السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اعلم أنه إذا حق دخول النار على طوائف من المؤمنين فإن الله تعالى بفضله يقبل فيهم شفاعة الأنبياء والصديقين ، بل شفاعة العلماء والصالحين ، وكل من له عند الله تعالى جاه وحسن معاملة فإن له شفاعة في أهله وقرابته وأصدقائه ومعارفه ، فكن حريصاً على أن تكتسب لنفسك عندهم رتبة الشفاعة.

وذلك بأن:

1- لا تحقر آدمياً أصلاً فإن الله تعالى خبأ ولايته في عباده فلعل الذي تزدريه عينك هو ولي الله.

2- ولا تستصغر معصية أصلاً فإن الله تعالى خبأ غضبه في معاصيه فلعل مقت الله فيه.

3- ولا تستحقر أصلاً طاعة فإن الله تعالى خبأ رضاه في طاعته فلعل رضاه فيه. ولو الكلمة الطيبة أو النية الحسنة أو ما يجري مجراه.

وشواهد الشفاعة في القرآن والأخبار كثيرة:

قال الله تعالى:

( ولسوف يعطيك ربك فترضى ).

روى عمرو بن العاص:

( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قول إبراهيم عليه السلام:

( رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم )

وقول عيسى عليه السلام:

( إن تعذبهم فإنهم عبادك )

ثم رفع يديه وقال:

" أمتي أمتي "

ثم بكى فقال الله عز وجل:

يا جبريل اذهب إلى محمد فسله ما يبكيك ، فأتاه جبريل فسأله فأخبره - والله أعلم به - فقال: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك ).

وقال صلى الله عليه وسلم:

" أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ، وجعلت لي الأرض مسجداً وترابها طهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأعطيت الشفاعة ، وكل نبي بعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة".

وقال صلى الله عليه وسلم:

" إذا كان يوم القيامة كنت إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم من غير فخر ".

وقال صلى الله عليه وسلم:

" أنا سيد ولد آدم ولا فخر وأنا أول من تنشق الأرض عنه وأنا أول شافع وأول مشفع بيدي لواء الحمد تحته آدم فمن دونه".

وقال صلى الله عليه وسلم:

" لكل نبي دعوة مستجابة فأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة".

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" ينصب للأنبياء منابر من ذهب فيجلسون عليها ، ويبقى منبري لا أجلس عليه قائماً بين يدي ربي منتصباً مخافة أن يبعث بي إلى الجنة وتبقى أمتي بعدي ، فأقول: يا رب أمتي ، فيقول الله عز وجل: يا محمد وما تريد أن أصنع بأمتك ، فأقول: يا رب عجل حسابهم فما أزال أشفع حتى أعطي صكاكاً برجال قد بعث بهم إلى النار وحتى إن مالكاً خازن النار يقول: يا محمد ما تركت للنار لغضب ربك في أمتك من بقية ".

وقال صلى الله تعالى عليه وسلم:

" إني لأشفع يوم القيامة لأكثر مما على وجه الأرض من حجر ومدر".

وقال أبو هريرة:

( أتي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهش منها نهشة ثم قال:

" أنا سيد المرسلين يوم القيامة ، وهل تدرون مم ذلك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس فبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون ، فيقول الناس بعضهم لبعض: ألا ترون ما قد بلغكم ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: عليكم بآدم عليه السلام فيأتون آدم فيقولون له: أنت أبو البشر خلقك الله تعالى بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم آدم عليه السلام: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله وإنه قد نهاني عن الشجرة فعصيته ، نفسي نفسي! اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح ، فيأتون نوحاً عليه السلام فيقولون: يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض وقد سماك الله عبداً شكوراً اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه؟ فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله ، وإنه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي ، نفسي نفسي! اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم خليل الله ، فيأتون إبراهيم خليل الله عليه السلام فيقولون: أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه؟ فيقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله وإني كذبت ثلاث كذبات ويذكرها ، نفسي نفسي! اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى ، فيأتون موسى عليه السلام فيقولون: يا موسى أنت رسول الله فضلك برسالته وبكلامه على الناس اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه؟ فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ، وإني قتلت نفساً لم أؤمر بقتلها ، نفسي نفسي! اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى عليه السلام ، فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وكلمت الناس في المهد اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه؟ فيقول عيسى عليه السلام: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله ولم يذكر ذنباً ، نفسي نفسي! اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، فيأتوني فيقولون: يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وخاتم النبيين وغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه؟ فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجداً لربي ، ثم يفتح الله لي من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد قبلي ، ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك سل تعط واشفع تشفع ، فأرفع رأسي فأقول: أمتي أمتي يا رب ، فيقال: يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب " ثم قال: " والذي نفسي بيده إن بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وحمير أو كما بين مكة وبصرى" ).

( وفي حديث آخر: هذا السياق بعينه مع ذكر خطايا إبراهيم ، وهو قوله في الكواكب: هذا ربي ، وقوله لآلهتهم: بل فعله كبيرهم هذا ، وقوله: لإني سقيم.)

فهذه شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولآحاد أمته من العلماء والصالحين شفاعة أيضاً حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر".

وقال صلى الله عليه وسلم:

" يقال للرجل: قم يا فلان فاشفع فيقوم الرجل فيشفع للقبيلة ولأهل البيت وللرجل والرجلين على قدر عمله".

وقال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" إن رجلاً من أهل الجنة يشرف يوم القيامة على أهل النار فيناديه رجل من أهل النار ويقول: يا فلان هل تعرفني؟ فيقول: لا والله ما أعرفك من أنت؟ فيقول: أنا الذي مررت بي في الدنيا فاستسقيتني شربة ماء فسقيتك ، قال: قد عرفت ، قال: فاشفع لي بها عند ربك! فيسأل الله تعالى ذكره ، ويقول: إني أشرفت على أهل النار فناداني رجل من أهلها فقال: هل تعرفني؟ فقلت: لا من أنت؟ فقال: أنا الذي استسقيتني في الدنيا فسقيتك فاشفع لي عند ربك فشفعني فيه ، فيشفعه الله فيه فيؤمر به فيخرج من النار".

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم فقال بعضهم:

عجباً إن الله عز وجل اتخذ من خلقه خليلاً اتخذ إبراهيم خليلاً! وقال آخر: ماذا بأعجب من كلام موسى كلمه تكليماً! وقال آخر: فعيسى كلمة الله وروحه! وقال آخر: آدم اصطفاه الله ، فخرج عليهم صلى الله عليه وسلم وقال:

" قد سمعت كلامكم وتعجبكم إن إبراهيم خليل الله وهو كذلك وموسى نجي الله وهو كذلك وعيسى روح الله وكلمته وهو كذلك وآدم اصطفاه الله تعالى وهو كذلك ، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لي فأدخلهما ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر، وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر".

اللهم إجعلنا مما يشفع لهم رسول الله صلي الله عليه وسلم ، آمين.

( منقول بتصرف )