هل أخطأ آدمُ فأخطأت ذرّيّتُه بالتوارث؟!

قال المعترضون لبعضِ المسلمين: تُنكرون علينا عقيدتَنا في توارثِ الخطيئةِ الأصليّةِ (خطيئةِ آدمَ) ولا تنكرون كلامَ نبيِّكم الذي يُؤكدُ توارثَ الخطيئةِ الأصلية من آدمَ، ولذلك لما قال: " فَجَحَدَ آدمُ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ وَنَسِىَ آدمُ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ وَخَطِئَ آدمُ فَخَطِئَتْ ذُرِّيَّتُهُ !.

تعلّقوا على ذلك بما ثبتَ في سننِ الترمذيّ كتاب (تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ عن رسولِ اللهِ r) باب(وَمِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ). برقمِ 3002 عن أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:" لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدمَ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَسَقَطَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلُّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَجَعَلَ بَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ وَبِيصًا مِنْ نُورٍ ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى آدمَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ مَنْ هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ ذُرِّيَّتُكَ فَرَأَى رَجُلًا مِنْهُمْ فَأَعْجَبَهُ وَبِيصُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ مَنْ هَذَا؟
فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ آخِرِ الْأُمَمِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ يُقَالُ لَهُ دَاوُدُ. فَقَالَ: رَبِّ كَمْ جَعَلْتَ عُمْرَهُ؟ قَالَ: سِتِّينَ سَنَةً.قَالَ: أَيْ رَبِّ زِدْهُ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعِينَ سَنَةً. فَلَمَّا قُضِيَ عُمْرُ آدمَ جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ. فَقَالَ: أَوَلَمْ يَبْقَ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعُونَ سَنَةً؟
قَالَ: أَوَلَمْ تُعْطِهَا ابْنَكَ دَاوُدَ؟
قَالَ: " فَجَحَدَ آدمُ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ، وَنُسِّيَ آدمُ فَنُسِّيَتْ ذُرِّيَّتُهُ وَخَطِئَ آدمُ فَخَطِئَتْ ذُرِّيَّتُهُ ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ r.


الردُّ على الشبهةُ

أولًا: إنّ اللهَ I لم يكتبْ على الإنسانِ أنْ يحمِلَ خطيئةَ أخيه أو أمه أو أبيه.....
بل كلُّ إنسانٍ يُحاسبُ على عملِه؛ هذا مِن رحمتِه وعدلِه I أنّه لا يُعذّبُنا بذنوبِ غيرِنا... تُدلّلُ على ذلك أدلّةٌ منها:

1- قولُه I: ]أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى(38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى(39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى(40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى(41) [(النجم).

2- قولُه] : I فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ(7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ(8) [(الزلزلة).

3- قولُه I ]:وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا(13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا(14) مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عليْها وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا(15) [(الإسراء).

4- قولُه I: ]لاتُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ(232) [ البقرة).

5- قولُه I: ]وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا(111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)112)) [ النساء).

6- قولُه I: ]وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ(48) [(البقرة).

7- قولُه I: ]يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ(30) [(آل عمران).

8- قولُه I: ]قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عليْها وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(164) [(الأنعام).

وبيّنَ النبي محمد rأنّ كلَّ الناسِ يُخطئون لأنّهم بشرٌ، ولكنْ خَيرَهم مَن يتوبُ إلى اللهِ I وأنّ اللهَ يُحاسبُ على الأعمالِ التي يعملُها الإنسانُ في حياتِه الدنيا ولا يحاسب على أعمال غيره...
ثبت ذلك في الآتي:

1- سننُ الترمذيِّ برقمِ 2423 عَنْ أَنَسٍ أنّ النبيَّ قالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " كُلُّ ابْنِ أدمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ " صحّحَه الألبانيُّ في السلسةِ الصحيحةِ برقمِ 2984.


2- صحيحُ البخاريّ برقمِ 3264 عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ t أنّ النبيَّr قَالَ: " يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللَّهِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللَّهِ، يَا أُمَّ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، اشْتَرِيَا أَنْفُسَكُمَا مِنَ اللَّهِ، لاَ أَمْلِكُ لَكُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، سَلاَنِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتُمَا ".
الحديثُ السابقُ بيانٌ فعلي لقولِهI : ]لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(3) [(الممتحنة).

وعليه: فقد سقطَ ادِّعاؤُهم بأنّ الإسلامَ فيه توارثُ الخطيئةِ...


ثانيًا: إنّ الحديثَ الذي تعلّقوا به حديثٌ حسنٌ؛ حسّنَه الألبانيُّ في السلسةِ الصحيحةِ برقمِ 118 ولكنْ معنى الحديثِ هو الذي أشْكَلَ على المعترضين...

نلحظُ شُبْهَتَهم مِن قوله r: " فَجَحَدَ آدمُ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ وَنَسِىَ آدمُ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ وَخَطِئَ آدمُ فَخَطِئَتْ ذُرِّيَّتُهُ ".

في ظنِّهم أنّ هذا الحديثَ يُفيدُ توارثَ الخطيئةِ؛ وهذا باطلٌ لأنّ الحديثَ يتحدّثُ عن توارثِ الطباعِ والصفاتِ التي جُبِلَ عليْها الإنسانُ؛ فكلُّ الناسِ ينسَون، ويجحدون، ويُخطئون... ولكن بتفاوت؛ لأنّهم خُلقوا ضِعافًا لا عزْمَ لهم...
وقد استثنى النبيُّ محمد النبيَّ يحيى، وصفه بأنه لم يعص ولم يهم بمعصية؛ ويحيىu من ذرية آدم ولم يعص ربَّه،فكيف يكون هناك توارث خطيئة....؟!
وكما ذكرتُ أن نسل آدمu متفاوت في وراثة الطباع والصفات من أبيهم ، فهناك شخص شديد الحسد لغيره وآخر أقل منه وهذا أمر نفسي لا يُعد معصية...وهناك من يكثر الجحود لنعم لسيده-بسبب شبهة أو نسيان - وهو أكثر عند النساء من الرجال... والحقيقية أن النسيان ليس عصيانًا وكذلك الجحود إلا إذا فعل الإنسان الأذى بالقول أو العمل...

يُدلّلُ على ذلك أدلّةٌ منها:

1- قولُه: I ]يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا(28) [(النساء).

2- قولُه I: ]وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى أدمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا(115) [(طه).

3- قولُهI: ]وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أنّه نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ(42) [(يوسف).

4- قولُه I: ]قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا(73) [(الكهف).

5- قولُهI لنبيِّه محمّدٍ r: ]وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا(23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا(24) [(الكهف).

6- قولُه I عن الصالحين: ] رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [(البقرة).

7- قولُه rكما في سننِ ابنِ ماجةَ برقمِ 2033 عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " إنّ اللهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ".
تحقيقُ الألبانيِّ: صحيحُ، المشكاة(6284)، الإرواء(82).

إذًا: الإنسانُ ما سُمِّيَ إنسانًا إلا لأنّه كثيرَ النسيانِ المتوارثِ عن طباعِ أبيه آدمَ: ]وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا(115) [(طه).

وأما بيان شرحِ الحديثِ الذي معنا هو ما جاءَ في تحفةِ الأحوذي قال صاحبُها:

(فَجَحَدَ آدمُ) أَيْ: ذَلِكَ لأنَّهُ كَانَ فِي عَالَمِ الذَّرِّ فَلَمْ يَسْتَحْضِرْهُ حَالَةَ مَجِيءِ مَلَكِ الْمَوْتِ لَهُ(فَجَحَدَ آدمُ) أَيْ: أَنْكَرَ آدَمُ
(فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ): لأنَّ الْوَلَدَ سِرُّ أَبِيهِ.
(فَنَسِيَ آدمُ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ): لأنَّ الْوَلَدَ مِنْ طِينَةِ أَبِيهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَاهُ أنَّ آدم نَسِيَ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ فَجَحَدَ فَيَكُونُ اِعْتِذَارًا لَهُ إِذْ يَبْعُدُ مِنْهُ u أَنْ يُنْكِرَ مَعَ التَّذَكُّرِ. اهـ

وأنبه بأن الفاء في قولهu : " فَجَحَدَ آدمُ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ، وَنُسِّيَ آدمُ فَنُسِّيَتْ ذُرِّيَّتُهُ وَخَطِئَ آدمُ فَخَطِئَتْ ذُرِّيَّتُهُ". هي فاء تبعية ،مثل: (الواو أو ثم) ، والمعنى ثم جحد آدمُ ثم جحدت ذُرِّيَّتُهُ....وليست سببيه كما يزعم البعضُ جهلًا...


ثالثًا: إنّ الناظرَ في الكتابِ المقدّسِ يجدُ فيه أنّه ليس لأحدٍ أنْ يحملَ ذنبَ أحدٍ؛ ليس فيه توارثُ الخطيئةِ، بل إنّ يسوع المسيحَ u لم يذكرْ اسمَ آدَمَ قطّ بحسبِ ما جاءَ في الأناجيلِ، وهذا يُفيدُ بأنّ المسيحَ ما تكلّمَ عن خطيئةِ آدَمَ قطّ(الخطيئةِ الأصليّةِ)!

بل مؤسّسُ هذه العقيدةِ هو بولسُ الذي يقولُ في رسالتِه إلى العبرانيين أصحاح 9 عدد 22 " وَكُلُّ شَيْءٍ تَقْرِيبًا يَتَطَهَّرُ حَسَبَ النَّامُوسِ بِالدَّمِ، وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ! ".

وفي رسالتِه إلى غلاطيةَ أصحاح 3 عدد13 " اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ".
والحقيقة أنها نصوص متعارضة لنصوص أخرى لاحقة معنا...

وجاء في العهد القديم مزمور 51 عدد 5"هاأنذا بالإثم صوّرت وبالخطية حبلت بي أمي".
وقد يُحمل على عدة معانٍ منها: أنه يقصد بأن اللهَ قدر عليه بأنه سيفعل الخطية....
وهذا كلام يشبه ما قاله آدمُ لموسى في حديث الاحتجاج :" "أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي".(صحيح مسلم).

بل إنّ المدقّقَ يجدُ يسوع َالمسيحَ u كان يتضرّعُ بالصلاةِ والصراخِ للهِ كي يُبْعِدَ عنه كأسَ الموتِ، فلم يريد أن يُعذب أو يُقتل، ولا يعرفُ شيئًا يُسمى بالخطيئة الأصلية...
جاء في رسالةِ العبرانيين أصحاح 5 عدد 7 " إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طَلِبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاه".
قال ذلك قبل أن يقبض عليه اليهود وجند الرومان....

ويبقى السؤلُ:

1- هلِ المسيحُ u معلونٌ (مطرودٌ من رحمةِ اللهِ I) بحسبِ كلامِ بولسَ ؟!
2- هل هناك إلهٌ ملعونٌ؟
3- كيف لإلهٍ ملعونٌ أنْ يُعْبَدُ؟!
4- ألم يكن يسوع يصلي ويصرخ لله؟!
5-ألم يستجيب الله لدعائه بأن ينجيه كما جاء في النص فلم يقتل؟!
جاءَ في سفرِ التثنيةِ إصحاح 21 عدد 22 " وَإِذَا كَانَ عَلَى إِنْسَانٍ خَطِيَّةٌ حَقُّهَا الْمَوْتُ، فَقُتِلَ وَعَلَّقْتَهُ عَلَى خَشَبَةٍ، 23فَلاَ تَبِتْ جُثَّتُهُ عَلَى الْخَشَبَةِ، بَلْ تَدْفِنُهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، لأنّ الْمُعَلَّقَ مَلْعُونٌ مِنَ اللهِ.. ".

فالذي يُعَلَّقُ على خشبةٍ معلومٌ أنّه مُجرمٌ ملعونٌ، وذلك بحسبِ الكتابِ المقدّسِ؛ فما هو الذنبُ الذي اقترفَه يسوع المسيحُ؟!
أليس هو الإله الصالح المعصوم من الأخطاء؟!

نحن - المسلمين - بَرَّأْنا المسيحَ من الموت على الصلبِ، ولم نجعلْه ملعونًا بل كرّمْنا هذا النبيَّ المكرّمَ...


وأقولُ: إنّ هناك نصوصًا كثيرةً تنفي تمامًا توارثَ الخطيئةَ مِنَ الكتابِ المقدّسِ نفسِه، وتتعارض تماما مع ما قاله بولس....
وأتركُ المجالَ للنصوصِ كي تتحدّثُ عن نفسِها مع بعض التساؤلات حولها،كما يلي:

1- سفرُ التثنيةِ إصحاح 24 عدد 16 " لا يُقْتَلُ الآبَاءُ عَنِ الأَوْلادِ وَلا يُقْتَلُ الأَوْلادُ عَنِ الآبَاءِ. كُلُّ إِنْسَانٍ بِخَطِيَّتِهِ يُقْتَلُ".

2- سفرُ الأمثالِ إصحاح 18 عدد 20 " إِنَّ الأَشْرَارَ يَكُونُوا كَفَّارَةً لِلْأَبْرَارِ, اَلشِّرِّيرُ فِدْيَةُ الصِّدِّيقِ".

أتساءل: هل كان يسوعُ المسيحُ مِنَ الأشرارِ بينما البشرِ العصاةِ كانوا مِنَ الأبرارِ؟!

3- سفرُ أخبارِ الأيامِ الثاني إصحاح 7 عدد 14 " فَإِذَا تَوَاضَعَ شَعْبِي الَّذِينَ دُعِيَ اسْمِي عَلَيْهِمْ وَصَلُّوا وَطَلَبُوا وَجْهِي وَرَجَعُوا عَنْ طُرُقِهِمِ الرَّدِيئَةِ فَإنّي أَسْمَعُ مِنَ السَّمَاءِ وَأَغْفِرُ خَطِيَّتَهُمْ وَأُبْرِئُ أَرْضَهُمْ ".
أتساءل: أليس هذا هو قانونُ اللهِ الذي يقبلُه العقلُ، ويدلُّ على عدلِه I؟ فلماذا الصلبُ والفداءُ إذا كان الربُّ يغفر للتائب؟!

4- سفرُ التكوينِ إصحاح 3 عدد 21 " وَصَنَعَ الرَّبُّ الإِلَهُ لِأدَمَ وَامْرَأَتِهِ أَقْمِصَةً مِنْ جِلْدٍ وَأَلْبَسَهُمَا."
أتساءل :الربُّ صنعَ لهما بنفسِه هذه الأقمصةِ ! أليس ذلك دليلًا على غُفرانِ اللهِ لذنبِهما؟!

ثم إنّ المفاجئةَ الكُبرى للمعترضين هي أنّ يسوع المسيحَ بيّنَ للجميعِ أنّ العملَ الصالحَ يُنجي مِنَ المهالكِ، ويُدخلُ العبدَ ملكوتَ اللهِ، وليس شيئًا آخر...

جاء ذلك في الآتي:

1- إنجيلُ لوقا إصحاح 18 عدد 18 " وَسَأَلَهُ رَئِيسٌ قِائِلًا:«أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟" 19فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ:«لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ. 20أَنْتَ تَعْرِفُ الْوَصَايَا: لاَ تَزْنِ. لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ». 21فَقَالَ:«هذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي». 22فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ ذلِكَ قَالَ لَهُ:«يُعْوِزُكَ أَيْضًا شَيْءٌ: بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَوَزِّعْ عَلَى الْفُقَرَاءِ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي». 23فَلَمَّا سَمِعَ ذلِكَ حَزِنَ، لأَنَّهُ كَانَ غَنِيًّا جِدًّا. 24فَلَمَّا رَآهُ يَسُوعُ قَدْ حَزِنَ، قَالَ:«مَا أَعْسَرَ دُخُولَ ذَوِي الأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ!... ".

2- إنجيلُ مَتَّى إصحاح 19 عدد 16 " وَإِذَا وَاحِدٌ تَقَدَّمَ وَقَالَ لَهُ:«أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، أَيَّ صَلاَحٍ أَعْمَلُ لِتَكُونَ لِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ؟" 17فَقَالَ لَهُ:«لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ. وَلكِنْ إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ فَاحْفَظِ الْوَصَايَا». 18قَالَ لَهُ:«أَيَّةَ الْوَصَايَا؟» فَقَالَ يَسُوعُ:«لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَزْنِ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ. 19أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، وَأَحِبَّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ». 20قَالَ لَهُ الشَّابُّ: «هذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي. فَمَاذَا يُعْوِزُني بَعْدُ؟" 21قَالَ لَهُ يَسُوعُ:«إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلًا فَاذْهَبْ وَبِعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي». 22فَلَمَّا سَمِعَ الشَّابُّ الْكَلِمَةَ مَضَى حَزِينًا، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَال كَثِيرَةٍ... ".

نُلاحظُ مِنْ خلالِ ما سبقَ: أنّ المسيحَ لم يقلْ للسائلِ: هل تُؤمنُ بعقيدةِ الفداءِ والصلبِ؟ لا؛ بل قال له: تشهدُ أنّ اللهَ Iوحدَه هو الإلهُ الصالحُ(أيْ: توحِّدُ اللهَ)، ثم تأتى بوصايا موسى، وبالأعمالِ الصالحةِ.
وأخيرًا صدق الله I لما قال: ]بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ(39) [(يونس).

كتبه/ أكرم حسن مرسي