هل جادلَ نوحٌ ربَّه عن هلاكِ ابنِه، وهل كان من صُلبه؟ !

مِنَ الشبهاتِ التي أثارَها المعترضون حول نبيِّ اللهِ نوحٍu أنّهم ذكروا شبهتَيْن حولَ قولِ اللهِ I: ]وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ(45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ(46) قَالَ رَبِّ إنّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الخَاسِرِينَ(47) [(هود).

الشبهةُ الأولى: قالوا: كيف يسألُ نوحٌ النبيُّ ربَّه ما لا يجوزُ طلبَه، وهو إنقاذُ ابنِه مع أنّ اللهَ قال له: ]وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ(37) [(المؤمنون)؟!

الشبهةُ الثانية: قالوا: كيف ينسبُ لنوحٍ النبيِّ أنّ ابنَه غيرُ شرعيٍّ كما هو ظاهرُ مِنَ الآيةِ، وكما قال بعضُ المفسّرين، وذلك مِن قولِه: ] قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ... [.


الردُّ على الشبهتَيْن


أولًا: أبدأُ بالردِّ على الشبهةِ الأولى ردًّا قولهم: كيف يسألُ نوحٌ النبيُّ ربَّه ما لا يجوزُ طلبَه، وهو إنقاذُ ابنِه مع أنّ اللهَI قال له: ]وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ(37) [(المؤمنون)؟!

الجوابُ: أنّ نوحًا u لم يكنْ يعلمُ أنّ نسبَه بابنِه قد انقطع بكفرِه باللهِ، وليس ذلك لعدمِ امتثالِه لأمرِه I كما يظن المعترضون الواهمون....

فَهِمَ نوحٌ u أنّ اللهَI وعدَه بنجاةِ أهلِه الذين منهم ابنه؛ أهل النسبِ والدمِ... ولكنّ مُرادَ اللهِ I كان بخلافِ ما فهِمَ نوحٌ u من خطابِ ربِّه له؛ فكان المقصودُ بأهلِه هم المؤمنون بدعوتِه u للهِ I أهلِ الدينِ...
وهذا ما جاء في قولِه I: ] فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ(27) [(المؤمنون).

ثم إنّ المتأمّلَ في كتابِ اللهِ I يجدُ أنّ الآياتِ الأخرى بيّنت أنّ ابنَه مِنَ الذين ظلموا... يقولُ ]: I وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ(42) قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ المَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ المُغْرَقِينَ(43) وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(44) [(هود).

ثم توضّحُ الآياتُ التاليةُ مُرادَ اللهِ I من كلمةِ(أهلِك) التي استشكلَ فِهمُها على نوحٍ u: ] وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ(45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ(46) قَالَ رَبِّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الخَاسِرِينَ(47) [(هود).
وفي قراءةٍ بكسرِ الميمِ «عَمِل" فعل، ونصب «غَيْر" فالضمير لابنه.

نُلاحظُ: أنّ نوحًا u الذي غلبَته عاطفةُ الأبوّةِ لمّا فهِمَ مُرادَ اللهِ أنابَ إلى ربِّه؛ وذلك لمّا قال: ] رَبِّ إنّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الخَاسِرِينَ(47) [(هود).

فباركَه اللهُ I وأيّدَه، ومنحَه السلامَ التام، ثم أخبرَ اللهُ نبيَّه محمّدًا r بأنّ العاقبةَ للمتقين... وليس للقرابةِ والصلةِ علاقةٌ بالنجاةِ من عذابِ اللهِ I، فهاهو نبيُّنا محمّدٌ r أبَوَاهُ ماتا على غيرِ دينهِ-لم يدركوه- بل بعضُ أقاربِه ماتوا على الشركِ كما كان مِن نوحٍ النبيِّ u مع ابنِه وزوجتِه: ]قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ(48) تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ(49) [(هود).

إنّ قصّةَ نوحٍ وابنِه بيانٌ عمليٌّ لقولِ اللهِ I: ]لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(3) [(الممتحنة).

يبقى السؤالُ الذي يفرضُ نفسَه علينا هو: ما هو الذنبُ أو الخطيئةُ التي أقترفَها نوحٌ u حتى يطعنَ طاعنٌ في نبوّتِه وعصمتِه من كتابِ اللهِ I بعد بيانِ ما أشكلَ فهمُه على المعترضين...؟!

الجواب : عدم الفهم الصحيح لمرادِ الله I من نبيِّه نوح ليس ذنبًا أو مطعنًا في نبوته وعصمته...


ثانيًا: بالنسبة للردِّ على الشبهةُ الثانيةِ التي تقول: كيف يُنسبُ لنوحٍ النبيِّ أنَ ابنَه غيرُ شرعِيٍّ كما هو ظاهرٌ مِنَ الآيةِ، وكما قال بعضُ المفسّرين: ] قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ... [؟!


الجوابُ على ذلك بإيجازٍ شديدٍ يكونُ في الآتي:


أولًا: إنّ الآيةَ الكريمةَ ليس فيها أيُّ دليلٍ على أنّ ابنَه ابنٌ غيرُ شرعيٍّ(ابنُ زنا) وقد تقدّم معنا معْنى تفسيرِ الآيةِ تفسيرًا صحيحًا: ] إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ[أي: الذين آمنوا بدعوتِك فانقطعَ نسبُك به لكفرِه، وهذا يوضّح لنا أنّ الأخوّةَ في الدينِ أعظمُ مِن أخوّةِ الدم والأقربين...

ثانيًا: لم يردْ عن النبيِّ محمد r أنّه قال: إنّ نسبَ ابنِ نوحٍ لأبيه نسبٌ غيرُ شرعيٍّ.

ثالثًا: أمّا مَن قال مِنَ السلفِ والمفسّرين بأنّ نسبَ ابن نوحٍ لأبيه غيرُ شرعيّ فهذا كلامٌ لا دليلَ عليه، و لا نقبلُ قولًا إلا بدليلٍ واضحٍ جليلٍ...

قال ابنُ كثيرٍ - رحمَه اللهُ- في تفسيرِه: وقال ابنُ عباسٍ، وغيرُ واحدٍ مِنَ السلفِ: " ما زنتِ امرأةُ نبيٍّ قطّ " قال: وقولُه: { إنّه لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } أيْ: الذين وعدتُك نجاتَهم. وقولُ ابنُ عباسٍ في هذا هو الحقُّ الذي لا مَحيدَ عنه، فإنّ اللهَ سبحانَه أغْيَرُ مِن أنْ يُمَكّنَ امرأةَ نبيٍّ مِنَ الفاحشةِ ولهذا غضبَ اللهُ على الذين رمَوا أمَّ المؤمنين عائشةَ بنتَ الصدّيقِ زوجَ النبيِّ r، وأنكرَ على المؤمنين الذين تكلّموا بهذا وأشاعوه؛ ولهذا قال تعالى: { إنّ الذينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } إلى قولُه { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ } [النور 11-15]. وقال عبدُ الرزاق: أخبرَنا مَعْمَرُ، عن قتادةَ وغيرِه، عن عِكْرِمةَ، عنِ ابنِ عباسٍ قال: هو ابنُه غيرَ أنّه خالفَه في العملِ والنيّة. قال عكرمةُ: في بعضِ الحروفِ: "إنّه عَمِلَ عملا غيرَ صالحٍ"، والخيانةُ تكونُ على غيرِ بابٍ. وقد وردَ في الحديثِ أنّ رسولَ اللهِ قرأَ بذلك، فقال الإمامُ أحمدُ: حدّثنا يزيدُ بنُ هارونَ، حدّثنا حمّاد بنُ سلمةَ، عن ثابتٍ، عن شَهْرٍ بن حَوْشَبَ، عن أسماءَ بنتِ يزيدٍ قالت، سمعتُ رسولَ اللهِ r يقرأُ: "إنّه عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ"، وسمعتُه يقولُ: { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رحمة اللهِ إنّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } ولا يبالي { إنّه هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [الزمر53]. وقال أحمدُ أيضًا: حدّثنا وَكِيعُ، حدّثنا هارونُ النحَوّيّ، عن ثابتٍ البُنَاني، عن شَهْرِ بنِ حَوْشَبَ، عن أمِّ سلمةَ أنّ رسولَ اللهِ قرأَها: "إنّه عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ". أعاده أحمد أيضًا في مسنده أم سلمة هي أم المؤمنين والظاهر -واللهُ أعلمُ -أنّها أسماء بنت يزيد، فإنّها تكنى بذلك أيضا.
وقال عبد الرزاق أيضًا: أخبرنا الثوري وابن عيينة، عن موسى بن أبي عائشة، عن سليمان بن قَتَّة قال: سمعت ابن عباسٍ -سُئِل -وهو إلى جَنْب الكعبة - عن قولِ اللهِ: { فَخَانَتَاهُمَا } [التحريم10]، قال: أما وإنّه لم يكنْ بالزنا، ولكن كانت هذه تخبر الناس أنّه مجنون، وكانت هذه تدل على الأضياف. ثم قرأ: { إنّه عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } قال ابنُ عيينةَ: وأخبرني عمّار الدُهْبِي أنّه سألَ سعيدَ بنَ جُبيرٍ عن ذلك فقال: كان ابنُ نوحٍ، إنّ اللهَ لا يكذبُ! قال تعالى: { وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ } قال: وقال بعضُ العلماءِ: ما فَجَرَتِ امرأةُ نبيِّ قطّ. وكذا رُوِي عن مجاهدٍ أيضًا، وعكرمةَ، والضحاكِ، وميمونَ بنِ مِهْرانَ وثابتٍ بنِ الحجّاجِ، وهو اختيارُ أبي جعفرٍ بنِ جريرٍ، وهو الصوابُ الذي لا شكَّ فيه. اهـ

قلتُ: بعد بيان التفسير الصحيح أفترض جدلًا أن زوجة نوح كانت زانيةً (تخون الفراش وليس الدين) وأن ابنه ليس من صلبه، و أن أعلمه اللهُ سرَه بعد غرقِه، كي لا يحزن عليه ويبتأس بفقدانه....
ما هو ذنب نوحu في ذلك، وما هي المعصية الكبيرة التي فعلها؛ وهي التي لم يعلم بشأنها طيلة أيامه؟!



ثالثًا: إنّ المتأمّلَ في الكتابِ المقدّسِ يجدُه لم يذكرْ القصّةَ الذي ذكرَها القرآنُ الكريمُ(نوح وابنه)، وهذا مِصداقٌ لقولِ اللهِ للنبيِّ محمد r: ]تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ(49) [(هود).

ويجدُه(الكتابَ المقدّسِ) نسبَ لنبيَّ اللهِ نوحٍ u أنّه سكِرَ وتعرّى، ثم لعنَ ابنَه وأنشأ الفُرقةَ، والعنصريّةَ بين أبنائِه، وذلك في سفرِ التكوينِ أصحاح 9عدد 18 " وَكَانَ بَنُو نُوحٍ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنَ الفُلْكِ سَامًا وَحَامًا وَيَافَثَ. وَحَامٌ هُوَ أَبُو كَنْعَانَ. 19هؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ هُمْ بَنُو نُوحٍ. وَمِنْ هؤُلاَءِ تَشَعَّبَتْ كُلُّ الأَرْضِ. 20وَابْتَدَأَ نُوحٌ يَكُونُ فَلاَّحًا وَغَرَسَ كَرْمًا. 21وَشَرِبَ مِنَ الخَمْرِ فَسَكِرَ وَتَعَرَّى دَاخِلَ خِبَائِهِ. 22فَأَبْصَرَ حَامٌ أَبُو كَنْعَانَ عَوْرَةَ أَبِيهِ، وَأَخْبَرَ أَخَوَيْهِ خَارِجًا. 23فَأَخَذَ سَامٌ وَيَافَثُ الرِّدَاءَ وَوَضَعَاهُ عَلَى أَكْتَافِهِمَا وَمَشَيَا إِلَى الْوَرَاءِ، وَسَتَرَا عَوْرَةَ أَبِيهِمَا وَوَجْهَاهُمَا إِلَى الْوَرَاءِ. فَلَمْ يُبْصِرَا عَوْرَةَ أَبِيهِمَا. 24فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ نُوحٌ مِنْ خَمْرِهِ، عَلِمَ مَا فَعَلَ بِهِ ابْنُهُ الصَّغِيرُ، 25فَقَالَ: «مَلْعُونٌ كَنْعَانُ! عَبْدَ الْعَبِيدِ يَكُونُ لإِخْوَتِهِ». 26وَقَالَ: «مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ سَامٍ. وَلْيَكُنْ كَنْعَانُ عَبْدًا لَهُمْ. 27لِيَفْتَحِ اللهُ لِيَافَثَ فَيَسْكُنَ فِي مَسَاكِنِ سَامٍ، وَلْيَكُنْ كَنْعَانُ عَبْدًا لَهُمْ»".

نُلاحظُ: مِن فعْلِ نوحٍ أنّه بدلًا مِن أنْ ينصحَ ابنَه الصغيرَ للتصرّفِ الصحيحِ مع الوالدِ حينما سكِرَ وتعرّى، نجِدُه قد صبَّ لعناتِه على كنعانَ ابنِ حامَ، كنعانُ الذي لعله لم يُخلقْ بعد...

وعليْه أتساءل:

1- ما ذنبُ كنعانَ حتى يصبَّ نوحٌ لعانتِه عليه...؟!
2- ما ذنبُ أبيه الذي لم يستحقْ هذا كلُّه...؟!
3- ماذا عن الأبِ(النبيّ نوحٍ) الذي شربَ الخمرَ فسكرَ وتعرّى، ما الذي يستحقُّه من عقاب...؟!
4- هل اعتبرَتِ التوراةُ سُكرَ نوحٍ وتعرّيهِ من ملابِسه معصيةً، أم مرَّتِ القصّةُ مرورَ الكرامِ...؟!
5- هل عاتبَه ربُّه على ذلك، أم أن السكر كان حلالًا؟!

إذًا يبقى السؤالُ الذي يطرحُ نفسَه هو: هل النبيُّ نوح الذي وصفتَه التوراةُ بهذه الأوصافِ يُقتدى به، ويُحترمُ عند القارئ العاقلِ المُنصفِ...؟!

إنّ اللهَI كرّمَ أنبياءَه في كتابِه المجيد، وجعلَهُم أسوةً لكلّ سعيد؛ قال I للنبيِّ محمد: ]أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنبوّة فإنّ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ(89) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ(90) [(الأنعام).


كتبه / أكرم حسن مرسي
نقلا عن كتابي / رد السهام عن الأنبياء الأعلام