هل كُتبَ القرآنُ قبل الزَّبُورِ ؟

قال المُنصّرون لأحدِ المسلمين: أليست كلمة الذكر التي جاءت في القرآن تعنى القرآن نفسه؟

قال المسلمُ: بلى، بدليل قوله تعالى: ]إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[ (الحجر9).

فقالوا له: هل القرآن كان قبل الزَّبُورِ(كتاب داود)؟!

فقال: لا .
قالوا: إجابة خاطئة كي يشككوه..... هناك آية تقول: ]وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ[ (الأنبياء 105)
المعلوم أن الزبور- كتاب داود ( المزامير)- كُتب قبل القرآن بمئات السنين...
فكيف يكون القرآنُ قد كُتِبَ قبل الزَّبُورِ؟!



الرد على الشبهة

إن كلمة الذكر تعني: كلّ كتابٍ علمه اللهُI لأنبيائه؛ لهدايةِ البشرية- صحف إبراهيم، زبور، توراة، قرآن... فإذا خُصصت الكلمة بقرينة أتضح مرادُها....

فالآيةُ التي تقول: ]إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[ (الحجر 9) .
قُصِدَ منها القرآن الكريم بالإجماع؛ فالقرينة الواضحة هي أنه الوحيد الذي لم يُحرف، ولم يؤلف، وقد تعهد اللهُ I بحفظه؛ بينما حُرفت الكتبُ السابقةُ بعدما استحفظ عليها أهلها فلم يكونوا أمناء ...
جاء في التفسير الميسر: إنَّا نحن نزَّلنا القرآن على النبي محمد r وإنَّا نتعهد بحفظه مِن أن يُزاد فيه أو يُنْقَص منه، أو يضيع منه شيء.

أما الآية الثانية: فقد فُهِمت فهمًا خاطئًا من المعترضين؛ الآيةُ تقول : ] وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ[ (الأنبياء105).

ومعناها: أنّ اللهI كتبَ القرآنَ الكريم في اللوح المحفوظ عنده I قبل الزَّبُورِ.... وليس المعنى أن الله أنزل القرآن على محمد في الأرض قبل داود كما فهموا وزعموا...
ثم هل اعترض أحد من كفار مكة ومن حولها وشكك مثلهم ...؟!
وهل تعجب واحد من الصحابة من الآية وفهمَ فهمم ...؟!
الجواب: لا، هذا الفهم عند المعترضين المستعربين...


وبهذا أكون قد نسفتُ الشبهةَ نسفًا .


ثانيًا : سبق أن ذكرت أن القرينة الواضحة من قولهI: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" (الحجر 9) .
المقصود القرآن لعدم التحريف والتأليف؛ فقد تعهد اللهُI بحفظ القرآن؛ بينما حُرفت الكتبُ السابقةُ بعدما استحفظ عليها أهلها فلم يكونوا أمناء ...
لا أريد الخوض هنا في أمر التحريف والتأليف ... ولكني استشهد فقط من العهد الجديد بنصين قاطعين عن التحريف والتأليف...


أولًا: بالنسبة للتحريف وبيان صدق كلامي بأن الله استحفظ أهل الكتب السابقة على كتبهم فلم يكونوا أمناء عليها فحرفوا وبدلوا...
قال تعالى :"إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)(المائدة).

جاء في رسالة بولس إلى أهل رومية أصحاح 3 عدد1إِذًا مَا هُوَ فَضْلُ الْيَهُودِيِّ، أَوْ مَا هُوَ نَفْعُ الْخِتَانِ؟ 2كَثِيرٌ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ! أَمَّا أَوَّلاً فَلأَنَّهُمُ اسْتُؤْمِنُوا عَلَى أَقْوَالِ اللهِ. 3فَمَاذَا إِنْ كَانَ قَوْمٌ لَمْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ؟!

يُدّعم ما سبق نصوصٌ آُخر تشبه السياق تتحدث عن عدم أمانة بعض بني إسرائيل مع الله ومع عهده... سفر المزامير مزمور 78 عدد 33فَأَفْنَى أَيَّامَهُمْ بِالْبَاطِلِ وَسِنِيهِمْ بِالرُّعْبِ. 34إِذْ قَتَلَهُمْ طَلَبُوهُ، وَرَجَعُوا وَبَكَّرُوا إِلَى اللهِ، 35وَذَكَرُوا أَنَّ اللهَ صَخْرَتُهُمْ، وَاللهَ الْعَلِيَّ وَلِيُّهُمْ. 36فَخَادَعُوهُ بِأَفْوَاهِهِمْ، وَكَذَبُوا عَلَيْهِ بِأَلْسِنَتِهِمْ. 37أَمَّا قُلُوبُهُمْ فَلَمْ تُثَبَّتْ مَعَهُ، وَلَمْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ فِي عَهْدِهِ.
بل أختم بما يدعم ما سبق كله بنص قاطع واضح بيّن أن الله أوكل لبني إسرائيل حفظ الكتاب(الناموس) فلم يحفظوه ...وهذا ما جاء في سفر أعمال الرسل أصحاح 7 عدد 53" الذين أخذتم الناموس بترتيب ملائكة ولم تحفظوه".


ثانيًا: بالنسبة للتأليف : فأكتفي بأول ما جاء في إنجيل لوقا الذي ذكر انه أراد أن يؤلف قصة من أجل صديقه كما كتب كثيرون قبله وغيره عن يسوع...وذلك في الأصحاح الأول عدد1إِذْ كَانَ كَثِيرُونَ قَدْ أَخَذُوا بِتَأْلِيفِ قِصَّةٍ فِي الأُمُورِ الْمُتَيَقَّنَةِ عِنْدَنَا، 2كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا الَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ الْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّامًا لِلْكَلِمَةِ، 3رَأَيْتُ أَنَا أَيْضًا إِذْ قَدْ تَتَبَّعْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الأَوَّلِ بِتَدْقِيق، أَنْ أَكْتُبَ عَلَى التَّوَالِي إِلَيْكَ أَيُّهَا الْعَزِيزُ ثَاوُفِيلُسُ، 4لِتَعْرِفَ صِحَّةَ الْكَلاَمِ الَّذِي عُلِّمْتَ بِهِ.
الملاحظ من النصوص: (تَأْلِيف قِصَّةٍفالأناجيل قصص مؤلفة...العجيب أن الآباء الكهنة يقول إن الكتبة لهذه القصص كانوا مسوقين بالروح القدس...!
والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هي المعايير التي من خلالها نعرف أن كاتًبا معيًنا مُساقًا بالروح القدوس أو بالروح الشريرة؟!

وفي النهاية : لا يوجد تعارض عندنا كما ظن المعترضون، فكلمة الذكر في قوله تعالى ] وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ[ (الأنبياء105).

قُصد منها القرآن الكريم حيث كتبه الله في اللوح المحفوظ عنده أولًا قبل كتابة الزَّبُورِ..

وأما كلمة الذكر في قوله تعالى : ]إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[ (الحجر 9) .

قُصد منها القرآن الكريم حيث تكفل الله بحفظه ولم يتركه أمانه لغيره...

وعلى هذا أكون قد انتهيتُ وأنهيتُ...

أكرم حسن مرسي