هل تحوّلَت عصا موسى إلى حيَّةٍ أم ثُعبانٍ؟!



قالوا: إنّ القرآنَ ناقضَ نفسَه حولَ قصّةِ نبيِّ اللهِ موسى مع فرعونَ حينما ألقى موسى عصاه؛ فتارَةً يقولُ: إنّها حيّةٌ، وتارةً يقولُ: ثُعْبَانٌ مُبِينٌ؟

وهناك فرْقٌ بَين الثعبانِ والحيّةِ...؟

أليس هذا تناقضًا أيّها المسلمون؟!.


تعلّقوا على ذلك بما جاءَ في الآتي:
1- قولُه r:  فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى(طه 20).
2- قولُه r: فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ(الشعراء 32).



الردُّ على الشبهةِ


أولًا: إنّ الحديثَ عنِ التناقضِ لا يوجدُ إلا في عقولِ المُعترضين فقط... فمِنْ خلالِ استعراضِنا للآياتِ برُمَّتِها والجمعِ بَينهم يتّضحُ لنا؛ أنّ اللهَ r أراد أنْ يُدربَ موسى  على طريقِ إلقاءِ العِصِيِّ فتخرجُ منها حيّةً تسْعى كي لا يُصابُ بِفزعٍ أمامَ فرعونَ حينما يُلْقى عصاه، وتخرجُ حيّةٌ كبيرةٌ...


وبالتالي: أوّلُ ما كلّمَ الله r موسى  قال له "أَلْقِ بِعَصَاكَ"، فكانتِ النتيجةُ حيّةً كبيرةً أكبرَ مِنَ الثعبانِ، فخافَ موسى، فقال اللهُ r خُذِ العصا ولا تخفْ ستُرسَلُ إلى فرعونَ الجبارِ...وبهذا فقد درّبَ اللهُ r موسى  وَقَوَّى قلبَه فحينما يُلْقي بالعصا وتتحوّلُ إلى حيّةٍ أو ثعبانٍ كبيرٍ لا يفزعُ أمامَ فرعونَ...


وهذا واضحٌ مِنَ الآياتِ التاليةِ: لمّا خاطبَ اللهُ r موسى  قائلًا:  إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي(14) إنّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى(15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤمنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى(16) وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى(17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عليْها وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى(18) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى(19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حيّة تَسْعَى(20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى(21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى(22) لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى(23) اذْهَبْ إلى فرعونَ إنّه طَغَى(24) (طه).


ثم ذهبَ موسى إلى فرعونَ وناظرَه فاتّهمَه فرعونُ بالجنونِ، وهدّدَه بالسجنِ، فطلبَ موسى أنْ يُرِيَه مُعجزةً فوافقَ فرعونُ، فلمّا ألقى العصا تحوّلَت أمامَ فرعونَ إلى ثعبانٍ مُبِينٍ؛ ارتعبَ فرعون ولم يهتزّْ موسى  لأنّه شاهدَ مِن قبلُ ما هو أكبرُ مِنَ الثعبانِ، شاهدَ الحيّةَ لمّا أرادَ اللهr أنْ يدرّبَه....

بالمثال يتضح المقال:

مِن المعلومِ أنّ مُدرّبَ الأسودِ لا يخافُ أبدًا مِنَ القططِ، لأنّه تدرّبَ على ما هو أكبرُ منها – (الأسودِ)- ولله المثل الأعلى-...

بيانُ ما سبقَ جاءَ في قولِه r حاكيًا عن مناظرةِ موسى وفرعونَ:
 قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ(23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ(24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ(25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ(26) قَالَ إنّ رسولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ(27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ(28) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ المَسْجُونِينَ(29) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ(30) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ(31) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ(32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ(33) قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ(34) يُرِيدُ أنْ يخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ(35) (الشعراء).


وعليه: يزولُ التناقضُ الذي في عقولِ المُعترضين؛ فقد كذّبوا بما لا يحيطون بعلمِه ولم يبحثوا عن تأويلِه...
ثانيًا: إنّ الحديثَ عنِ الحيّةِ في الكتابِ المقدّسِ لهُوَ أمرٌ غريبٌ عجيبٌ مُخالفٌ لكلِّ مقايِيسِ العلمِ؛ فقد أثبتَ الكتابُ المقدّسِ الذي يُؤمنُ به المُعترضون أنّ الحيّةَ كانت لها أرْجلٌ، وبعد العقابِ زحَفت على بطنِها، عاقبَها بأنْ تأكلَ مِن تُرابِ الأرضِ... بينما يقولُ العلماءُ: لا توجدُ حيّةٌ تأكلُ الترابَ، بلِ تأكل الفئرانَ...


ويبقى السؤالُ الذي يطرحُ نفسَه هو: أليس هذا خطًأ علميًّا في الكتابِ المقدّسِ ؟!


جاءَ ذلك في سفرِ التكوينِ إصحاح 3 عدد 12-14 " فَقَالَ آدَمُ:«الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ». فَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ لِلْمَرْأَةِ: «مَا هذَا الَّذِي فَعَلْتِ؟» فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: «الْحَيَّةُ غَرَّتْنِي فَأَكَلْتُ». فَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ لِلْحَيَّةِ: «لأَنَّكِ فَعَلْتِ هذَا، مَلْعُونَةٌ أَنْتِ مِنْ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ وَمِنْ جَمِيعِ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ. عَلَى بَطْنِكِ تَسْعَيْنَ وَتُرَابًا تَأْكُلِينَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكِ".


فإنْ قيلَ: إنّ الحيّةَ التي تأكلُ الترابَ وَوَقَعَ عليْها العقابُ حيّةٌ واحدةٌ وهي التي أغْوَت آدمَ وحوّاءَ...


قلتُ: لا يوجدُ دليلٌ على ذلك، بل هناك دليلٌ يُؤَكّدُ أنّ الكتابَ المقدّسَ وضّحَ أنّ الحيّةَ تأكلُ الترابَ، وهو ما جاءَ في سفرِ إشعياء إصحاح 65 عدد 25 " أَمَّا الْحَيَّةُ فَالتُّرَابُ طَعَامُهَا". لا تعليق !


كتبه / أكرمُ حسن مرسي
نقلًا عن كتابي : ردّ السهام عن الأنبياءِ الأعلام، بعد المراجعة.