السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هل الإسلام هو الإيمان أو غيره ؟

وإن كان غيره فهل هو منفصل عنه يوجد دونه أو مرتبط به يلازمه ؟

القول في هذا ثلاثة مباحث:

1- البحث الأول لغوي: عن موجب اللفظين في اللغة.

2- البحث الثاني تفسيري: عن المراد بهما في إطلاق الشرع.

3- البحث الثالث فقهي شرعي: عن حكمهما في الدنيا والآخرة.

البحث الأول: في موجب اللغة.

والحق فيه أن الإيمان عبارة عن: التصديق.

قال الله تعالى:

( وما أنت بمؤمن لنا ) ..... أي بمصدق.

والإسلام عبارة عن: التسليم والإستسلام بالإذعان والإنقياد وترك التمرد والإباء والعناد.

وللتصديق محل خاص وهو القلب ، واللسان ترجمان.

وأما التسليم فإنه عام في القلب واللسان والجوارح.

فإن كل تصديق بالقلب فهو تسليم وترك الإباء والجحود وكذلك الإعتراف باللسان وكذلك الطاعة والإنقياد بالجوارح.

فموجب اللغة أن الإسلام أعم والإيمان أخص فكان الإيمان عبارة عن أشرف أجزاء الإسلام.

فإذن كل تصديق تسليم وليس كل تسليم تصديقاً.

البحث الثاني: عن إطلاق الشرع.

والحق فيه أن الشرع قد ورد باستعمالهما على سبيل الترادف ( والتوارد ) وورد على سبيل الإختلاف وورد على سبيل التداخل.

أما الترادف:

ففي قوله تعالى:

( فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين ، فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين )

ولم يكن بالإتفاق إلا بيت واحد.

وقال تعالى:

( يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين )

وقال صلى الله عليه وسلم:

" بني الإسلام على خمس "

وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة عن الإيمان فأجاب بهذه الخمس.

وأما الإختلاف:

فقوله تعالى:

( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا )

ومعناه إستسلمنا في الظاهر.

فأراد بالإيمان ههنا التصديق بالقلب فقط وبالإسلام الإستسلام ظاهراً باللسان والجوارح.
وفي حديث جبرائيل عليه السلام لما سأله عن الإيمان فقال:


" أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالبعث بعد الموت وبالحساب وبالقدر خيره وشره ، فقال: فما الإسلام ؟ فأجاب بذكر الخصال الخمس "

فعبر بالإسلام عن تسليم الظاهر بالقول والعمل.

وأما التداخل:

فما روى أيضاً أنه سئل فقيل أي الأعمال أفضل؟

فقال صلى الله عليه وسلم:

" الإسلام "

فقال: أي الإسلام أفضل؟

فقال صلى الله عليه وسلم:

" الإيمان "

وهذا دليل على الاختلاف وعلى التداخل وهو أوفق الاستعمالات في اللغة لأن الإيمان عمل من الأعمال وهو أفضلها ، والإسلام هو تسليم إما بالقلب وإما باللسان وإما بالجوارح وأفضلها الذي بالقلب وهو التصديق الذي يسمى إيماناً.

والإستعمال لهما على سبيل الإختلاف وعلى سبيل التداخل وعلى سبيل الترادف كله غير خارج عن طريق التجوز في اللغة.

أما الاختلاف:

فهو أن يجعل الإيمان عبارة عن التصديق بالقلب فقط وهو موافق للغة.

والإسلام عبارة عن التسليم ظاهراً وهو أيضاً موافق للغة.

فإن التسليم ببعض محال التسليم ينطلق عليه اسم التسليم ، فليس من شرط حصول الإسلام عموم المعنى لكل محل يمكن أن يوجد المعنى فيه فإن من لمس غيره ببعض بدنه يسمى لامساً وإن لم يستغرق جميع بدنه ، فإطلاق اسم الإسلام على التسليم الظاهر عند عدم تسليم الباطن مطابق للسان.

وعلى هذا الوجه جرى قوله تعالى:

( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا )

ويريد بالإختلاف تفاضل المسميين.

وأما التداخل:

فموافق أيضاً للغة في خصوص الإيمان وهو أن يجعل الإسلام عبارة عن التسليم بالقلب والقول والعمل جميعاً.

والإيمان عبارة عن بعض ما دخل في الإسلام وهو التصديق بالقلب وهو الذي عنيناه بالتداخل وهو موافق للغة في خصوص الإيمان وعموم الإسلام للكل.

وعلى هذا خرج قوله الإيمان في جواب قول السائل أي الإسلام أفضل لأنه جعل الإيمان خصوصاً من الإسلام فأدخله فيه.

وأما الترادف:

بأن يجعل الإسلام عبارة عن التسليم بالقلب والظاهر جميعاً فإن كل ذلك تسليم وكذا الإيمان ويكون التصرف في الإيمان على الخصوص بتعميمه وإدخال الظاهر في معناه وهو جائز لأن تسليم الظاهر بالقول والعمل ثمرة تصديق الباطن ونتيجته ، وقد يطلق اسم الشجر ويراد به الشجر مع ثمره على سبيل التسامح فيصير بهذا القدر من التعيمم مرادفاً لاسم الإسلام ومطابقاً له فلا يزيد عليه ولا ينقص.

وعليه خرج قوله تعالي:

( فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين )

البحث الثالث: عن الحكم الشرعي.

والإسلام والإيمان حكمان أخروي ودنيوي.

أما الأخروي:

فهو الإخراج من النار ومنع التخليد.

إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان "

وقد اختلفوا في أن هذا الحكم على ماذا يترتب ؟

وعبروا عنه بأن الإيمان ماذا هو؟

وفيه ثلاثة أقوال:

1- إنه مجرد العقد.

2- إنه عقد بالقلب وشهادة باللسان.

3- إنه العمل بالأركان.

ونحن نكشف الغطاء عنه ونقول:

الدرجة الأولي:

من جمع بين هذه الثلاثة فلا خلاف في أن مستقره الجنة.

الدرجة الثانية:

أن يوجد اثنان وبعض الثالث ، وهو القول والعقد وبعض الأعمال ، ولكن إرتكب صاحبه كبيرة أو بعض الكبائر.

الدرجة الثالثة:

أن يوجد التصديق بالقلب والشهادة باللسان دون الأعمال بالجوارح.

الدرجة الرابعة:

أن يوجد التصديق بالقلب قبل أن ينطق باللسان أو يشتغل بالأعمال.

الدرجة الخامسة:

أن يصدق بالقلب ويساعده من العمر مهلة النطق بكلمتي الشهادة وعلم وجوبها ولكنه لم ينطق بها فيحتمل أن يجعل إمتناعه عن النطق كإمتناعه عن الصلاة ، ونقول هو مؤمن غير مخلد في النار، والإيمان هو التصديق المحض واللسان ترجمان الإيمان فلا بد أن يكون الإيمان موجوداً بتمامه قبل اللسان حتى يترجمه اللسان وهذا هو الأظهر، إذ لا مستند إلا إتباع موجب الألفاظ ووضع اللسان أن الإيمان هو عبارة عن التصديق بالقلب.

وقد قال صلى الله عليه وسلم:

" يخرج من كان في قلبه مثقال ذرة "

ولا ينعدم الإيمان من القلب بالسكوت عن النطق الواجب كما لا ينعدم بالسكوت عن الفعل الواجب.

الدرجة السادسة:

أن يقول بلسانه " لا إله إلا الله محمد رسول الله " ولكن لم يصدق بقلبه فلا نشك في أن هذا في حكم الآخرة من الكفار وأنه مخلد في النار، ولا نشك في أنه في حكم الدنيا للذي يتعلق بالأئمة والولاة من المسلمين لأن قلبه لا يطلع عليه ، وعلينا أن نظن به أنه ما قاله بلسانه إلا وهو منطو عليه في قلبه.

وأما الدنيوي:

أحكام الدنيا منوطة بالقول الظاهر ظاهراً وباطناً ويحتمل أن يقال تناط بالظاهر في حق غيره لأن باطنه غير ظاهر لغيره وباطنه ظاهر له في نفسه بينه وبين الله تعالى ، والتوقي عن الحرام أيضاً من جملة ما يجب لله كالصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم:

" طلب الحلال فريضة بعد فريضة "

وهو ما يشمل الظاهر والباطن.

فقد اتفق السلف على أن الإيمان يزيد وينقص - يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية - فإذا كان التصديق هو الإيمان فلا يتصور فيه زيادة ولا نقصان؟

والسلف هم الشهود العدول وما لأحد عن قولهم عدول فما ذكروه حق وإنما الشأن في فهمه ، وفيه دليل على أن العمل ليس من أجزاء الإيمان وأركان وجوده بل هو مزيد عليه يزيد به والزائد موجود والناقص موجود والشيء لا يزيد بذاته ، فلا يجوز أن يقال الإنسان يزيد برأسه بل يقال يزيد بلحيته وسمنه ، ولا يجوز أن يقال الصلاة تزيد بالركوع والسجود بل تزيد بالآداب والسنن فهذا تصريح بأن الإيمان له وجود ثم بعد الوجود يختلف حاله بالزيادة والنقصان.

قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه:

إن الإيمان ليبدو لمعة بيضاء فإذا عمل العبد الصالحات نمت فزادت حتى يبيض القلب كله وإن النفاق ليبدو نكتة سوداء فإذا انتهك الحرمات نمت وزادت حتى يسود القلب كله فيطبع عليه فذلك هو الختم وتلا قوله تعالى:

( كلا بل ران على قلوبهم ) ..... الآية.

وقال صلى الله عليه وسلم:

" الإيمان بضع وسبعون باباً أدناها إماطة الأذى عن الطريق "

فهذا ما يدل على إرتباط كمال الإيمان بالأعمال.

وأما إرتباطه بالبراءة عن النفاق والشرك الخفي فقوله صلى الله عليه وسلم:

" أربع من كن فيه فهو منافق خالص وإن صام وصلى وزعم أنه مؤمن: من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان وإذا خاصم فجر"

وفي بعض الروايات

" وإذا عاهد غدر "

وقال عليه السلام:

"الشرك أخفى في أمتى من دبيب النمل على الصفا "

وقال صلى الله عليه وسلم:

" من كان ذا لسانين في الدنيا جعله الله ذا لسانين في الآخرة "

وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم:

" شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه ويأتي هؤلاء بوجه "

فالنفاق نفاقان:

أحدهما:

يخرج من الدين ويلحق بالكافرين ويسلك في زمرة المخلدين في النار.

والثاني:

يفضي بصاحبه إلى النار مدة أو ينقص من درجات عليين ويحط من رتبة الصديقين وذلك مشكوك فيه ولذلك حسن الإستثناء فيه.

وأصل هذا النفاق تفاوت بين السر والعلانية ، والأمن من مكر الله ، والعجب ، وأمور أخر لا يخلو عنها إلا الصديقون.

والله أعلم.

( إقتباس بتصرف )