وصية السنة المطهرة لمن أراد الزواج
-------------------------------
الزواج سنة من سنن الأنبياء والمرسلين
قال الله تعالى :
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً)
ولقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:
(النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس منى)
والزواج هو الأسلوب الأمثل الذي اختاره الله للتوالد والتكاثر واستمرار الحياة وإنجاب الذرية الصالحة التى ترفع من شأن الأمة الإسلامية وترفع راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله)
وهو الطريق الموصل إلى سعادة الدنيا ونعيم الآخرة
ولهذا لم يشأ الدين الإسلامي الحنيف أن يترك الرجل المسلم يسير وراء شهواته ونزواته فى اختيار قرينة له ، يسكن إليها وتسكن إليه ، دون أن يوجهه التوجيه السليم ويرشده إلى الخطة المثلى ، فحثه على اختيار الزوجة المتدينة ذات الخلق الكريم والسلوك المستقيم ، عسى أن ينجب منها ذرية صالحة تكون موضع الفخر وزينة العمر ، ويعتز بهم المجتمع وتسعد بهم الأمة
قال الله تعالى :
(الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )
-------------------------------
وقد حث القرآن الكريم الراغب في الزواج على التزوج من الصالحات القانتات قال الله تعالى :
(فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)
وقال :
(وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
وبذلك وضع الإسلام للغريزة سبيلها المأمونة وحمى النسل من الضياع ، وصان المرأة عن أن تكون كلأ مباحاً لكل راتع ، ووضع نواة الأسرة الصالحة التى تحوطها غريزة الأمومة وترعاها عاطفة الأبوة
فالزواج نعمة من نعم الله العظمى ، وآية من آياته الكبرى
قال الله تعالى :
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)
-------------------------------
فالزوجة شريكة حياة الزوج ، وربة بيته ، وأم أولاده ، وموضع سره ونجواه ، وواحة أمانه الخضراء ، وهى أهم ركن من أركان الأسرة إذ هي المنجبة لأولاده وعنها يرثون المزايا والصفات والأخلاق والعادات
ولهذا عنى الإسلام باختيار الزوجة الصالحة وجعلها خير متاع ينبغى التطلع إليه والحرص عليه ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم :
(الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة)
فمن تكون المرأة الصالحة من وجهة النظر الإسلامية ؟؟
-------------------------------
يوضح ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:
(ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل خيرا له من زوجة صالحة إن أمرها أطاعته ، وإن نظر إليها أسرته ، وإن اقسم عليها أبرته ، وإن غاب عنها حفظته فى نفسها وماله)
وقال صلى الله عليه وسلم :
(إن خير نسائكم الولود الودود ، الستيرة ، العزيزة في أهلها ، الذليلة مع بعلها ، المتبرجة مع زوجها ، الحصان عن غيره ، التى تسمع قوله ، وتطيع أمره ، وإذا خلا بها بذلت له ما أراد منها)
وعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك)
فالناس فى العادة يقصدون من نكاح المرأة هذه الخصال الأربع :
1- المال والثروة
2- الحسب والأصل
3- الجمال الجسدى
4- الدين والخلق

فاحرص أيها الراغب فى الزواج على ذات الدين ، لما فى ذلك من المنافع الدينية والدنيوية
-------------------------------
فمن الدواعي القوية والمرغبات الشديدة فى النكاح : الجمال
وقد نهى الإسلام عن تزوج المرأة الحسناء المفرطة فى الحسن الجمال والتي لا تملك من صفات الكمال غير الجمال ، وليس المراد النهى المطلق عن المرأة ذات الجمال بل عن الإكتفاء به عن باقى الخصال أو على الحسن التام الفائق لأنه يخاف بسببه من الإفراط فى الغيرة على الزوجة ، فالمنهل العذب كثير الزحام ، ويخاف بسببه من شدة الصبوة والميل ، لأنها قد تصرف المسلم عن كثير من الطاعات فى غالب الأوقات ، كذلك فالجمال غير ثابت فقد يضيع فى لحظة بسبب حادث أو نحوه - لا قدر الله - ، وبالتأكيد سيخبو ويذبل مع تقدم المرأة فى العمر

-------------------------------
ومن الدواعي الغالبة : المال والثروة ، وهو متقلب غير ثابت ، غاد ورائح ، وإذا كان كذلك فلا يوثق بدوام الألفة خاصة وإذا قل
-------------------------------
أما عن الحسب ، فالحسب الحقيقى ليس بالإنتساب إلى علية القوم وأغنيائهم ووجهائهم وأشرافهم فقط ، بل إن الحسب الحقيقى هو الإنتساب لمن كان معروفا بمكارم الأخلاق والخصال الحميدة ، أى طيب الأصل
-------------------------------
وأما إذا كان الداعى للزواج هو الدين ، فهو الحبل المتين الراسخ الأواصر ، الذى يربط بين الزوجين برباط وثيق ، ويجعل الزوجين يعيشان فى ألفة حانية ، ومحبة صادقة ، لا تفرقهم الدنيا ، ولا ينزغ بينهم الشيطان
-------------------------------
وقد أخرج ابن ماجه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يؤذيهن ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ولكن تزوجوهن على الدين ولامرأة جذماء سوداء ذات دين أفضل)
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم :
(من تزوج امرأة لعزها لم يزده الله إلا ذلاً ، ومن تزوجها لمالها لم يزده الله إلا فقراً ، ومن تزوجها لحسنها لم يزده الله إلا دناءة ، ومن تزوجها لم يرد بها إلا أن يغض بصره ويحصن فرجه بارك الله فيها وبارك الله لها فيه)
-------------------------------
والإسلام يفضل المرأة الأجنبية عند الزواج على النساء ذوات النسب والقرابة ، حرصا على نجابة الولد ، وسلامة جسمه من الأمراض والعاهات الوراثية من جانب ، ومن جانب آخر لتوسيع دائرة الأسرة بمصاهرة الأسر الأخرى
ففى الجانب الأول جاء قوله صلى الله عليه وسلم :
(لا تنكحوا القرابة ، فإن الولد يخلق ضاويا) ، أى ضعيف الجسم ، بليد الذكاء
وفى الجانب الثانى جاء قوله جل شأنه :
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا)
-------------------------------
كذلك فإن الإسلام يفضل في الزواج البكر على الثيب التى سبق أن تزوجت ، لأن البكر مجبولة على الأنس والألفة بأول إنسان تكون فى عصمته بعكس الثيب ، جاء فى الحديث الشريف عن النبى صلى الله عليه وسلم قال :
(عليكم بالأبكار فأنهن أعذب أفواها وأنتق أرحاما وأقل خبا وأرضى باليسير من العمل)
-------------------------------
ويوضح ذلك ما ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجابر رضى الله عنه:
(هل تزوجت بعد ؟ قال : قلت : نعم يا رسول الله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أثيباً أم بكراً ؟ قلت : لا بل ثيباً ، قال : أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك ؟ قلت يا رسول الله : إن أبى أصيب يوم أحد وترك لنا بنات سبعاً ، فنكحت امرأة جامعة تجمع رؤوسهن وتقوم عليهن ، قال : أصبت إن شاء الله)
-------------------------------
هذا وقد ورد أن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها وعن أباها قالت للرسول صلى الله عليه وسلم : (يا رسول الله أرأيت لو نزلت واديا وفيه شجرة قد أكل منها ، وشجرة لم يؤكل منها ، فى أى منهما ترتع بعيرك ؟ قال صلى الله عليه وسلم : فى التى لم يؤكل منها ، قالت رضى الله عنها : فأنا هـى (وتقصد بيان فضلها على باقي أمهات المؤمنين ، باعتبار ان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكرا غيرها)
-------------------------------
وكذلك ينبغى أن يكون اختيار الفتاة وولى أمرها لشريك حياتها أيضا مبينا على الخلق والدين والورع والصلاح ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:
(إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه ، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)
ولنا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة وقدوة طيبة ، فقد آثرته أم المؤمنين خديجة رضى الله عنها على كل من تقدم لخطبتها من وجهاء قريش المتمتعين بالشرف والرياسة والغنى والجاه ، إذ كان الخلق العظيم فى فطرتها الصافية أرجح لديها من كل ذلك ، ولقد عمل الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم بتوجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم ، فامتلأت حياتهم خيرا وطهرا وبركة ، واستقامت لهم الأمور ، وساروا فى طريق الفضيلة لا تلتوى بهم مسالك الهوى ، ولا تأخذهم تيارات الشهوة إلى مهاوي الرذيلة
-------------------------------
وإليكم نموذج من حياة التابعين رضوان الله عليهم:
فقد خطب أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان إبنة العالم الكبير سعيد بن المسبب رضى الله عنه لإبنه وولى عهده الوليد ، فأبى ان يزوجه إياها ، وزوجها لأبى وداعة أحد طلابه ، ويحكى أبو وداعة قصة زواجه فيقول :تغيبت عن حلقة الشيخ أياما ففقدني ، وظن أن بى مرضا أو عرض لى عارض ، وسأل عنى من حوله ، فلم يجد عند أحد منهم خبراً ، فلما عدت بعد أيام حياني ورحب بى ، وقال : أين كنت يا أبا وداعة ، فقلت : توفيت زوجتي ، فاشتغلت بأمرها ، فقال : هلا أخبرتنا يا أبا وداعة فنواسيك ونشهد جنازتها معك ونعينك على ما أنت فيه ، فقلت: جزاك الله خيرا ، وهممت ان أقوم ، فاستبقاني حتى انصرف جميع من فى المجلس ، ثم قال لى : أما فكرت فى استحداث زوجة لك يا أبا وداعة ؟ قلت يرحمك الله ، ومن يزوجني وأنا شاب نشأ يتيما وعاش فقيرا ، ولا املك غير درهمين أو ثلاثة ؟ فقال : أنا أزوجك ابنتي ، فانعقد لساني وقلت : أنت تزوجني ابنتك ، بعد ان عرفت من أمري ما عرفت ؟ فقال : نعم فنحن إذا جاءنا من نرضى دينه وخلقه زوجناه ، وأنت عندي مرضى الدين والخلق ، وعقد لى على ابنته ، وجعل مهرها درهمين اثنين ، فلما سئل سعيد بن المسبب رضى الله عنه : أترد خطبة أمير المؤمنين ، وتزوج ابنتك من رجل من عامة المسلمين ؟ فقال : إن ابنتي أمانة فى عنقي ، وقد تحريت فيما صنعته لها صلاح أمرها ، فقيل له : وكيف ؟ فقال : ما ظنكم بها إذا انتقلت إلى قصور بنى أمية ، وتقلبت بين رياشها وآثاثها ، وقام الخدم والحشم والجواري بين يديها وعن يمينها وعن شمالها ، ثم وجدت بعد ذلك نفسها زوجة للخليفة ، أين يصبح دينها يومئذ ؟
-------------------------------
لمثل عمل سعيد فليعمل العاملون
وفى ذلك فليتنافس المتنافسون

وهنيئاً لمن عمل بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم وظفر بذات الدين والخلق
قطعا ستحل عليه وعلى ذريته البركة والخيرات
-------------------------------
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته