بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قراءة في نقد نصوص العهد القديم عند الإمام ابن حزم-مقال للحسن العباقي (ماجيستير بوحدة "المناظرات الدينية في الفكر الإسلامي". كاتب عام جمعية "الإمام ابن حزم للطلبة الباحثين في مفارنة الأديان بالمغرب )

مصدر المقال : http://www.eiiit.org/article_read.asp?articleID=605

نص المقال :

مقدمة:
لقد كان للنصوص المقدسة أكبر الأثر في توجيه الجماعات البشرية بغض النظر عن مصدر هذه النصوص سواء أكان الهياً أم بشرياً.

والمتأمل في تاريخ الشعب اليهودي في نشاطاته التي جاءت بعد السبي البابلي خاصة؛ يجد أن أغلبها إن – لم تكن كلها – كانت مؤطرة بالنص المقدس، سواء نص العهد القديم أو نص التلمود في مرحاة لاحقة، وبتعبير أكثر دقة يمكن القول أنه كان شديد الحرص على تأصيل سلوكياته تجاه الآخرين؛ تلك السلوكيات التي كان العداء والاحتقار للآخر سمتها الأساسية، وما ذلك إلا ليضفي عليها نوعا من المشروعية. غير أن الحديث عن هذا المستوى من المشروعية يدفعنا لمساءلة النصوص المعتمدة في عملية التأصيل هذه، لنقف على مدى قداستها. تلك القداسة التي تحدد وفقا لقداسة المصدر من جهة، وصحة المضمون من جهة ثانية، الشيء الذي لا يمكن الإجابة عنه إلا اذا أخضعناها – كما كان حال المحدثين مع النصوص الحديثية – الى دراسة نقدية على مستوى السند والمتن.

ومع انه قد اضطلع بهذه المهمة العديد نم العلماء ومن ملل شتى، تبقى دراسة الإمام الجليل أبو محمد علي بن الحزم الظاهري أمتنها على الاطلاق وذلك ف كتابيه "الفصل في الملل و الأهواء والنحل" و" الرد على ابن النغريلة اليهودي"، والكتاب الأول قد جعل من الإمام ابن حزم المؤسس

الحقيقي لعلم مقارنة الأديان كما شهد له بذلك أعداءه قبل محبيه، حيث عرض فيه جملة من العقائد عرضا نقديا وناقشها نقاشا متينا – وإن كان مصحوبا بالكثير من السب والشتم- ومن ذلك مناقشته لنصوص العهد القديم التي اتسمت الى جانب عنفها بإحاطة كبيرة بالموضوع سندا ومتنا.

وإن المطّلع عى ما كتب بعد ابن حزم ليقرر وبكل طمأنينة أن الذين جاءوا بعده كانوا عالة عليه، أو أقل تقدير ساوروا على نفس الدرب الذي سار عليه، فاقتفوا خطواته واتبعوا منهجه في التعامل مع النص. ولم يكن هذا مقتصرا على علماء المسلمين، بل تجاوزهم الى العلماء اليهود كَ " ابن عزرا" الذي ولد يالأندلس وعمر ابن حزم حينها حوالي اربعين سنة والذي قال عنه "سيبونزا" انه اول من تنبه الى الأخطاؤ الواردة في نصوص العهد القدم، إلا أن قضية الأولية هذه لا يمكن التسليم بها لأن ما ذكره ان عزرا ما هو الا غيض من فيض ما فصله ابن حزم.
وان عالما كابن عزرا يتقن اللغة العربية، من المستبعد جدا ان يهمل كتابي ابن حزم السالفي الذكر وهما يوجهان اعنف نقد لأقدس نص عنده. وحتى ان لم يشر اليهما في كتاباته فلا شك انهما تركا اثرا عميقا في نفسه، دفعه الى كتابة تلك الاشارات التي اعتمدها سبينزوا في نقده لنصوص العهد القديم في كتابه "رسالة في اللاهوت والسياسة" الذي قض به مضاجع اليهود في عصره.

وهدفنا من هذه القراءة في نقد نصوص العهد القديم عند ابن حزم ان نبين للقارىء الكريم أيّا كان معتقده، ان تلك النصوص التي يؤصل بها اليهود معتقداتهم واختيارهم –كما هو الشأن في اسطورة شعب الله المختار واسطورة ارض الميعاد – لا ترقي الى المستوى الذي تضفي فيه المشروعية عليها لأنها مجتثة الأصل سندا ومتنا، بالأدلة العلمية الدامغة.

لقد تطرق ابن حزم لليهودية في القسم السادس من كتاب "الفصل" الذي خصصه لأصحاب الملل المنكرة لبعض النبوات وتؤمن ببعضها الآخر، وكانت بداية كلامه عن فرقها التي حددها في خمسة وهي: السامرية والصدوفية والعناينة والربانية والعيسوية وقد اعطى تعريفا مختصرا لكل واحدة منها، وقال بأنهم موافقون لنا في الإقرار بالتوحيد ثم بالنبوة وبآيات الأنبياء عليهم السلام بنزول الكتب من عند الله إلا أنهم فارقوانا في بعض الأنبياء .

وقج تطرق لنقد العهد القديم على المستويين، الأول يتعلق بمحتوى نصوصه، عالجه في ثمانة وخمسين فصلاً وكان هدفه منه بيان ما تحتوي عليه هذه النصوص من كذب وتحريف واضطراب وتناقضات . والثاني يتعلق بدراسة الأحداث التاريخية، وقد اكتفى فيه بفصلين اثنين حاول فيهما بيان استحالة سلامة التوراة في التحريف من ظل ظروف كالتي عاشها بنو اسرائيل ابان القرون التي تلت موسى عليه السلام.

وسوف نلاحظ في تعاملنا مع الموضوع على نفس الخطة التي اتبعها ابن حزم مع الحرص على الاختصار ما امكن فيما يتعلق بفصول المستوى الأول وبالشكل الذي لا نخل فيه بالمقصود.

أولا قراءة ابن حزم النقدية لمحتوى اسفار العهد القديم

بعد ذكر الهدف من هذه الدراسة الذي هو بيان ما في اسفار العهد القديم من كذب على الله والملائكة والانبياء عليهم السلام يلزم ابن حزم نفسه بألا يخرج من الكتب المذكورة (ويقصد بها اسفار التوراة) شيئاً يمكن ان يخرّج على وجه ما وان دقً وبعد، أو كلاما لا يفهم معناه وانما يخرج ما لا حيلة فيه ولا وجه اصلاً إلا الدعاوى الكاذبة التي لا دليل عليها اصلاً لا محتملاً ولا خفياً . وقد خصص الفصل الأول للحديث عن "التوراة السامرية" وترك السبعة والخمسين فصلاً الأخرى للتوراة المقابلة التي تؤمن بها باقي الفرق اليهودية، ولعل سبب هذا التفاوت هو كون التوراة السامرية معتمدة من فرقة واحدة ليست ذات وزن مقارنة مع غيرهالا من فرق اليهود- خاصة الرانيين-. والشيء الذي اثاره هنا هو تبادل التهم بين السامرية من جهة وباقي فرق اليهود من جهة ثانية، وطعن كل منهم في التوراة التي بيد الآخر بالتحريف، ليثبت أن لا مفر من أن تكون التوراة محرفة لاعتبار أول هو تعدد النسخ واختلافها ، ويمكن تقسيم الموضوعات التي عالجها في هذه الفصول الى ثلاثة وهي: "الألوهية والملائكة والنبوة"، لكنها لم تكن متساوية من حيث حظها من التناول، لأن الذي كان يشغل ان حزم هو اخراج ما بدا له كذباً وتحريفاً من التوراة، فكان حظ كل قسم بحسب حظه من التحريف في التوراة نفسها.

1- الألوهية:

وقد تطرق لموضوع الالوهية من جانبين، الأول فيه ما ينسب لله عز وجل قي التوراة من تجسيم وتشبيه ونقص، والثاني خصصه لما احتوته من اخطاء جغرافية وتاريخية وحسابية يستحيل معها ان تكون ذات مصدر الهي، لأن الله قد احاط بكل شيء علماً فلا يقبل البتة تصور الخطأ فيما يلي من عنده.
أ-ما ورد في التوراة من صفات النقص في حق الله عز وجل:

المثال الأول: تعرض ابن حزم لما جاء في سفر التكوين من ان الله خلق آدم كصورته وشبهه فكان رده كالآتي:"لو لم بقل إلا كصورتنا لكان له وجه حسن ومعنى صحيح، وهو ان نضيف الصورة إلى الله تعالى اضافة الملك والخلق كما تقول هذا عمل الله وتقول للقرد... هذه صورة الله أي تصوير الله... لكن قوله كشبهنا منع التأويل وسدّ المخارج وقطع السبل وأوجب شبه آدم لله عز وجل... وحاشى الله أن يكون له مثل أو شبه"

المثال الثاني: تعرضه لما جاء في سفر التكوين أيضاً " وقال الله هذا آدم قد صار كواحد منا في معرفة الخير والشر والآن كي لا يمد يده من شجرة الحاة ويأكل ويحيا الى الدهر فطرده الله من جنات عدن" .

فهذا الكلام في نظر ابن حزم يطعن في التوحيد ويوحي بتعدد الآلهة بل " قد أدى... بكثير من خواص اليهود الى الاعتقاد أن الذي خلق آدم لم يكن إلا خلقاً خلقه الله تعالى قبل آدم وأكل من الشجرة التي أكل منها آدم فعرف الخير والشر ثم أكل من شجرة الحياة فصار الها من جملة الآلهة" .

وهناك فصول أخرى عالج فيها ابن حزم موضوع الألوهية محاولا كشف الحجاب عما احتوته التوراة من تصورات منحرفة عن الذات الإلهية، مما يجعل الإنسان موقناً تماماً بتحريفها.

ب- ما ورد في التوراة من أخطاء يستحيل معها نسبتها الى الله عز وجل:

المثال الأول: وهو مرتبط بعلم الجغرافية، تعرض فيه ابن حزم للنص الآتي من سفر التكوين:

"ونهر يخرج من عدن فسيقي الجنات ثم يفترق فيصير اربعة اسم احدها النيل وهو محيط بجميع بلاد زويلة... واسم الثاني جيحان وهو محيط بجميع بلاد الحبشة واسم ثالث الدجلة وهو السائر شرق الموصل واسم رابع الفرات وأخذ الله آدم ووضعه في جنات عدن"

قال ابن حزم: "في هذا الكلام من الكذب وجوه فاحشة قاطعة بأنها من توليد كذاب مستهزء" ، وهو هنا ينفي تماماً الإلهية عن هذا الكلام ويؤكد بقوله انه لا يمكن ان يصدر الا عم كذاب مستهزء ثم يتمتم قائلا: "أول ذلك اخباره ان هذه الاربعة تفترق من النهر الذي يخرج من جنات عدن التي اسكن الله فيها آدم... وكل من له ادنى معرفة بالهيئة وبنصبه الربع المعمور من الأرض أو مشى الى مصر والشام والموصل يدري ان هذا كله كذب فاضح وان مخرج النيل من عين الجنوب ومصبه قبالة الاسكندرية فأما جيحان فيخرج من بلاد الروم حتى يصب فب البحر الشامي وأما دجلة فمخرجها من أعن بقرب خلاط من عما أرمينية واما الفرات فمخرجه من بلاد الروم على يوم من (قالي) ... فهذه كذبة شنيعة لا مخلص منها والله لا يكذب" .

ومن خلال هذا البيان الدقيق المستوحى من علم ابن حزم الجيد بالجغرافية، يؤكد مرة أخرى شناعة ما احتوته التوراة من الكذب الذي يستحيل ان يصدر عن الله عزّ وجل، وقد استمر بعد هذا في اعطاء معلومات اخرى حول هذه الأنهار خلافا لما جاء في التوراة.

المثال الثاني: سنختار مثالاً يرتبط بعلمي الحساب والتاريخ معاً، ونشير قبل ذلك الى ان ابن حزم قد ساق في هذا الباب أمثلة كثيرة أكّد من خلالها أن الذي ألف التوراة لم يكن له علم بالحساب، منها كلامه عن مدة تعذيب بني اسرائيل ، ومدة بقائهم في مصر ، والفارق الزمني بين الأحداث في التوراة مقارنة مع الإنجيل مرتبطة بالطوفان وأبناء نوح عليه السلام وسوف اقتصر على ما ساقه عن عُمُر سام ابن نوح عند وقوع الطوفان حيث قال: " قال توراتهم ان نوحا لما بلغ خمسمائة سنة ولد له يافت وسام وحام ثم ذكر ان نوحا إذْ بلغ ستمائة سنة كان الطوفان ولسام يومئذ مائة سنة وقال بعد ذلك إن سام لما كان ابن مائة سنة ولد أرفكشاد لسنتين بعد الطوفان" ففي الحساب الأول أن سام لما كان عمره مائة سنة وقع الطوفان، وفي الثاني لما كان عمره مائة سنة كان قد مر على الطوفان سنتين، ونتيجة لهذا الاضطرب قال ابن حزم "وهذا كذب فاحش وتلون سمج وجهل مظلم... حاشى لله من مثله"

وهو هنا ينزه الذات الإلهية عن الكذب والخظأ وينسبهما لمن ألف التوراة.

2- الملائكة:

لم يخصص ابن حزم لموضوع الملائكة فصولا كثيرة، فهو اقل حظاً من الموضوعين الآخرين (الالوهية والنبوة)، ومع ذلك فقد اوضح الصورة التي توجد في التوراة عن الملائكة، الشيء الذي لا يمكن ان يكون كذبا وتحريفا.

المثال الأول: جاء في التوراة "فلما بدأ الناس يكثرون على ظهر الأرض وولد لهم بنات فلما رأى أولاد الله بنات آدم أنهن حسان اتخذوا منهن نساء وكان يدخل بنوا الله بنات آدم ويولد لهم حراما وهم الجبابرة ". وقد علق على هذا الكلام بقوله:"هذا حمق ناهيك به وكذب عظيم إذ لله أولادا ينكحون بنات آدم وهذه مصاهرة تعالى الله عنها – حتى إن بعض اسلافهم قال انما عني بها الملائكة، وهذه كذبة، الا انها دون الكذب في ظاهر اللفظ ، وسواء كان قصد المؤلف اولاد الله او الملائكة فالأمر سيان، ولا يخلو من كذب، اذ كيف يتصور ان يساور الملائكة شهوة كالبشر، وحتى ان حصل هذا فكيف يدخلون ببنات آدم بالحرام؟ ويولد لهم ابناء من حرام!!

هذا بالفعل ما لا يمكن قبوله عن الملائكة الذين يفعلون ما يؤمرون.

المثال الثاني: تعرض ابن حزم لما جاء في سفر التكوين "وتجلى الله لإبراهيم عند بلوطات ممرا وهو جالس عند باب الخباء عند حمي النهار ورفع عينيه ونظر فإذا بثلاثة نفر وقوف أمامه فنظر وركض لاستقبالهم عند باب الخباء وسجد على الارض وقال يا سيدي ان كنت قد وجدت نعمة في عينك فلا تتجاوز عبدك، ليؤخذ قليل من ماء واغسلوا ارجلكم واستندوا تحت الشجرة واقدم لكم كسرة من الخبز تشتد ها قلوبكم وبعد ذلك تمضون... م اخذ لبناً والعجل الذي طبخه ومدها امامهم وبقي واقفا في خدمتهم تحت الشجرة وهم يأكلون" .

علق ابن حزم على هذا بكلام في غاية الرزانة والدقة، ونسف ما فيه من "ضلال" –كما أسماه- سواء في حق الله تعالى او في حق الملائكة، هذا نصه: "في هذا الفصل آيات من البلاء شنيعة نعوذ بالله من قليل الضلال وكثيره، فأول ذلك اخاره ان الله تعالى تجلى لابراهيم وانه رأى الثلاثة هم الله، فهذا هو التتليث بعينه... بل هو اشد... لأنه اخبار بشخوص ثلاثة والنصارى يهربون من التشخيص... قإن كان أولئك الثلاثة ملائكة-وهكذا يقولون- فعليهم في ذلك ايضا فضائح عظيمة وكذب فاحش الوجوه:

أولها: من المحال والكذب ان يخير الله تعالى تجلى له وانما تجلى له ثلاثة من الملائكة.

ثانيها: ان يخاطب اولئك الثلاثة بخطاب الواحد، وهذا ايضا محال.

ثالثها: سجود الى الملائكة، فإنه من الباطل ان يسجد رسول الله عله السلام وخليله لغير الله.

رابعها: خطابه لهم بأنه عبدهم.

خامسها: قوله يؤخذ قليلٌ من الماء ويغسل ارجلكم واقدم كسرة من الخبز تشتدّ بها قلوبكم... فهذا كذب لأن ابراهيم يعلم ان الملائكة لا تشتد قلوبها بكسر الخبز.

سادسها: اخباره انهم اكلوا الخبز والشوى والسمن واللبن.

وحاشى له ان يكون خبرا عن الله تعالى أو الملائكة" وبعد هذا التعليق يحكي ابن حزم القصة كما جاءت في القرآن ليبين شساعة البون بين كلام الله حقا وصدقا وبين ما ينسب اليه زورا وكذبا ، فالملائكة لا تأكل ولا تشرب ولا يصيبها الكلل من فعل أمرت به كي تقعد وتستريح أو تستظل.

3- النبوة:

وهي التي نالت الحظ الأوفر من الفصول السبعة والخمسين المخصصة لنقد التوراة، ولا غرابة في ذلك، فالأنبياء فيها كثر وبكل الألوان والأشكال، ففيها الصادق والكاذب، والمؤمن و المرتد، الزاني والعفيف، البر والفاجر،هذه بعض النماذج التي عالجها:

المثال الأول: جاء في التوراة "وأقام لوط في المغارة هو وابنتاه فقالت الكبرى للصغرى ابونا شيخ ليس في الارض احد يأتينا كسبيل النساء، تعالي نسقي ابانا خمرا ونضاجعه ونستبق منه نسل. فسقتا أباهما خمرا في تلك الليلة فأتت الكبرى فضاجعت اباها ولم يعلم بنومها ولا بقيامها فلما كان من الغد قالت الكبرى للصغرى قد ضاجعت ابي امس تعالي نسقيه الخمر هذه الليلة وضاجعيه هذه الليلة انت ونستبقي من ابينا نسلا فسقتاه تلك الليلة خمرا واتت الصغرى فضاجعته ولم يعلم بنومها ولا بقيامها، وحملت ابنتا لوط من ابيهما فولدت الكبرى (مؤاب) وهو ابو المئابين الى اليوم وولدت الصغرى (ابن عمي) وهو أبو العمونيين الى اليوم" ولا يخفى ما يوجد في هذا الكلام من قبائح وفضائح تقشعر من سماعها جلود المؤمنين العارفين حقوق الأنبياء عليهم السلام كما قال ابن حزم ، ليكم ما ذكر:

أولا: ما ذكر عن بنتي لوط عليه السلام من قولهما:"ليس احد في الأرض يأتينا كسبيل النساء تعالي نسقي ابانا خمرا ونضاجعه ونستبق منه نسلا"، فهذا كلام احمق في غاية الكذب... اترى كان انقطع نسل ولد آدم كله حتى لم يبق في الأرض أحد يضاجعهما!!
فكيف الموضع معروف الى اليوم، ليس بين تلك المغارة... وقرية سكنى ابراهم عليه السلام والا فرسخ واحد لا يزيد.

ثانيا: اطلاق الكذاب... لعنه الله هذه الطومة على الله عز وجل من انه اطلق نبيه ورسوله على هذه الفاحشة العظيمة من وطء ابنتيه واحدة بعد أخرى، فإن فالوا لا ملامة عليه في ذلك لأنه فعل ذلك وهو سكران قلنا فكيف عمل اذا رآهما حاملتين واذ رآهما قد ولدتا... واذ رآهما تربيان أولاد الزنا هذه الفضائح لا بد وتوليد الزنادقة المبالغين في الاستخفاف بالله وبرسله"

فهذا المثال من أمثاله كثيرة تحكي اقبح الافعال واذمها عن الانبياء والرسل، وقد تطرق اليها لبن حزم في كتابه هذا مبيّنا استحالة وصف الأنبياء والمرسلين الذين اصطفاهم الله من بين خلقه واكرمهم بالعصمة بهذه الصفات.

المثال الثاني: عن نبي الله هارون أخو موسى عليهما السلام، فقد جاء في التوراة انه لما ذهب موسى لميقات ربه طلب بنو اسرائيل منه ان يصنع لهم إلها لأنهم لا يعلمون ما جرى لموسى، فأمرهم بجمع أقراط الذهب من آذان نسائهم وبناتهم وابنائهم، وصنع منع عجلا وقال هذا إلهكم الذي أخرجكم من مصر ثم بنى له مذبحا .

علق ابن حزم على هذا بقوله:"هذا الفصل عفا ما قبله وطمّ عليه أن يكون هارون وهو نبي مرسل يتعمد ان يعمل إلها يعبدونه من دون الله عز وجل.. ويبني للعجل مذبحا... إن هذا لعجب! نبي مرسل كافر مشرك!!! يعمل لقومه إلها من دون الله"

وبعد هذا التعجب ينطلق ابن حزم بكلام لاذع في حق كاتب هذه الأكاذيب ومن يؤمن بها قائلاً :" أترى بعد استخفاف النذل الذي عمل لهم هذه الخرافة بالأنبياء عليهم السلام استخفافٌ!! حاشى الله من هذا، أََوتون بعد حمق من يؤمن بأن هذا من عند موسى رسول الله وكليمه عن الله تعالى حمقٌ" ، ثم قام بعرض هذه القصة على نظيراتها في القرآن ليبين الحق من الباطل وينزه النبوة مما لصق من دنايا تجعل من هذه الأمور أكبر دليل من تحريف الكتاب واستحالة نسبته الى موسى عليه السلام.

وخلاصة القول عنده ان المتأمل في محتوى التوراة لا يستطيع بحال من الأحوال ان يسلم بإلهية مصدرها، ولا يساوره شك في أنها مكذوبة، كان الغرض منها تحريف تصورات بني اسرائيل حول الألوهية والملائكة والنبوة، وهذا بالفعل ما حصل. فلا مفهوم الألوهية بقي نقياً من الشوائب ولا مفهوم الملائكة حافظ على ماهيته، ولا مفهوم النبوة نجا من الأباطيل، فغرقت المفاهيم الثلاثة في أثون المادية المقيتة والشهوانية المظلمة والنزوات القاتلة، حتى لم يبق للإله عندهم حرمة ولا للملائكة مكانة ولا للأنبياء احترام.

المثال الثالث: وموضوعه ما جاء في سفر التثنية من قول موسى لقومه: "إن طلع فيكم نبي وادعى أنه رأى رؤيا وأتاكم ما يكون وكان ما زصفه ثم قال لكم بعد ذلك اتبعوا أبناء آلهة الأجناس فلا تسمعوا له" .
قال ابن حزم "فهذا الفصل... تدسيس كاف مبطل للنبوات كلها، لأنه أثبت النبوة بقوله إن طلع فيكم نبي... ثم أمرهم بمعصيته الى اتباع آلهة الأجناس، وهذا تناقض فاحش. ولئن جاز ان يكون نبي يصدق فيما ينذر به يدعو الى الباطل والكفر فلعل صاحب هذه الوصية من أهل هذه الصفة... وهل ها هنا شيء يوجب تصديقه واتباعه ويبينه من الكذابين إلا ما صحح نبوته من المعجزات" .

ويؤكد ابن حزم انه من المستحيل في حق النبي الذي ثبتت نبوته بالمعجزات ان يأمر بالباطل، ومن المستحيل على من ليس بنبي ان تظهر على يده المعجزات، وبالتالي فلا مجال لذلك الكلام المنسوب الى موسى عليه السلام، لأن تصديقه ينفي نبوة موسى الذي لم تعرف نبوته الا بما اتى به من معجزات، وقد ختم الفصول السبعة والخمسين في نقد محتوى التوراة بتعليق دقيق على الفقرات الآتية من سفر التثنية، "فتوفي موسى عبد الله بذلك الموضع في ارض مواب مقابل بيت فغور ولم يعرف آدمي موضع قبره الى اليوم... ولم يخلف موسى في بني اسرائيل نبي مثله ولا يكلمه الله مواجهة" .

وكان تعليقه كما يلي: "هذا آخر توراتهم وتمامها وهذا الفصل شاهد عدل وبرهان تام ودليل قاطع وحجة صادقة في ان توراتهم مبدلة وانها تاريخ مؤلف، كتبه لهم من تحرض بجهله أو تعمد بفكره، وانها غير منزلة من عند الله تعالى؛ إذ لا يمكن ان يكون هذا الفصل منزلا على موسى في حياته وقوله لم يعرف قبره آدمي الى اليوم بيان لما ذكرنا كاف، وانه تاريخ الف بعد دهر طول ولا بد" .

ثم يستطرد قائلا بأن فصلا واحدا منى الفصول التي ذكر موجب لتحريف التوراة، فكيف وهي سبعة وخمسون فصلا قد تجمع الفصل منها سبع كذبات او مناقصات .

ثانيا: حال التوراة عبر التاريخ بني اسرائيل*

ان كان ابن حزم قد تحدث عن تاريخ بني اسرائيل، فلم يكن يهمه منه الا مصير التوراة، حيث
________________________
* لقد ارتأينا تسمية ما بقي كلام ان حزم في موضوع اليهودة في كتاب الفصل بهذا الاسم "حال التوراة عبر تاريخ بني اسرائيل" لما بدا أكثر تعبيرا على ما كتبه ابن حزم من العنوان الذي وضعه المحققان.
يقول "ونصف ان شاء الله تعالى حال كون التوراة عند بني اسرائيل من أول دولتهم إثر موت موسى عليه السلام الى انقراض دولتهم الى رجوعهم الى بيت المقدس الى ان كتبها عزرا الوراق بإجماع من كتبهم واتفاق من علمائهم دون خلاف يوجد... وما اختلفوا فيه... نبهنا عليه ليتيقن كل ذي فهم انها محرفة مبدلة" .

وابن حزم هنا يريد كون التوراة لم تكن لتسلم من التحريف في تاريخ كتاريخ بني اسرائيل، لأنها من جهة لم تكن عند عموم الناس بل كانت عند "الكوهن الأكبر" وكل كتاب يبقى عند فئة بعينها فسلامته من التحريف والتبديل تكون ضعيفة،ومن جهة ثانية لأن تاريخ بني اسرائيل مليء بالحروب والدمار والسبي والحرق الى درجة يستحيل معها بقاء التوراة سالمة، خاصة وأن المعابد هي أول ما كان يتعرض للتخريب والنهب عندهم. ومن جهة ثالثة –هي الأهم- لأن ملوك بني اسرائيل بعد انقسام المملكة كان جلّهم على الكفر، محارب للإيمان ومخرب للمعابد، فلم تكن التوراة لتنجو منهم، وسوف نعرض هذا في جداول زيادة في الوضوح.
1- حال التوراة من موت موسى الى انقسام المملكة:


ولي الأمر مدة ولايه طبيعة حكمه
يوشع بن نون 31 سنة دبر أمرهم في استقامة وألزمهم الدين
فيخاس بن عازار بن هارون الذي كانت معه التوراة. 25 سنة وهو الكوهن الأكبر، كان على الاستقامة والتزام الدين وقد كفروا بعد موته وعبدوا الأوثان جهارا حتى ملكهم ملك صور وصيدا
ملك صور وصيدا 8 أعوام على الكفر
عال بن كنار بن أخي كالب بن يقنه بن يهوذا 40 سنة على الإيمان وبموته كفروا جميعا وعبدوا الأوثان
عقلون ملك ني مؤاب 18 سنة على الكفر
أهوذ بن قرافيل من سبط افرايم وقيل من سبط بنيامين قيل 80 سنة وقيل 55 سنة على الإيمان
سمعان بن غاث بن سبط الآثار 25 سنة على الإيمان وبموته كفروا جميعا وعبدوا الأوثان جهارا.
مراش الكنعني 20 سنة على الكفر.
دبورا (امرأة) من سبط يهوذا 40 سنة على الإيمان وبموتها تخلوا عن الإيمان واتدوا لعبادة الأوثان جميعا.
عويزب وزاب ملك بني مدين 7 سنين على الكفر
جدعون بن بواس من سبط افرايم وقيل سبط منسي. 40 سنة ويقولون إنه كان نبيا على الإيمان وكان له سبعين ابنا ذكرا
أبو ملك بن جدعون 3 سنوات فاسق خبيث السيرة ارتد في عهده جميع بني اسرائيل وكفروا وعبدوا الأوثان مات مقتولا بعد ثلاث سنوات.
مولع بن رقوا من سبط يساخر 25 سنة لم يوجد بيان أكان على الكفر أو الإيمان.
بابين بن جلعاد من سبط منسي 6 سنة على الإيمانى وكان له 32 ولدا ذكرا ولّى كل واحد منهم مدينة وقد ارتد كل بني اسرائيل بعد موته.
بنوا عمون 13 سنة على الكفر.
هيلغ بن جلعاد من سبط منسي 6 سنين كان فاسقا ابن زانية نذر إن ظفر بعدوّه أن يقرب الله أول من يلقاه من منزله فلقي ابنته ولم يكن له ولد غيرها فذبحها
أفصات من سبط يهودا 6 أو 7 سنين على الاستقامة
أيكون من سبط زيلون 10 سنين لا يوجد بيان لطبيعة حكمه
عبدون بن هلال من سبط افرايم 8 سنين على الإيمان وارتد بنو اسرائيل بعده وعبدوا الأوثان جهارا.
الفلسطنيون والكنعانيون وغيرهم 40 سنين على الكفر.
شمشون بن مانوح من سبط داني 20 سنين كان مشهوا بالفسق واتباع الزواني أسر ومات.
دبر نو اسرائيل بعضهم بعضا 40 سنة في سلامة وإيمان بلا رئيس يجمعهم.
الكاهن الهاروني 20 سنة على الإيمان.
شموال بن فتان النبي من سبط افرايم قيل 20 وقيل 40 سنة على الإيمان وكان له ابنان يظلمان الناس فرغبوا الى شموال ان يجعل لهم ملكا فولى عليهم شاول الدباغ (طالوت)
شاول من سبط بنيامين (طالوت) 20 سنة وهو أول ملك كان لهم ويصفونه بالنبوة والفسق والظلم والمعاصي معا.
داود عله السلام 40 سنة وقج تولى بعد مقتل شاول (طالوت) وهم ينسبون له الزنا بأم سليمان عليه السلام وأنها ولدت منه من الزنا ابنا مات قبل ولادة سليمان.
سليمان عليه السلام 40 سنة وهو باني الهيكل وقد تفرق أمر بني اسرائيل بعد موته.

وقد علق ابن حزم على هذا التاريخ بقوله "فاعلموا الآن أنه من وقت دخلوا الأرض المقدية إثر موت موسى عليه السلام الى ولاية أول ملك لهم وهو شاول المذكور، سبع ردات فارقوا فيها الإيمان واعلنوا عبادة الأصنام (بين ثمانية اعوام واربعين نة في ك ردة) فتأملوا اي كتاب يبقى مع تمادي الكفر ورفض الإمان هذه المدد الطوال، ليس على دينهم واتباع كتابهم أحد على ظهر الأرض غيرهم" .

وابن حزم هنا ينكر سلامة التوراة مع تلك الفترات الطوال من الكفر التي يقر فيها كاتب التوراة أن الجميع يكفر ولا يبقى واحد على الإيمان، بل يجاهرون بعبادة الأصنام.

أما الفترة التي تفصل مقتل شاول عن انقسام المملكة فليست بالكبية وهي تضم فترة حكم داود ثم ابنه سليمان عليهما السلام، وبعد وفاة هذا الأخير انقسمت المملكة الى قسمين، مملكة يهوذا وتضم سبطي يهوذا وبنيامين ومملكة اسرائيل وتضم باقي الأسباط العشرة .




2- حال التوراة في مملكة "يهوذا" من بدايتها الى نهايتها:

وهي التي تضم ني يهوذا وبني بنيامين لبني سليمان، وقد عرفت عشرين ملكاً، كان معظمهم على الكفر وعبادة الأوثان، خلاصة تاريخهم في الجدول التالي:

الاسم مدة الحكم طبيعة الحكم ومعلومات إضافية
رحبعان بن سليمان 17 سنة كان على كفر
أبيا بن رحبعام 6 أعوام كان على كفر
أنشا بن ابيا 41 سنة كان على الإيمان
يهوشفاط بن اشا 25 سنة كان على الإيمان
يهورام بن يهوشفاط 8 أعوام لا يوجد بيان لطبيعة حكمه
أحزياهو بن يهورايم سنة واحدة على الكفر وقد مات مقتولا
أمه "عثلياهو" 6 أعوام بنت عمرى ملك العشرة أسباط كانت على الفسق وإشاعة الزنا ثم قتلت.
حفيدها يؤاش بن أحزياهو 40 سنة على الكفر وهو قاتل أحد أنبيائهم بالحجارة وقد مات مقتولا.
أمصياهو بن يؤاش 29 سنة كان على الكفر ثم قتل وفي أيامه انتهب ملك الأسباط العشرة بيت المقدس مرتين
عزياهو بن امصياهو 52 سنة على الكفر وهو قاتل النبي "عاموص".
يوشام بن عزياهو 16 سنة لا يوجد بيان لطبيعة حكمه
أحاز ين يوشام 16 سنة على الكفر
حزقيا بن أحاز 29 سنة أظهر الإيمان وفي السنة السابعة من حكمه انقطع ملك الأسباط العشرة على يد ملك "الموصل" سليمان بن عسير فسابهم ونقلهم إلى آمد ونقل أهل آمد إلى موضوعهم.
منسى بن حزقيا 55 سنة أظهر الكفر في السنة الثالثة من ولايته وهو قاتل إشعيا النبي نشاً بالمنشار من رأسه إلى المخرج وقيل بالحجارة والحرق.
آمون بن منسى سنتين على الكفر.
يوسيا بن آمون - اعلن الإيمان في السنة الثالثة من ولايته الى أن قتله ملك مصر.
يهويحوز بن يوشيا ثلاثة أشهر على الكفر أسره ملك مصر وولى مكانه يهوياقيم أخوه.
يوهويقيام بن يوشيا 11 سنة على الكفر قطع الدين فيها وأخذ التوراة من الهارونيين فأحرقها بالنار وقطع أثرها.
يهوياكين بن يهوياقيم ثلاثة أشهر لقبه "نيخيا" كان على الكفر الى ان أسره بختنصر فولى مكانه عمه.
متنيا بن يوشيا لقبه "صدقيا" 11 سنة كان على الكفر إلى أن اسره بختنصر وهدم البيت والمدينة واستأصل جميع بني اسرائيل وبني سليمان جملة.

علق ابن حزم على ما سبق بقوله: "فاعلموا الآن أن التوراة لم تكن من أول دولتهم الى انقضائها إلا عند الهاروني الكوهن الأكبر وحده في الهيكل فقط" وقد أشار الى أن فتة ملكهم التي دامت حوالي أربعمائة سنة، حكمهم فيها تسعة عشر ملكا وامرأة هي تمام العشرين كانوا كلهم على الكفر حاشى خمة منهم كانوا على الإيمان. وقد وصلت المدة الفاصلة بين قترة الإيمان والكفر الى أكثر من مائة وستين عاما في احدى المرات، كلها في عبادة الأوثان وقتل الأنبياء، واستمر حالهم كذلك الى أن سباهم بختنصر وهدم البيت واستأصل أثره ولم تكن التوراة عند أحد إلا فيه، فكيف تسلم عبر هذه القرون الطويلة وهي في الهيكل الذي كانت الغارات لا تغفل عنه ولا تترك فيه شيء!

3- حال التوراة في مملكة "اسرائيل" من بدايتها إلى نهايتها:

وقد ضمت هذه المملكة الأسباط العشرة، أما ملوكهم "فلم يكن فيهم مؤمن قط، ولا واحد فما فوق، بل كانوا كلهم معلنين عبادة الأوثان، مخيفين للأنبياء مانعينالقصد الى بيت المقدس ولم يكن فيهم نبي قط الا مقتولا أو هاربا مخافا" ونجمل حال ملوكهم في الجدول الآتي:

الاسم مدة الحكم طبيعة الحكم ومعلومات إضافية
برعام بن ناباط 24 سنة (إفرايمي) كان على الكفر
ناداب بن يرعام سنتين ثم قتل هو وجميع اهل بيته كان على الكفر
بعشاين إيلا 24 سنة من بني يساخر بن ليئة كان على الكفر
إيلا بن بعاشين سنتين قتله رجل من قواده "زمرى" كان على الكفر
زمرى (القاتل) قتل وأحرق في داره
اختلاف حول "تبنى بن جينة"و"عمرى" 12 سنة وبعد 12 سنة توفي "تبنى بن جينة" فولي" عمرى"
عمرى 8 أعوام على الكفر وعبادة الأوثان
آحاب بن عمرى 21 سنة أشد ما يكون في الكفر وكان يريد قتل "الياس" النبي الذي هرب منه (امرأته بنت ملك صيدا)
أحزيا بن آحاب 3 أعوام كان على الكفر وعبادة الاوثان
أخوه يهورام بن آحاب 12 سنة كان على الكفر وقتل جميع أهل بيته في أيامه كان إليسع النبي
ياهو بن نمشى 28 سنة من سبط "منيى" أقل السابقين كفراً ولم يظهر الإيمان، هدم الهياكل وقتل الدنه ولم يحرم الأوثان
يهوياحان بن باهو 17 سنة بنى بيوت الأوثان وفي أيامه ضعف أمر الأسباط العشرة لأن ملك دمشق غلب عليهم وقتلهم إلا قلة
يؤاش بن يهوياحان 16 سنة على الكفر، غزا بيت المقدس وأخذ كل ما فيه وهدم من سور المدينة 400 ذراع وهرب عنه ملك يهوذا
ياربعام بن يؤاش 45 سنة على مثل كفر أبيه غزا أيضا بيت المقدس وقتل ملكها الداودي
زخريا بن ياربعام 6 أشهر على الكفر الى أن قتل وجميع أهله.
شالوم بن نامس شهر واحد من سبط نفتالي بن بلهة أمة راحيل وكان على الكفر ثم قتل
مياخيم بن قارا 20 سنة من سبط يساخر بن ليئة كان على الكفر ومات.
محيا بن مياخيم سنتين على الكفر وعبادة الأوثان قتل هو وجمع أهله.
ناجح بن مليا 28 سنة من سبط دان بن "بلهة" أمة "راحيل" كان على الكفر الى ان قتل وجميع اهل بيته وفي أيامه أجلى "تباشر" ملك الجزيرة بني رؤوبين وبني "جاد" ونصف سبط "منسى" من بلادهم "العور" وحملهم الى بلاده وأسكن بلادهم قوماً من بلاده.
هوشع بن أيلا وهو آخر ملوك الأسباط العشرة 7 سنين من سبط جاد كان على الكفر الى أن أسره سليمان بن الأعسر ملك الموصل وحمله تسعة أسباط ونصف سبط منسى الى بلاده أسرى وأسكن بلادهم قوما من بلده وهم السامرية الى اليوم.

يتبين من خلال هذه الجداول التي تلخص لنا حال أوليائهم وملوكهم منذ موت موسى عليه السلام الى سبي البابلي، أن اغلبهم كانوا على الكفر، مجاهرين بعبادة الأوثان، متبعين للشهوات والملذات، وذلك بشهادة الكتاب المقدس نفسه، بل إن التوراة خلال هذه القرون الطويلة لم تكن متداولة بل كانت دائما بيد الكوهن الأكبر، الى أن أقيم الهيكل فوضعت فيه ولم تكن عند أحد، أضف الى ذلك أن كل الغارات التي كانت تصيبهم كانت تفرغ الهيكل من كل ما فيه، هذا وفد تعرضت التوراة للتمزيق والإحراق غير ما مرة، فكيف يدعي مدع بنجاتها من كل هذا ووصولها سالمة!!!

"إنها من إملاء عزرا الوراق الهاروني وهم مقرون أنه وجدها عندهم وفيها خلل كبير فأصلحه!!.. وكانت كتابته لها بعد سبعين سنة من خراب البيت، وكتبهم تدل على أنه لم يكتبها ولم يصلحها إلا بعد نحو أربعين سنة من رجوعهم الى البيت بعد سبعين عاما السالفة الذكر، ولم يكن فيهم حينئذ نبي أصلا، ومن ذلك الوقت انتشرت التوراة ونسخت وظهرت ظهورا ضعيفا ولم تزل تتداول الى أن جعل "انطاكيوس" الملك وثنا للعبادة في بيت المقدس، وأخذ بني اسرائيل بعبادته ثم تولى أمرهم في كل قرية وذلك بعد هلاك دولتهم بأزيد من أربعمائة سنة.. ثم إن في التوراة التي ترجمها السبعون شيخا لبطليموس الملك بعد ظهور التوراة مخالفة للتي كتبها عزرا" فلا سبيل إذاً للقول بنجاة التوراة!

خاتمة:

لقد تناول ابن حزم لنصوص العهد القديم بالدراسة والنقد نقطة من أهم نقط مشوعه النقدي للديانات المخالفة للإسلام،هذا المشروع الذي عنونه ب "الفصل في الملل والأهواء النحل" وصاغه صياغة منهجية دقيقة استعصى فهمها غلى الكثيرين ممن تناولوا مشروعه بالدراسة، وما تلك النماذج الي قدمنا في قراءتنا هذه إلا غيضٌ من فيض ما أتى به من أدلة دامغة لا تدع مجالا للشك في النتيجة المتوصل اليها والقائلة بتحريف نصوص العهد القديم المتداول بين الناس وعدم نسبتها الى من نسبت اليهم، بل بالتأكيد على أنها مجرد كاتب تاريخي دوّن فيه "عزرا الوراق" تاريخ بني اسرائيل حسب ما توفر لديه من معلومات.

وللوصول الى هذه النتيجة استعمل ابن حزم منهجين اثنين، فاعتمد المنهج الفيلولوجي أثناء تعرضه لنقد مضامين نصوص العهد القديم وعرض بعضها على بعض، والمنهج التاريخي لبيان استحالة سلامة التوراة من التحريف في تاريخ بني اسرائيل الذي كانت سمته الأساسية هي الكفر والردة والحروب والفتن، منذ عهد موسى عليه السلام والى عهد بطليموس الذي ترجم له السبعون شيخا التوراة. وقد ركز في المستوى الأول على الأسفار الخمسة المنسوبة الى موسى عليه اللام وكذا الأسفار المنسوبة الى أنبيائهم ليؤكد بطان هذا الادعاء، وركز في المستوى الثاني على ما جاء في الأسفار الأخرى وخاصة أسفار القضاة الأول والثاني والملوك الأول والثاني من أحداث تاريخية، ليصل في النهاية الى أن هذه الأخيرة هي خير دليل على ضياع التوراة الأصلية وتعرضها للتحريف والتبديل، كما تعرضت للحرق والتمزيق.

أفلا يدفعنا كل هذا للتساؤل عن أولى الأمم بالارتباط بنصها المقدس وجعله أصلا لمعتقداتها وإطا لسلوكياتها؟ أيعقل أن يتشبث غيرنا بما عندهم من نصوص مع عظيم علتها، فيحكمونها في كل صغيرة وكبيرة؟ ونجعل نحن كتاب الهدى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وراء ظهورنا!