هل يستطيع ترامب إنقاذ الديانة المسيحية في أمريكا؟

أليتيا أمريكا | أغسطس 03, 2017
Mandel Ngan | AFP


[TR]



[/TR]


أمريكا/ أليتيا (aleteia.org/ar) يقول الفصل الأول من سفر التكوين أن الله صنع السماوات والأرض وكل النبات عليها خلال أربعة أيام. ولكن، بعد أربعة أيام من كلام أنطوني سكاراموتشي البذيء، لم يكن المشاهير الإنجيليون في فريق ترامب – الرعاة والعلمانيون البارزون الذين يحدثون صخباً حول المكتب البيضاوي محاولين أن يجدوا لهم مكاناً فيه – قد فكروا في ما يجب أن يقولوه.


لحسن الحظ، أزال عنهم البيت الأبيض عبء تلك المهمة الصعبة بطرده السيد سكاراموتشي (مدير الإعلام) – هذا لم يحصل بمبادرة من الرئيس، بل بطلب من جون كيلي، كبير موظفي البيت الأبيض. في غضون ذلك، نشرت شبكة الإعلام المسيحية مقالاً يعلن عن “وجود صحوة روحية في البيت الأبيض” بفضل دراسة للكتاب المقدس مع ما “سُمي بالحكومة الأكثر إنجيلية في التاريخ”. وكان من المفترض بذلك تهدئة كل شكّ ظاهر بين المؤمنين الحقيقيين.



مؤيدو دونالد ترامب الإنجيليون والمسيحيون المحافظون الآخرون أوفياء له. ولكن المشكلة التي تواجهها المسيحية لا تكمن في السياسة، بل في الرعايا، مع الرعاة، وبين شعب يتزايد عنده عدم الإيمان.



المسيحية في الحقيقة تتراجع في الولايات المتحدة. وتضاؤل المسيحية لن يشكل كارثة فحسب بالنسبة إلى الكنيسة، بل أيضاً فاجعة بالنسبة إلى المجتمع المدني بطرق لا يقدّرها الأمريكيون العلمانيون.



لكن التحضير لهذا المستقبل التالي للمسيحية يتطلب تقييماً صادقاً للكنيسة المعاصرة والعالم المعاصر. هذا مؤلم، لكن الإنكار سيجعل التقديرات المحتومة أسوأ.



أولاً، يبتعد الأمريكيون عن الكنيسة بأعداد غير مسبوقة. فوفقاً لدراسة أجراها مركز بيو سنة 2014، يرفض أكثر من شخص بين ثلاثة آلاف الارتباط بتقليد ديني. ومن المرجح أن يبقى معظم هؤلاء الراشدين الشباب بعيدين عن الكنيسة فيما يكبرون في السن.



هذا التغيير المتعلق بالأجيال يُعتبر نقطة تحول. وقد استنتج عالمان اجتماعيان خلال السنة الفائتة أن الولايات المتحدة لم تعد مثالاً معاكساً عن علمنة الغرب. أمريكا سائرة على درب الانحطاط الديني عينها التي تسير في مقدمتها أوروبا وكندا.



ثانياً، الإيمان الذي يجاهر به المسيحيون الأمريكيون ضعيف بشكل مذهل من الناحية الأخلاقية واللاهوتية. فقد اكتشف عالم اجتماعي أن “الربوبية العلاجية الأخلاقية” أزاحت المسيحية الحقيقية كالديانة الفعلية للمسيحيين الأميركيين.



فالربوبية العلاجية الأخلاقية هي ديانة مزيفة تتخلص من عقائد المسيحية البيبلية التاريخية وتستبدلها بعقاقير روحية غامضة. وأسمى هدف في الحياة الدينية عندها هو السعادة والرضا عن النفس. إنها أفضل ديانة من أجل ثقافة أنانية واستهلاكية. لكنها ليست “المسيحية”.



منذ ثمانينيات القرن الماضي، علّق المسيحيون المحافظون آمالاً كبيرة على السياسة الجمهورية. فلا ضيرَ في أن نحمل نحن المسيحيون إيماننا إلى النطاق العام، لكن نموذج “الحق الديني” القائم على الفكرة القائلة بأن الشعب الأمريكي أكثرية سليمة أخلاقياً تقوده نُخب ليبرالية فاسدة لم يكن دقيقاً.



لقد ساعد المسيحيون المحافظون في انتخاب رجال سياسة جمهوريين، لكن هذا لم يضع حداً للانزلاق نحو العلمنة. وكثيرون يتحدثون عن الاستراتيجيات الفاشلة التي لم تفشل فقط في هداية الأمريكيين، بل لم تبذل جهوداً كبيرة لوقف مطابقة المسيحيين مع معايير ومعتقدات علمانية. السيد ترامب ليس حلاً لهذه الأزمة الثقافية، بل أحد أعراضها.



هذا ليس زمناً طبيعياً. ففي إحدى المرات، قال البابا بندكتس السادس عشر بذاته أن الأزمة الروحية التي يواجهها الغرب أسوأ من أي شيء منذ سقوط الامبراطورية الرومانية في القرن الخامس.



لهذا السبب، يُعتبر القديس بندكتس النورسي مناسباً جداً للمسيحيين المعاصرين. فقد أسس الرهبنة البندكتية وسط الفوضى وانحطاط روما الامبراطورية. كان يبحث عن طريقة لخدمة الله بأمانةٍ خلال تدهورٍ حضاري مطوّل. وبعد وفاته نشأت في أوروبا الغربية مئات وآلاف الأديرة التي اتبعت قانونه وساعدت على حفظ الإيمان في الأزمنة المظلمة وأسست لنهضة الحضارة من الهجمية.



المسيحيون العلمانيون في القرن الحادي والعشرين ليسوا مدعوين طبعاً إلى أن يكونوا رهباناً حبساء. ولكن، لا بد أن نبتعد قليلاً عن العالم من أجل بناء إيمان قويم وتعلم ممارسات التلاميذ وتعزيز جماعاتنا. ومن الممكن تكييف الممارسات اليومية للروحانية البندكتية مع الحياة المسيحية العادية في العالم. فإن لم نفعل ذلك، لن نتجاوز المحن بإيمان سليمٍ.



إضافة إلى ذلك، لم يخطط القديس بندكتس لإنقاذ الحضارة الغربية، بل أراد فقط أن يخدم الله في زمن اضطرابات غير مسبوقة ويرشد الآخرين إلى القيام بالأمر عينه. والغرب مدين لهذا القديس وأتباعه القروسطيين الذين حمل إيمانهم ثماراً مذهلة بعد وفاتهم. هذه التجربة تظهر للمسيحيين أنه ينبغي علينا ألا نفكر بالدورات الانتخابية بل بالقرون الآتية.



في هذا الصدد، قال الفيلسوف ألاسدير ماكنتير سنة 1981 لدى ملاحظة التجزئة الثقافية المستمرة للغرب، أننا ننتظر شخصاً جديداً مثل القديس بندكتس. وإذا لم نفتح نحن المسيحيين عيوننا لرؤية الواقع القاسي لوضعنا المسيحي المنفي في بابل الأمريكية، فلن نرى هذا الشخص الجديد الذي يشبه القديس بندكتس عند مجيئه


إذا كنا نريد أن نعيش ونناضل، ينبغي علينا أن نركب تلك السفن الصغيرة ونُبحر نحو مرفأ آمن لنبني أنفسنا من جديد. في مطلع القرون الوسطى، كانت الكنائس والأديرة تلك السفن الصغيرة التي حملت الإيمان والمؤمنين وسط بحر مظلم وهائج. بإمكانها ولا بد لها أن تكون كذلك مجدداً.

https://ar.aleteia.org/2017/08/03/%d...a%d8%ad%d9%8a/