هل إله الإسلام هو الذي أغوى الشيطان ؟ (الأعراف16 ).

قالوا: إن إله الإسلام هو من أضل الشيطان عن الحق والطريق المستقيم، فإذا بالشيطان يتعهدُ بإضلالِ البشرِ لأن الله هو الذي أضله أولًا…..
وقد كتب وقال بعضُهم : إن الشيطان كان مظلومًا ...

تعلقوا على ذلك بقوله: " قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ" (16)(الأعراف ).

وبقوله I : "قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39)"( الحجر).


الرد على الشبهة


أولًا: إن القرآن حكي حديثًا دائرًا بين الله I وبين الشيطان ؛ ولم يقل الربُّI إني قد أضللتك، بل ظن الشيطانُ سوءًا في داخله بأن اللهَ I أرد إضلاله، وذلك لما قال له اسجد لآدم فرفض! فظن بذلك أنه جذبه للضلال(الإغواء)...
جاء هذا الحديث في الآتي:


1- سورة الأعراف: "قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18) وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19)".

2- سورة الحجر:" قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42)"
فالله لم يغويه في الحقيقية ولم يرد إغوائه؛ إنما الكبر الذي بداخله هو من ألهاه وأغواه....
ثم وعد اللهَ بأنه سيغوي – سيضل – كل البشر خاصة المؤمنين إلا من سيجاهد..وذلك بعد أن صار من الغاوين.....


ثانيًا: إن قيل: إن هناك آيةً في القرآنِ تقولُ: إن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء، فما المناع من أن يكون الله أراد إضلاله ؟

قلتُ : إن الخلق مخيرون في اختار الخير و الشر، والحق والضلال، وإبليس رفض أمر اللهI بإرادته لما طلب منه I السجود لآدم مثل بقية الملائكة الحضور....

وعلى هذا أقول في قوله I : ]أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [ (فاطر8) .
إن اللهَ يهدي من يشاء فضلًا ، ويضل من يشاء عدلًا، يهدي من يستحق الهدايةَ، ويضلُ من يستحق الضلال، وذلك بعد النذيرِ، وإقامةِ الحجة والبراهين....
يدلل على ما سبق ما يلي:

1- قولهI : ] وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [ (الإسراء15).

2- قولهI : ]إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24)[ (فاطر).

3- قولهI : ] لَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)) [النحل).

4- قولهI : ]وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7) [ (الرعد).

5 - أن اللهَI لا يضل الأنبياءَ والرسلَ كما هو حال الكتابِ المقدس بل ينصرهم، ويدافع عنهم ...
يقول I ] : إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ [ (غافر51 ) .

6- ليس في كتابنا آياتٌ تدل على ظلمِ اللهِ لأنبيائِه ولعبادِه .... بل يقول I : ] إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) [ (النساء ).
7- قولهI :" وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17)"(فصلت).
نلاحظ من الآية: أن قوم ثمود هم أنفسهم لم يريدوا الهداية واختاروا الضلالةَ عن محبة وإيمان ..حتى أنهم استحبوا العمى على الهدى...

أما إبليس فقد زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حسنًا ، وذلك لما رفض أمر الله بالسجود لآدم واختار قياسًا فاسدًا ؛أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ...ثم الصق خطئه على ربَّه بأنه أضله، بل بدأ عداءً مع ربِّه وعباده I...


ثالثًا: إن الضلالَ الحقيقي الذي يدور في أذهانِ المعترضين هو ما نسبه الكتابُ المقدس إلى الربِّ بأنه كان يضل الأنبياءَ والبشرَ ويقسي قلوبَهم؛ بل ويضل طريقهم.... فما بالك بإضلال الشيطان؟!
جاء ذلك في عدة مواضعٍ كما يلي:

1- سفر الخروج إصحاح 10 عدد 1 " ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «ادْخُلْ إِلَى فِرْعَوْنَ، فَإِنِّي أَغْلَظْتُ قَلْبَهُ وَقُلُوبَ عَبِيدِهِ لِكَيْ أَصْنَعَ آيَاتِي هذِهِ بَيْنَهُمْ ".

الملاحظ : أن اللهَ هو من قسى قلبَ فرعونَ وعبيدِه ؛ ليُهلكهم كما ذكر النصُ وغيرُه من نفسِ السفر، ففي الإصحاح 7 عدد 3 " وَلكِنِّي أُقَسِّي قَلْبَ فِرْعَوْنَ وَأُكَثِّرُ آيَاتِي وَعَجَائِبِي فِي أَرْضِ مِصْرَ. 4وَلاَ يَسْمَعُ لَكُمَا فِرْعَوْنُ حَتَّى أَجْعَلَ يَدِي عَلَى مِصْرَ، فَأُخْرِجَ أَجْنَادِي، شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِأَحْكَامٍ عَظِيمَةٍ " .

2- سفر حزقيال إصحاح 14 عدد 9 " َإِذَا ضَلَّ النَّبِيُّ وَتَكَلَّمَ كَلاَمًا، فَأَنَا الرَّبَّ قَدْ أَضْلَلْتُ ذلِكَ النَّبِيَّ، وَسَأَمُدُّ يَدِي عَلَيْهِ وَأُبِيدُهُ مِنْ وَسْطِ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ. 10وَيَحْمِلُونَ إِثْمَهُمْ. كَإِثْمِ السَّائِلِ يَكُونُ إِثْمُ النَّبِيِّ ".!
الملاحظ من النصين: أن اللهَ يضلُ النبيَّ الذي يُرسله....!

وأتساءلُ: أليس هذا دليلًا على ضلالِ أنبياءِ الكتابِ المقدسِ بزعمِ تلك النصوصِ ؟!

3- سفر الملوك الأول إصحاح 22 عدد 23وَالآنَ هُوَذَا قَدْ جَعَلَ الرَّبُّ رُوحَ كَذِبٍ فِي أَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِكَ هؤُلاَءِ، وَالرَّبُّ تَكَلَّمَ عَلَيْكَ بِشَرّ»... !

4- سفر حزقيال إصحاح 20عدد 24 " لأَنَّهُمْ لَمْ يَصْنَعُوا أَحْكَامِي، بَلْ رَفَضُوا فَرَائِضِي، وَنَجَّسُوا سُبُوتِي، وَكَانَتْ عُيُونُهُمْ وَرَاءَ أَصْنَامِ آبَائِهِمْ. 25وَأَعْطَيْتُهُمْ أَيْضًا فَرَائِضَ غَيْرَ صَالِحَةٍ، وَأَحْكَامًا لاَ يَحْيَوْنَ بِهَا، 26وَنَجَّسْتُهُمْ بِعَطَايَاهُمْ إِذْ أَجَازُوا فِي النَّارِ كُلَّ فَاتِحِ رَحْمٍ، لأُبِيدَهُمْ، حَتَّى يَعْلَمُوا أَنِّي أَنَا الرَّبُّ ".
الملاحظ من النصوصِ: أن الربَّ بحسب ما نُسب إليه أضل البشرَ ونجسهم ...!

5- سفر إشعياء إصحاح 63 عدد 17 " لِمَاذَا أَضْلَلْتَنَا يَا رَبُّ عَنْ طُرُقِكَ، قَسَّيْتَ قُلُوبَنَا عَنْ مَخَافَتِكَ؟ ارْجعْ مِنْ أَجْلِ عَبِيدِكَ، أَسْبَاطِ مِيرَاثِكَ ".

6- سفر إرميا إصحاح16 عدد 13 " فَأَطْرُدُكُمْ مِنْ هذِهِ الأَرْضِ إِلَى أَرْضٍ لَمْ تَعْرِفُوهَا أَنْتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ، فَتَعْبُدُونَ هُنَاكَ آلِهَةً أُخْرَى نَهَارًا وَلَيْلاً حَيْثُ لاَ أُعْطِيكُمْ نِعْمَةً ".

7- رسالة بولس تسالونيكي الثانية إصحاح 2 عدد10 " وَبِكُلِّ خَدِيعَةِ الإِثْمِ، فِي الْهَالِكِينَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا مَحَبَّةَ الْحَقِّ حَتَّى يَخْلُصُوا. 11وَلأَجْلِ هذَا سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ اللهُ عَمَلَ الضَّلاَلِ، حَتَّى يُصَدِّقُوا الْكَذِبَ، 12لِكَيْ يُدَانَ جَمِيعُ الَّذِينَ لَمْ يُصَدِّقُوا الْحَقَّ، بَلْ سُرُّوا بِالإِثْمِ" .

8- رسالة بولس إلى رومية إصحاح 9 عدد 18 " فَإِذًا هُوَ يَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ، وَيُقَسِّي مَنْ يَشَاءُ" .
لا تعليق !

ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه : من هو الإله الذي يقسي القلوب ، ويضل الأنبياء ، ويعاقب بالنجاسات، وعبادة الأصنام وسوء المورثات....؟!

أما قصة عقاب الشيطان فقد ظهرت في سفر التكوين حيث كان على هيئة حية كما قال المفسرون؛ عوقبت بمحو أرجلها، وأمست تزحف على بطنها، بل وتأكل تربًا...!
فلا مجال لمناقشتها الآن...

كتبه / أكرم حسن مرسي