هل دعا نبيُّ اللهِ نوحٌ على قومِه بالضلالِ ،وهل أهلك اللهُ كلّ الأرض أم قومه؟!

مِنَ الشبهاتِ التي أُثيرت حولَ قصةِ نبيِّ اللهِ نوحٍ للقدْحِ في عصمتِه مِنْ خلالِ القرآنِ الكريمِ والسنّةِ أنّهم قالوا: نوحٌ كان يدعو على قومِه بالضلالِ...
فهل هذا الفعلُ يليقُ بنبيٍّ مِن عندِ اللهِ، وبعصمةِ الأنبياء؟!
أليس الأولى أن يدعو بالهداية بدلًا من الضلال؟!

واستدلّوا على ذلك بما جاءَ في الآتي:

1- قولُه I: ]وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا(24) [(نوح).

1- صحيحُ البخاريِّ كتاب (التفسير) باب (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إنّه كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) برقمِ 4343.. فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ يَا نُوحُ إِنَّكَ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، وَقَدْ سَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وإنّه قَدْ كَانَتْ لي دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا عَلَى قومي نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي...



الردُّ على الشبهة


أولًا: إنّنا لم نُنكرْ أنّ نوحًا دعا بالضَلال على قومه الضُلال...لكنّ هناك سؤلًا يطرحُ نفسَه هو: هل دعا نوحٌ بالضلالِ على المؤمنين أم الظالمين؟!

الجوابُ: دعا على الظالمين المتجبّرين؛ إذًا لا أشكالُ في ذلك؛ لأنّ الدعاءَ على الظالمين بالضلال أو اللعنِ من بابِ الجزاءِ من جنسِ العملِ...
وهذا ما قاله نوحٌ لربِّه: ]وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا(24) [(نوح).أي: كلما أريد لهم الهدايةَ وسعى لها من أجلهِم، يضلوا أنفسهم وغيرهم، ويظلموه بألسنتِهم....

فبد أنّهم ضلّوا وأضلّوا أتباعَهم دعا عليهم بجنسِ ما فعلوا(الضلال)، وذلك بعدما تبيّنَ له أنّهم لن يؤمنوا أبدًا، وذلك عن طريقِ وحيِّ اللهِ I إليه: ] وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أنّه لَنْ يُؤمنُ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(36) [(هود).

ثم إنّ نوحًا u قضى في دعوةِ قومِه زمنًا طويلًا؛ لم يكنْ لأحدٍ مِنَ الأنبياءِ والرسلِ قبلَه ولا بعدَه؛ يقولُ I: ] وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ(14) [(العنكبوت).

فصبرَ نوحٌ u في دعوتِه مخلصًا لربِّه: ] قَالَ رَبِّ إنّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا(5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا(6) وَإنّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا(7) ثُمَّ إنّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا(8) ثُمَّ إنّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا(9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا(10)... [(نوح).

ظل يدعوهم إلى أن جاءَ وحي ربِّهI: ]وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أنّه لَنْ يُؤمنُ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(36) [(هود).

وبعدها دعا على المستكبرين الظالمين الضالين المُضلين، قائلًاu : ]وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا(24) مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا(25) وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الكَافِرِينَ دَيَّارًا(26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا(27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا(28) [(نوح).

ونجدُ بعدها أنّ اللهَ استجابَ لدعائِه u ولم يُخبرْه بأنّ دعاءَه فيه معصيةٌ كما فهِمَ المعترضون! بل ودعا بالخير لوالديه، ولكلِّ منْ دخل بيتَه مؤمنًا...

ثم إنّ في القصّة دليلًا على صدقِ رسالتِه ونبوّتِه u فلو كانت الدعوة ليست صالحةً لما استجابَ له ربَّه... يدلّلُ على ذلك أدلّةٌ منها:

1- قولُه I: ]كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ(9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ(10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ(11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ(12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ(13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ(14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ(15) [(القمر).

2- قولُه I: ] قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا(21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا(22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا(23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا(24) مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا(25) وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الكَافِرِينَ دَيَّارًا(26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا(27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا(28)(نوح) [.

فتلك معجزةٌ في حقِّ نوحٍ u؛ لأنّه لمّا دعا اللهَ I على الظالمين بعد أنْ أطْلعَه I على عنادِهم وعدمِ إسلامِهم أبدًا...استجابَ I لدعائِه، وانتقمَ لنبيِّه مِنَ المجرمين الساخرين منه أمدًا...

ثم إنّ موسى دعا على الظالمين وليس نوحٌ وحدَه مَن دعا على الظالمين...

يقول I: ] وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ(88) [(يونس).

وكان النبيُّ محمد يدعو على الظالمين المُتجبرين...وذلك في عدّةِ مواضعَ منها:

1- صحيحُ مسلمٍ برقمِ 3309 عن عُمَر بْن الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ r إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ r الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ t: { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاستجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الملائكةِ مُرْدِفِينَ }...

2- صحيحُ مسلمٍ برقمِ 3350 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ r سَاجِدٌ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِذْ جاءَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ بِسَلَا جَزُورٍ فَقَذَفَهُ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ r فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَخَذَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ وَدَعَتْ عَلَى مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ الْمَلَأَ مِنْ قُرَيْشٍ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ،وَشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ،وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ،أَوْ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ شُعْبَةُ الشَّاكُّ قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُمْ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ فَأُلْقُوا فِي بِئْرٍ غَيْرَ أَنَّ أُمَيَّةَ أَوْ أُبَيًّا تَقَطَّعَتْ أَوْصَالُهُ فَلَمْ يُلْقَ فِي الْبِئْرِ.
و حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ وَزَادَ وَكَانَ يَسْتَحِبُّ ثَلَاثًا يقولُ اللهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ثَلَاثًا وَذَكَرَ فِيهِمْ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ وَلَمْ يَشُكَّ قَالَ أَبُو إِسْحَقَ وَنَسِيتُ السَّابِعَ.

إذًا: ليس هناك أدنى مطعنٍ يُؤخذُ عليهu؛ بل كلُّ ما هنالك أن الله ينصر أنبياءه I وبعد دعائِهم ، وبذل ما في جهدِهم...

يقولُ I: ] وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ المُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا(31) [(الفرقان).
ويقولُ I: ] إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) [ (غافر).


ثانيًا: ثبتَ في صحيحِ البخاريِّ كتاب (التفسير) باب قولُه: ]وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا[ برقمِ 4127 عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:" يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ. فَيَقُولُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيُقَالُ لأُمَّتِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ. فَيَقُولُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ. فَتَشْهَدُونَ أنّه قَدْ بَلَّغَ ". ] وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [ فَذَلِكَ قولُه -جَلَّ ذِكْرُهُ-:] وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [ وَالْوَسَطُ الْعَدْلُ.

نُلاحظُ مِنَ الحديثِ: مدى قمّةِ ضلالِ قومِ نوحٍ، فهذه طبيعتُهم قبلَ أنْ يدعو نوحٌ عليهم؛ بخلافِ أنّهم ضلّوا عن سبيلِ اللهِI وأضلّوا، وينكرون نبيَّهم نوحًا uيومَ القيامةِ... فيشهدُ له النبيُّ محمد والمسلمون بأنّه أدّى الرسالةَ u وفيه بيانُ مكانةِ النبيِّ محمدr وأمتِه...


ثالثًا: إنّ الردَّ الأمثلِ على استشهادِهم بحديثِ الشفاعةِ خاصةً بقولِ نوحٍu: " قَدْ كَانَتْ لي دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِي نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي...".
يُردُّ بقولِ النبيِّ محمد كما في صحيحِ مسلمٍ كتاب(الإيمان) باب(اخْتِبَاءِ النَّبِيِّ r دَعْوَةَ الشَّفَاعَةِ لأُمَّتِهِ) برقمِ 512 عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ وَإنّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَهِي نَائِلَةٌ إنْ شاءَ اللهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا ".

نُلاحظُ مِنَ الحديثِ أنّ لكلِّ نبيٍّ دعوةً مستجابةً، وكلَّ نبيٍّ تعجّلَ بها، ومنهم نوحٌ u لمّا دعا اللهَ I قائلًا: ] رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا(28) [(نوح).

فتحقّقت دعوتُه واستُجيبَ له، فأغرقَ اللهُ الكافرين الظالمين...

لذلك نجدُ في حديثِ الشفاعةِ أنَّ نوحًاu خشيَ أنْ يطلُبَ مِنَ اللهِI فلا يُستجابُ له؛ لأنّ له دعوةً مستجابةً قد دعا بها في الدنيا واستجيب له...

وعليه: فليس في الحديثِ أيُّ معصيةٍ تُذكرُ لنوحٍ u.....


رابعًا: إنّ الناظرَ في الكتابِ المقدّسِ يجدُه قد وصفَ ربَّ العالمين بصفتَيّ الحزنِ والأسفِ، وذلك لأنّه خلقَ الإنسانَ؛ هذا الإنسانُ الذي فعلَ الشرَّ فيُغرقُ الأرضَ كلَّها إلا نوحًا u ومَن معه، وهذا يدلُّ على شرِّ قومِ نوحٍ وضلالِهم ممّا جعلَ ربَّ العالمين يحزنُ ويأسفُ - تعالى اللهُ عن ذلك –....
جاءَ في سفرِ التكوينِ أصحاح 6 عدد 5 " وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ، وأنّ كلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ. 6فَحَزِنَ الرَّبُّ أنّه عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ، وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ. 7 فَقَالَ الرَّبُّ: «أَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ، الإِنْسَانَ مَعَ بَهَائِمَ وَدَبَّابَاتٍ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، لأَنِّي حَزِنْتُ أَنِّي عَمِلْتُهُمْ». 8 وَأَمَّا نُوحٌ فَوَجَدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ".

وأتساءل عدّةَ أسئلةٍ:
1- هل ربُّ العالمين يحزنُ ويأسفُ(يندمُ)...؟
2- لماذا خلقَ الإنسانَ مِنَ الأصلِ؟ أليس هو عليمٌ منذُ الأزلِ بخلقِه وبأن منهم سيعملون الشَر؟!
3- لماذا يُهِلكُ الدبّاباتِ والطيورَ، ما ذنبهم حتى يقتلوا...؟

ويجدُ الناظرُ أيضًا في سفرِ التكوينِ أنّ الربَّ I بيّنَ لنا مدى شرِّ قومِ نوحٍ فأمرَ نوحًا بصنعِ السفينةِ، وبيّنَ لنا هلاكَهم بعد ضلالِهم، وأنهم مستحقون العذابَ، وسوء المآب...
وذلك في سفرِ التكوينِ أصحاح 6 عدد 12 " وَرَأَى اللهُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ قَدْ فَسَدَتْ، إِذْ كَانَ كُلُّ بَشَرٍ قَدْ أَفْسَدَ طَرِيقَهُ عَلَى الأَرْضِ. 13فَقَالَ اللهُ لِنُوحٍ: «نِهَايَةُ كُلِّ بَشَرٍ قَدْ أَتَتْ أَمَامِي، لأنّ الأَرْضَ امْتَلأَتْ ظُلْمًا مِنْهُمْ. فَهَا أَنَا مُهْلِكُهُمْ مَعَ الأَرْضِ. 14اِصْنَعْ لِنَفْسِكَ فُلْكًا مِنْ خَشَبِ جُفْرٍ. تَجْعَلُ الْفُلْكَ مَسَاكِنَ، وَتَطْلِيهِ مِنْ دَاخِل وَمِنْ خَارِجٍ بِالْقَارِ. 15وَهكَذَا تَصْنَعُهُ: ثَلاَثَ مِئَةِ ذِرَاعٍ يَكُونُ طُولُ الْفُلْكِ، وَخَمْسِينَ ذِرَاعًا عَرْضُهُ، وَثَلاَثِينَ ذِرَاعًا ارْتِفَاعُهُ. 16وَتَصْنَعُ كَوًّا لِلْفُلْكِ، وَتُكَمِّلُهُ إِلَى حَدِّ ذِرَاعٍ مِنْ فَوْقُ. وَتَضَعُ بَابَ الْفُلْكِ فِي جَانِبِهِ. مَسَاكِنَ سُفْلِيَّةً وَمُتَوَسِّطَةً وَعُلْوِيَّةً تَجْعَلُهُ. 17فَهَا أَنَا آتٍ بِطُوفَانِ الْمَاءِ عَلَى الأَرْضِ لأُهْلِكَ كُلَّ جَسَدٍ فِيهِ رُوحُ حَيَاةٍ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ. كُلُّ مَا فِي الأَرْضِ يَمُوتُ. 18وَلكِنْ أُقِيمُ عَهْدِي مَعَكَ، فَتَدْخُلُ الْفُلْكَ أَنْتَ وَبَنُوكَ وَامْرَأَتُكَ وَنِسَاءُ بَنِيكَ مَعَكَ. 19وَمِنْ كُلِّ حَيٍّ مِنْ كُلِّ ذِي جَسَدٍ، اثْنَيْنِ مِنْ كُلّ تُدْخِلُ إِلَى الْفُلْكِ لاسْتِبْقَائِهَا مَعَكَ. تَكُونُ ذَكَرًا وَأُنْثَى. 20مِنَ الطُّيُورِ كَأَجْنَاسِهَا، وَمِنَ الْبَهَائِمِ كَأَجْنَاسِهَا، وَمِنْ كُلِّ دَبَّابَاتِ الأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا. اثْنَيْنِ مِنْ كُلّ تُدْخِلُ إِلَيْكَ لاسْتِبْقَائِهَا. 21وَأَنْتَ، فَخُذْ لِنَفْسِكَ مِنْ كُلِّ طَعَامٍ يُؤْكَلُ وَاجْمَعْهُ عِنْدَكَ، فَيَكُونَ لَكَ وَلَهَا طَعَامًا». 22فَفَعَلَ نُوحٌ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَهُ بِهِ اللهُ. هكَذَا فَعَلَ.

وجاءت صورة هلاك الأرض كلها في الأصحاح 7 عدد1وَقَالَ الرَّبُّ لِنُوحٍ: «ادْخُلْ أَنْتَ وَجَمِيعُ بَيْتِكَ إِلَى الْفُلْكِ، لأَنِّي إِيَّاكَ رَأَيْتُ بَارًّا لَدَيَّ فِي هذَا الْجِيلِ. 2مِنْ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ الطَّاهِرَةِ تَأْخُذُ مَعَكَ سَبْعَةً سَبْعَةً ذَكَرًا وَأُنْثَى. وَمِنَ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَيْسَتْ بِطَاهِرَةٍ اثْنَيْنِ: ذَكَرًا وَأُنْثَى. 3وَمِنْ طُيُورِ السَّمَاءِ أَيْضًا سَبْعَةً سَبْعَةً: ذَكَرًا وَأُنْثَى. لاسْتِبْقَاءِ نَسْل عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ. 4لأَنِّي بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ أَيْضًا أُمْطِرُ عَلَى الأَرْضِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً. وَأَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ كُلَّ قَائِمٍ عَمِلْتُهُ». 5فَفَعَلَ نُوحٌ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَهُ بِهِ الرَّبُّ.
6وَلَمَّا كَانَ نُوحٌ ابْنَ سِتِّ مِئَةِ سَنَةٍ صَارَ طُوفَانُ الْمَاءِ عَلَى الأَرْضِ، 7فَدَخَلَ نُوحٌ وَبَنُوهُ وَامْرَأَتُهُ وَنِسَاءُ بَنِيهِ مَعَهُ إِلَى الْفُلْكِ مِنْ وَجْهِ مِيَاهِ الطُّوفَانِ. 8وَمِنَ الْبَهَائِمِ الطَّاهِرَةِ وَالْبَهَائِمِ الَّتِي لَيْسَتْ بِطَاهِرَةٍ، وَمِنَ الطُّيُورِ وَكُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ: 9دَخَلَ اثْنَانِ اثْنَانِ إِلَى نُوحٍ إِلَى الْفُلْكِ، ذَكَرًا وَأُنْثَى، كَمَا أَمَرَ اللهُ نُوحًا.
10وَحَدَثَ بَعْدَ السَّبْعَةِ الأَيَّامِ أَنَّ مِيَاهَ الطُّوفَانِ صَارَتْ عَلَى الأَرْضِ. 11فِي سَنَةِ سِتِّ مِئَةٍ مِنْ حَيَاةِ نُوحٍ، فِي الشَّهْرِ الثَّانِى، فِي الْيَوْمِ السَّابعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ فِي ذلِكَ اليَوْمِ، انْفَجَرَتْ كُلُّ يَنَابِيعِ الْغَمْرِ الْعَظِيمِ، وَانْفَتَحَتْ طَاقَاتُ السَّمَاءِ. 12وَكَانَ الْمَطَرُ عَلَى الأَرْضِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً. 13فِي ذلِكَ الْيَوْمِ عَيْنِهِ دَخَلَ نُوحٌ، وَسَامٌ وَحَامٌ وَيَافَثُ بَنُو نُوحٍ، وَامْرَأَةُ نُوحٍ، وَثَلاَثُ نِسَاءِ بَنِيهِ مَعَهُمْ إِلَى الْفُلْكِ. 14هُمْ وَكُلُّ الْوُحُوشِ كَأَجْنَاسِهَا، وَكُلُّ الْبَهَائِمِ كَأَجْنَاسِهَا، وَكُلُّ الدَّبَّاباتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا، وَكُلُّ الطُّيُورِ كَأَجْنَاسِهَا: كُلُّ عُصْفُورٍ، كُلُّ ذِي جَنَاحٍ. 15وَدَخَلَتْ إِلَى نُوحٍ إِلَى الْفُلْكِ، اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ مِنْ كُلِّ جَسَدٍ فِيهِ رُوحُ حَيَاةٍ. 16وَالدَّاخِلاَتُ دَخَلَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى، مِنْ كُلِّ ذِي جَسَدٍ، كَمَا أَمَرَهُ اللهُ. وَأَغْلَقَ الرَّبُّ عَلَيْهِ.
17وَكَانَ الطُّوفَانُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَلَى الأَرْضِ. وَتَكَاثَرَتِ الْمِيَاهُ وَرَفَعَتِ الْفُلْكَ، فَارْتَفَعَ عَنِ الأَرْضِ. 18وَتَعَاظَمَتِ الْمِيَاهُ وَتَكَاثَرَتْ جِدًّا عَلَى الأَرْضِ، فَكَانَ الْفُلْكُ يَسِيرُ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ. 19وَتَعَاظَمَتِ الْمِيَاهُ كَثِيرًا جِدًّا عَلَى الأَرْضِ، فَتَغَطَّتْ جَمِيعُ الْجِبَالِ الشَّامِخَةِ الَّتِي تَحْتَ كُلِّ السَّمَاءِ. 20خَمْسَ عَشَرَةَ ذِرَاعًا فِي الارْتِفَاعِ تَعَاظَمَتِ الْمِيَاهُ، فَتَغَطَّتِ الْجِبَالُ. 21فَمَاتَ كُلُّ ذِي جَسَدٍ كَانَ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الطُّيُورِ وَالْبَهَائِمِ وَالْوُحُوشِ، وَكُلُّ الزَّحَّافَاتِ الَّتِي كَانَتْ تَزْحَفُ عَلَى الأَرْضِ، وَجَمِيعُ النَّاسِ. 22كُلُّ مَا فِي أَنْفِهِ نَسَمَةُ رُوحِ حَيَاةٍ مِنْ كُلِّ مَا فِي الْيَابِسَةِ مَاتَ. 23فَمَحَا اللهُ كُلَّ قَائِمٍ كَانَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ.

قلتُ: وهذا الطوفان المذكور الذي وصف بأن الأرض كلها قد أُغرقت ليس مقبولًا تاريخيًّا أو عقليًّا...
فما ذنب من لمْ ير نوحًا ويسمع دعوتَه من أقاصي الأرض حتى يهلك غرقًا؟!
وما ذنب بقية الحيوانات والطيور التي أُهلك بلا ذنب -بحسب تلك النصوص-؟!

الحق إن الطوفانَ قد وقع بالفعل، ولكن على قومِ نوحٍ وحدهم وليس غيرهم(طوفان محلي) كما أنّ عدل اللهِ لا يقتضي بهلاك الأبرياء من دون إنذار بنداء ...
إنّ العذاب وقع على الظالمين المُتجبرين من قوم نوح وحدهم؛ الذين أرسل إليهم ودعاهم، فلما كذبوه وأهانوه ....دعا عليهم ....

وهذه الحقيقة ذكرها القرآن الكريم من قوله I : ]إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4) قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14)... [ (نوح).

نلاحظ أول آية من سورة نوح:" أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" ولم يقل اللهُI :" أَنْ أَنْذِرْ الأرض كلها...".
وهذا قد يُشير إلى أن هناك حضارات ، وأقوام أُخر....

ويقول I في موضوع آخر من نفسِ السورة: "مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25)"(نوح).
فهذا عدل اللهI أنه أغرقهم بعد خطئهم، وفي الآخرة نار في انتظارهم...

فاللهُ لا يعذب إنسانًا إلا بعد إرسال الرسل؛ قالI:" مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)"(الإسراء).

أما الحيوانات والطيور التي جُمِعت في السفينة فكانت لإطعام أهل السفينة المؤمنين خلال مدة الطوفان ...ولا يعقل أن ملايين الأصناف من الحيوانات والطيور بشتى أحجامها كانت داخل السفينة...

وأما عن بيان قوله الله I:" وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77)"(الصافات).
جعل اللهُ ذريةَ نوح هم الباقين (الظاهرين) بعد غرق قومه، فهاجر أولاد نوح الثلاث إلى أماكن شتى بعد النجاة من الطوفان المحلي، فجاء من نسل سام العرب واليهود، وجاء من نسل حام الأمازيغ والسود، وجاء من نسل يافث الترك والعجم، ثم اختلطت بعض الأجناس في بعض الدول الآن...

خامسًا: إنّ الأناجيلَ نَسبت إلى يسوعَ المسيحِ أنّه دعا على مدينتِه المقدّسةِ، مدينة الملكِ العظيمِ داوُدَ، وبيت الربِّ الذي بناه سليمانُ... دعا بالدمارِ وبإهلاكِ كلِّ بني إسرائيلَ، ودعا على الكتَبةِ والفرّيسيّين...وأكتفي بما جاءَ في إنجيلِ لوقا فقط كما يلي:

1- إنجيل لوقا أصحاح 13 عدد 34 " يَا أُورُشَلِيمُ، يَاأُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا! 35هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا! وَالحقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَنِي حَتَّى يَأْتِيَ وَقْتٌ تَقُولُونَ فِيهِ: مُبَارَكٌالآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! ".

2- إنجيلُ لوقا أصحاح 6 عدد 24 " وَلكِنْ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الأَغْنِيَاءُ، لأَنَّكُمْ قَدْ نِلْتُمْ عَزَاءَكُمْ. 25وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الشَّبَاعَى، لأَنَّكُمْ سَتَجُوعُونَ. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الضَّاحِكُونَ الآنَ، لأَنَّكُمْ سَتَحْزَنُونَ وَتَبْكُونَ. 26وَيْلٌ لَكُمْ إِذَا قَالَ فِيكُمْ جَمِيعُ النَّاسِ حَسَنًا. لأَنَّهُ هكَذَا كَانَ آبَاؤُهُمْ يَفْعَلُونَ بِالأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ ".

3- إنجيلُ لوقا أصحاح 11 عدد 44 " وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ مِثْلُ الْقُبُورِ الْمُخْتَفِيَةِ، وَالَّذِينَ يَمْشُونَ عليْها لاَ يَعْلَمُونَ! ".

4-إنجيلُ لوقا أصحاح 11 عدد 47 " وَيْلٌ لَكُمْ! لأَنَّكُمْ تَبْنُونَ قُبُورَ الأَنْبِيَاءِ، وَآبَاؤُكُمْ قَتَلُوهُمْ. 48إِذًا تَشْهَدُونَ وَتَرْضَوْنَ بِأَعْمَالِ آبَائِكُمْ، لأنّهم هُمْ قَتَلُوهُمْ وَأَنْتُمْ تَبْنُونَ قُبُورَهُمْ".

وأخيرًا: يبقى السؤال الذي يطرح نفسه للمعترضين: أليس من الأولى أن يدعو الرب يسوع -بحسب إيمانكم- بالمغفرة والرحمة والمحبة بدلًا من الدعاء على الآخرين بالخرابِ والهلاكِ والويل.....؟!

كتبه/ أكرم حسن مرسي