أثيرت شبهةٌ مفادها أن نبي الإسلامِ ألغى الطبَ ؛ فالطب يؤكد بأن هناك أمراضًا معدية ، بينما نبي الإسلام يقول: " لا عدوى " ! وبعد ذلك يتناقض في كلامِه قائلًا: " و فر من المجذومِ كما تفر من الأسد "!
تعلقوا على ذلك بما جاء في السلسلةِ الصحيحةِ برقم 783 عن أبي هريرة t قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :" لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ وَفِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنْ الْأَسَدِ ".

الرد على الشبهة


أولًا: إن الحديثَ صحيحُ الإسنادِ عند المسلمين ضعيف الفهمِ عند المعترضين ...
و كم من عائبٍ قولًا صحيحًا ****** و آفته من الفهمِ السقيم.

فليست هناك شبهة على الحقيقية، ولكن من واجبي أن أرد على شبهاتهم أو سوءِ فهمهم ، وذلك من البيان التالي:
قوله r : " لا عدوى" ؛ أي : أن العدوى لا تقع إلا بإذن الله I ؛ بأمر منه وبقضائه ... وليس معنى قوله r : " لا عدوى" أنك تقف بجانبِ شخص مريض مرضا معديًّا ، وتقول : قال النبيُّ محمد r : "لا عدوى " .

هذا الفهم ليس من الحديثِ في شيء ؛ بل معناه : لا عدوى تقع إلا بإذن الله I بعد الأخذِ بالأسبابِ هذا هو المعنى الصحيح ، وقد دل على ذلك أيضًا قوله النبيُّ r في آخر الحديثِ : " و فر من المجذومِ كما تفر من الأسدِ " .
والجذامُ : مرض جلدي معدي خطير...

وعليه فليس هناك أدنى تناقض كما زعم المعترضون الواهمون....بل وأكد ما سبق ما جاء في صحيح البخاري برقم 5330 عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : " لَا عَدْوَى" قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ : " لَا تُورِدُوا الْمُمْرِضَ عَلَى الْمُصِحِّ " وَعَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَك أَخْبَرَنِي سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيُّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ t قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : " لَا عَدْوَى" فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ الْإِبِلَ تَكُونُ فِي الرِّمَالِ أَمْثَالَ الظِّبَاءِ فَيَأْتِيهَا الْبَعِيرُ الْأَجْرَبُ فَتَجْرَبُ. قَالَ النَّبِيُّ r : " فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ ؟ " .

قلتُ: الحديث – محل الاعتراض- هو بيانٌ لقوله I: ] وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [ (البقرة 195 ) ،
ولقوله I: ] وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً [ (النساء29) .


ثانيًا: إن ادعاءهم بأن النبي محمدًا r ألغى الطب ادعاء باطل كاذب فقد رد عليهم بنفسه لما أمر بالتداوي والوقاية من الأمراض.....أكتفي بما جاء في الآتي :

1- صحيح مسلم برقم 4084 عَنْ جَابِرٍ t عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَنَّهُ قَالَ : " لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ U".

2- سنن أبي داود برقم 3376 عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : r " إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً فَتَدَاوَوْا وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ ".
تحقيق الألباني : شطره الأول صحيح، وبقيته ضعيف غاية المرام ( 66 ) ، المشكاة ( 4538 ) ، ضعيف الجامع الصغير ( 1569 ) .

3-صحيح الجامع برقم 2930 عن أسامةَ بنِ شريكٍ t قال : قال r : " تداووا عباد الله فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد : الهرم ".

وعليه فقد هدم ادعاؤهم هدمًا؛ بل صار ردمًا...


ثالثًا: إن الحديثَ كاملًا بيانٌ للعقيدةِ الصحيحةِ التي تنافي الشرك ...

قوله r : " وَلَا طِيَرَةَ " ؛ أي : لا يوجد تشاؤم في الإسلام ، والطيرة جاءت من الطير ؛ لأن العربَ في الجاهلية كانوا يتفاءلون و يتشاءمون بالطير ؛ فقبل سفرهم كانوا يقومون بإطلاق مجموعة من الطيور فإذا طارت يمينًا تفاءلوا ، وإذا طارت شمالًا تشاءموا ... فنهى النبيُّ محمد r عن التشاؤم .


قوله r: "وَلَا هَامَةَ " ؛ ( الهامة ) هي البومة فقد كان العربُ يتشاءمون من شكلها وصوتها ، فنهي النبيُّ محمد r عن التشاؤمِ منها.


قوله :r" وَلَا صَفَرَ " ؛ كان العربُ يتشاءمون من شهرِ صفر لاسيما في أمرِ الزواجِ ، فنهى النبيُّ محمد r عن التشاؤمِ منه مبينًا لهم أنه شهر مثل بقية الأشهر قُدر اللهُ فيه الخير والشر، فلا ينبغي للإنسانِ أن يتشاءم منه ....


رابعًا: إنّ إنجيل لوقا ذكر أن الذي خالف الطب هو يسوع المسيح ؛ فقد كتب أنه كان لا يغسل يده قبل الأكل، وهذا يؤدي إلى أمراض خطيرة، ففي يوم من الأيام ذهب يسوع ليأكل عند رجل فَرِّيسِيُّ ، ولم يغسل يده قبل الأكل ، فسأله الفَرِّيسِيُّ لماذا لم تغسل يدك قبل الأكل؟ فقام يسوع بشتمه وإهانته ....!!

ذُكِرت القصة في الأصحاح 11 عدد 37وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ سَأَلَهُ فَرِّيسِيٌّ أَنْ يَتَغَدَّى عِنْدَهُ، فَدَخَلَ وَاتَّكَأَ. 38وَأَمَّا الْفَرِّيسِيُّ فَلَمَّا رَأَى ذلِكَ تَعَجَّبَ أَنَّهُ لَمْ يَغْتَسِلْ أَوَّلاً قَبْلَ الْغَدَاءِ. 39فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ : « أَنْتُمُ الآنَ أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّونَ تُنَقُّونَ خَارِجَ الْكَأْسِ وَالْقَصْعَةِ، وَأَمَّا بَاطِنُكُمْ فَمَمْلُوءٌ اخْتِطَافًا وَخُبْثًا. 40يَا أَغْبِيَاءُ، أَلَيْسَ الَّذِي صَنَعَ الْخَارِجَ صَنَعَ الدَّاخِلَ أَيْضًا ؟ 41بَلْ أَعْطُوا مَا عِنْدَكُمْ صَدَقَةً، فَهُوَذَا كُلُّ شَيْءٍ يَكُونُ نَقِيًّا لَكُمْ. 42وَلكِنْ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّونَ! لأَنَّكُمْ تُعَشِّرُونَ النَّعْنَعَ وَالسَّذَابَ وَكُلَّ بَقْل، وَتَتَجَاوَزُونَ عَنِ الْحَقِّ وَمَحَبَّةِ اللهِ. كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْمَلُوا هذِهِ وَلاَ تَتْرُكُوا تِلْكَ. 43وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّونَ! لأَنَّكُمْ تُحِبُّونَ الْمَجْلِسَ الأَوَّلَ فِي الْمَجَامِعِ، وَالتَّحِيَّاتِ فِي الأَسْوَاقِ. 44وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ مِثْلُ الْقُبُورِ الْمُخْتَفِيَةِ، وَالَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَيْهَا لاَ يَعْلَمُونَ!». 45فَأجَابَ وَاحِدٌ مِنَ النَّامُوسِيِّينَ وَقالَ لَهُ: «يَامُعَلِّمُ، حِينَ تَقُولُ هذَا تَشْتُمُنَا نَحْنُ أَيْضًا!». 46فَقَالَ :«وَوَيْلٌ لَكُمْ أَنْتُمْ أَيُّهَا النَّامُوسِيُّونَ! لأَنَّكُمْ تُحَمِّلُونَ النَّاسَ أَحْمَالاً عَسِرَةَ الْحَمْلِ وَأَنْتُمْ لاَ تَمَسُّونَ الأَحْمَالَ بِإِحْدَى أَصَابِعِكُمْ.

ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه: من الذي لم يتعاون مع الطب بعد هذا العرض، هل النبي محمد أم يسوع المسيح المذكور في النصوص السابقة؟!

كتبه / أكرم حسن مرسي