مفهوم الإعجاز العلمي
الإعجاز لغة : مشتق من العجز
والعجز: الضعف أو عدم القدرة
وهو مصدر (أعجز) بمعنى الفوت والسبق
وإعجاز القرآن : يقصد به إعجاز القرآن للناس أن يأتوا بمثله أي نسبة العجز إلى الناس بسبب عدم قدرتهم على الإتيان بمثله
ووصف الإعجاز هنا بأنه علمي نسبة إلى العلم ... والعلم : هو إدراك الأشياء على حقائقها أو هو صفة ينكشف بها المطلوب انكشافاً تاماً والمقصود بالعلم في هذا المقام : العلم التجريبي
اذن فمفهوم الإعجاز العلمي هو إخبار القرآن الكريم بحقيقة أثبتها العلم التجريبي أخيراً وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أو هو إبراز الحقائق القرآنية التي أشارت إلى الحقائق الكونية المتعلقة بالآفاق والأنفس والتي جاء العلم الحديث موافقاً لها
(وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً)
(سَنُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا فِى الآفَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ)
(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ ءَايَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)
(وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً)
(قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْىَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)
------------------------------
أهمية بيان الإعجاز العلمي
1- أن القرآن الكريم قد أُنزل إلينا لنفهمه ونتدبر فى معجزاته والآيات الكونية فيه لايمكن فهمها فهما صحيحا في إطار اللغة العربية
2- الأثر البالغ الذي تتركه في قلوب المسلمين والذي يترجم بزيادة اليقين عندهم وتثبيت إيمانهم لدى رؤيتهم هذه الحقائق الباهرة ... فالتوافق الدقيق الكامل بين ما في الكتاب والسنة وبين ما اكتشفه علماء الكون من حقائق ونظريات وأسرار كونية لم يكن في إمكان بشر أن يعرفها وقت نزول القران
3- خير مشجع للتمسك بالقرآن والسنة والاهتداء بهما ... فإذا جمعت نصوص الكتاب والسنة الصحيحة المتعلقة بالكون وجد بعضها يكمل الأخر فتتجلى بها الحقيقة ... مع أنَّ هذه النصوص نزلت مفرقة في الزمن وفي مواضعها من الكتاب الكريم وهذا لا يكون إلا من عند الله الذي يعلم السر في السماوات والأرض
4- الرد العلمي الدامغ على الشبهات والأفكار التشكيكية بصحة الرسالة المحمدية حيث أن تلك الحقائق أخبر عنها نبي أميّ في زمن ومجتمع لا يوجد به أى تطور تكنولوجى أو أثرة من علم في تلك الميادين الكونية
والإسلام والمسلمين يتعرضان اليوم لهجوم شرس في جميع وسائل الإعلام بغير حق والقائمون على تلك الوسائل من غلاة الغرب الذين ينكرون سماوية الإسلام وربانية القران الكريم ونبوة خاتم المرسلين أو من الملاحدة الذين ينكرون الدين كلية في وقاحة وبجاحة سافرة .. وأهم الوسائل وأنجعها للرد على هذا الهجوم هو إثبات الإعجاز العلمي لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بالكلمة الطيبة والحجة الواضحة
5- الرد العملي المقترن بالبرهان الساطع على أن الدين الإسلامي هو دين العلم حقاً حيث لم يستطع أحد إلى الآن أن يثبت وجود تعارض أية دلالة كونية واردة في القرآن الكريم مع ما استقر من الحقائق العلمية اليوم بل على العكس فالكثير من القضايا العلمية صححها القرآن الكريم لعلماء العلم التجريبي وثبت مصداقيتها
وعدم الصدام بين نصوص الوحي القاطعة التي تصف الكون وأسراره وبين الحقائق العلمية المكتشفة مع وجود الصدام الكثير بين ما يقوله علماء الكون من نظريات تتبدل مع تقدم الإكتشافات ووجود الصدام بين العلم وما قررته سائر الأديان المحرفة والمبدلة يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن دين الإسلام هو الدين الوحيد الصحيح
6- الإعجاز العلمي يعتبر خير مشجع لهمم المسلمين كي يساهموا بنشاط في خدمة العلم التجريبي بحثاً واسكتشافاً مسترشدين بالإشارات العلمية الواردة في القرآن الكريم ... وفي إثارة قضية الإعجاز العلمي لكل من القران الكريم والسنة النبوية استنهاض لعقول المسلمين واستثارة للتفكير الإبداعي فيها
7- الإعجاز العلمي يعتبر من أنجع الوسائل للدعوة إلى الله في الأوساط العلمية والذي يتتبع أسباب دخول كثير من الناس في الإسلام ممن كانوا نصارى أو بوذيين أو يهود يجد بحق أن فريقاً منهم قد ابتدأ سيره إلى الحق (والذي انتهى به لإعلان شهادة الحق) من خلال معاينة لطائف الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
8- يساعد الإعجاز العلمي كثيراً من الشاردين عن الإسلام والغافلين عن عظمته في الرجوع إلى دينهم والاعتزاز بالانتساب إليه حيث يرون العلماء من غير المسلمين يسلمون بسبب اطلاعهم على عظمة القرآن وتوافقه مع الحقائق الكونية في الآفاق والأنفس
9- أن الدعوة بالإعجاز العلمي لكل من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة قد أصبحت هي الوسيلة المناسبة لأهل عصرنا - عصر العلم والتقنية - الذي فتن الناس فيه بالعلم -فتنة كبيرة ففي ظل هذا التقدم العلمي والتكنولوجى المذهل نبذ أغلب أهل الأرض الدين وراء ظهورهم ونسوه وأنكروا الخلق والخالق كما أنكروا البعث والحساب والجنة والنار وغير ذلك من الغيبيات وعلى ذلك فلم يبق أمام أهل عصرنا من وسيلة مقنعة بالدين الإسلامي الحنيف قدر إقناع الإعجاز العلمي في كتاب الله وفي سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
10- إن الإعجاز العلمي وسيلة لتوسيع مدارك المؤمن وزيادة معرفته العلمية على أساس إيماني وليس كما يقدمها لنا الغرب على أساس من الإلحاد فهم يردون كل شيء للطبيعة، ونحن ينبغي أن نصحح :
(اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)
------------------------------
ضوابط البحث فى الإعجاز العلمي
1- لا يفسر القرآن الكريم إلا باليقين الثابت من العلم لا بالفرضيات ولا بالنظريات التي لا تزال موضع فحص وتمحيص لأنها عرضة للتصحيح والتعديل ... أما الحدسيات والظنيات فلا يجوز أن يفسر بها القرآن لأنها معرضة للإبطال في أي وقت
2- تعليق قبول الحقائق التي يذكرها القرآن الكريم بمطابقته للفروض والنظريات العلمية أمر مرفوض
3- التأويل والتكلف فى بيان الإعجاز العلمى للقرآن الكريم أمر مرفوض
4- بيان الإعجاز العلمى للقرآن الكريم مرفوض إذا اعتمد على النظريات العلمية التي لم تثبت ولم تصبح حقيقة
5- بيان الإعجاز العلمى للقرآن الكريم مرفوض إذا صدر عن خلفية تعتمد العلم أصلاً وتجعل القرآن تابعاً
6- بيان الإعجاز العلمى للقرآن الكريم مرفوض إذا خالف ما دل عليه القرآن الكريم في موضع آخر أو في صحيح السنة النبوية المطهرة
7- الإنتباه إلى أن الإعجاز العلمي موضوع محفوف بالمخاطر .. ولوترك الحبل فيه على الغارب ليتحدث فيه من شاء بما يشاء فقد ينقلب على أصحابه ويوقعهم فى حرج التهكم والسخرية والوصف بالجهل والغباء والتلفيق ... خاصة أن بعض الدراسات تنطلق من غير ضوابط يقودها فقط الحماس وجموح الفكر والخيال والسعي لإثبات السبق للقرآن الكريم فى تقرير الحقائق الكونية والنظريات الثابتة بأى شكل وبأى وسيلة !!
فبيان الإعجاز العلمى للقرآن الكريم مقبول ممن رزقه الله علماً بالقرآن وعلماً بالسنن الكونية لا من كل من هب ودب فكتاب الله أعظم وأجل من أن يكون ذلك
8- حسن فهم النص القراني الكريم وفق دلالات الألفاظ في اللغة العربية ووفق قواعد تلك اللغة وأساليب التعبير فيها وذلك لأن القرآن الكريم قد أُنزل بلسانٍ عربيٍ مبين على ألا يخرج باللفظ من الحقيقة إلى المجاز إلا بقرينة كافية قاطعة وعند الضرورة القصوى ... ومن هنا فلا يمكن إثبات الإعجاز العلمي بتأويل النص القرآني
9- ضرورة الفهم والإحاطة بأسباب النزول والناسخ والمنسوخ وفهم الفرق بين العام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمفصّل من آيات هذا الكتاب الحكيم قبل الخوض فى بيان الإعجاز العلمى
10- ضرورة العلم والفهم للمأثور والثابت من تفسير النبى صلى الله عليه وسلم لآيات القرآن الكريم والرجوع إلى أقوال أئمة المفسرين من الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى الزمن الحاضر قبل الخوض فى بيان الإعجاز العلمى
11- مراعاة جمع النصوص القرآنية المتعلقة بالحقيقة الكونية الواحدة ورد بعضها إلى بعض (بمعنى فهم دلالة كل منها في ضوء الأخرى ما أمكن) لأن القرآن الكريم يفسر بعضه بعضا كما يفسر الصحيح من أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم
12- مراعاة السياق القرآني للآية المتعلقة بإحدى القضايا الكونية دون اجتزاء للنص عما قبله وعما بعده مع التسليم بأن من طبيعة القران الكريم إيراد العديد من الحقائق المتتابعة والتي قد لاتكون بالضرورة مرتبطة ببعضها البعض
13- مراعاة قاعدة : (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) والإقتصار على القضية الواحدة في المقام الواحد دون تكديس للآيات المستشهد بها حتى يتضح جانب الإعجاز العلمي في كل منها
14- مراعاة عدم التكلف ومحاولة ليّ أعناق الآيات من أجل جعلها موافقة للحقيقة العلمية وذلك لأن القرآن الكريم أعز وأكرم من ذلك فهو كلام الله الخالق وعلم الخالق بخلقه هو الحق المطلق الكامل الشامل المحيط بكل علم آخر وهو العلم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه
15- الحرص على عدم الإستغراق في التفاصيل العلمية الدقيقة التي لا تخدم قضية الإعجاز العلمي للآية القرانية الكريمة مثل المعادلات الرياضية المعقدة والرموز الكيميائية إلا في أضيق الحدود اللازمة لإثبات وجه الإعجاز
16- عدم الخوض في القضايا الغيبية المطلقة كالذات الإلهية وطبيعة الروح وخلق الملائكة وخلق الجن وحياة البرزخ وسؤال القبر و وموعد الآخرة وقيام الساعة والبعث والحساب والميزان والصراط والجنة والنار وغيرها ... والتسليم بالنصوص الواردة فيها تسليما كاملا إنطلاقا من الايمان بكتاب الله وسنة رسوله ويقينا راسخا بعجز الإنسان عن الوصول إلى حقيقة مثل هذه الغيبيات المطلقة لأن لها من السنن والقوانين ما يغاير سنن الدنيا مغايرة كاملة ... وصدق الله العظيم اذا يقول : (يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)
17- الإعجاز العلمي في الآية القرانية الكريمة مجال تخصصي على أعلى مستويات التخصص فلا يجوز أن يخوض فيه كل خائض كما لا يمكن لفرد واحد أن يغطي كل جوانب الإعجاز العلمي خاصة أن آيات القرآن الكريم تغطي مساحة هائلة من العلوم المكتسبة (علم الأجنة - علم الفلك - علوم الفيزياء والكيمياء - علم الأحياء - علوم الرياضيات - علوم الجيولوجيا - علوم الطب .... إلخ)
18- التأكيد على أن ما توصل إليه المحقق العلمي في فهم دلالة الآية الكريمة ليس هو منتهى الفهم لها لأن القرآن الكريم لا تنقضي عجائبه
19- اليقين بأن النص القراني الكريم قد ينطبق على حقيقة علمية ثابتة لا ينفي مجازا مقصودا فالآية القرآنية الكريمة قد تأتي في مقام التشبيه أو المجاز وتبقى صياغة الآية دقيقة دقة فائقة من الناحية العلمية وإن لم تكن تلك الناحية العلمية مقصودة لذاتها
20- عدم التقليل من جهود العلماء السابقين في محاولاتهم المخلصة لفهم دلالة تلك الآيات الكونية في حدود المعلومات التي كانت متاحة لهم في زمانهم .. وذلك لأن الآية الكونية الواردة في كتاب الله تتسع دلالتها مع اتساع دائرة المعرفة الانسانية في تكامل لا يعرف التضاد حتى يظل القران الكريم مهيمنا على المعارف الانسانية مهما اتسعت دوائرها وهذا من أعظم جوانب الإعجاز في كتاب الله
21- ضرورة التفريق بين الإعجاز العلمي والتفسير العلمي .. فالإعجاز العلمي يقصد به إثبات سبق القران الكريم بالإشارة إلى حقيقة من الحقائق الكونية أو تفسير ظاهرة من ظواهره قبل وصول العلم المكتسب إليها في زمن لم يكن لأي من البشر إمكانية الوصول إلى تلك الحقيقة عن طريق العلوم المكتسبة أبدا .. أما التفسير العلمى فهو محاولة بشرية لحسن فهم دلالة الآية القرآنية إن أصاب فيها المفسر فله أجران وإن أخطأ فله اجر واحد والمعول عليه في ذلك هو نيته .. وهنا يجب التأكيد على أن الخطأ في التفسير ينسحب على المفسر ولا يمس جلال وعصمة القران الكريم
فالإعجاز العلمي قطعي الدلالة بينما التفسير العلمي ظني الدلالة
22- لما كانت العلوم المكتسبة لم تصل بعد إلى (الحقيقة المطلقة) في كثير من الأمور فلا حرج من توظيف النظريات السائدة المقبولة المنطقية في التفسير العلمي للقران الكريم ... أما الاعجاز العلمي للقران الكريم فلا يجوز أن يوظف فيه إلا القطعي الثابت من الحقائق العلمية التي لا رجعة فيها
23- اليقين في صحة كل ما جاء في القران الكريم لأنه كلام الله الخالق المحفوظ بحفظ الله على مدى الزمان إلى أن يشاء الله ... وعلى ذلك فلا يمكن لحقيقة كونية ثابتة أن تصطدم بنص قراني أبدا ... فإذا حدث وبدا شئ من ذلك فلا بد من وجود خلل ما أما في صياغة الحقيقة العلمية أو في فهم الدارسين للنص القراني الكريم
24- يجب تحري الدقة المتناهية في التعامل مع القران الكريم واخلاص النية في ذلك والتجرد له من كل غاية شخصية او مكاسب مادية
25- يجب ألا يترتب علي بيان الإعجاز تحويل الإستشعار التعبدي أو الإيمان الغيبى إلى تمسك بالمادي أو بمعنى آخر تحويل العبادة إلى عادة أو استفادة مادية مثال ذلك : التفصيل في فوائد الصلاة الصحية
26- بالنسبة للإعجاز العلمي في السنة النبوية ... يجب أن يكون الحديث الشريف صحيحاً، أو بمرتبة الحسن، ولا يمكن الاعتماد على الأحاديث الضعيفة إلا إذا توافقت مع العلم الحديث .. فالحديث الضعيف لا يعني أنه غير صحيح .. إنما هناك احتمال قليل لصحته، ولذلك يجب عدم إهماله في البحث العلمي ... فقد يكون تطابقه مع النظريات والحقائق العلمية الثابتة دافعا لعلماء الحديث لإعادة البحث والتدقيق فى ضعفه