رد شبهة: نبيٌّ يقول: إن شيطانه أسلم !

قالوا لأحدِ المسلمين: هل من الممكن أن يسلمَ الشيطانُ ، والقرآن أخبر أنه من أهلِ النارِ : ]قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُوراً [ (الإسراء63).
فهل ممكن أن يسلم هذا الشيطان ؟ !
أجاب المسلمُ قائلاً: لا يسلمُ أبدًا .

فقالوا له : شيطانُ الرسول أسلم ! كيف ذلك يا مسلم ؟!
والدليل على صدقِ كلامِنا ما جاء في صحيحِ مسلمٍ كِتَاب ( صِفَةِ الْقِيَامَةِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ) بَاب (تَحْرِيشِ الشَّيْطَانِ وَبَعْثِهِ سَرَايَاهُ لِفِتْنَةِ النَّاسِ وَأَنَّ مَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ قَرِينًا) برقم 5035 عن عَائِشَةَ - زَوْجَ النَّبِيِّ r - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا لَيْلًا قَالَتْ : " فَغِرْتُ عَلَيْهِ فَجَاءَ فَرَأَى مَا أَصْنَعُ " فَقَالَ : " مَا لَكِ يَا عَائِشَةُ أَغِرْتِ" ؟ فَقُلْتُ : " وَمَا لِي لَا يَغَارُ مِثْلِي عَلَى مِثْلِكَ "! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : " أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ : " أَوْ مَعِيَ شَيْطَانٌ " ؟ قَالَ : " نَعَمْ " . قُلْتُ : " وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ " ؟ قَالَ: " نَعَمْ " . قُلْتُ : " وَمَعَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ " ؟ قَالَ: " نَعَمْ وَلَكِنْ رَبِّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَمَ ".

الرد على الشبهة

أولًا: إن المسلمين يعتقدون أن إبليسَ وذريتَه من شياطينِ الجنِ والإنسِ في النار... وذلك لما قالI لإبليسَ : ]قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُوراً [ (الإسراء 63) .
فإبليس من أهلِ النارِ، ومن تبعه من الجنِ والإنسِ دخلوا معه النار...
ولا شك أنّ هناك شياطينًا من الجنِ والإنسِ؛ يقول I: ]وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ )[الأنعام112) .
كما أنّ الجنَ مكلفون؛ منهم من يدخل الجنة، ومنهم من يدخل النارَ ؛ خلقهم اللهُ I لعبادتِه... دلت على ذلك أدلة عدة منها:
1- قولُه I : ]وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [ (الذاريات56) .
2- قولُه I : ]يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ [ (الأنعام130)
3- قولُه I : ]وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً [ (الجن14) .

وعليه: فمصير شياطين الأنس والجن النار، ومن تاب تاب الله عليه فبيده القرار...


ثانيًا: كان على المعترضين أن يفرقوا أولًا بين إبليسَ والشيطان ، وعلى كلٍّ أقول : هناك فارقٌ كبيرٌ بينهما ؛ يقول I : ]وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ) [الكهف50) .
الملاحظ من الآيةِ : أن إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ...

فإبليس: اسم أعجمي-عل الأرجح- مشتق من الإبلاسِ ، هو من الفعل بَلَسَ بمعنى (طُرِدَ) وهو يأس من رحمةِ اللهِ ، ومُنِعَ من الصرفِ؛ لأنه لا نظير له من الأسماء، وهو أبو الشياطين وأصلهم الأول، كما أن آدم أبو البشر ...

والشيطانُ من كلمة (شطن ( و تعني تمرد؛ فهو كل متمردٍ من الإنسِ والجنِ والطير الحيوانِ ....
والشيطان تطلق غالبًا على المتمردِ من عالمِ الجنِ؛ شياطين الجن التي توسوس للباطل، وتدعو للشرِ، وتُعيق الخير...
فأبليس اسم لشيطان واحد، ويُقال: اسمه عزازيل، وهو من المنذرين إلى يوم الدين...
وأما الشيطان فتطلق على ذريته، وعلي كل من تمرد ودعا إلى شر مبين...


فالأصلُ في شيطانِ(الجن) الكفر فإذا أسلم لا يسمى شيطانًا بل يكون جنيًّا مسلمًا، وإذا كفر الجنُ المسلمُ يسمى شيطانًا؛ وهذا يُفهم من الحديث الذي معنا لما قال النبيُّ r :" لعائشةَ أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ "؟ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ مَعِيَ شَيْطَانٌ ؟ قَالَ :" نَعَمْ ". قُلْتُ : " وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ" ؟ قَالَ :" نَعَمْ " . قُلْتُ : "وَمَعَكَ يَا رَسُولَ اللَّه ِ" ؟ قَالَ :" نَعَمْ وَلَكِنْ رَبِّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَمَ ".

إذًا : شيطانُ النبيّ r كان جنيًّا مؤذيًّا كافرًا فأسلم إلى اللهِ I فصار مسلمًا...
أما إبليس فلن يسلم أبدًا وهو مطرود من رحمةِ اللهِ... لذا كان لزمًا على المعترضين أن يفرقوا بين إبليس والشيطان؛ ولهذا أشكل على المعترضين وغيرهم فهم الحديثِ جهلًا..


ثالثًا: جاء في شرحِ العقيدةِ الطحاويّة لابن أبى العز ، بتعليق الشيخ أحمد شاكر على هذا الحديثِ قال - رحمه اللهُ -:
قوله: " ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلمَ ". في بعض النسخ بضم الميم ( أسلمُ ) أي: أن النبيَّ r َسلِمَ من شرورِه، ومن وساوسه...
فسبب الخلاف هو ضبط الراوي....وفي كلا اللفظين؛ فإن النبي سلمَ تمامًا من شرور شيطان تسلط عليه؛بينما لم يَسلم أكثر أنبياء الكتاب المقدس من شرور الشياطين تسلطت عليهم...فمثلًا: أيوب تسلط عليه شيطان فدمّر عظمَه وجلده... وربَّهم يسوع الإله تسلط عليه شيطانُ فتحكم فيه أربعين يومًا.....!!

كتبه/ أكرم حسن مرسي
باحث في مقارنة الأديان