هل إله الإسلام يتحسر؟!


زعموا أنّ إله الإسلام يتحسر على العباد من عصيانهم له.....!
فهل هناك إله يتحسرمثل إله الإسلام ...؟!

استدلوا على زعمهم بقوله I : ] يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) [ (يس).


الرد على الشبهة


أولًا: إن التحسر أو الندم فعل لا يليق بذات الله I فليس الله متحسرًا أو نادمًا على شيء أبدًا؛ لأنه I خالق الخلق ومحب الحق قدرًا...
قدّر المقادير قبل أنْ يخلق السماوات والأرض بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ، فهو يعلم بعلمه القديم ما كان وما سيكون ،وما هو ساكن ومتحرك في الكون من الذرة إلى المجرة ..... فيكف يكون متحسرًا عقلًا...؟!

دل على ذلك أدلةٌ منها :

1- قوله I : ]مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) [ (الحديد).

2- صحيح مسلم برقم 4797 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : " كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قَالَ وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ".

3- مسند أحمد برقم 2537 قال r : " وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ
". تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده قوي.


ثانيًا: إنّ الذي يتحسر( يندم بشدة ) في الآية الكريمة ليس الله أبدًا، كم يزعم المعترضون كذبًا....بل الذي يتحسر هم المفرطون في حق الله I وحق العباد، وحق أنفسهم ظلمًا ...!

فالله I يقول للنبيِّ محمد: ذكرهم يا رسول الله I بالحسرة يوم القيامة بسبب تكذيبهم للرسل واستهزائهم بهم، فحينما يعاينون العذاب يتحسرون على ما أسلفوا من أعمال سيئة قد ذهبت عبثًا....

فآيات القرآن الكريم تُفسر بالقرآن نفسه، ومثلها كثيرٌ من آيات الله ؛ منها :
قوله I :] وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39) [ (مريم).
وقوله I :] وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) [ (الزمر).

وعلى هذا الفهم فهم المفسرون وكتبوه في تفاسيرهم سلفًا وخلفًا:
قوله I : ] يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) [ (يس).

1-تفسير ابن كثير : قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: { يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ } أي : يا ويل العباد. وقال قتادة: { يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ } : أي: يا حسرة العباد على أنفسها، على ما ضيعت من أمر الله، فرطت في جنب الله.... اهـ

2- تفسير الجلالين : "وَأَنْذِرْهُمْ" خَوِّفْ يَا مُحَمَّد كُفَّار مَكَّة "يَوْم الْحَسْرَة" هُوَ يَوْم الْقِيَامَة يَتَحَسَّر فِيهِ الْمُسِيء عَلَى تَرْك الْإِحْسَان فِي الدُّنْيَا "إذْ قُضِيَ الْأَمْر" لَهُمْ فِيهِ بِالْعَذَابِ "وَهُمْ" فِي الدُّنْيَا "فِي غَفْلَة" عَنْهُ "وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ" بِهِ
ومعنى هذا : يا حسرتهم وندامتهم يوم القيامة إذا عاينوا العذاب، كيف كذبوا رسل الله، وخالفوا أمر الله، فإنهم كانوا في الدار الدنيا المكذبون منهم. اهـ

3-التفسير الميسر : يا حسرة العباد وندامتهم يوم القيامة إذا عاينوا العذاب، ما يأتيهم من رسول من الله تعالى إلا كانوا به يستهزئون ويسخرون. اهـ


وبهذا أكون قد نسفتُ الشبهة نسفًا...


ثالثًا: إنّ الله I لا يتحسر( يندم بشدة ) ولا يليق أن يوصف بذلك؛ لا صفة ولا فعلًا ولا اسمًا.... بل ورد أنّ الإله الذي يتحسر ( يندم ) هو الإله الذي يعبده المعترضون في الكتاب المقدس.... وذلك بحسب ما جاء في الآتي :

1- سفرِ التكوين أصحاح 6 عدد5وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ. 6فَحَزِنَ الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ، وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ. 7فَقَالَ الرَّبُّ: «أَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ، الإِنْسَانَ مَعَ بَهَائِمَ وَدَبَّابَاتٍ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، لأَنِّي حَزِنْتُ أَنِّي عَمِلْتُهُمْ». 8وَأَمَّا نُوحٌ فَوَجَدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ.

وأتساءل سؤالين:
1- هل الله ربُّ العالمين يحزن ويأسف ( يندم بشدة )...كما يقول النص أم كذبًا...
" 6فَحَزِنَ الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ، وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ..." ؟!
2- لماذا خلق الله الإنسانَ من الأساس، أليس هو عليمٌ منذُ الأزل بخلقِه حتمًا... ؟!

2- سفر صموئيل الأول أصحاح 15 عدد10وَكَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى صَمُوئِيلَ قَائِلاً: 11«نَدِمْتُ عَلَى أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ شَاوُلَ مَلِكًا، لأَنَّهُ رَجَعَ مِنْ وَرَائِي وَلَمْ يُقِمْ كَلاَمِي». فَاغْتَاظَ صَمُوئِيلُ وَصَرَخَ إِلَى الرَّبِّ اللَّيْلَ كُلَّهُ.

المُلاحظ: أنّ الإله ندم لأنه جعل شاول ملكًا....!


ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه هو: أليس من المفترض أن الإله عالم بكل شيء قبل خلقه، لأنه أزلي وقدر قدرًا...؟!
ألا يشير ذلك بأن الإله كان جاهلًا فلم يكن يعرف أن شاول سيتغير إلى الشر فأحدث ندمًا وأسفًا ...؟!

كتبه/ أكرم حسن مرسي
نقلا عن كتاب/ تنزيه المجيد عن افتراءات العبيد