هل المسيحُ إله لأنه وَجِيه فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ ؟!

قالوا: إنّ المسيحَ هو الوحيد الوجيه فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ ، وذلك بشهادةِ القرآنِ، أليس هذا دليلًا إلوهيته...؟!



تعلّقوا على ذلك بقولِه I: ] إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إنّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ(45) [(آل عمران).

الردُّ على الشبهةِ

أولًا: إنّ المسلمين جميعًا يعتقدون أنّ المسيحَ u كان وجيهًا في الدنيا والآخرة، ومن المقربين..
والمعنى: أنّ له جاه عظيم في الدنيا والآخرة، ومن المقربين عند اللهِ يومَ القيامةِ، ومنزله الدرجات العلُا...
وليس معنى ذلك أنّه إله كما زعم المُنصّرون جهلًا أو كذبًا... لثلاثة أوجه:

الوجه الأوّل: أنّ موسىu كان وجيهًا أيضًا؛ يقولُ I: ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا(69) [(الأحزاب).
وأتساءل: هل موسى u إله لأنّه كان وجيهًا؛ أيْ: له عظيم القدر والجاه عند اللهِ I...؟!

ثم أتسأل سؤلًا آخر: أليس ما سبقَ دليل على كذبِهم لما قالوا: إنّ المسيحَ هو الوحيد الوجيه في الدنيا والآخرة، وذلك بشهادةِ القرآنِ...؟!


الوجه الثاني: أن معنى وجيهًا في الدنيا؛ أيْ: بالنبوّة، والمقصود بالوجاهةِ في الآخرةِ؛ أيْ: بالشفاعةِ. وليس هذا تفسيرًا مِن عندِي حتى لا يُقال: هذا الكاتبُ يفسرُ من تلقاءِ نفسِه...

أكتفي بتفسير الجلالين: "إذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَة" أيْ: جِبْرِيل "يَا مَرْيَم إنّ اللهَ يُبَشِّرك بِكَلِمَةٍ مِنْهُ" أيْ:وَلَد "اسْمه الْمَسِيح عِيسَى ابْن مَرْيَم" خَاطَبَهَا بِنِسْبَتِهِ إلَيْهَا تَنْبِيهًا عَلَى أنّها تَلِدهُ بِلَا أَب إذْ عَادَة الرِّجَال نِسْبَتهمْ إلَى آبَائِهِمْ "وَجِيهًا" ذَا جَاه "فِي الدُّنْيَا" بِالنبوّة "وَالْآخِرَة" بِالشَّفَاعَةِ وَالدَّرَجَات الْعُلَا "وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ" عِنْد اللَّه. اهـ

إذًا: الآيةُ تتكلم عن نبوّةٍ نبي عظيم، لا عن إلوهية مزعومة من مفلسين يفتقدون خُلُقًا ودينًا أو بحثًا أمينًا...!

الوجه الثالث: أنّ الآيةَ الكريمة تقول: " وَمِنَ المقربين ". وقد عُلِمَ أنّ(من) في اللغة العربية تفيد التبعيض؛ أيْ: أنّ المسيحَu منْ بعض المقربين إلى اللهِ I وهم كُثر....وذلك من أدلّة عدة منها:

1- قوله I: ]لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أنْ يكونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا(172) [(آل عمران).

2- قوله I: ]وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ(10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ(11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ(12) ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ(13) وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ(14) [(الواقعة).

3- قوله I: ] فأمّا إِنْ كَانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ(88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ(89) وأمّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ اليَمّينِ(90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ اليَمّينِ(91) [(الواقعة).


ثانيًا: إنْ قيلَ: إنّ المسيحَ u هو وحده الذي يشفع بنصِ الآيةِ والتفسيرِ، وجيها في الدنيا { والآخرة } بِالشَّفَاعَةِ وَالدَّرَجَات الْعُلَا..؟!

قلتُ: إنّ الشفاعةَ ليست دليلًا على الإلوهية؛ بل دليل نبوّة ، وليس وحده شفيعًا لغيره... دّل ذلك ما يلي:

1- قوله I: ]وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ(28) [(الأنبياء).

الآيةُ تدلُّ على أنّ هناك أناسًا يشفعون لأُناسٍ غيرهِم بإذن من الله I...


2-قوله I: ]مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ(255) [(البقرة).

الآيةُ تدلُّ على أنْ لا أحد يشفع عنده إلا بإذن الله في يومٍ يكون الناسُ فيه بحاجة إلى الشفاعة كي يدفعوا عن أنفسِهم الذلّ المهانة...


3- صحيحُ مسلمٍ كِتَاب (الْفَضَائِلِ) بَاب (تَفْضِيلِ نَبِيِّنَا r عَلَى جَمِيعِ الْخَلَائِقِ) برقمِ 4223 عن هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: rأَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ.
الملاحظُ: أنّ النبيَّ محمدًا هو سيدُ الشفعاء و أولهم، وأنه منْ يدفعَ عن الطالبِ منه دفع البلاء...

4- سنن أبي داوُد برقمِ 1586 عنِ المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:" لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ يُغْفَرُ لَهُ في أوّلِ دَفْعَةٍ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجنّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الحُورِ الْعِينِ،وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ".

الملاحظُ: أنّ الشهيد َيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ....

وعليْه: فمِنْ خلالِ ما سبقَ قد تبين جهل المُنصّرين
المُبين، أو كذبهم وتحايلهم البيّن على الدين...!

وصدق الله العظيم لما قال:" فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)"(الأنعام).

كتبه / أكرم حسن مرسي