بسم الله الرحمن الرحيم
و به نسعين




حول مفاهيم المسلمين للإسلام





من كتاب :
صِرَاعُ مَعَ المَلاحِدَة حتى العظم

تأليف عبد الرحمن حسن حبنّكة الميداني




تحت عنوان "نقد الفكر الديني" تستر الناقد العظم ، إذ حاول تقويض أسس الإسلام الكبرى ، وقواعده العظمى ، التي هي حق لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ، وربما استغل ما لدى بعض المسلمين من مفاهيم خاطئة عن الإسلام ، ليطعن الإسلام بذلك ، على طريقة إبطال الطب كله لأخطاء بعض الأطباء ، وإبطال الهندسة كلها لأخطاء بعض المهندسين ، وإبطال ضرورة القضاء لفساد بعض القضاة ، وتعميم الأحكام التي هي لبعض الأفراد ، وإطلاقها على كل الأفراد ، ثم إطلاقها على المبادئ الحقة التي يدعي هؤلاء الأفراد انتسابهم إلهيا ، ولو كانوا مخالفين لها في مفاهيمهم أو في سلوكهم ، وعلى هذا الجنوح الفكري الخطير ،الخارج عن حدود كل منطق عقلي أو علمي سليم ، سار العظم في جدلياته ومغالطاته .

ولكي لا يزعم القارئ أنني من الذين يبررون كل خطأ ، ما دام يعلن انتسابه إلى الدين زوراً وبهتاناً ، أو جهلاً وغفلة ، أو خطأ غير مقصود ، عقدت هذا الفصل ، لأنقد فيه نقداً ذاتياً ما دخل على مفاهيم كثير من المسلمين عن الإسلام ، وكوّن لديهم تصوُّراً مشوهاً غير صحيح للإسلام الحق ، أو تطبيقاً مشوهاً له ينم عن فساد في التصور ، أو انحراف في السلوك .

ووجدت من الواجب علي أن أعقد هذا الفصل قبل أن أدخل مع العظم في المعركة الجدالية ، حول النقاط التفصيلية التي أثارها ، لألقي فيه الضوء على أن الإسلام الحق الذي هو دين الله للناس ، يتميز كل التميز عن المنتسبين إليه ، الذين لا يمثلون في مفاهيمهم أو سلوكهم صورة صحيحة عنه ، وأرجو بهذا التمييز أن لا تدخل على الأجيال الإسلامية مغالطات وافتراءات أعداء الإسلام ، وأعداء المسلمين وتاريخهم المجيد .



من المعلوم أن الإسلام الذي قدم للإنسانية ما قدمه من مجد حضاري أمثل يوم كانت الأمة الإسلامية في طور شبابها وقوتها صالح باستمرار لأن يأخذ بيد الإنسانية في طريق المجد الحضاري الصاعد ، دون تقهقر ولا توقف ، لو ظل المسلمون يجددون شبابهم ، بالتماس منابع الإسلام الثرَّة ، منها يعبون ، ومنها ما به يتطهرون .
ففي الإسلام الصافي جميع العناصر اللازمة التي تستطيع الإنسانية بها أن تحافظ على شباب دائم ، متدفق بالحياة والعمل البناء والارتقاء ، لو أحسنت تدبُّره والاستمساك به والعمل بتعاليمه .

وفي الإسلام الصافي جميع العناصر اللازمة لإسعاد الناس كل الناس ، أفراداً وأسراً وجماعات ودولاً ، مهما اختلفت بينهم الأعراق والألوان والأجناس ، ذلك لأنه دين الإنسانية جميعاً ، المنزل وفق خصائصها وصفاتها المشتركة بين جميع شعوبها وقبائلها ، وليس ديناً قومياً ولا إقليمياً ولا طبقياً .
بخلاف الشيوعية التي هي مذهب طبقي عنوانه "يا عمال العالم اتحدوا" وبخلاف الرأسمالية التي هي مذهب طبقي أيضاً يخدم مصالح طبقة معينة ، وبخلاف اليهودية بحسب مفاهيم اليهودية المحرفة ، فهي دين قومي خاص بشعب بني إسرائيل ، الذي هو في عقيدتهم شعب الله المختار .
أما الإسلام فهو دين رب الناس اللطيف الخبير للناس أجمعين {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} ، ومن أجل ذلك كانت تعاليم هذا الدين مصلحة ومسعدة للناس كل الناس .
ولست في مجال بيان تفصيلي يوضح هذه الحقيقة عن الإسلام ، لأدلل على أن تعاليم الإسلام الصافية من الشوائب الدخيلة كفيلة بتحقيق مجد الإنسان في هذه الحياة ، وكفيلة ببناء أفضل المؤسسات الاجتماعية ، وبتنظيم أرقى دولة مدنية آخذة بأوفى نصيب خيرٌ من التقدم الحضاري المتطور ، البعيد عن الشر ومعصية الله .
ولكن مرضاً خطيراً من الأمراض التي تراكبت على الأمة الإسلامية في القرون المتأخرة هو الذي جعلني أعقد هذا الفصل ، ألا وهو الشوائب الدخيلة التي عقلت بالتعاليم الإسلامية في مفاهيم كثير من المسلمين .


تأملات –ربما تكون غير مستقصية- من تأملات البحث العلمي ، وضعت فيها إحدى يدي على الأسس الإسلامية العامة التي وعيتها خلال دراستي الطويلة للعلوم الإسلامية ، ووضعت فيها يدي الأخرى على ما خبرته من واقع المسلمين خلال تجربة نيف وثلاثين سنة ، جعلتني أتلمس الشوائب التي تسربت إلى مفاهيم المسلمين ، فألصقها لجاهلون والغافلون بالتعاليم الإسلامية وهي ليست منها ، وكان من وراء الجاهلين والغافلين في كثير من الأحيان ماكرون مختلفو الأصباغ والأقنعة والأغراض ، يعملون في الخفاء لهدم الإسلام أسساً وقواعداً وبناءً شامخاً .
ثم تحولت هذه المفاهيم التي هي من قبيل الشوائب لا الأصل النافع المفيد الخيّر ، إلى تطبيقات عملية ، ومواريث ثقيلة ، أحنت ظهور الأجيال التي تحملها ، وعرقلت سبيل تقدمها ، كما أنها هيأت المُناخ المناسب لفساد الأجيال التي حملت شعار التخلص منها على غير بصيرة وغير هدى ، فتخلصت منها ومن الجوهر النافع ، الذي هو الأصل السليم ، المرافق لها في حشد المفاهيم المختلطة ، وذلك إذ لم تستطع هذه الأجيال أن تميز بين الأصل النافع المفيد ، وبين الشوائب التي لا خير فيها .
يضاف إلى ذلك أن طائفة من هذه الأجيال وجدت لأنفسها بسبب هذه الشوائب مبررات كثيرة تلبي عن طريقها الرغبة بالانطلاق والتحرر ، والانسياق مع الأهواء والشهوات ، دونما ضابط أو رادع .
وكان من وراء هذه الطائفة الطائشة شياطين يمدون خراطيمهم في الظلمات من ديار الحرب إلى ديار الإسلام ، فيوسوسون لها ، ويمنونها ، ويكيدون في ذلك ضدها وضد الأمة الإسلامية ما يكيدون من شر عظيم .
أما الطعم في شباك الصيد فإنه يرجع إلى واحد من عدة أصول ، ومنها الأصول الخطيرة التالية:
الأول: الإغراء بالمال .

الثاني: الإطماع بالحكم والسلطان .

الثالث: الفتنة بالنساء .

الرابع: الفتنة بالخمر والميسر والمخدرات وأصناف اللهو ، وإضعاف القوى الفردية والاجتماعية عن طريقها .

الخامس: الخداع بمظاهر الحضارة المادية الخلابة ، وبما تتضمن من قوى حربية فتاكة ، وبمستنداتها من العلم المادي . وفي ضمن هذا الخداع تأتي واردات مهلكة لا هي من العلم الثابت ، ولا هي من المنجزات الحضارية النافعة ، وفي طيات هذه الواردات يكمن الخطر على الفكر ، وعلى الخلق ، وعلى السلوك ، وعلى وحدة المسلمين ، وعلى جميع قواهم الحقيقية المادية والمعنوية ، ثم على كيانهم كله .