سحق شبهة توفى ورقة وفتر الوحى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وحده لا شريك له الملك الحق المبين وصلى الله وسلم وبارك إمام المرسلين الذى جاء بالصدق وهو مأمون امين وعلى اله وصحبه والتابعين اللهم امين

كان ورقة بن نوفل حزينا لأن الوحى نزل وهو شيخ كبير قد عمى وكان يتمنى أن يكون جزعا حين تحدث الهجرة،وأن يعيش لينصر النبى صلى الله عليه وسلم،وقد توفى ورقة قبل الهجرة ولكن ظلت منازعة بين رواية عروة بن الزبير التى تؤكد أن ورقة بن نوفل ادرك اول البعثة الجهرية وبين رواية وفاته اثناء فتور الوحى وكان العلماء فى اغلبهم يأخذون برواية الصحيحين لسبب بسيط أنهم يتصورونها من كلام ام المؤمنين عائشة رضى الله تعالى عنها أو حتى من كلام النبى صلى الله عليه وسلم ومفاجأة لم اتوقعها ولكن فضل من الله رب العالمين:مقولة"لم ينشب ورقة أن توفى وفتر الوحى"هى من بلاغات الزهرى رحمه الله تعالى فهذه الرواية مثلها مثل رواية تردى النبى صلى الله عليه وسلم من الجبال ضعيفة وبالتالى يصير خبر تأخر وفاة ورقة بن نوفل خبرا يقينيا بإذن الله تعالى،الأدلة أن نص الصحيحين من بلاغات الزهرى
أولا لم يذكره مسلم فى صحيحه قط،ويلاحظ بأن مسلم رحمه الله تعالى تعمد ذكر الروايات التى فيها تصريح عائشة رضى الله تعالى عنها بالكلام،وقد تابع الطبرى هذه الروايات من طريق رابع عن الزهرى وهو طريق النعمان بن راشد فيكون عندنا أربعة طرق صريحة لا ذكر فيها لفتور الوحى وموت ورقة وهى طريق عقيل الذى سيأتى بيانه إن شاء الله تعالى وطريق معمر وطريق يونس كلاهماعند مسلم وطريق النعمان عند الطبرى فهذه وحدها كافية لإثبات كون هذه الزيادة ليست من اصل الحديث.
ثانيا ابن اسحاق رحمه الله تعالى على سعة علمه بالسيرة وحرصه على جمع مرويات هذه الفترة لم يقل بوفاة ورقة قط وعلماء المغازى الكبار:ابن اسحاق والواقدى والكلبى اتفقوا على تأخر وفاة ورقة الى مقدمة البعثة وهؤلاء-بغض النظر عن مقامهم فى الحديث-لايعقل أن يجتمعوا فى المغازى على ضلالة وهى تخصصهم، وابن الجوزى فى المنتظم كان سعيه لجمع مرويات السيرة مثل سعى ابن اسحاق بل يزيد ولم يذكر واقعة وفاة ورقة قط إلا فى الحديث المعلوم بصيغة البلاغ المعلومة ورجح ابن الجوزى وفاة ورقة فى السنة الرابعة من البعثة موافقا لابن اسحاق وفوق ذلك فقد اخرج الطبرى فى تاريخه قصة شبيهة ببدء الوحى عن عبد الله بن شداد وعبيد بن عمير وفى بعضها اشارة الى فتور الوحى ولكن ليس فى اى منها ذكر وفاة ورقة.
ثالثا تحليل المتن إذ نجد العطف بالواو،واصرار الراوى فى كل الروايات عن عقيل ومعمر على اقتران عدم انتشاب ورقة بفتور الوحى وحزن النبى صلى الله عليه وسلم، نقرء فى صحيح البخارى
ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّىَ ، وَفَتَرَ الْوَحْىُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ النَّبِىُّ r فِيمَا بَلَغَنَا حُزْناً غَدَا مِنْهُ مِرَاراً كَىْ يَتَرَدَّى مِنْ رُءُوسِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ ، فَكُلَّمَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ لِكَىْ يُلْقِىَ مِنْهُ نَفْسَهُ ، تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا . فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ وَتَقِرُّ نَفْسُهُ فَيَرْجِعُ ، فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْىِ غَدَا لِمِثْلِ ذَلِكَ ، فَإِذَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ
مما يرجح أن المتن واحد فالقول فى وفاة ورقة كالقول فى حزن النبى صلى الله عليه وسلم وترديه من الجبال كلاهما من بلاغات الامام الزهرى رحمه الله تعالى ،وليس هذا كل شئ فالتدبر العميق فى المتن يجعل المعنى عكس الظاهر تماما فهى المرة الوحيدة فى الرواية التى تم استخدام حرف "ثم"وهذا يعنى أن فتور الوحى كان قريب العهد بنزول سورة العلق بينما وفاة ورقة بن نوفل كانت بعيدة عن حادثة اقرأ وحادثة فتور الوحى معا ولهذا استخدم الراوى معها التراخى،وهذا مقارب لقصص السيرة الاخرة التى اثبتت حدوث فتور وحى قريب من واقعة بدء الوحى واثبتت تأخر وفاة ورقة إلى ثلاث سنين بعد هذه الواقعة.
رابعا كل روايات قصة فتور الوحى فى سياقها ما يدل على أن المتكلم هو ابن شهاب الزهرى،ففى الرواية الاولى عند البخارى وبعد إتمام الحديث والانتقال إلى حديث جابر قال
" ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّىَ وَفَتَرَ الْوَحْىُ . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِىَّ قَالَ - وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْىِ"
وفى الرواية الثانية بالضبط ما فى الرواية الاولى
" ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّىَ ، وَفَتَرَ الْوَحْىُ ، فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِىَّ - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْىِ "
وفى الرواية الثالثة تصريح اوضح بأنها من بلاغات الامام الزهرى
" ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّىَ ، وَفَتَرَ الْوَحْىُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ النَّبِىُّ r فِيمَا بَلَغَنَا حُزْناً غَدَا مِنْهُ مِرَاراً كَىْ يَتَرَدَّى مِنْ رُءُوسِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ "
خامسا يستحيل أن يكون متن حديث بدء الوحى من كلام ام المؤمنين عائشة رضى الله تعالى عنها لأننا نجد فى المتون
عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْوَحْىِ
وهذا المتن ثابت فى كل المتون وبالتالى الذى نطق بالمتن واحد من اثنين لا ثالث لهما إما عروة بن الزبير وإما ابن شهاب الزهرى،وقد ثبت بسند صحيح أن عروة رضى الله تعالى عنه هو الذى اخرج رواية مرور ورقة ببلال وهو يُعذب فليس عروة بالذى يُناقض نفسه وحتى لوكان القائل عروة جدلا فهذا بحد ذاته اثبات أن تأويل الرواية بوفاة ورقة مع فتور الوحى هو تأويل خاطئ يقينا،فلا يتبقى أمامنا بحساب المنطق إلا أن الرواية من بلاغات الزهرى وتحسم القضية بفضل الله رب العالمين.
سادساوأخيرا فى اصح روايات حديث بدء الوحى وفيها تصريح بسماع الزهرى من عروة لم يذكر هذه الزيادة،نقرء فى صحيح البخارى
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِى عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ سَمِعْتُ عُرْوَةَ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ - رضى الله عنها فَرَجَعَ النَّبِىُّ r إِلَى خَدِيجَةَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ إِلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ ، وَكَانَ رَجُلاً تَنَصَّرَ يَقْرَأُ الإِنْجِيلَ بِالْعَرَبِيَّةِ . فَقَالَ وَرَقَةُ مَاذَا تَرَى فَأَخْبَرَهُ . فَقَالَ وَرَقَةُ هَذَا النَّامُوسُ الَّذِى أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى ، وَإِنْ أَدْرَكَنِى يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْراً مُؤَزَّراً .
وكنت سأكتفى بذلك ولكن فضل الله أعظم ،فالحقيقة أن مسألة فتور الوحى التى اخرجها البخارى،لم تتعلق بلقاء ورقة بن نوفل بل تتعلق بنزول أية المدثر وهو الحديث الذى رواه جابر رضى الله تعالى عنه إذ اخرج الامامان البخارى و مسلم فى صحيحيهما
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِى عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ قَالَ أَخْبَرَنِى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ r يَقُولُ « ثُمَّ فَتَرَ عَنِّى الْوَحْىُ فَتْرَةً ، فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِى سَمِعْتُ صَوْتاً مِنَ السَّمَاءِ ، فَرَفَعْتُ بَصَرِى قِبَلَ السَّمَاءِ فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِى جَاءَنِى بِحِرَاءٍ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِىٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، فَجُئِثْتُ مِنْهُ حَتَّى هَوَيْتُ إِلَى الأَرْضِ ، فَجِئْتُ أَهْلِى فَقُلْتُ زَمِّلُونِى زَمِّلُونِى . فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) إِلَى ( فَاهْجُرْ )
الرواية السابقة من طريق عقيل ايضا وعقيل هو اثبت الناس فى الزهرى،فالان تتكشف الحقيقة جلية إن فتور الوحى لم يكن مع إقرأ وإنما كان قبل المدثر،ولم يرد فى رواية عائشة رضى الله تعالى عنها اصلا مسألة فتور الوحى،ولكن وهم الراوى أو الكاتب فأقحمها فيها اقحاما ولولا قوة حفظ الرواة والانتباه أنها من بلاغات الزهرى لما انتبه احد أنها مأخوذة من الحديث التالى وهو حديث جابروالحقيقة التى تكشفها النصوص الصحيحة أن فتور الوحى كان ظاهرة عامة كثيرة الحدوث خصوصا فى فترتى الدعوة السرية والجهرية وقد فتر الوحى مع المدثر ومع الضحى ومع الكهف والحكمة تقتضى ذلك،فقد اثبت ابن عباس رضى الله تعالى عنه أن فتور الوحى فى مرحلة التمهيد قبل اقرأ وفى مجموع المرحلة المكية سبع سنين وحوالى45%من الحقبة المكية،اخرج الامام مسلم والطبرى وغيرهما عن ابن عباس رضى الله تعالى عنه
أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة خمس عشرة سنة. يسمع الصوت، ويرى الضوء، سبع سنين، ولا يرى شيئا. وثمان سنين يوحى إليه. وأقام بالمدينة عشرا.
وعلى هذه الرواية السابقة فإن فتور الوحى هو الحالة السابقة لمجئ جبريل الامين عليه السلام،فقد كان هناك وحى قبلها ولم يكن بالصورة التى وقعت فى حراء،وقد جاءت روايات شبيهة بالرواية السابقة فى السيرة لتشرح لنا معنى فتور الوحى إذ لم يكن انقطاع الملاك بل انقطاع القرأن الكريم فقط،وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.