هل قَتْلُ الأولادِ قبلَ ولِادةِ موسى أم بعدَ رسالتِه؟!



قالوا : هل قتْلُ الأولادِ، وطرحُهم في النهرِ، واستحياءُ النساءِ...صدَرَ قبلَ ولادةِ موسى أم بعد رسالتِه؟

القرآنُ يحكي في سورةِ الأعرافِ: أنّ الملأَ مِن قومِ فرعونَ بعد ولادةِ موسى  وظهورِ رسالتِه قالوا لفرعونَ: أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ؟!

فكان جوابُ فرعونَ: قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ !

فكان جوابُ موسى : اسْتَعِينُوا باللهِ وَاصْبِرُوا إنّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.
وهذا يناقض مع آية أخرى تقول:" وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ(7) فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ(8)"(القصص).


أليس هذا يُعدُّ تناقضًا؛ آية تقول : إن اضطهاد فرعون لشعب إسرائيل كان بعد رسالة موسى.
وآية أخرى تذكر أن الاضطهاد كان قبل أن يولد موسى ..؟!



الردُّ على الشبهةِ


أولًا: إنّ الآياتِ في سورةِ الأعرافِ كاملةٌ بشأنِ تلك الواقعةِ تقولُ: وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ(127) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا باللهِ وَاصْبِرُوا إنّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ(128) .


والمتأمّلُ في كتابِ اللهِ يجدُ فعلَ فرعونَ وأمْرَه بقتلِ الأطفالِ واستحياءِ النساءِ قبلَ ولادةِ موسى أيضًا؛ ففي سورةِ القصصِ يقولُ :إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إنّه كَانَ مِنَ المُفْسِدِينَ(4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ(5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ(6) وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ(7) فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ(8) .


فلا تعارضٌ في كتابِ اللهِ أبدًا؛ فإنّ قتلَ الأبناءِ واستحياءَ النساءِ كان مِن قبلِ ولادةِ نبيِّ اللهِ موسى  وبعد إرسالِه مِنَ اللهِ  لفرعونَ وقومِه...


فكل ما هنالك أن فرعونَ هدّدَ باستمرارِ القتلِ والزيادةِ فيه، واستحياءِ النساءِ وتسخيرِ الشعبِ بأعمالٍ شاقّةٍ أكثرَ، هذا يتّضحُ لِمَن يقرأُ الآيةَ التي تلي آياتِ سورةِ الأعرافِ مُباشرةً؛ فالآيةُ تقولُ عن بني إسرائيلَ: قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أنْ يهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ(129) .


نُلاحظُ: أنّ قتْلَ الأولادِ، واستحياءَ النساءِ كان قبلَ ولادةِ موسى  ومجيئِه إليهم، وبعد إرسالِ اللهِ موسى  إلى فرعونَ... وعلى هذا يزولُ الإشكالُ الذي طرحه المعترضون...



ثانيًا: إنّ الآياتِ كثيرةٌ في كتابِ اللهِ المجيدِ تُبَيِّنُ أنّ الإيذاءَ مِن فرعونَ ومَلَئِه كان قبلَ ولادةِ موسى ، وبعد رسالتِه أيضًا...فمِن هذه الآياتِ ما يلي:


1- قولُه : وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ(49) (البقرة).


2- قولُه : وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ(141) (الأعراف).


4- قولُه : وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ(6) (إبراهيم).


وعلى هذا أكون قد انتهيت من هذه الشبهة ، وبيّنتُ جهل المعترضين...

كتبه / أكرمُ حسن مرسي
نقلًا عن كتابي : ردّ السهام عن الأنبياءِ الأعلام، بعد المراجعة.