اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،،








بقلم القس جوزيف المنشاوي :


مقدمة


لايختلف أثنان على أن أصدق المصادر وأكثرها ثقة بخصوص التعليم المسيحى ، هو التعليم الذى أرساه المسيح نفسه بفمه، فهو أصدق من البابا ومن كل بابوات التاريخ المسيحى منذ أستحل الأنسان لنفسه تلقيب نفسه بألقاب لم يخولها الكتاب لأطلاقها على ذاته ، وحتى من قبل ذلك الحين عندما كان كبير المسيحيون هو أكثرهم عرضة للتنكيل وأحتقار المجتمع له.
ولربما يجد المرء فى مثل الأبن الضال الموجود فى الأنجيل بحسب البشير لوقا 15 : 11 - 32 خير مثال عن فكرة المسيح عن وجوب الأعتراف بالخطأ ، وأعتبر أن الخطأ الصادر من أنسان ضد أنسان آخر هو فى ذات الوقت خطأ ضد الله ذلك لأن وصايا الله تنتهك عندما يقع الأنسان فى الخطية.
لوقا 15 : 17 -24 " فرجع ألى نفسه وقال كم أجير لأبى يفضل عنه الخبز وأنا أهلك جوعآ أقوم وأذهب ألى أبى وأقول له أخطأت ألى السماء وقدامك ولست مستحقآ أن أدعى لك أبنآ أجعلنى كأحد أجراك ، فقام وذهب ألى أبيه ، وأذ كان لم يزل بعيدآ رآه أبوه فتحنن وركض ووقع على عنقه وقبله ، فقال له الأبن أخطأت ألى السماء وقدامك ولست مستحقآ بعد أن أدعى لك ابنآ ، فقال الأب لعبيده أخرجوا الحلة الأولى وألبسوه واجعلوا خاتمآ فى يده وحذاء فى رجليه وقدموا العجل المسمن واذبحوه فنأكل ونفرح، لأن ابنى هذا كان ميتآ فعاش وكان ضالآ فوجد ، فابتدأوا يفرحون ". فى هذا المثل نلاحظ أن الوالد كان هو الشخص الذى أخطأ الأبن فى حقه، ولذلك كان الأعتذار له واجب ، لكن فى ذات الوقت مع أدراك الأبن أن ذلك الخطأ كان فى حق الله كذلك الذى أوصى بأكرام الوالدين ، وأن أعترافه أمام الأب كان يشتمل على أعترافه أمام الله ، وأنه لم يوسط رجل دين أو أى وسيط فى سبيل أتمام ذلك الأعتراف وهذا هو ما قضى به تعليم المسيح ذاته.

تاريخ أدخال هذا الفكر للمسيحية .

والثابت فى التاريخ الكنسى أن أول ذكر موثق للأعتراف ووجوب أسناده للكاهن ( وسيرد الحديث عن الكاهن فيما يطلق عليه سر الكهنوت ) هو فى الكنيسة الشرقية أثناء مجمع ترولو عام 691 ميلاديه هذا المجمع الذى شككت الكنائس فى مسكونيته ولم تعترف به الكنيسة اللاتينية وبذلك سبق الشرق الغرب فى أدخال هذا الفكر فى الكنيسة ، وكان هذا المجمع قد ألتئم بدعوة من الأمبراطور الرومانى " يوستانيوس الثانى الملقب بالأجدع " وحضره 327 من الآباء منهم الأسقف الأسكندرى" بطرس " ، وكان الهدف من أنعقاده هو سن القوانين للقضاء على بعض الأمور الغريبة التى لوحظت فى الكنيسة ، وتنظيم أدارة شئون الكنيسة الداخلية ، وقد تحدث عن وجوب الأعتراف ( للكاهن ) فى القانون 102 من بين قوانين المجمع المذكور، مع أنه لم يطلق على الأعتراف أنه سر من أسرار الكنيسة لأنها لم تكن قد أرسيت بعد.
وفى "المجمع اللاترانى " عام 1215 ميلادية بدأت الكنيسة الغربية فكرة تلقيبه بالسر حيث قسموا " الأعتراف " ألى مكونين " الفضيلة " و " السر" ، أما " الفضيلة " فهى الحزن على الخطية ، وأما " السر" فقد زعم هذا المجمع أنه قد رتب بواسطة المسيح لأجل مغفرة الخطايا المرتكبة بعد المعمودية ، ولم يرد فى هذا القول أى أستشهاد بقول واحد من أقوال المسيح تفيد تشريعه المدعى عليه بواسطتهم ، بما أنهم يزعمون أنه قد قام بتشريعه ، بل كان قولآ مرسلآ ، ملقى على عواهنه ، وربما لأن البابا قد أشار بذلك ، وكانت فكرة أنه معصوم من الخطأ قد بدأت تترعرع فى هذه الفترة الحالكة من التاريخ ، الذى يطلق عليه العصور الوسطى ، وبذلك يكون المسيح كما أدعى صاحبنا هو الذى شرع هذا السر، فلقد ورث عرش الأمبراطورية الرومانية خلفآ للأباطرة ، وجمع فى يده السلطتين المدنية والدينية.
وبالرغم من تعارض فكرة البابا المعصوم من الخطأ مع فكر الكنيسة الشرقية ألا ان الكنيسة المصرية بدأت تأخذ به بعد ذلك بفترة ليست كبيرة ، كما أخذت تنظيم الأسرار الى سبعة بعد قيام مجمع ترنت أو التريدنتينى بذكر ذلك ( فى الجزء 14 الفصل 2 ، 5 ) عام 1454 ميلادية ، ولكن كان أقتباس الكنيسة الشرقية محدود لهذه القرارات ، حيث قبلت السبعة الأسرار بما فيها سر الأعتراف ، ولكنها لم تقبل الغفرانات التى ناقشها مجمع ترنت فى الجلسة 25 ، بينما أزادت الكنيسة الكاثوليكية هذا البند فى منشور البابا ليون العاشر فزادت على تأكيده بأعتبارها سلطة فى يد الكاهن لمنح الغفران لمن أراد.


تعليق على فكرة الأعتراف للكاهن


أولا: - لا يوجد سلطان للكاهن ولا يوجد كهنة أصلآ


لأن العهد الجديد لم يستخدم كلمة " أيروس" اليونانية للتعبير عن رجل الدين المسيحى ، وهى الكلمة التى تستخدم فى الترجمة السبعينية للكتاب المقدس ، والتى تمت قبل ميلاد المسيح ، وأستخدمها كتبة العهد الجديد للتعبير عن الكهنة اللاويون راجع متى 8 : 4 " فقال له يسوع أنظر أن لا تقول لأحد ، بل أذهب أر نفسك للكاهن وقدم القربان الذى أمر به موسى شهادة لهم " ،وأستخدامها فى العهد الجديد كان قاصرآ على فئتين 1- كهنة العصر الموسوى ، 2- عن المسيح يسوع نفسه كما فى عبرانيين 5 : 6 " أنت كاهن ألى الأبد على رتبة ملكى صادق " ( وقد أشاعوا أنها رتبة للبابا بينما هى واضحة أن المقصود بها المسيح نفسه لا غير) كما فى عبرانيين 7 : 23 " وأولئك قد صاروا كهنة كثيرين ( يقصد كهنة العصر الموسوى ) من أجل منعهم بالموت عن البقاء وأما هذا ( المسيح ) فمن أجل أنه يبقى ألى الأبد له كهنوت لا يزول " وأيضآ فى عبرانيين 5 : 1 - 6 حيث يقول فى ختام هذا الجزء " كذلك المسيح أيضآ لم يمجد نفسه ليصير رئيس كهنة بل قال له أنت ابنى أنا اليوم ولدتك كما يقول أيضآ فى موضع آخر أنت كاهن ألى الأبد على رتبة ملكى صادق " وعليه فأن أطلاق لقب الكهنوت أو رئاسة الكهنوت هو نوع من السرقة لمجد المسيح الذى أستحقه بحق شفاعته الكفارية ولكونه الوسيط الوحيد بين الله والأنسان كما كان الكاهن قديمآ ، بينما لم تستخدم هذه الكلمة للحديث عن رجال الدين المسيحيون بل أستخدموا كلمة " برسبيتيروس" التى ترجمت" قشيش " فى السريانية وأطلقت " قسيس " فى العربية وهى تعنى كلمة " شيخ" فى اللغة العربية .
والكلمة الأخرى كانت " أبوسكوبوس" التى ترجمت " أسقف" ومعناها فى العربية " راعى".


ثانيآ :- لا يوجد سند فى العهد الجديد على الأطلاق ينادى بوجوب الأعتراف لرجل الدين.


بل ينادى العهد الجديد بوجوب الأعتراف من الأخوة بعضهم لبعض ، كما فعل الآبن الضال تجاه والده عندما أخطأ فى حق أبوته ، وفى يعقوب 5 : 16 " أعترفوا بعضكم لبعض بالزلات وصلوا بعضكم لأجل بعض لكى تشفوا" ويتضح من كلمة الزلات أن الأعتراف هو لمن أخطأنا فى حقه .


ثالثآ : - أن الكتاب يوجهنا للأعتراف لله رأسآ ،


راجع مزمور 32 : 5 " أعترف للرب بخطيتى ولا أكتم أثمى ، قلت أعترف للرب بذنبى وأنت رفعت آثام خطيتى " وفى متى 11 : 28 " تعالوا ألى ياجميع المتعبين والثقيلى الأحمال وأنا أريحكم " وفى تيموثاوس الأولى 2 : 5 " لأنه يوجد أله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الأنسان يسوع المسيح " وفى يوحنا الأولى 1 : 9 " أن أعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل أثم " وفى نفس الرسالة 2 : 1 " يأولادى أكتب أليكم هذا لكى لا تخطئوا وأن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الله الآب يسوع المسيح البار وهو كفارة ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضآ "


رابعآ : - أن هذا التعليم يتعارض مع عقيدة الفداء


ذلك لأنه يوسط آخر ( وهو الكاهن ) بين الله والأنسان مع أن المسيح هوالذى له هذا السلطان كما فى عبرانيين 4 : 14 ، 15 " فأذ لنا رئيس كهنة عظيم قد أجتاز ألى السموات يسوع ابن الله فلنتمسك بالأقرار لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثى لضعفاتنا بل مجرب فى كل شىء مثلنا بلا خطية فلنتقدم بثقة ألى عرش النعمة لكى ننال رحمة نجد نعمة عونآ فى حينه " كذلك فى عبرانيين 7 : 24 ، 25 " وأما هذا فمن أجل أنه يبقى ألى الأبد له كهنوت لا يزول فمن ثم يقدر أن يخلص أيضآ ألى التمام الذين يتقدمون به الى الله أذ هو حى فى كل حين ليشفع فيهم ".


خامسآ : - هذا الأعتراف المزعوم هو تعدى على خصوصيات البشر


ولأجل هذا الغرض قبلته الكنيسة المصرية تقليدآ للكنيسة الرومانية لأنه يمنح رجالها سلطة بحكم أطلاعهم على خصوصيات الناس وقد تنبأ عنهم الكتاب المفدس وحث الناس على تجنب هذه التعاليم الفاسدة فى تيموثاوس الثانية 3 : 1 - 7 " ولكن أعلم هذا أنه فى الأيام الأخيرة ستأتى أزمنة صعبة لأن الناس يكونون محبين لأنفسهم ، محبين للمال ، متعظمين ، مستكبرين ، مجدفين ، غبر طائعين لوالديهم ، غير شاكرين ، دنسين ، بلا حنو ،بلا رضى ، ثالبين ، عديمى النزاهة ،شرسين ، غير محبين للصلاح ، خائنين ، مقتحمين ، متصلفين ، محبين للذات دون محبة لله ، لهم صورة التقوى ولكنهم منكرون قوتها ( لو كانوا لا ينكرون قوتها فلماذا يستهينون بقدرتها على تغيير البشر بدونهم )، فأعرض عن هؤلاء ، فأنه من هؤلاء هم الذين يدخلون البيوت ويسبون نسيات محملات خطايا منساقات بشهوات مختلفة يتعلمن فى كل حين ولا يستطعن أن يقبلن ألى معرفة الحق أبدآ ".
مما سبق يمكننا القول بكل تأكيد أن هذا التعليم هو تعليم مدسوس على الكنيسة بقصد تجميع أسباب لسلطة الكاهن على شعبه على عكس ما توجه أليه تعليم المسيح ، كما أن الأعتراف لمن أخطأنا فى حقه هو الأمر الواجب مع ضرورة الأعتراف لله شخصيآ مباشرة وحيث أن الله قد صار فى عرف المسيحية أنه أبونا فلا مكان مطلقآ لمن يريد أن يحشر نفسه بيننا لأن المسيح وسيطنا قد ألغى وساطة البشر.



المصدر