قالوا: لقد جاءَت آيةٌ في القرآنِ ذكرت أنّ كلَّ من عُبِدَ من دون الله سيدخل النار، ومن المعلوم أنّ المسيحَ عُبِدَ من دون الله كما هو الحال اليوم معنا -نحن النصارى- فهل المسيح سيدخل النارَ ....؟!

تعلّقوا على ذلك بقولِه r :" إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ(98)"(الأنبياء).

الردّ على الشبهةِ

أولًا: لابد أن نعرف أنّ عيسى المسيحَ هو رسول ونبيّ مِن عندِ الله، بل وأولي العزم مِنَ الرسل، ومكانه الطبيعي هو الفردوس الأعلى من الجنّةِ...... دلت على ذلك أدلةٌ منها:

1- قولُه r: "إنّ الذينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ(101) "(الأنبياء).

2-قولُه r: " وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا(69) "(النساء).

3-قولُه r: " وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا(7) لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا(8) "(الأحزاب).

إذًا: النبيون مُبعدون عنِ النار بما فيهم المسيح فهو مِنَ النبيين المُرسلين، ولم يطلب من الناسِ العبادةَ لنفسِه كي يكون من المُعذبين...!

ثانيًا: إنّ السياق العام لآيات سورة الحج تتحدّث عنِ الأصنامِ لا أكثر، وذلك مِنْ خلالِ تتبع السباق واللاحق للآيات... وبهذا فهم المفسّرون كما يلي:

1- التفسير الميسّرِ: إنكم - أيّها الكفّار - وما كنتم تعبدون من دون الله مِنَ الأصنام ومَن رضي بعبادتكم إيّاه مِنَ الجنِّ والإنس، وقود جهنم وحطبها، أنتم وهم فيها داخلون.

2- تفسير البغوي: { إِنَّكُمْ } أيّها المشركون { وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ } يعني الأصنام، { حَصَبُ جَهَنَّمَ } أي وقودها. وقال مجاهد وقتادة: حطبها، والحصب في لغة أهل اليَمّن: الحطب. وقال عكرمةُ: هو الحطب بلغة الحبشة. قال الضحّاك: يعني يرمون بهم في النار كما يرمى بالحصباء. وأصل الحصب الرمي، قال اللهُ عز وجل: { أرسلنا عليهم حاصبا }(القمر: 34) أي ريحا ترميهم بحجارة، وقرأَ علي بن أبي طالب: حطب جهنم، { أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } أي فيها داخلون. { لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ } يعني الأصنام، { آلِهَةً } على الحقيقة، { مَا وَرَدُوهَا } أي ما دخل عابدوها النار، { وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ } يعني العابد والمعبودين. { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ } قال ابنُ مسعود: في هذه الآية إذا بقي في النار من يخلد فيها جعلوا في توابيت مِن نارٍ، ثم جعلت تلك التوابيت في توابيت أخرى [ثم تلك التوابيت في توابيت أخر] عليْها مسامير مِن نارٍ، فلا يسمعون شيئا ولا يرى أحد منهم أن في النار أحدا يعذب غيره، ثم استثنى فقال:. { إنّ الذينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى } قال بعض أهل العلم: إن هاهنا بمعنى: إلا الذين سبقت لهم منا الحسنى، يعني السعادة والعدّةِ الجميلة بالجنّة، { أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } قيل: الآية عامة في كلّ من سبقت لهم مِنَ اللهِ السعادة.

3- تفسير الجلالين: { إنكم } يا أهل مكة { وما تعبدون من دون الله } أي غيره مِنَ الأوثان { حصب جهنم } وقودها { أنتم لها واردون } داخلون فيها.


إنْ قيلَ: ما ذنب هذه الأصنام التي يلقى بها في النار، هي لم تطلب العبادة لنفسها أيضًا...؟

قلتُ: إنّ هذه الأصنام لا يضرها إلقاءها في النار؛ لأنّها أحجار جمادات.... والسبب الذي يظهر لي من إلقائها في النار أنّها هي وقود للنار أمام الكافرين كي يتحسروا على تركِ رسالة النبيين، وهذا عذاب معنوي فوق العذاب البدني.... فيصبح وقودها الأصنام والبشر العابدين لها، وكل من طلب العبادة لنفسه...
وكما أنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فإنّ وقود النار يشمل الأصنام، ومنْ عَبد غير الله أصنامًا أو أُناسًا.... ومن طلب لنفسه العبادة من دون الله....وأما المسيح فكان نبيًّا صديقًا وفيًّا، لم يطلب لنفسِه العبادةَ ....وهذا مؤكد في آيات القرآن الكريم ، وأحاديث النبي العظيم ، ونصوص الأناجيل ...بل كان رسولًا رحيمًا حكيمًا نبيًّا...

ويصبح المُراد من الآية: ها أنتم الآن في النار لم تنفعكم أصناكم ومن عبدتم، لم تدفع الأذى عنكم، بل لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا... اليوم هم معكم في النار يزيدونها اشتعالًا عليكم أيها المكذبون المجرمون...ألم يأتكم النذير بالعذاب؟ ها أنتم معًا مجتمعون معذبون...

فُهِمَ ذلك أيضًا مِن قَولِه I: " فإنّ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ(24) "(البقرة).


ثانيًّا: إن يسوع المسيح سيدخل النار وذلك بحسبِ زعم الكتاب المقدّسِ....!
لما يلي:

أولًا: إن كاتبَ إنجيلِ متى ذكرَ نسبَ يسوع المسيح على النحوِ التالي:
في الأصحاحِ الأوّل عدد 1" كِتَابُ مِيلاَدِ يسوعَ المسيحَ ابْنِ داوُد ابْنِ إِبْراهِيمَ: 2إِبْراهِيمُ وَلَدَ إِسْحاقَ. وَإِسْحاقُ وَلَدَ يَعْقُوبَ. وَيَعْقُوبُ وَلَدَ يَهُوذَا وَإِخْوَتَهُ. 3وَيَهُوذَا وَلَدَ فَارِصَ وَزَارَحَ مِنْ ثَامَارَ. وَفَارِصُ وَلَدَ حَصْرُونَ. وَحَصْرُونُ وَلَدَ أَرَامَ. 4وَأَرَامُ وَلَدَ عَمِّينَادَابَ. وَعَمِّينَادَابُ وَلَدَ نَحْشُونَ. وَنَحْشُونُ وَلَدَ سَلْمُونَ. 5وَسَلْمُونُ وَلَدَ بُوعَزَ مِنْ رَاحَابَ. وَبُوعَزُ وَلَدَ عُوبِيدَ مِنْ رَاعُوثَ. وَعُوبِيدُ وَلَدَ يَسَّى. 6وَيَسَّى وَلَدَ داوُد الْمَلِكَ. وَداوُد الْمَلِكُ وَلَدَ سُلَيْمَانَ مِنَ التِي لأُورِيَّا. 7وَسُلَيْمَانُ وَلَدَ رَحَبْعَامَ. وَرَحَبْعَامُ وَلَدَ أَبِيَّا. وَأَبِيَّا وَلَدَ آسَا. 8وَآسَا وَلَدَ يَهُوشَافَاطَ. وَيَهُوشَافَاطُ وَلَدَ يُورَامَ. وَيُورَامُ وَلَدَ عُزِّيَّا. 9وَعُزِّيَّا وَلَدَ يُوثَامَ. وَيُوثَامُ وَلَدَ أَحَازَ. وَأَحَازُ وَلَدَ حِزْقِيَّا. 10وَحِزْقِيَّا وَلَدَ مَنَسَّى. وَمَنَسَّى وَلَدَ آمُونَ. وَآمُونُ وَلَدَ يُوشِيَّا. 11وَيُوشِيَّا وَلَدَ يَكُنْيَا وَإِخْوَتَهُ عِنْدَ سَبْيِ بَابِلَ. 12وَبَعْدَ سَبْيِ بَابِلَ يَكُنْيَا وَلَدَ شَأَلْتِئِيلَ. وَشَأَلْتِئِيلُ وَلَدَ زَرُبَّابِلَ. 13وَزَرُبَّابِلُ وَلَدَ أَبِيهُودَ. وَأَبِيهُودُ وَلَدَ أَلِيَاقِيمَ. وَأَلِيَاقِيمُ وَلَدَ عَازُورَ. 14وَعَازُورُ وَلَدَ صَادُوقَ. وَصَادُوقُ وَلَدَ أَخِيمَ. وَأَخِيمُ وَلَدَ أَلِيُودَ. 15وَأَلِيُودُ وَلَدَ أَلِيعَازَرَ. وَأَلِيعَازَرُ وَلَدَ مَتَّانَ. وَمَتَّانُ وَلَدَ يَعْقُوبَ. 16وَيَعْقُوبُ وَلَدَ يُوسُفَ رَجُلَ مَرْيَمَ الَّتِي وُلِدَ مِنْهَا يَسُوعُ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ. 17فَجَمِيعُ الأَجْيَالِ مِنْ إِبْراهِيمَ إِلَى داوُد أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلًا، وَمِنْ داوُد إِلَى سَبْيِ بَابِلَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلًا، وَمِنْ سَبْيِ بَابِلَ إِلَى الْمَسِيحِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلًا المقدّس سفر الملوك ".

الملاحظ أنّ من نسبِه u بحسبِ ما ذكر كاتب إنجيل متى أربع نساء زانيات هن جدات ليسوع المسيح u:

(1) ثامار... زانية... أنجبت... فَارِصَ {أحد أجداد المسيح }...من زناها بحماها يهوذا بن يعقوب أحد أسباط بني إسرائيلَ { راجع سفر التكوينِ الأصحاح 38 عدد 12 - 30}

(2) رحاب... زانية... فأرسل يشوع بن نون من شطّيم رجلين جاسوسين سرّا قائلا اذهبا انظرا الأرض واريحا.فذهبا ودخلا بيت امرأة زانية اسمها رحاب واضطجعا هناك(سفر يشوع 2/1).
)3) بثشبع زَوْجَةً أوريا الحثي... زانية... زنا بها داوُد-بحسب الكتاب- وحرّض على قتلِ زوجها ثم تزوجها، وأنجب منها سليمان(أحد أجداد المسيح)(راجع سفر الملوك الأوّل الأصحاح 11).

(4) راعوث الزانية فهي راعوث المؤابية زوجة بوعز وأم عوبيد...!
القصّة كلها في سفرِ راعوث الأصحاح الثالث قصّة الاضطجاع والبقية في الأصحاح الرابع شرائه لها ودخوله عليْها، وإنجابه منها...
وبهذا فاق النسب ثلاثيين جيلًا...!


ويكمُن الإشكال: في النصّ الذي يقولُ:" لا يدخل أبناء الزنا في جماعة الرب إلى الجيل العاشر...."!
وذلك في سفرِ التثنية أصحاح23 عدد2 " لا يدخل ابن زنا في جماعة الرب.حتى الجيل العاشر لا يدخل منه أحد في جماعة الرب. "

ويبقى السؤالُ الذي يطرح نفسه: هل سيدخل يسوع الملكوت بحسبِ هذه النصوص أم الهلكوت...؟!


ثالثًا: إنّ بولس الرسول قال في رسالتِه الأولى إلى كورنثوس أصحاح 6 عدد 10" وَلاَ سَارِقُونَ وَلاَ طَمَّاعُونَ وَلاَ سِكِّيرُونَ وَلاَ شَتَّامُونَ وَلاَ خَاطِفُونَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ الله ".

الملاحظُ من كلامِ بولس الرسول أنّ الشتامين لا يرثون ملكوت اللهِ... فبحسبِ كلامِ بولس أنّ يسوعَ لن يدخل الملكوت لأنه كان شتامًا....وذلك في مواضع عدة من الأناجيل منها .... للآتي:

1- يسوع شتم المرأة الكنعانية، وجعلها من زمرةِ الكلابِ...وذلك عندما جاءَت إليه تسترحمه وتستعطفه بأنْ يشفى ابنتها... ردّ عليْها قائلًا: " لَيْسَ حَسَنًا أنْ يؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب"(متى15/ 26).

2- قام بشتم معلمي الشريعة والفريسين قائلًا لهم:"يا أولادَ الأفاعي "(متى 3 / 7).
وشتمهم في موضعٍ آخرٍ قائلًا لهم:" أيّها الجهال العميان "(متى 23 / 17).

ونُسبت إليه عبر نصوص الأناجيل مزيد من الشتائم للمخالفين.... !

وأتساءل: هل سيدخل يسوعُ الملكوت أم "الهلكوت" بحسبِ كلامِ بولس الرسول؟!
الجوابُ: إنّني أعتقد أنّ يسوع المسيحَ في أعلى أعالي درجاتِ الجنّة... وأما المعترضون فلا أدري معتقدهم بعد هذا العرض مصحوبًا بنصوص كتابهم... ؟!

أكرم حسن مرسي