ما هو حقيقية الإيمان بتوحيد الربوبية والإلوهية ؟

الجواب:
إن هذا التقسيم جاء نتيجة التتبع والاستقراء من الكتاب والسنة، وقد ساعد المسلم على فهم عقيدته وبيان إيمانه... فمن خلاله يتعرف المسلم معرفةً صحيحة على توحيد الإلوهية أو الإلهية ، فيُفرد عبادته لله متجنبًا الشرك ... ويتعرف على تعريف الربوبية؛ فيتوكل على الله حق توكله...

أولًا: توحيد الربوبية :
هو الإقرار بأن اللهَ هو الخالق الرازق المدبر المحي المميت لجميع منْ في الكون ...
والعرب وغيرهم قبل الإسلام كانوا يؤمنوا بتوحيد الربوبية، ولا يؤمنوا بتوحيد الإلوهية (إفراد العبادة لله)؛ فكانوا يعتقدون أن الله هو من يحيهم ويميتهم ، و يرزقهم ،ويدبر أمرهم ، وهو الخالق لكل شيء حولهم ساكن ومسكون ... قال I حاكيًّا عنهم : " وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) " ( الزخرف).
فحينما يعلم المسلمُ بأنّ الربَّ هو المالك الخالق الرازق المدبر السيد المتصرف في هذا الكون، لا يشاركه أحد في أفعاله ،لا تخفى عليه خافية لا في السماء ولا في الأرض ... فعليه أن يشكره على نعمه، و يستعين به ، ويستغيث به ، ويستعيذ به، ويتوكل عليه في كل حوائجه ، ويتفكر في الخلق، وفي نفسه كيف بدأ وكيف أصبح وكيف يكون...فيصير مؤمنًا حقًا بخالق الكون...
أشارت من القرآن للمسلم ففيها دلائل وشؤون:
قال تعالى:"إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَـيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)" (يس).
وقال تعالى:"إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ"(البقرة164)
وقال تعالى:" اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ" (الروم 40).
وقال تعالى: "أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10) اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11)"( الروم).
وقال تعالى:" سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ"(فصلت53).
وعلّم النبي محمدٌ نصائح في كلمات لابن عباس فصارت للأمة دستورًا مصونًا يجعل القلب بالإيمان مشحونًا... فيها العظات البينات، والثقة بخالق البريات، والثبات لكل منْ أحاطته ظنون....ففي مسند أحمد برقم 2537 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ
أَنَّهُ رَكِبَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" يَا غُلَامُ إِنِّي مُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، وَإِذَا سَأَلْتَ فَلْتَسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ".
وبعد ما سبق يمكن القول بأن توحيد الربوبية هو باب لمعرفة الله ، واليقين به... تعرف إليه الناس عبر قرون ...فمن توكل عليه بحق صار حسبه وكافيه منْ كل مكروه، ومنْ يخون.... دلائل لا يدركها إلا مفتون....
1-دلالة الفطرة: فطرة الإنسان دلت على أن الله خالقه و رازقه ومدبر أمره ، ومحي مميته ، ودافع ضره ...فهو أمر جبلي في فطرة كل إنسان يصعب دفعه أو رفعه إلا من مجنون ...
3-دلالة النفس: النفس من أعظم آيات الله التي أحبها فأحسن تصويرها وجمّل أمرها ....
النفس دلت على وجوده والإيمان بربوبيته....فلو نظر الإنسان إلى أعضائه كيف تعمل، ومن يحافظ عليها، ومن يحركها، ومن يُشعرها....؟! لصار متعجبًا عالمًا موقنًا بأن هناك ربًا حكميا قديًرا ....على عباده طيب وحنون...
3-دلالة الآفاق: التأمل في مخلوقات الله وفي الكون بما أودع الله فيه من غرائب وعجائب، لأدرك أن هناك خالقاً دقيقًا عظيمًا، وأن الصدقة لا تخلق شيئًا دقيقًا ...بل للكون خالق ومدبر ويصون...



ثانيًا: توحيد الإلوهية (الإلهية):
هو إفراد الله بالعبادة واجتناب الكفر ، والشرك به ؛ فلا يجحد وجوده...ولا يُعبد أحد دونه...
فمعنى "لا إله إلا الله"؛ لا معبود بحق إلا الله .
فيها نفي وفيها إثبات؛ فالنفي "لا إله" يستحق أن يُعبد، والإثبات "إلا الله" الذي وحده يُعبد، ويحمد، ويُطلب، ويُطاع، وتبكي من خشيته ومحبته عيون...
فالله هو الخالق الرزاق المدبر المعبود... يستحق بحق أن يُعبد... أفمن يخلق كمن لا يخلق؟! إنه يقول للشيء كن فيكون ...
فتوحيد الإلوهية هو حق على كل إنسان أن يؤمن بالله وحده ولا يشرك به أحدًا ،مثل: شجر، أو حجر، أو شيخ، أو ولي، أو نبي ، أو حيوان أو آخرون .....
وكان توحيد الإلوهية أو الإلهية هو دعوة كل الأنبياء والأصفياء، وآمن بها المسلمون ؛قالI:" وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) " (النحل).
وكما قلتُ إنّ العرب قبل الإسلام كانوا يرفضون توحيد الإلوهية ، فهم يعرفون جيدًا معنى لا اله إلا الله ، والتي هي لا معبود بحق إلا الله ، فكانوا يشركون بالله عن طريق الأصنام بدعوى أنها تقربهم إليه ...فكانوا بعبادتها مشركون ؛قالI حاكيًّا عنهم : " مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) " (الزمر).
فالعرب قديمًا كانوا يعرفون معنى "لا إله إلا الله" جيدًا لكنهم لم ينطقوها، ولم يؤمنوا أو يعملوا بها....
والعجب أنْ معظم المسلمين اليوم يقولون "لا إله إلا الله" ولا يعرفون معناها ومقتضاها.... بل يشركون بآلهة سواه وهم يجهلون....!
فكلمة التوحيد "لا إله إلا الله" يلزمها العلم بها ، واليقين بها ، والقبول والتسليم، والإخلاص والمحبة .... هذا قانون.

وقد جعل الله I الإشراك به من أكبر نواقض التوحيد، ومن أكبر كبائر الذنوب التي لا يغفر لصاحبها إذا مات ولم يتوب... فمن مات على شركه دخل النار ملعونًا، ومن مات موحدًا على شهادة التوحيد دخل الجنة ممنونًا... قال I : " إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) " (المائدة).
وقال r: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله وجبت له الجنة ". رواه أحمد في مسنده برقم 22087. قال شعيب الأرنؤوط : حديث صحيح وهذا إسناد حسن.

فمن الظلم أن يعطيك الله نعمه وتعبد غيره كأن شيئًا لم يكون ...قال تعالى : "إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)"(لقمان).
فمظاهر الإشراك بالله كثيرة نراها بجهل أوعلم أو كلاهما مقرون :
1- الاستغاثة بغير الله:
نرى ونسمع منْ يستغيث بالحسين وعلي وفاطمة.... يقولون: يا علي أنقذنا، أو ممد يا حسين أو ممد يا فاطمة، أو ممد يا رسول الله.....
والحق أن المدد لا يأتي إلا من عند الله ولا أحد سواه...فكلّ من ذكروا أموات لا يملكون لأنفسهم نفعًا أو ضرًا، ولا يسمعون شيئًا مما يقولون، ولا هم يبصرن...!
ما أشبه اليوم بالبارحة ؛ فهذا شرك الجاهلية، والكفر بالكلية.... أليس لهم آذانٌ وعيون ...؟! قالI: "إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) " (فاطر).

2- النذر والذبح لغير الله:
مِنْ الناس من ينذر نذره لغير الله، ويذبح لغير الله ، كأن يقول أمام ضريح الحسين مثلًا :"
يا حسين لو نجح ابني هذا العام سوف اذبح ذبيحة وأوزعها على الفقراء...." وهذا أيضًا شرك ، فالذبح لغير الله لا يكون...
قال I : " فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) " (الكوثر).
وقال I : " قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) " ( الأنعام).
3- التوكل على غير الله :
ما أكثره نراه ونفعله بجهل أو نسيان، لكن العمد هو ذنب وشكرك وهدم الإيمان ....
ومنه كأن يقول شخص للآخر:" اعتمدت عليك وحدك" مُوقن في الإنسان أكثر من الحنان المنان....ألا يعلم أن الأمر بيد الله ؛يحرك القلوب ويسير الأمور...
لقد جعل الأمرَ كله بيد من عبد مأذون...!
يقولI: "وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) " (المائدة)

وقال I : " وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) " (آل عمران).
ومن تمام التوكل على الله عدم الطيرة (التشاؤم) فلا يُحدث لنا شيئًا إلا بعلم الله وتحت بصره رآه، فقد سُطر في كتاب مكنون...!
قالr: " الطِّيَرَةُ شِرْكٌ وَمَا مِنَّا إِلَّا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ". رواه أحمد في مسنده برقم3687. تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح.

4-الخوف والرجاء لغير الله:
المسلم لا يرجو إلا الله ولا يخاف إلا الله، يرجو رحمته، ويخشى عذابه....
فمن خاف من البشر أكثر من الله ، ظنًا منه أنهم قد يؤذه بغير علم الله... ففي إيمانه نقص وطُعون..
قال I : "فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) " (آل عمران).
والمعنى:إن كنتم مؤمنين حقًا فلا تخافوا أحدًا إلا الله وحده...
فالمسلم يكون بين الخوف والرجاء...فمن خاف غير الله عُوقب بطول خوفٍ، ومن كان له رجاء من غير الله عُوقب بفشلٍ، وفي دنياهم يحزنون...!

قال تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)"(فصلت).

5- الاستعانة بغير الله:
في معظم الأوقات من تصيبه مصيبة يُسرع أولًا إلى الهاتف يتصل بالأهل والأصحاب مستعينًا مستغيثًا بهم كي ينجوه، ولا يستعين ويستغيث أولًا بربه ناسيًا أو موقنًا.... !
فالمسلم بحاجه إلى أن يتعلم كيف يستعين أولًا بالله، ويبدأ باسم الله، وإليه الركون...
قالI:" اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) " (الأعراف)
وقال I:" إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) " (الفاتحة).
وقال r: " وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ".رواه الترمذي برقم 2440 وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وقال تعالى:" إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)"( الأنفال).

6-الاستعاذة بغير الله:
فمن كمال الإيمان الاستعاذة بالله، ومن علله وهدمه أن يستعيذ بغيره إنسان أو جان....
قالI: " وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) " (المؤمنون).
وقال I عن موسى : و"َقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27) " (غافر).

فمن اجتنب ما سبق حافظ على إيمانه، ومن وقع فيهم أو أحداهم هدم أركانه وأسقط بنيانه... فعليه أن يُمّسك بإيمانه ويصون...

و الشرك على نوعين :
شرك أكبر، ومنه ما سبق بيانه...
وشرك أصغر؛ لا يُخرج المسلم من دين الإسلام،
نُهي عنه سدًا لذرائع الشرك الأكبر....
أعظمه ومنه :
1- (الرياء) العمل لغير الله.
2-الحلف بغير الله.
3-الخوف من غير الله.
4-التوكل على غير الله.
5-الإنابة والخضوع والذل لغير الله.
6-ابتغاء الرزق من عند غير الله.
7-إضافة النعم إلى غير الله.
8-وضع التمائم الشركية اتقاءَ الحسد أو دفع أذى الناس.
8-الطيرة والتشاؤم من شيء ما....
10-الرقية الشركية، لفك سحر بطلاسم غير مفهومة...
11- الاستسقاء بالأنواء
12- السماع للكاهن أو العراف...
وكل ما سبق ذكره وغيره كثير دلت علي تحريمه أدلة قطعية لا ظنون....
منها:
1-مسند أحمد برقم 22523 عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :"إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ قَالُوا وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الرِّيَاءُ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً".
تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح
2-سنن أبي داود برقم 2829 عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ: سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ رَجُلًا يَحْلِفُ لَا وَالْكَعْبَةِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ".
صححه الألباني .

3-سنن أبي داود3385 قال: إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ . صححه الألباني .


4-صحيح مسلم برقم 4079 عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ فَقَالَ:" اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ".

5-مسند أحمد برقم 7045 عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك قالوا يا رسول الله ما كفارة ذلك؟ قال: أن يقول أحدهم اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك ".
تعليق شعيب الأرنؤوط : حسن
6-صحيح البخاري برقم 980 عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلَةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ".

كما أن الشرك الأصغر يقسمه العلماء إلى قسمين:
1-شرك قلبي؛ مثل: الرياء، والتشاؤم، والتوكل على الأسباب وترك مسبب الأسباب..
2- شرك عملي؛ مثل: وضع التمائم الشركية، والحلف بغير الله....
وقد تتحول هذه الأفعال من شرك إلى أصغر شرك أكبر مخرج عن دين الإسلام ، وذلك بحسب النية ، والمقصد القول والفعل....
وكان النبي محمد يوصي أمته من دخول الشرك في قلوبهم وافعالهم ....فمن أصابه مطعون.....
فعن أبي موسى الأشعري قال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ؛ اتَّقُوا الشِّرْكَ، فَإِنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ، فَقَالَ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ: وَكَيْفَ نَتَّقِيهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهُوَ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ شَيْئًا نعلَمُهُ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا نَعْلَمُ. أخرجه أحمد (4/403 ، رقم 19622) وقال الهيثمى (10/223) : رجاله رجال الصحيح غير أبى على ، ووثقه ابن حبان . وأخرجه أيضًا : ابن أبى شيبة (6/70 ، رقم 29547) ، والطبراني في الأوسط (4/10 ، رقم 3479) .

إذًا: حقيقية التوحيد هي إفراد الله بالعبادة وحده لا لغيره فيها سبيل....
والعبادة :اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال ....
هذا هو المضمون...
جاء الأمر بتوحيد الإلهية في القرآن الكريم، وفي سنة النبي محمد الأمين ...

أولًا: من القرآن الكريم:


قوله تعالى :" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"(البقرة 21).

1-قوله تعالى :" فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ"(هود123).

2- قوله تعالى :" فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ"(قريش3).

3-قوله تعالى :" وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً"(النساء 36).

4-قوله تعالى :" قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً"(الأنعام 151).

5-قوله تعالى :" وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ"(الإسراء 23).

6قوله تعالى :" وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ"(الذاريات 56).

7قوله تعالى :" وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً"(الإسراء 39).

8قوله تعالى :" إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نسْتَعِينُ"(الفاتحة 5).

9-قوله تعالى :" وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ" (الأنبياء 25).

10-قوله تعالى:" وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ" (النحل3).


ثانيًا: من سنة النبي الأمين:
أكتفي بما جاء في صحيح البخاري برقم 2644 عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ، فَقَالَ: يَا مُعَاذُ هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ؟وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟
قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا....

وحتى يُقام الإيمان بتوحيد الإلهية بحق وصدق...فإن الواجب على المسلم أن يكفر أولًا ثم يؤمن ثانيًا ؛ يكفر بالطاغوت ثم يؤمن بالله .
يكفر بالطاغوت: وهو كل ما أُشرك به مع الله أو عبد من دونه تعالى....
ثم يؤمن بأن الله وحده هو أحق من يُعبد ، ولا يُشرك به شيئًا معلوم...

ثالثًا: الإيمان بتوحيد الربوبية والإلوهية من الكتاب المقدس:
بعد البيان من دين الإسلام عن حقيقية توحيد الربوبية والإلوهية تبقى بيان أن هذه العقيدة ظلت في الكتاب المقدس بأمر مباشر من الله تعالى ، أو ينشرها الرسل المحقون...
هذه العقيدة غيرت وبدلت ودونت عبر مراحل عدة شهدت عليها السنون...إلا أن أصل الإيمان ظل في الكتاب مصون ....
أكتفي فقط بنص واحد يؤكد على توحيد الربوبية وتوحيد الإلوهية ، وليست عقيدة من كان يخون...

ففي توحيد الربوبية :
جاء نص واضح سديد من العهدين القديم والجديد:
في العهد القديم سفر التثنية أصحاح 6 عدد 4 "اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد".
وفي العهد الجديد إنجيل مرقص أصحاح 12 عدد 29 فأجابه يسوع: "أن أول كل الوصايا هي: اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد".

وفي توحيد الإلوهية :
جاء نص واضح سديد من العهدين القديم والجديد:
في العهد القديم سفر المزامير مزمور 86 عدد 10 "لأنك عظيم أنت وصانع عجائب.أنت الله وحدك".
وفي العهد الجديد نص على لسان يسوع المسيح من إنجيل يوحنا أصحاح 17 عدد3" وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته".

وعلى هذه الإيمان الحق آمن المؤمنون من لدن آدم إلى موسى وعيسى ومحمد والمسلمون...

كتبه / أكرم حسن مرسي