سبحانك اللهم وبحمدك ... أشهد أن لا إلاه إلا أنت ... أستغفرك وأتوب إليك
لمن تدق الأجراس؟!
بقلم أحمد الصاوى ٢٤/٣/٢٠٠٨اخترع عدد من فقهاء القانون و«ترزيته» في هذا العصر، مصطلح المواد «فوق الدستورية»، وهي المواد التي لا يجوز الطعن عليها أو إثارة الشبهات الدستورية حولها، حتي لو بدت متناقضة ومتنافرة ومختلفة تمام الاختلاف مع روح الدستور وفلسفته.. وأحياناً نصوصه الواضحة. ورسخت ممارسات بعض المؤسسات الكبيرة في مصر مصطلح «فوق القانون»، وهو ترجمة لممارسات فعلية تقوم بها هذه المؤسسات، التي تبني مواقفها علي الضرب بالقانون عرض الحائط، وبالأحكام القضائية كذلك، تعتبرها حبراً علي ورق، لا يمكن تنفيذها، طالما جاءت غير متوافقة مع مواقفها.
تذكر كل ذلك وأنت تتابع موقف الكنيسة المصرية من أزمة الزواج الثاني للمطلق، حكم نهائي وملزم من المحكمة الإدارية العليا، بحق المسيحي المطلق في الحصول علي تصريح بالزواج الثاني. الأزمة ليست في الحكم، ولا في الجدل اللاهوتي حول القضية، وليست محاولة نقدية لنصوص «مقدسة» في العقيدة الأرثوذكسية، الأزمة والخطر الحقيقي في رد فعل قطاع عريض من المسيحيين الأرثوذكس في مصر، تقودهم الكنيسة الأم برأسها وقياداتها، والذي لم يكتف بالتحفظ، وإنما امتد إلي التعليق علي الحكم، وفي بعض الأحيان التقليل من أهميته باستهزاء، والتصريح بأنه مجرد حبر علي ورق.. وبالبلدي من يريد الاعتداد به «يبله ويشرب ميته».
يكفي أن تقرأ تصريحات لقيادات كنسية تقول جملاً صادمة مثل: «الكنيسة لن تعقد أي زواج بناء علي هذا الحكم.. واللي عاوز ينفذ الحكم يروح الشهر العقاري». ولابد أنك عرفت أن هذا الرد الكنسي العنيف، أخرج قضاة مجلس الدولة الموقرين عن صمتهم وهدوئهم ودخلوا في هذا الجدل «القانوني _ اللاهوتي»، حتي إنهم أصدروا بيانا أكدوا فيه أن الرئيس الديني في شريعة الأقباط الأرثوذكس، لا يجوز له مباشرة اختصاصاته بمنأي عن أي قواعد تنص عليها هذه الشريعة، وأن ممارسته هذه السلطة تخضع لرقابة القضاء، لبيان ما إذا كان هذا الرئيس الديني محقا في امتناعه عن إعطاء هذا الترخيص بالزواج، أم أنه تجاوز سلطاته المنوطة به، ولا يعد ذلك تدخلا من القضاء في الشأن الديني، وإنما هو إعلاء لهذا الشأن، لتحقيق مقاصد وأهداف الشريعة، وإيجاد الموازنة بين قرارات القائمين علي الشأن الديني وحقوق المواطنين، التي حماها الدستور دون تجاوز لها.
إذن فالحكم القضائي لم يصدر لتفسير نصوص دينية أو التدخل فيها، وإنما جاء تدخلاً في قرارات القائمين علي الشأن الديني.. والفارق كبير بين العقيدة في أصلها، والقيادة الدينية التي تقوم علي هذه العقيدة، لكننا نحاول في مصر دائماً أن نمنح القيادات الدينية قداسات مستمدة من قدسية العقيدة ذاتها، فيبدو وكأن هناك توحداً بين الرموز الدينية والعقائد، فيظهر انتقاد الرمز الديني كأنه كفر، والتعليق علي فتاواه وعظاته، وكأنه هرطقة، ولهذا جاء حكم الإدارية، ليؤكد من جديد أن القيادات الدينية بشكل عام، ليسوا شأناً مقدساً ــ مع كل التقدير ــ ويخضعون مثل غيرهم لرقابة القانون والقضاء.
لكن حكم الإدارية في شأن المطلق المسيحي وحقه في الزواج الثاني، لم يكن الناقوس الوحيد، الذي دق هذا الأسبوع، فيما يخص وضع الكنيسة المتفرد والمغرد وحيداً خارج الدولة وقوانينها ونظامها العام، فلابد أنك قرأت أيضاً الأسبوع الماضي خبراً، يقول: «إن كنائس المنصورة تحتج علي تجاهل الوطني ترشيحاتها في المحليات».. ببساطة قال الأنبا داوود، مطران الكنائس الأرثوذكسية في المنصورة لــ«المصري اليوم»، إنه مستاء من تجاهل الحزب الوطني في الدقهلية ترشيحات الكنيسة، التي رشحت ٥ من أبنائها لخوض انتخابات المحليات، بناء علي طلب أمين الحزب في المحافظة. وقال داوود إن مصطفي عقل، أمين الحزب، طلب من الكنيسة ذلك، وأضاف: «فوجئت عقب إعلان ترشيحات الحزب بأن (عقل) تجاهل ترشيحات الكنيسة، واكتفي بترشيح ٤ من الأقباط، بينهم ٣ فقط من كشف الكنيسة، دون الرجوع إلينا في أولوية الترشيح، ودون احترام ترشيحات الكنيسة».
لا يحتاج الخبر كما تري إلي تعليق، فالكنيسة تقدم مرشحين بطلب من الحزب الوطني الحاكم ذاته ــ والساهر المفترض علي مدنية الدولة ــ وتحتج الكنيسة علي تجاهل ترشيحاتها مثل أي قوة سياسية موجودة في المجتمع، حتي إن الحزب قدم مرشحين أقباطا بالفعل علي قوائمه في الدقهلية، لكن الكنيسة اعترضت، لأن من اختارهم الحزب الحاكم لم يكونوا من مرشحيها.
الخلاصة من كل ذلك ــ ولا أدعي أنني جئت بجديد ــ أن الكنيسة تمارس دوراً مستقلاً تماماً عن السياق العام للدولة، وما تطمح إليه غالبية مواطنيها ــ علي رأسهم الأقباط ــ في دولة مدنية حاكمها الأول والأخير، هو القانون ولا كهنوت فيها ولا ولاية فقيه.
ولك أن تسأل عندما تتحكم الكنيسة في زواج القبطي وطلاقه، وتتحكم في ممارسته حقوقه السياسية، وتتدخل في ترشيحاته، وتدعم صعوده، وتعاقبه، فتعمل علي هبوط أسهمه، يلجأ إليها حين «تُسرق محفظته» ويتظاهر أمامها حين يحرق زرعه، وتقود بالنيابة عنه المصالحات.. فلمن سيكون ولاؤه الأول والأخير للدولة أم للكنيسة؟!
إذا لم تكن الكنيسة قد أعلنت دولتها الدينية بالفعل، وتمارس ولاية هذه الدولة علي مواطنيها من الشعب القبطي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ودستورياً.. فبماذا نسمي كل هذا؟ وإذا لم يكن كل ذلك تعبيرا عن انفصال حقيقي.. فبماذا تعرفون الانفصال؟!
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات