هل إله الإسلام كان يأسف (يحزن) من فرعونَ، وقومِه ؟!


مِنَ الشبهاتِ التي أُثيرَت حولَ قصّةِ نبيِّ اللهِ موسى  أنّهم قالوا: مِنْ خلالِ بحثِنا في قصّةِ النبيِّ موسى في القرآنِ وجدْنا أنّ إلهَ الإسلامِ يقولُ عن نفسِه: إنّه يَأسفُ أيْ:(يحزنُ) بسببِ فعلِ فرعونَ، وقومِه...

فهل هذه صفةٌ تليقُ باللهِ؟!


تعلّقوا بقولِ اللهِ : فلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ(55) (الزخرف).


الردُّ على الشبهةِ



أولًا: إنّ المفسّرين أجمعوا على أنّ المُرادَ مِن قَولِه : فلَمَّا آَسَفُونَا أيْ: أَغْضَبُونَا، وليس المُرادُ الحزنَ، والأسفَ كما ادّعى المُعترضون...


وأكتفي بذكرِ باقةٍ مِنَ التفاسيرِ لتأكيدِ ما ذكرتُ للقارئِ فَهُمْ أربابُ اللغةِ:


1- التفسيرُ الميسّرِ: { فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } فلمّا أغضبونا- بعصيانِنا، وتكذيبِ موسى وما جاءَ به مِنَ الآياتِ- انتقمْنا منهم بعاجِلِ العذابِ الذي عَجَّلناه لهم، فأغرقناهم أجمعين في البحرِ. اهـ


2- تفسيرُ الجلالين: { فَلَمَّآ آسَفُونَا } أغضبونا { انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ }. اهـ


3- تفسيرُ ابنِ كثيرٍ: قال اللهُ تعالى: { فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ }، قال عليٌ بنُ أبي طلحةَ، عنِ ابنِ عباسٍ: { آسَفُونَا } أسخطونا. وقال الضحّاك، عنه: أغضبونا. وهكذا قال ابنُ عباسٍ أيضًا، ومجاهدٌ، وعكرمةُ، وسعيدٌ بن جُبيرٍ، ومحمّدٌ بنُ كعبٍ الْقُرَظِيُّ ، وقتادةُ، والسدِّيُّ، وغيرُهم مِنَ المفسّرين. اهـ



ثانيًا: إنّ وصْفَهم لربِّ العالمين  بأنّه يحْزَنُ؛ وَصْفٌ غيرُ لائقٍ؛ لأنّ الحزنَ صفةُ نقْصٍ لا تليقُ باللهِ في هذا الموقفِ؛ لأنّ الشخصَ الذي يحزنُ هو شخصٌ في داخلِه جُبْنٌ أو ضَعْفٌ لا يستطيعُ دفعَ الاعتداءِ والإيذاءِ عن نفسِه ففي الغالبِ يحزنُ، -وللهِ المثلُ الأعلى - لكنْ نرى أنّ الآياتِ تصفُ ربّنا بأنّه يغضبُ غضبًا محمودًا يليقُ بجلالِه وكمالِه لِيُدافعَ عنِ المؤمنين، مثلُ: نبيِّ اللهِ موسى وهارونَ وأتباعِهما، وينتقمُ مِنَ الكافرين كفِرعونَ وهامانَ وغيرِهما الذين تجبّروا في الأرضِ بغيرِ حقٍّ؛ فظلموا إخوانَهم بِشتّى الظلمِ، وكفروا بربِّهم حتى وصلَ الأمرُ إلى الاستهزاءِ بخالقِهم؛ فغضبَ اللهُ لذلك غضبًا محمودًا ليكونَ الجزاءُ مِن جِنْسِ العملِ، ولا شكَّ أنّ هذه الصفةَ في هذا المَوْقفِ صفةُ كمالٍ وهذا مُتعارفٌ عليه في الكتبِ التاريخيةِ وكتبِ أهلِ الكتابِ؛ فَكَمْ غضِبَ اللهُ  على قومٍ حاربوه بالكفرِ والمعاصي فأهْلَكَهُم وأخَذَهم أخْذَ عزيزٍ مُقتدرٍ، كقَوْمِ نوحٍ ولوطٍ...


وعليه: ليس في الآيةِ الكريمةِ أدنى شُبهةٌ بل فيها إخبارٌ لواقعٍ حدَثَ وهو هلاكُ فرعونَ وأتباعِه ونصرةُ موسى وأتباعِه، وفيها إثباتُ صِفَةِ الغضبِ المحمودِ لربِّ العالمين، غضَب يليقُ بجلالِه وكمالِه...



ثالثًا: إنّ الكتابَ المقدّسَ لمّا تحدّثَ عن فعلِ الشرِّ الصادرِ مِن قومِ نوحٍ وصَفَ لنا ربَّ العالمين بأنّه يحزنُ ثم يأسَفُ لأنّه خلقَ الإنسانَ...
وهنا يتبادرُ إلى الذهنِ سؤالٌ: هل كان الربُّ لا يعلمُ أنّ الإنسانَ سيطْغى ويتجبّر في الأرضِ لذلك حزِنَ وتأسّفَ في قلبِه لأنّه خلقَ الإنسانَ...

وهل هذه الصفاتُ التي وصَفَ بها الربَّ تليقُ بجلالِه وكمالِه...؟!


جاءَ ما ذكرتُ في سفرِ التكوينِ إصحاح 6 عدد 5 " وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ في الأرضِ، وأنّ كلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ. 6فَحَزِنَ الرَّبُّ أنّه عَمِلَ الإِنْسَانَ في الأرضِ، وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ. 7فَقَالَ الرَّبُّ: «أَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ، الإِنْسَانَ مَعَ بَهَائِمَ وَدَبَّابَاتٍ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، لأنّي حَزِنْتُ أنّي عَمِلْتُهُمْ». 8وَأَمَّا نُوحٌ فَوَجَدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ ".


ثم إنّ الكتابَ المقدّسَ وصَفَ ربَّهم بأنّه ندِمَ؛ لأنّه جعلَ شاولَ ملكًا...
وذلك في سفرِ صموئيل الأوّل إصحاح 15 عدد10" وَكَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى صَمُوئِيلَ قَائِلًا: " 11نَدِمْتُ عَلَى أنّي قَدْ جَعَلْتُ شَاوُلَ مَلِكًا، لأَنَّهُ رَجَعَ مِنْ وَرَائِي وَلَمْ يُقِمْ كَلاَمِي".


والأعجبُ ممّا سبقَ هو: أن ربَّهم يسوعَ – بحسبِ إيمانِهم - كان حزينًا مُكتئبًا...

وذلك في إنجيلِ متّى إصحاح 23 عدد 37 " ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَابْنَيْ زَبْدِي، وَابْتَدَأَ يَحْزَنُ وَيَكْتَئِبُ. 38فَقَالَ لَهُمْ:«نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ. اُمْكُثُوا ههُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي». 39ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلًا وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلًا:«يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ، وَلكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ".

وعليه فعلى المعترضين أن يلجئوا إلى كتابهم أولًا لحل هذا الإشكال ، فلا يوجد عندنا شبهة فصدرت من عقولِ خربة....!


كتبه / أكرمُ حسن مرسي
نقلًا عن كتابي : ردّ السهام عن الأنبياءِ الأعلام، بعد المراجعة.