم، يؤدي غالباً إلى رفض وعدم قبول قول القائل، وإن كان معه الحق المبين، وهذا أيضاً نجده واضحاً جلياً في كتابنا العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، فعندما وصف اللهُ جل في علاه أهلَ الكتاب الذي يسبونه سبحانه وتعالى، وينسبون له الصاحبة والولد – تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً - لم يجعلهم صنفاً واحداً، بل قال سبحانه وتعالى عنهم: { وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }
وكذلك عندما وصف الأعراب قال عز وجل عنهم: {وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
3- عدم التشهير بأحد من العلماء بصفة خاصة، لزلة قارفها أو خطأ وقع فيه، ولا التشهير بآحاد الناس بصفة عامة، إلا أن يكون فاسقاً مجاهراً بفسقه، مصراً على ذنبه.
ولا يمنعنا ذلك من إسداء النصيحة وإقامة الحجة، بشرط ألا نخلط بين النصيحة والفضيحة، ولا بين إظهار الحق والانتصار للنفس!!!
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو قدوتنا وأسوتنا إذا بلغه عن أحد من أصحابه - رضي الله تعالى عنهم أجمعين – شيئاً يقول: { ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟ وما بال رجال يفعلون كذا }
كما جاء من حديث أنس رضي الله عنه عند مسلم.

ثم أقول بعد ما تقدم بيانه معقباً على ما تفضلت بنشره في هذا المقال بما يلي:
من المعلوم بداهة لدى جميع المشتغلين في مجال الدعوة أن كل مَنْ يدعو إلى شيء يُسمى داعية، ولا يُعدُ نجاحُ أحدٍ من الدعاة في دعوته دليلاً على كونه على الحق.
فانظر مثلاً إلى كثير من الدعاة الذين حذر منهم العلماء قديماً وحديثاً، تجد أعداداً هائلة لا يحصيهم إلا الله تبارك وتعالى يتبعونهم في دعوتهم، وفيهم أصحاب عقول كبيرة، وما عباد البقر منا ببعيد!!!
ولكن الذي يتميز وينفرد به دعاة الحق كونهم ينطلقون من قاعدة متينة ثابتة راسخة لا تتزعزع مطلقاً، وشعارهم في ذلك قول المولى تبارك وتعالى:{ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
وهنا تنتهي الحلقة الأولى، وسيتبع بمشيئة الله تعالى، ونسأل الله جل في علاه أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل وأن يتقبله منا، وأن يلهمنا رشدنا وأن يرزقنا الثبات على الحق والإيمان إلى يوم نلقاه، وأن يتوفانا على الإسلام والسنة وهو راض عنا، إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته