بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله سيدنا محمد وعلى آله و صحبه اجمعين .


اخواني و اخواتي, حديث سجود الشمس من اكثر الأمور التي نراها على افواه اعداء الإسلام و لله الحمد رأيت ردود كثيره تزيل الإشكال عن هذا الحديث ولكن بعد قراءة كل الردود كانت لدي بعض الأسئلة التي لم اجد لها اجوبه عن بعض روايات هذا الحديث ..
فقررت الإجتهاد اكثر و أكثر و الحمد لله زال الإشكال تماما لدي .. فلربما بهذا الموضوع ازيل الإشكال تماما لبعض الإخوان و الأخوات الذين ما زال لهم بعض الإشكالات في هذا الحديث.


أولاً :
قبل الدخول في شرح الحديث اريد ان نعود لكتاب الله الكريم لكي يساعدنا في فهم الحديث !

يقول الله تعالى فى كتابه العزيز: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} .. [إبراهيم: 33] ..

نقول في اللغة :

دأَب فلانٌ الشَّيءَ / دأب فلانٌ على الشَّيءِ : لازمه واعتاده دون فتور ، استمرّ وواظب عليه : مستمرّان في الحركة لا يتوقَّفان!

ولكن ماهو الشيء الذي تدأب عليه الشمس ؟ أو (بطريقة أوضح) ماهي وظيفة الشمس ؟
أ- قال تعالى :(( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ))


ب- قوله تعالى : ((وجعلنا الليل و النهار آيتين فمحونا آية الليل و جعلنا آية النهار مبصرة ))

نقول في تفسير كلمة "مبصرة" في هذا الموضع :
عن قتادة : ((وجعلنا آية النهار مبصرة)) : اي منيرة , وخلق الشمس أنور من القمر و أعظم !

و للإستزادة :
1- الزمخشرى .. في الكشاف ..
{دآئِبَينَ} يدأبان فى سيرهما وإنارتهما ودرئهما الظلمات .. وإصلاحهما ما يصلحان من الأرض والأبدان والنبات ..

2-
البيضاوى .. في أنوار التنزيل وأسرار التأويل ..
((دائبين )) يدأبان فى سيرهما وإنارتهما وإصلاح ما يصلحانه من المكونات ..
3- النسفى في مدارك التنزيل وحقائق التأويل ..
((دائبين)) أى يدأبان فى سيرهما وإنارتهما ودرئهما الظلمات ..
4- أبو حيان في البحر المحيط ..
دائبين على الحال والمعنى: يدأبان فى سيرهما وإنارتهما وإصلاحهما ما يصلحان من الأرض والأبدان والنبات ..
5- البقاعى في نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور ..
{دائبين}: أى فى سيرهما وإنارتهما وما ينشأ عنهما من الإصلاح ..


الخلاصة :

ان الشمس تجري في فلك خاص لها .. و تنير الأرض دائماً و أبداً.

ثانياً :

أين هو العرش التي تسجد تحته الشمس ؟؟

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :
ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة ، و فضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة
الراوي: أبو ذر الغفاري المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 109
خلاصة حكم المحدث: صحيح

و يقول تبارك وتعالى في كتابه الكريم :
"وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ " سورة البقرة (255)

فإذا الكرسي يسع السماوات و الأرض .. فما بالنا بالعرش ؟؟


الخلاصة :
ان العرش يحيط بجميع السماوات و الأرض .. فمعنى ذلك ان ذهاب الشمس المذكور في الروايات هو ذهاب معنوي وليس مادي !

ثالثاً:

نبدأ بالروايات .. الأبسط و الأقصر ثم الأطول !

الرواية الأولى: عن أبى ذر: [سألت النبى صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: ((والشمس تجرى لمستقر لها)) قال: (مستقرها تحت العرش)] [رواه البخاري]

و اعتقد ان هذه الرواية بسيطة جداً ولا يوجد فيها إشكال لأحد .. فالشمس دائما تحت العرش !


الرواية الثانية : عن أبى ذر رضى الله عنه قال: [كنت مع النبى صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال: يا أبا ذر أتدرى أين تغرب الشمس .. ؟! .. قلت: الله ورسوله أعلم .. قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش .. فذلك قوله تعالى: (والشمس تجرى لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم)] [رواه البخارى]

أي بمعنى آخر ..
عند غروب الشمس التام عن اعين الناس في بقعة معينه من الأرض .. تسجد ..
ولكن ماذا عن باقي الأرض ؟

يقول الله تعالى في كتابه :
{فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ } سورة المعارج (40)

و أيضا يقول رسولنا الكريم :
إن الله زوى لي الأرض . فرأيت مشارقها ومغاربها . وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها . وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض . وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة . وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم . فيستبيح بيضتهم . وإن ربي قال : يا محمد ! إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد . وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة . وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم . يستبيح بيضتهم . ولو اجتمع عليهم من بأقطارها - أو قال من بين أقطارها - حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ، ويسبي بعضهم بعضا
الراوي: ثوبان مولى رسول الله المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2889
خلاصة حكم المحدث: صحيح

و كما وضحت أعلاه .. ان الشمس تجري دائما في فلكها و تنير الأرض دائما !


الخلاصة من الرواية الثانية :

ان الشمس تسجد بعدما تغرب عن كل بقعة في الأرض .. وهو سجود بمعنى الخضوع ولا يستلزم الوقوف أو الهبوط ليسمى سجود ولا يستلزم غروبها الكامل عن الأرض ولكن بشهادة القرآن ايضا ان الأرض لها مشارق و مغارب ..!

الرواية الثالثة :
حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏إبراهيم التيمي عن أبيه عن ‏أبي ذر رضي الله عنه قال:
قال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏لأبي ذر ‏ ‏حين غربت الشمس: ‏ ‏أتدري أين تذهب؟ قلت :الله ورسوله أعلم . قال:فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى ((والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقديرالعزيز العليم))

فهذه الرواية مكملة للرواية الثانية ..
فإنها تسجد تحت العرش ولكن الزيادة في هذه الرواية ان الشمس تستأذن فيؤذن لها !
ولكن تستأذن لماذا ؟ و يؤذن لها بماذا ؟

اقول بحول الله :
تستأذن في اكمال مسيرتها (في فلكها) للشروق على بقعة اخرى من الأرض فيؤذن لها ذلك ..!
و ستبقى على هذا الحال :
شروق .. غروب .. سجود .. شروق .. غروب .. سجود
حتى يأتي اليوم الذي :
يوشك ان تسجد فلا يقبل منها و تستأذن فلا يؤذن لها و يقال لها ارجعي من حيث جئتي فتطلع من مغربها !

ففي يوم من الأيام ستغرب عن اعيننا .. فتوشك على السجود كما هو المعتاد ولكن هذه المرة لن يقبل منها ..
و بعد ذلك ستستأذن في إكمال مسيرتها (في فلكها) للشروق على بقعة اخرى من الأرض كما هو المعتاد ولن يأذن الله لها بذلك و لكن المشكلة هي : (يقال لها ارجعي من حيث جئتي)
وهل هذا يلزمنا ان الشمس هي التي تدور حول الأرض وليس العكس كما هو مثبت علمياً ؟؟

لنرى في الروايات القادمة.

الرواية الرابعة :

حدثنا ‏ ‏محمد بن عبيد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏إبراهيم التيمي ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي ذر ‏ ‏قال ‏ :
كنت مع رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏في المسجد حين وجبت الشمس فقال : يا ‏ ‏أبا ذر ‏ ‏تدري أين تذهب الشمس؟ قلت : الله ورسوله أعلم قال : فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربها عز وجل فتستأذن في الرجوع فيؤذن لها وكأنها قد قيل لها ارجعي من حيث جئت فترجع إلى مطلعها فذلك ‏ ‏مستقرها ‏ ‏ثم قرأ ‏
((والشمس ‏ ‏تجري ‏ ‏لمستقر ‏ ‏لها))

و نلاحظ في هذه الرواية قوله "وكأنها قد قيل لها" وهذا يفيدنا بنقطة وهي :
ان الشمس فعلا لا يقال لها ارجعي من حيث جئتي .. ولكنه كان تشبيه من النبي عليه الصلاة و السلام بأن الشمس ستعود علينا من المشرق !
و كما وضحت في الأعلى ان الشمس دائمة في فلكها و دائمة في إنارة الأرض وهذا دليل على ان هذا الحديث لا يعني ان الشمس تغيب عنا كلياً لتسجد تحت العرش او بين يدي ربها !

الرواية الخامسة :
وهي الرواية المذكورة عند صحيح البخاري .. سنن الترمذي و صحيح مسلم !
‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏إبراهيم هو التيمي ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي ذر ‏ ‏قال ‏ :
دخلت المسجد ورسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏جالس فلما غربت الشمس قال: يا ‏ ‏أبا ذر ‏ ‏هل تدري أين تذهب هذه؟ قلت الله ورسوله أعلم. قال :فإنها تذهب تستأذن في السجود فيؤذن لها وكأنها قد قيل لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها .

و مرة أخرى يظهر لنا قول "وكأنها "
وهذه دلالة على ان الشمس فعلا لا ترجع من حيث ذهبت .. فهي اصلا لا تذهب لمكان بل تسجد وهي في فلكها وخلال جريانها !
وهذا لا يقف امام العلم بل يطابقه .. فمن المعلوم ان دوران الارض حول نفسها هو سبب الشروق و الغروب ! ففي يوم من الأيام ستعود الشمس علينا من مغربها و
كأنها هي التي عادت من مكان غروبها وليس تغير دوران الأرض هو السبب في ذلك !


الرواية السادسة:
وهذه الرواية التي كانت سبب الإشكال عندي ..
وهي رواية تفرد بها مسلم رحمه الله .. !
عن إبراهيم بن يزيد التيمي سمعه فيما أعلم عن أبي ذر رضي الله عنه:
أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال يوما ‏: ‏أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟ قالوا :الله ورسوله أعلم. قال :إن هذه ‏ ‏تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم ‏ ‏تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة ولا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم ‏ ‏تجري لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش فيقال لها ارتفعي أصبحي طالعة من مغربك فتصبح طالعة من مغربها. فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏: ‏أتدرون متى ‏ ‏ذاكم؟ ذاك حين ‏ يوم لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل او كسبت في إيمانها خيرا.

و هنا يجب علينا الإجابة على عدة أسئلة :
1- ماهو المستقر المذكور في هذا الحديث ؟
2- ماهو خرور الشمس و ارتفاعها و رجوعها ؟
3- هل يجب فهم هذا الحديث حرفيا ام معنويا ؟ و إذا معنويا .. لماذا استخدم الرسول هذه اللغة مع اصحابه ؟؟


الأجوبة بعون الله :
1- المستقر هو مكان سجودها بعد الغروب .. فعند جمعنا لجميع الروايات يبين لنا ان سجودها هو بعد الغروب عن بقعة معينه من الأرض و سجودها غير سجودنا .. فبشهادة القرآن ان الشمس و القمر و الشجر و النجوم و الجبال يسجدوا لله وحده .. ولكن سجودهم لا نفقهه .. ولربما السجود المقصود به هو الخضوع لأمر الله ولا أكثر ! وهذا يعني ان سجود الشمس قد يكون خضوعها لا أكثر ولا أقل ! ولكن لماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم انها تخر ساجدة ؟

2 - اقول ان قول الرسول صلى الله عليه وسلم جملة "انها تخر ساجدة" يقصد فيها تصوير وتقريب المنظر لعقول اصحابه البسيطه !
وإلا اذا انها تخر فعلا او تسكن عن الحركة او ترتفع او ترجع فهذا معناها انها غير دائمة في فلكها و لا تجري دائما و حتى يعني ان الأرض مسطحة لان الشمس تغرب عنها تماما و تخر ساجدة بعد غروبها حرفيا .. وهذا يناقض القرآن و السنة و حتى المنطق و العقل !

3- هذا الحديث لا يجب فهمه حرفيا .. بل مستحيل ان نفهمه حرفيا !
فلو فهمناه حرفياً فمعنى ذلك ان الشمس ليست دائبة في فلكها ولا في جريانها ولا في إنارتها الأرض !
و لجواب سؤال : اذا لا يجب فهم الحديث حرفياً لماذا الرسول صلى الله عليه و سلم استخدم هذه اللغة مع اصحابه او في هذه الرواية ؟

اقول لكم و بكل بساطه ان الرسول و الصحابة اجابوكم بأنفسهم ! لنستعرض بعض الأحاديث و الآثار :

1-
الأثر عن على إبن أبى طالب: (حدّثوا الناس بما يعقلون .. أتحبون أن يُكذَّب اللهُ ورسولُه ؟)
2-و أيضاً
روى عن إبن مسعود رضى الله عنه : (ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم .. إلا كان لبعضهم فتنة)
3- أيضاً عن إبن مسعود رضي الله عنه : (أمرنا معاشر الأنبياء أن نكلم الناس على قدر عقولهم)

فمن غير المنطق ان يقول الرسول للناس : ان الشمس تسجد و تكمل جريان ثم تظهر للقبط ثم للأندلس و هذا بسبب دوران الأرض حول محورها و دوران الأرض حول محورها هو بسبب جاذبية الشمس و سبب دوران الشمس حول نفسها !!!
و في يوم سوف تتغير حركة الشمس و يتغير تأثير جاذبيتها على الأرض فيتغير محور دوران الأرض فتطلع الشمس من مغربها !

فهذا صعب الفهم على عقول اصحابه البسطاء الذين عاشوا قبل حوالي 1450 سنه ! فعقولهم كانت عبارة عن "صلاة .. صوم .. تجارة وجهاد في سبيل الله "!

و أيضا قوله صلى الله عليه وسلم :
(لا يستنكر الناس منها شيئاً) دليل على ان سجودها و رجوعها و خرورها و ارتفاعها كلها امور غيبيه لا يعلم بها إلا خالق هذا الكون !



الخلاصة من الرواية السادسة:
ان هذه الرواية لا يمكن فهمها حرفيا بل اذا جمعناها مع الروايات الأخرى يسهل علينا فهمها بكل سهولة ..


و في نهاية الموضوع احب ان اذكركم :
ان هذا الموضوع من اجتهادي الشخصي فإذا اصبت .. الحمد لله
و اذا خبت .. فاستغفر الله رب العالمين ..!

و الشكر الجزيل للإخوان (عبدالرحمن , محمد سني , إسلامي عزي)
فهم من الاخوة الذين ساعدوني في فهم هذا الحديث !

دمتم بصحة و عافية ..