http://jailruiner.blogspot.de/2017/05/blog-post.html

بين حجاب الحُرَّةِ و حجاب الأَمَة


مُقَدِّمة.

كان انطلاق نابليون بونابرت على رأس الجيوش الفرنسية إلى الشرق مستهدفًا مصر و الشام على وجه الخصوص بمثابة الحملة الصليبية العاشرة و التي كانت تبعد زمنيًا عن سالفتها التاسعة بحوالي ثلاثة قرون. و قد اختلفت تكتيكات و أساليب تلك الحملة في أنها جعلت هدفها الاستيلاء على إرادة و وعي المجتمعات الإسلامية و ليس الاستيلاء على الأراضي؛ أو أن يكون الاستيلاء على الأراضي هدفًا ثانويًا و متشعبًا أقل أهمية من الاستيلاء على الإرادة و الوعي. و قد نجحت تلك الحملة و التي بدأت قبل نحو 200 عام بنسختيها الفرنسية و الإنجليزية في صناعة نماذج و رموز تابعة لها من بين مجتمعات المسلمين ترسخت أقدامها في مواقع الفكر و السياسة و العسكرية و الإعلام و صناعة القرار مع قمع وحشي و ممنهج و مدروس ضد أي شكل من أشكال المقاومة و إنكار باطلهم.
{ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } – ســـورة البقـــرة 217

و لأول مرة في تاريخ المسلمين تعلو رايات الباطل و يعلو صوته و تنتشر دعوات التشكيك و الضرب و التحريف في الإسلام ذاته دون رادع أو مُدافع يخمد نار فتنتهم و يستأصل شأفة إفسادهم. بعد وفاة النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و انتقاله إلى الرفيق الأعلى مُباشرةً ظهر المرتدون و أدعياء النبوة و مانعو الزكاة فقمعهم الخليفة أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) و رد فتنتهم و حَفِظَ الدين من النقصان و لما ظهر من المغرضين و السفهاء و المصطادين في الماء العكر من ادَّعَى الألوهية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (كَرَّم الله وجهه) حرقهم أمير المؤمنين. و هكذا لا تجد دعوى باطل و إفساد إلا و تم اجتثاثها كشجرة خبيثة ما لها من قرار.
و في أيامنا هذه التي تموج بالفتن و علو دول الباطل و إفسادهم بغير الحق كان التشكيك في الحجاب و اللباس الشرعي للمرأة المُسلمة واحدًا من الأساليب الخبيثة لرد المسلمين عن دينهم و نشر التهتك بينهم جنبًا إلى جنب مع الدعاوى المبطنة للعري و التفسخ الأخلاقي عبر الأفلام و البرامج و الأغاني و الحفلات.
{ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا } – ســـورة النســــاء 27

و قد لجأوا في تلك الفرية و الشُبهة إلى التنقيب في كُتُب التراث الإسلامي و تراوحوا بين تتبع غرائبها و ذلاتها تارة و بين التزييف و الخداع تارة أخرة ليجعلوا لكذبتهم في عدم فرضية الحجاب بل و اعتباره دخيلًا على الإسلام أصلًا موتورًا من الدين. فذهبوا تارة إلى أن الحجاب جاء للتفريق بين الحرة و الأمة. و ذهبوا تارة إلى "عدم صحة" حديث أسماء بنت أبي بكر (رضي الله عنهما) في إظهار الوجه و الكفين. و آخر ما ذهبوا إليه هو أن عورة المرأة بين سُرَّتها و رُكْبتها!
الغريب أن حجاب المرأة المسلمة و لباسها الشرعي لم يكن يومًا طوال أربعة عشر قرنًا من الزمان مثار خلاف أو جدال اللهم إلا إظهار أو إخفاء الوجه حتى أن "الطوائف و الملل الإسلامية" من أهل سُنة و شيعة و إباضية لا تجد بينهم من يختلف على مسألة الحجاب و اللباس الشرعي. فقط ظهرت بعض الطوائف المشبوهة أمثال النُصيرية و الإسماعيلية و الدروز الذين ظهروا سِفَاحًا في العصور الوسطى بين القلاع الصليبية في الشام تنادي بنسخ الحجاب الشرعي من ضمن الكثير مما نسخوه حتى أن بعضهم نسخ القرآن ذاته!
بل إن الحجاب الشرعي تراه في الأمم السابقة من أهل الكتاب حتى إنك لا تدري إن نظرت إلى المتدينات الملتزمات من اليهوديات و النصارى فلا ترى فيهن فرقًا بينهن و بين المُسلمات... نفس الحجاب و نفس اللباس و نفس النقاب. هل رأيتم أيقونةً أو صورةً للسيدة مريم العذراء (عليها السلام) – مع قناعتي بعدم صحة تلك الصور من الأساس - سافرة الشعر؟
فضلًا ألقي نظرةً على المواد المرئية التالية و لا تستغرب فدعوى الأنبياء واحدة من لدن آدم (عليه الصلاة و السلام) و حتى النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) و هي الإسلام... رسالة واحدة و أمة واحدة لتوحيد الله و تكريم الإنسان و للأخذ بيده إلى نعيم الآخرة.



كُل ما حدث هو أن شياطين الإنس و الجن نجحوا بنسبة تقارب 100% من تحريف و تحويل دين الإسلام الذي جاء به الأنبياء من قبل و هُم يسعون منذ 1400 عام إلى فعل نفس الشيء مع الرسالة التي جاء بها رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم).
و بإذن الله تعالى و طالبًا عونه و توفيقه و تسديده سأقوم في تلك الرسالة الصغيرة بتفنيد تلك الإدعاءات و إبطالها و بيان ضلالها.
السامريون و الأنواطيون.

نبدأ من حيث يبدأ الإفساديون شبهاتهم بالاقتباس من كُتُب التراث ...
1 – جاء الحجاب للتفريق بين الحُرَّة و الأَمَة. أي أنه تشريع طبقي و باختفاء الإماء يختفي الحاجة و الغرض من الحجاب.
2 – ضرب عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) جاريةً لآل أنس بالدرة لما رآها متقنعة و قال لها: "اكشفي رأسك و لا تتشبهي بالحرائر".
3 – عورة الأَمَة بين السُرة و الركبتين.
4 – حديث أسماء بنت أبي بكر (رضي الله عنهما) عن إظهار الوجه و الكفين غير صحيح.
و قبل الولوج إلى تفنيد تلك النقاط و دراستها نتناول بشيءٍ من الإنجاز ما أسميه بظاهرة (السامرية) أو (الأنواطية) و هي ظاهرة غريبة تصيب المجتمع المُسلم بعد أن يُنعم الله عليه بالتحرر من ربقة الكفار و قيد الظالمين فيسلكون مسالكًا تتشابه مع مسالك الظالمين و الكفار أنفسهم الذين أذلهم الله و حرر المؤمنين منهم!
بعد أن أنعم الله على بني إسرائيل بالنجاة من فرعون و عتوه، و بينما نبي الله موسى (عليه الصلاة و السلام) يذهب إلى ميقات ربه ظهر من بين أظهر القوم شخصٌ سماه القرآن الكريم بــ(السامري) صنع لهم عجلًا من ذهب شبيه بالعجل (أبيس) الذي عبده قوم فرعون و فتن السامري بني إسرائيل و جعلهم يخرون لتمثال العجل الذهبي سُجدًا! و ظلوا على فتنتهم تلك حتى أتى موسى (عليه الصلاة و السلام) فطرد و نبذ السامري و نسف العجل و أتى بالألواح الربانية التي فيها وحي الله إلى العالمين.
بعد فتح مكة و قد دخل في الإسلام خلق مر النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) في طريقة إلى حُنَيْن بشجرة يُقال لها (ذات أنواط) كان يتبرك بها العرب في الجاهلية و يعتبرون فيها القداسة، فقال للنبي بعضٌ ممن كانوا معه: " يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما ان لهم ذات أنواط "؛ فرد عليهم النبي (صلى الله عليه و آله و سلم): " سُبْحَانَ اللَّهِ هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ".
و في التاريخ القريب نجد أن الدولة العثمانية و قد من الله عليها بفتح الكثير من الديار الأوروبية بدأت منذ عهد السلطان سليمان القانوني بالتأثر ببعض أنماط الحياة الأوروبية. بدأت بالملابس و المراسم الاحتفالية و استجلاب المسارح و انتهت بالتشريع من دون الله و رهن الدولة العثمانية كلها في خزائن الكفار ثُم سقوطها و زوالها!
كذلك نجد في بعض كُتُب التراث الإسلامي تلك " السامرية" أو " الأنواطية" في التأثر بأمم الكُفر أو بجاهلية سابقة. نعم هي لم تصل إلى درجة الشرك بالله و لكنها تخدع المسلمين فتجعل بينهم أنماط من السلوك مشابهة لأنماط الفُرس أو الروم أو الأعاجم أو جاهلية العرب. و ما نراه في كُتُب التراث و المنقولات من أعاجيب لا يقبلها عقل و لا تقبلها فطرة سوية بل و تتناقض مع القرآن الكريم و السُنة النبوية الشريفة في شأن الحجاب و العورات هو صورة من صور طغيان المجتمع بنقائصه الإنسانية على الشرع بإرشاداته الربانية بدلًا من أن يُهيْمن الشرع بتزكية المجتمع. و إن كان في بني إسرائيل نبينا موسى (عليه الصلاة و السلام) يردهم إلى الجادة لما أضلهم السامري و إن كان في صدر الإسلام نبينا مُحَمَّد (صلى الله عليه و آله و سلم) لما فُتِن من معه بشجرة ذات أنواط فبين لهم؛ فقد حفظ الله للبشرية إلى يوم الدين كتابًا هُدى للعالمين يقوم مقام النبيين و يفرق بين الحق و الباطل. فلا عبرة لا مقام لفعل أو كلام عبد لو تعارض مع كتاب الله و سُنة رسوله الثابتة.
( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ) – ســـورة المائـــدة 48

الكريمة حازمة و صارمة و واضحة في التأكيد على أن القرآن هو المهيمن و السيد على ما سبق مما مع أهل الكتاب و بالتأكيد فإن القرآن مهيمن و سيد على ما سيلي من آثار و مرويات.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } – ســـورة النســـاء 59

ألا يحق للمسلم إن لم يستسغ أثرًا أو قولًا أو فعلًا عن صحابي أو إمام أو شيخ أن يرده لله و رسوله؟
ألا يجب على المسلم أن ينجو مما سقطت فيه الأمم السابقة من اتخاذ الأحبار و الرهبان أربابًا من دون الله؟
{ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } – ســـورة التوبة 31

عن سعيد بن عمرو السكوني قال: حدثنا بقية، عن قيس بن الربيع, عن عبد السلام بن حرب النهدي, عن غضيف, عن مصعب بن سعد, عن عدي بن حاتم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ " سورة براءة "، فلما قرأ: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله)، قلت: يا رسول الله, إما إنهم لم يكونوا يصلون لهم! قال: "صدقت, ولكن كانوا يُحلُّون لهم ما حرَّم الله فيستحلُّونه, ويحرّمون ما أحلّ الله لهم فيحرِّمونه."
أو ليس في القرآن الكريم و السُنة الشريفة غِنى و وقاء عن الغرق في دوامة الآثار و المرويات و الأخبار؟ هل هي صحيحة أم ضعيفة أم موضوعة؟ ما الظروف المحيطة بهذا الآثار و ما خلفيات تلك المرويات؟ و ما دقة ما وصلت من أخبار؟
الحجاب عنصرية و تشريع طبقي و لا منزلة له اليوم.

قالوا أن الحجاب جاء للتفريق بين الحُرَّة و الأَمَة. أي أنه تشريع طبقي و باختفاء الإماء يختفي الحاجة و الغرض من الحجاب.
يقول الله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا } – ســـورة الأحـــزاب 59

أو ليست الأمَة التي آمنت بالله و رسوله من نساء المؤمنين؟
دلوني على قول لرسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) يُفَصِّل في تلك الآية فيقول أنها فَرَّقَت بين الحُرة و الأَمَة!
ثُم فليأتني أحد هؤلاء الذين يصطادون في الماء العكر فيقول أن التشريع بالحجاب يسمح للمنافقين بالتعرض للإماء و التحرش بهن و لا يبيح لهم الأمر نفسه مع الحرائر... ألم تر ماذا قال الله قبل تلك الآية السالفة و بعدها في أمر المنافقين؟
أما قبلها ...
{ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (58) } – ســـورة الأحـــزاب 57،58

و أما بعدها ...
{ لئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62) } – ســـورة الأحزاب 60،61،62

بل و الآية التالية من سورة النور تقطع بأن أمر الحجاب لكل مؤمنة و لا دخل بكون المؤمنة حُرَّة أم أَمَة...
{ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } – ســـورة النـــور 31

الآية الكريمة توضح بلا تعقيب كيف يكون اللباس الشرعي و هو أن يُغَطِّي غطاء الرأس (الخمار) شق الصدر (الجيب)... كلمات و مفردات عربية لا تحتمل لي المعاني أو التقعر في التفسير!
جاء في الحديث الشريف: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَرْمَلَةَ الْقَلْزُمِيُّ بِمَدِينَةِ قَلْزُمَ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى الأُبُلِّيُّ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ هَاشِمٍ الْبَيْرُوتِي ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) : " لا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنَ امْرَأَةٍ صَلاةً حَتَّى تُوَارِي زِينَتَهَا ، وَلا مِنْ جَارِيَةٍ بَلَغَتِ الْمَحِيضَ حَتَّى تَخْتَمِرَ "
عَوْرَةُ الأَمَةِ مَا بَيْن سُرَّتِها و رُكْبَتِها.

و إذا كان من الحجاب ألا تضرب المرأة برجلها حتى لا ينتبه إليها الرجال الأجانب؛ فكيف جرؤ البعض و تخلى عن عقله و جعل الأمة عورتها بين سرتها و ركبتها؟
ثُم من أين أتى الناس بذلك التفريق و قد كان أمر رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) في سيرته العترة يأمر كل من امتلك مملوكًا بأن يُلبسه مما يلبس و يؤكله مما يأكل، و بل جعل المالك و المملوك أخوة!
عن المعرور بن سويد قال: لقيت أبا ذر بِالرَّبَذَةِ وعليه حلة وعلى غلامه حلة، فسألته عن ذلك فقال: إني ساببت رجلا فعيرته بأمه، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أبا ذر أعيرته بأمه ؟! إنك امرؤ فيك جاهلية، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم ."
بل جاء في شأن الإماء الإناث على وجه الخصوص ما فيه تكريمهن و صونهن و السمو بهن. فكيف يتخيل موتور أو غافل أن الشرع الحنيف يفسح المجال للسفهاء للتحرش بالإماء أو يستبيح عرضهن؟
عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: "مَنْ كَانَ لَهُ جَارِيَةٌ فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ"
و في الحديث الشريف التالي إسكات لأصوات المتنطعين الذين استباحوا عِرْض الإماء المسكينات باسم الدين و تخاريف و نباح المتهتكين المنافقين الذين يتاجرون بالإنسانية و الحداثة لطعن الدين...
عن يزيد بن أبي شيبة قال: كنتُ رجُلًا بطَّالًا، قال: فمَرَّت بي جاريةٌ في بعضِ طُرُقِ المدينةِ، إذ هَوَيتُ إلى كَشحِها، فلمَّا كان الغَدُ قال: فأتى النَّاسُ رَسولَ الله (صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وسلَّم) يُبايِعونَه، فأتيته فبسَطْتُ يدي لأبايِعَه، فقبَضَ يَدَه وقال: "أحسَبُك صاحِبَ الجُبَيذةِ؟" يعني، أمَا إنِّك صاحبُ الجُبيذةِ أمسِ، قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، بايعِني، فواللهِ لا أعودُ أبدًا؟ قال:" فنَعَم إذًا".
و ضرب عُمَر بن الخطاب أَمَةً و نهى عن حجابها.

تقول الرواية: عن أنس بن مالك: رأى عُمَر أمة لنا متقنعة فضربها و قال: لا تَشَبَّهِي بالحرائر
1 – رواية إن صحت لا ندري ما الظروف المحيطة بها و لا من هي تلك الأمة.
2 – لماذا لم يأتنا حالات مماثلة لتلك الرواية قبل خلافة عمر في عهد أبي بكر أو بعد خلافة عمر في عهد عثمان أو علي؟
3 – هل كانت تلك الأمة مسلمة؟ لأن دين الأمة سيشكل فارقًا.
عِلْمًا بأن عصر عُمَر (رضي الله عنه) شهد انفتاحًا على العالم و تواصلًا مع الأمم الأخرى نتيجة الفتوحات و التوسعات في أقطار الفُرس و الروم و ما وراء النهرين و بدأ المماليك من العبيد و الإماء يفدون إلى جزيرة العرب و إلى المدينة. و ما أمر أبي لؤلؤة المجوسي (لعنه الله) ببعيد.
كانت أم المؤمنين صفية بنت حيي (رضي الله عنها) من بني قريظة من اليهود فلما كانت في سبي المسلمين و كانت لرسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) أعتقها رسول الله و تزوجها فما درى الناس أدخلت في الإسلام و تزوجها رسول الله فتكون أُمًا للمؤمنين أم هي مما ملكت يمينه إلا لما ضرب رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) عليها الحجاب فعلم الناس إنها من أمهات المؤمنين (سلام الله عليهن).
و هُناك من الحديث الشريف ما يُعضد مفهوم العلاقة بين سفور المرأة و انحرافها عن سبيل المؤمنين كما انحرف أهل الكتاب من قبل ...
عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) قال: " سيكونُ في آخِرِ أمَّتي رجالٌ يركَبونَ على سُروجٍ كأشباهِ الرِّحالِ ينزِلونَ على أبوابِ المساجدِ نساؤُهم كاسياتٌ عارياتٌ على رؤوسِهنَّ كأسنمةِ البُخْتِ العِجافِ، الْعَنُوهُنَّ فإنَّهنَّ ملعوناتٌ لو كان وراءَكم أمَّةٌ مِن الأممِ خدَمهنَّ نساؤُكم كما خدَمكم نساءُ الأممِ قبْلَكم"
4 - كلام الله المتين و سُنَّة النبي المصونة هما الحكمان على أفعال الصحابة و التابعين و البشر أجمعين. فإذا كان فِعل عُمَر (رضي الله عنه) أو غيره مُعارضًا للحكمين فلا محل له. و لعل لو أدرك رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) عُمَرًا على ذلك الحال لأنكر عليه. و السيرة النبوية مليئة بمواقف النصح و الإرشاد، بل اللوم و العتاب لأصحابه...
ألم يبرأ رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) من رهق سيف خالد بن الوليد (رضي الله عنه) و قال : اللهم إني أبرأ إليك من فعل خالد؟
ألم يُعنف رسول الله أبا ذر (رضي الله عنه) لما عير مملوكًا بأمه فقال له النبي: إنك امرؤ فيك جاهلية؟
ألم يغضب رسول الله من أسامة بن زيد (رضي الله عنه) لما ذهب إليه يستشفعه في المرأة السارقة فقال له النبي: أفي حد من حدود الله يا أسامة؟
حديث أسماء... قشة يتعلق بها غَرْقَى التنطع و سَقْطَى التهتك.

جاء في الحديث عن أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) أنَّ أسماءَ بنتَ أبِي بكرٍ دخلَتْ على رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ) وعليها ثيابٌ رِقاقٌ فأعرض عنها رسولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ) وقال" يا أسماءُ إنَّ المرأةَ إذا بلغت المَحيضَ ، لم يصلُحْ أن يُرى منها إلا هذا وهذا" وأشار إلى وَجهِه وكفَّيه.
أراد المتنطعون أن يحملوا الناس على وجوب تغطية الوجه و الكفين فاستشهدوا بأن راوي الحديث خالد بن دريك لم يدرك عائشة. و أراد المتهتكون حمل الناس على نبذ الحجاب فاستشهدوا كذلك بأن راوي الحديث خالد بن دريك لم يدرك عائشة!
و لأنني هُنا في هذه الرسالة لست معنيًا بيان موقف الوجه و الكفين، بل أعني فقط ببيان فرضية الحجاب فأسوق إليكم استشهادات أخرى من السُنَّة النبوية المُطهرة ...
عن عروة بن الزبير (رضي الله عنهما) عن عائشة (رضي الله عنها) قالت : يرحمُ اللهُ نساءَ المهاجراتِ الأُّوَلِ ، لمَّا أنزلَ اللهُ { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ } شقَقْنَ مُروطَهنَّ فاختَمرْنَ بهَا .
و عن عائشة: لقد كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصَلِّي الفَجرَ، فيَشهَدُ معَه نِساءٌ مِنَ المُؤمِناتِ، مُتَلَفِّعَاتٍ في مُروطِهِنَّ، ثم يَرجِعنَ إلى بُيوتِهِنَّ، ما يَعرِفُهُنَّ أحَدٌ .
خاتمة.

الحديث في أمر الحجاب و تلبيس أهل التهتك و الضلال على المسلمين بشأن حجاب الحرة و حجاب الأمة يفتح بابًا للحديث عن الرق في الإسلام و أن وحي الله فيه من صيانة حقوق الرقيق و تحريرهم و تزكيتهم ما ليس في غير أُمة الإسلام. أسأل الله أن يعينني على بيان ذلك و لا أجد خيرًا من قول الله تعالى أختم به...
{ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ } – ســـورة آل عمـــران 7