شـبهة جديدة


فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (القصص 29 - 30)

إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى (طه 10-12)

إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (النمل 8-9)


بحسب رواية القصص قال موسى "لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار"

بحسب رواية طه قال موسى "لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى"

بحسب رواية النمل قال موسى "سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس"


أين الحقيقة ؟

أولا:

ما الذي قاله موسى ؟

هل قال "لعلي آتيكم" ، أم قال "سآتيكم" ؟

"لعلي آتيكم" يعني أن موسى لا يدري ويقول ربما آتيكم.

أما "سآتيكم" يعني أن موسى متأكد ويجزم ويعد أنه سيأتيهم.


ثانيا:

ما الذي سيأتي به موسى ؟

بحسب رواية القصص: بخبر أو جذوة من نار

بحسب رواية طه: بقبس أو يجد على النار هدى

بحسب رواية النمل: بخبر أو بشهاب قبس

أين الحقيقة ؟

ما هذا التحريف ؟


ثالثا:

ما الذي قاله الله لموسى ؟

رواية القصص تقول أن الله قال لموسى "إني أنا الله رب العالمين"

أما رواية طه تقول أن الله قال "يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى"

بينما رواية النمل تقول أن الله قال لموسى "بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين".

أين الحقيقة ؟


رابعا:

هل قال الله لموسى اخلع نعليك أم لم يقل ؟

رواية طه تقول نعم قال له اخلع نعليك ، بينما رواية القصص و النمل لم تذكر أن الله قال لموسى اخلع نعليك.



خامسا:

من أين نودي موسى ؟

رواية القصص حددت من أين نودي موسى (من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة)

رواية طه تقول (إنك بالوادي المقدس طوى) ، ولا يذكر الشجرة

رواية النمل لا تذكر من أين نودي البتة ، بل مجرد تقول "نودي".

أين الحقيقة ؟

ما هذا التحريف ؟

انتهت الشبهة





الرد على الشبهة



(إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى "10")


نلاحظ هنا أن السياق لم يذكر قصة موسى من أولها لما قال تعالى:

{وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه .. "7"}
(سورة القصص)

ثم خروجه من المدينة خائفاً وذهابه إلى شعيب .. الخ ، وإنما قصد إلى مناط الأمر، وهي الرسالة مباشرة . وقول الحق سبحانه وتعالى :

{ إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى "10"}
(سورة طه)

آنست : أي أبصرت ، وشعرت بشيء يستأنس به ويفرح به ويطمأن إليه، ومقابلها (توجست) للشر الذي يخاف منه كما في قوله:

{ فأوجس في نفسه خيفة موسى "67"}
(سورة طه)

(لعلى) رجاء أن أجد فيها القبس ، وهو شعلة النار التي تتخذ من النار إن أدركت النار وهي ذات لهب ، فتأخذ منها عوداً مشتعلاً مثل الشمعة .

وفي سياق آخر قال

فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (القصص 29 - 30)

(جذوة) وهي النار حينما ينطفئ لهبها ويبقى منها جمرات يمن أن تشعل منها النار.

وفي موضع آخر قال:

قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (النمل)

سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبسٍ ..


وهذه كلها صور متعددة، وحالات للنار، ليس فيها تعارض كما يحلو للبعض أن يقول: فموسى عليه السلام حينما قال:

{لعلي آتيكم .. "10"}
(سورة طه)

يرجو أن يجد القبس، لكن لا يدري حال النار عندما يأتيها، أتكون قبساً أم جذوة؟

وقد طلب موسى ـ عليه السلام ـ القبس لأهله؛ لأنهم كانوا ليلة مطيرة شديدة البرد، وهم غرباء لا يعلمون شيئاً عن المكان، فهو غير مطروق لهم فيسيرون لا يعرفون لهم اتجاهاً، فماذا يفعل موسى عليه السلام ومعه زوجته وولده الصغير وخادمه؟
إنهم في أمس الحاجة للنار ، إما للتدفئة في هذا الجو القارس وإما لطلب هداية الطريق ، لذلك قال :

{ أو أجد على النار هدى "10"}

أي: هادياً يدلنا على الطريق . وفي موضع آخر قال:

{لعلي آتيكم منها بخيرٍ .. "29"}
(سورة القصص)

لذلك لما أبصر موسى عليه السلام النار أسرع إليها بعد أن طمأن أهله:

{امكثوا إني آنست نارا .. "10"}
(سورة طه)

وهذه المسألة من قصة موسى كانت مثار تشكيك من خصوم الإسلام ، حيث وجدوا سياقات مختلفة لقصة واحدة، فمرة يقول:

{امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم .. "10"}
(سورة طه)

وفي موضع آخر يقول:

{ لعلي آتيكم منها بخيرٍ .. "29"}
(سورة القصص)

ومرة يقول: (قبس) وأخرى يقول (بشهاب قبس) ومرة (بجذوة)

ومرة يقول:

{ أو أجد على النار هدى "10"}
(سورة طه)

ومرة يقول:

{ لعلي آتيكم منها بخيرٍ .. "29"}
(سورة القصص)

والمتأمل في الموقف الذي يعيشه الآن موسى وامرأته وولده الصغير وخادمه في هذا المكان المنقطع وقد اكفهر عليهم الجو، يجد اختلاف السياق هنا أمراً طبيعياً، فكل منهم يستقبل الخبر من موسى بشكل خاص، فلما رأى النار وأخبرهم بها أراد أن يطمئنهم فقال:

{سآتيكم .. "7"}
(سورة النمل)

فلما رآهم متعلقين يقولون : لا تتركنا في هذا المكان قال:

{امكثوا .. "10"}
(سورة طه)

وربما قال هذه لزوجه وولده وقال هذا لخادمه. فلابد أنهم راجعوه . فاختلفت الأقوال حول الموقف الواحد .

كذلك في قوله: قبس أو جذوة لأنه حين قال:

{لعلي آتيكم .. "10"}
(سورة طه)

يرجو أن يجد هناك القبس ، لكن لعله يذهب فيجد النار جذوة . وفي مرة أخرى يجزم فيقول:

{سآتيكم .. "7"}
(سورة النمل)

إذن: هي لقطات مختلفة تكون نسيج القصة الكاملة، وتعددت الكلمات لأن الموقف قابل للمراجعة، ولا ينتهي بكلمة واحدة .

والسؤال الخاص بـ ما الذي قاله الله لموسى ؟

لنرى قمة التدليس والجبن والقذارة في طرح الآيات ... لأن مـُدعي الشبهة لم يذكر إلا ما يريد أن يذكره فقط ... ليضل الببغوات الذين يترددوا على موقعه لنسخ الشبهات منه وتوجيهها للمسلمين بكل جهالة .

تعالوا نرى ما جاء بسورة طه .. والنمل .. والقصص .. لنرى :

1) طه

فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى - إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى - وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى - إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي

2) النَّمْل

إِذْ قَالَ مُوسَى لأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيْكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ - فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ - يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ العَزِيزُ الحَكِيمُ

3) القَصَص

فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الوَادِي الأَيمَنِ فِي البُقْعَةِ المُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَّا مُوْسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ


كان موسى قد اشتاق إلى بلاده وأهله, فعزم على زيارتهم في خفية من فرعون وقومه, فتحمل بأهله وما كان معه من الغنم التي وهبها له صهره, فسلك بهم في ليلة مطيرة مظلمة باردة, فنزل منزلاً, فجعل كلما أورى زنده لا يضيء شيئاً, فتعجب من ذلك, فبينما هو كذلك "آنس من جانب الطور ناراً" أي رأى ناراً تضيء على بُعد تتأجج وتضطرم "فقال لأهله امكثوا إني آنست ناراً" أي حتى أذهب إليها "لعلي آتيكم منها بخبر" " أي من يهديني الطريق " وذلك لأنه قد أضل الطريق "أو جذوة من النار" أي قطعة منها "لعلكم تصطلون" أي تستدفئون بها من البرد, قال الله تعالى: " فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن " أي من جانب الوادي مما يلي الجبل عن يمينه من ناحية الغرب, كما قال تعالى: "وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر" فهذا مما يرشد إلى أن موسى قصد النار إلى جهة القبلة, والجبل الغربي عن يمينه, والنار وجدها تضطرم في شجرة خضراء في لحف الجبل مما يلي الوادي, فوقف باهتاً في أمرها, فناداه ربه " من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة ".

وربنا الهادي

اللهم تقبل منا صالح الأعمال
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته