هل اللهُ يرسل الشياطين على الكافرين ليضلهم؟!

وردت شبهة يثروها المعترضون مرارًا وتكرارًا مفادُها أن الله يُرسل الشياطين على الكافرين كي يعصونه ويكفرن به، وهو بذلك لم يرد لهم الهداية والخير، فكان الأولى أن يهديهم بدلًا من إضلالهم؛يرسل لهم ملائكة لا شياطين ....!

تعلقوا على ذلك بقول الله I: " أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) " (مريم ).


الرد على الشبهة


أولًا: إن اللهَ Iليس بظلامٍ للعبيد، فلا يظلمُ نفسًا شيئًا... دلت على ذلك أدلة كثيرة منها:

1- قوله I : ]ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيد ِ[(آل عمران).
2- قوله I: ]إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) [(النساء).
3- قوله I : ]مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ [ (فصلت46) .
4-قوله I: ]وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لِّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ [ (هود 101) .
5- قوله I لنبيِّه r : ]وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً[ (الكهف49 ).

وعليه: فإن اللهI ليس بظلامٍ للعبيد، وما سبق وغيره يدل على عدلهِ وفضله I ....


ثانيًا : إن معنى الآية التي أتى بها المعترضون وأولوها على غير مرادِ اللهI ، ليثيروا الافتراءات والشبهات ليس فيه صحيح بل كذب صريح.... فلآيةُ لها تفسير يختلف عن ما جاء في سياق طرحهم الشبهة، وذلك يكون من خلال الجمع بين الآيات؛ النظر للسياق العام(السابق واللاحق)..

فالمعنى ببساطة: أن الله I يريد الهدايةَ لخلقه، ولكن بعضهم هو من يريد الضلال، ويتبعوا باختيارهم الشيطان ويتركون الرحمن؛ فيكون الجزاءُ عقابًا وفاقًا، وهو أن يخلي اللهُ I بينهم وبين شياطينهم، فيتركهم لاختيارهم ولا يعصمهم منهم....
فمن يُرد الهداية يهيئ له اللهُ الأسباب، منها: إرسال الملائكة للتثبيت والتأيد...
، ومن يرد الضلال يرسل عليه الشياطين التي تعينه على ضلاله، ثم يُخلد في العذاب...

دل على ذلك أدلةٌ كثيرة منها:

1- قولهI : ] وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [ (الإسراء15).
2- قولهI : ] لَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)) [النحل).
نلاحظ من الآيتين : أن من عدل الله Iأنه لا يعذب إنسانًا إلا بعد إرسال الرسل، وإنزال الكتب وإقامة الحجة والبينة...

3-قولُه I :" وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17)" (فصلت).
نلاحظ من الآية: أن اللهI أرد الهداية لقوم ثمود، لكنهم هم من استحبوا العمى عن الهداية ؛ فعاملهم الله بعدله لا برحمته وهو إنزال عقابه وعذابه لمخالفة أمره وتكذيب نبيه...


وأما الآية التي معنا - محل الاعتراض- هي مثل سابقيها؛ لما اختار الكفارُ طريقَ الضلال، ورفضوا طريق الحلال والاستغناء عن ذي الجلال، خلى اللهُ بينهم وبين شياطينهم وأيامهم، ولم يمنعهم عنهم غيهم لإجرامهم في حق ربهم؛ فهذا هو حال المجرمين بخلاف حال المتقين كما تذكرت الآيات كاملات ...
قوله تعالى : " وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82) أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86)"(مريم).
فالله يخلي بين الشياطين والكافرين، ويعصم المؤمنين والمتقين..
يقول سبحانه عن الشيطان : " إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)"(النحل).

وبهذا فقد ظهر كذبُ المعترضين، وسوء تأويليهم عن الحق المبين.....



ثالثًا:إن الذي يضل الناسَ ولا يريد هدايتهم، ويرسل عليهم الشياطين، ويقسي قلوب البشر والمرسلين هو الربُّ الذي يؤمن به المعترضون المنصّرون – بحسب نصوص كتابهم المقدس- كما يلي:

1- سفر الخروج إصحاح 10 عدد1ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «ادْخُلْ إِلَى فِرْعَوْنَ، فَإِنِّي أَغْلَظْتُ قَلْبَهُ وَقُلُوبَ عَبِيدِهِ لِكَيْ أَصْنَعَ آيَاتِي هذِهِ بَيْنَهُمْ.
الملاحظ: أن اللهَ هو من قسي قلبَ فرعونَ وعبيدِه ؛ ليُهلكهم كما ذكر النصُ وغيرُه من السفر نفسه، ففي الإصحاح 7 عدد 3وَلكِنِّي أُقَسِّي قَلْبَ فِرْعَوْنَ وَأُكَثِّرُ آيَاتِي وَعَجَائِبِي فِي أَرْضِ مِصْرَ. 4وَلاَ يَسْمَعُ لَكُمَا فِرْعَوْنُ حَتَّى أَجْعَلَ يَدِي عَلَى مِصْرَ، فَأُخْرِجَ أَجْنَادِي، شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِأَحْكَامٍ عَظِيمَةٍ.

2- سفر حزقيال إصحاح 14 عدد9فَإِذَا ضَلَّ النَّبِيُّ وَتَكَلَّمَ كَلاَمًا، فَأَنَا الرَّبَّ قَدْ أَضْلَلْتُ ذلِكَ النَّبِيَّ، وَسَأَمُدُّ يَدِي عَلَيْهِ وَأُبِيدُهُ مِنْ وَسْطِ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ. 10وَيَحْمِلُونَ إِثْمَهُمْ. كَإِثْمِ السَّائِلِ يَكُونُ إِثْمُ النَّبِيِّ.!
الملاحظ من النصين: أن اللهَ يضلُ النبيَّ الذي يُرسله ....!

3- سفر الملوك الأول إصحاح 22 عدد 23وَالآنَ هُوَذَا قَدْ جَعَلَ الرَّبُّ رُوحَ كَذِبٍ فِي أَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِكَ هؤُلاَءِ، وَالرَّبُّ تَكَلَّمَ عَلَيْكَ بِشَرّ»...

4- سفر حزقيال إصحاح 20عدد24لأَنَّهُمْ لَمْ يَصْنَعُوا أَحْكَامِي، بَلْ رَفَضُوا فَرَائِضِي، وَنَجَّسُوا سُبُوتِي، وَكَانَتْ عُيُونُهُمْ وَرَاءَ أَصْنَامِ آبَائِهِمْ. 25وَأَعْطَيْتُهُمْ أَيْضًا فَرَائِضَ غَيْرَ صَالِحَةٍ، وَأَحْكَامًا لاَ يَحْيَوْنَ بِهَا، 26وَنَجَّسْتُهُمْ بِعَطَايَاهُمْ إِذْ أَجَازُوا فِي النَّارِ كُلَّ فَاتِحِ رَحْمٍ، لأُبِيدَهُمْ، حَتَّى يَعْلَمُوا أَنِّي أَنَا الرَّبُّ.
الملاحظ من النصوصِ: أن الربَّ يضل البشرَ وينجسهم ...!

5- سفر إشعياء إصحاح 63 عدد17لِمَاذَا أَضْلَلْتَنَا يَا رَبُّ عَنْ طُرُقِكَ، قَسَّيْتَ قُلُوبَنَا عَنْ مَخَافَتِكَ؟ ارْجعْ مِنْ أَجْلِ عَبِيدِكَ، أَسْبَاطِ مِيرَاثِكَ.
5- سفر إرميا إصحاح16 عدد13فَأَطْرُدُكُمْ مِنْ هذِهِ الأَرْضِ إِلَى أَرْضٍ لَمْ تَعْرِفُوهَا أَنْتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ، فَتَعْبُدُونَ هُنَاكَ آلِهَةً أُخْرَى نَهَارًا وَلَيْلاً حَيْثُ لاَ أُعْطِيكُمْ نِعْمَةً.

6- رسالة بولس تسالونيكي الثانية إصحاح 2 عدد10وَبِكُلِّ خَدِيعَةِ الإِثْمِ، فِي الْهَالِكِينَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا مَحَبَّةَ الْحَقِّ حَتَّى يَخْلُصُوا. 11وَلأَجْلِ هذَا سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ اللهُ عَمَلَ الضَّلاَلِ، حَتَّى يُصَدِّقُوا الْكَذِبَ، 12لِكَيْ يُدَانَ جَمِيعُ الَّذِينَ لَمْ يُصَدِّقُوا الْحَقَّ، بَلْ سُرُّوا بِالإِثْمِ.


8- الربُّ يسلط الشيطانَ على نبيَّه أيوب كي يمرضه ويعذبه ....!
جاءَ ذلك في سفرِ أيوب الإصحاحِ الأوّل عدد 8 " فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ في الأرضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عنِ الشَّرِّ». 9فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: «هَلْ مَجَّانًا يَتَّقِي أَيُّوبُ اللهَ؟ 10أَلَيْسَ أَنَّكَ سَيَّجْتَ حَوْلَهُ وَحَوْلَ بَيْتِهِ وَحَوْلَ كلِّ مَا لَهُ مِنْ كلِّ نَاحِيَةٍ؟ بَارَكْتَ أَعْمَالَ يَدَيْهِ فَانْتَشَرَتْ مَوَاشِيهِ في الأرضِ. 11وَلكِنِ ابْسِطْ يَدَكَ الآنَ وَمَسَّ كُلَّ مَا لَهُ، فَإنّه فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ». 12فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هُوَذَا كُلُّ مَا لَهُ فِي يَدِكَ، وَإِنَّمَا إِلَيهِ لاَ تَمُدَّ يَدَكَ». ثمَّ خَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ أمامَ وَجْهِ الرَّبِّ".
ونقرأ أيضًا في الإصحاحِ الثاني مِن سفرِ أيوب عدد3 " فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ في الأرضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عنِ الشَّرِّ. وَإِلَى الآنَ هُوَ مُتَمَسِّكٌ بِكَمَالِهِ، وَقَدْ هَيَّجْتَنِي عَلَيْهِ لأَبْتَلِعَهُ بِلاَ سَبَبٍ». 4فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: «جِلْدٌ بِجِلْدٍ، وَكُلُّ مَا لِلإِنْسَانِ يُعْطِيهِ لأَجْلِ نَفْسِهِ. 5وَلكِنْ ابْسِطِ الآنَ يَدَكَ وَمَسَّ عَظْمَهُ وَلَحْمَهُ، فَإنّه فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ». 6فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَا هُوَ فِي يَدِكَ، وَلكِنِ احْفَظْ نَفْسَهُ».7فَخَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ حَضْرَةِ الرَّبِّ، وَضَرَبَ أَيُّوبَ بِقُرْحٍ رَدِيءٍ مِنْ بَاطِنِ قَدَمِهِ إِلَى هَامَتِهِ. 8فَأَخَذَ لِنَفْسِهِ شَقْفَةً لِيَحْتَكَّ بِهَا وَهُوَ جَالِسٌ فِي وَسَطِ الرَّمَادِ ". لا تعليقُ !

كتبه / أكرم حسن مرسي