[TR]
[TD="class: usermess, align: right"]بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله

الشرك في الربوبية


كل اعتقاد، أو قول، أو فعل؛ فيه إنكار لخصائص ربوبية الله تعالى، أو بعضها؛ كفر وردة.
أو ادعاء شيء من هذه الخصائص؛ كادعاء الربوبية، كما قال فرعون: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات: 24.].
أو ادعاء الملك، أو الرزق، أو التصرف من دون الله تعالى، وغيرها من الأمور التي هي من أفعال الله تعالى وخصائصه، وكذلك يكفر من يصدق بهذه الدعوى، ومن الأمثلة على ذلك:
الاعتقاد بأن لله تعالى شريكاً في الخلق والرزق والإحياء والإماتة والتدبير.
الاعتقاد بأن الأولياء لهم تصرف في الكون مع الله تعالى.
اعتقاد تأثير وتصرف غير الله تعالى؛ من الأبراج والكواكب ومساراتها ومواقعها على حياة الناس.
الاعتقاد بأن المخلوق يمكنه أن يرزق المخلوق، أو يمنع عنه الرزق، أو يمكنه أن يضر، أو ينفع من دون الله تعالى.
الاعتقاد بأن أحداً دون الله تعالى يعلم الغيب.
اعتقاد حلول الله تعالى في خلقه، أو أن الله في كل مكان.
الاعتقاد بأن الشفاء من الطبيب أو الدواء، أو اعتقاد التوفيق في حياة العبد من ذكائه، أو جهده واجتهاده.
الاعتقاد بأن للمخلوق حقًّا في سن القوانين وتشريعها، وهي تلك النظم التي تحكم في أموال الناس وأعراضهم.
وغيرها من الاعتقادات التي تناقض الإيمان وتبطله. (38)
ومنه أيضاً أن يوصف أحد من الخلق بأي صفة من صفات الله عز وجل الذاتية أو الفعلية المختصة به كالخلق أو الرزق أو علم الغيب أو التصرف في الكون، حتى مع إثبات هذه الصفات لله عز وجل. وهذا الشرك يكثر لدى بعض الفرق المنحرفة كغلاة الصوفية والرافضة والباطنية عموماً، حيث يعتقد الرافضة- مثلاً- في أئمتهم أنهم يعلمون الغيب، وتخضع لهم ذرات الكون ونحو ذلك، وكذلك يعتقد الباطنية والصوفية في أوليائهم نحو ذلك، فعامة شرك الربوبية عند هؤلاء يقع في العلم والتصرف، أما في الخلق، والرزق فيقر به عامة الصوفية، وكذا المشركون الأوائل يعتقدون بأن الله عز وجل هو الخالق الرازق، لكنهم يدعون ويستغيثون بالأولياء من دون الله لزعمهم أنها تقربهم إلى الله زلفى، لذلك اقتصر مفهومهم للشرك باعتقاد أن الأولياء يخلقون أو يرزقون من دون الله، أو باعتقاد تصرفهم في الخلق استقلالاً. وبعد تقرير هذا الأصل ولكثرة أنواع الشرك في الربوبية، فقد رأيت أن أختار مثالين منهما وهما الشرك في العلم والشرك في التصرف ومن خلال نقل بعض أقوال الفرق يتضح انحرافها في هذا الأصل، ثم نرد عليهم و نبين المنهج الحق في ذلك:
أولاً: الشرك في العلم
أ- نُقول عن الفرق فيها نقض لتوحيد الربوبية
الأقوال كثيرة ومشتهرة وسأقتصر على الأقوال الصريحة منها:
فالباطنية زعموا أن أئمتهم وأولياءهم يعلمون ما كان وما يكون، ومن النقولات في ذلك ما ذكره صاحب (تأويل الدعائم) من أنه (جاء عن أولياء الله من الأخبار عما كان ويكون من أمر العباد) (1) وجاء في كتاب (المجالس المؤيدية) (أن الأئمة يعلمون من أمر المبدأ والمعاد ما حجبه الله عن كافة العباد) (2) ، وروى النعمان القاضي عن المعز لدين الله أنه قال: (... أفمن أودعه الله علم ما يكون يجهل فضله...فكيف بمن علمه الله علم ما يكون مما لم يكن بعد) (3) ، وقال المعز: (إن عندنا علم ما يطلب، كقول جده علي: سلوني قبل أن تفقدوني، فوالذي خلق الحبة وبرأ النسمة لا تسألوني عن علم ما كان وما يكون، ومن علم ما لا تعلمون إلا أخبرتكم به...) (4) ، فهذه النصوص- كما نلاحظ- فيها دعوى أن الأئمة يعلمون ما كان وما يكون من أمر العباد وأمر الجن أو المعاد.
ومثل ذلك ما نقل عن الرافضة حيث ينسب الكليني إلى جعفر الصادق قوله: (ورب الكعبة ورب البنية لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما، لأن موسى والخضر عليهما السلام أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة، وقد ورثناه من رسول الله وراثة) (5) . وينسبون إلى الحسن بن علي رضي الله عنه قوله: (إنا نعلم المكنون والمخزون والمكتوم الذي لم يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل غير محمد وذريته) (6) .
ولا حاجة للإشارة إلى كذبهم على الحسن- رضي الله عنه- أو جعفر الصادق- رحمه الله- وإنما المقصود أن الرافضة يعتقدون فيهم هذا، ولهذا نقلوا هذه الأقوال عنهم ونسبوها إليهم.
وهذه الفكرة موجودة لدى المتصوفة فبينهم وبين الرافضة أوجه شبه كثيرة من أهمها تقديس الأئمة والأولياء.
فهذا عبد الكريم الجيلي صاحب كتاب (الإنسان الكامل) يزعم أنه كشف عن حقائق الأمور على ما هي عليه من الأزل إلى الأبد وأنه رأى جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة...إلخ (7) .
وهذا الشعراني في كتابه (الطبقات الكبرى) ينقل عن شيخه الخواص أنه كان يعلم ما في اللوح المحفوظ ساعة بساعة (8) ، ومما قاله المتصوفة: (...وينبغي على المريد أن يعتقد في شيخه أنه يرى أحواله كلها كما يرى الأشياء في الزجاجة) (9) .
ويدخل في ذلك الكهانة والعرافة ونحوها، وكذلك إتيان الكهنة والعرافين وتصديقهم بما يقولون.
ب- اعتقاد أهل السنة في ذلك وحكم من ادعى علم الغيب
اعتقاد أهل السنة في ذلك:
يؤمن أهل السنة بأن الله وحده هو الذي يعلم الغيب، دون من سواه من ملك مقرب أو نبي مرسل، وأنه يطلع من يرتضيه من رسله على بعض الغيب متى شاء وإذا شاء وبذلك جاءت الآيات والأحاديث، قال سبحانه: وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ [هود: 123]، وقال تعالى: وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ [يونس: 20]، وقال عز وجل: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [الكهف: 26]، وقال سبحانه: وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ [آل عمران: 179] وقوله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ [الأنعام: 50] يقول الإمام الطبري في تفسير هذه الآية: (قل لهؤلاء المنكرين نبوتك: لست أقول لكم إني الرب الذي له خزائن السموات والأرض، فأعلم غيوب الأشياء الخفية التي لا يعلمها إلا الرب الذي لا يخفى عليه شيء، فتكذبوني فيما أقول من ذلك، لأنه لا ينبغي أن يكون رباً إلا من له ملك كل شيء، وبيده كل شيء، ومن لا يخفى عليه خافية، وذلك لا إله غيره) (10) .
ومن الآيات في هذا المعنى قوله عز وجل: قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل: 65].
يقول الإمام القرطبي في تفسيرها: (فإنه لا يجوز أن ينفي الله سبحانه وتعالى شيئاً عن الخلق ويثبته لنفسه ثم يكون له في ذلك شريك، ألا ترى إلى قوله تعالى: قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل: 65]، وقوله: لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ [الأعراف: 187], فكان هذا كله مما استأثر الله بعلمه لا يشركه فيه غيره) (11) .
ومن أصرح الآيات دلالة ما جاء في سورة الأنعام، قال تعالى: وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [الأنعام: 59]، وتفسيرها في سورة لقمان، قال تبارك وتعالى: إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان: 34]. قال الحافظ ابن كثير في تفسيره آية لقمان: (هذه مفاتيح الغيب التي استأثر الله تعالى بعلمها فلا يعلمها أحد إلا بعد إعلامه تعالى بها، فعلم وقت الساعة لا يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ وكذلك إنزال الغيث لا يعلمه إلا الله إذا أمر به علمته الملائكة الموكلون بذلك ومن يشاء الله من خلقه، وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه الله تعالى سواه، ولكن إذا أمر بكونه ذكراً أو أنثى أو شقيًّا أو سعيداً علم الملائكة الموكلون بذلك ومن شاء الله من خلقه، وكذا لا تدري نفس ماذا تكسب غداً في دنياها وأخراها، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ في بلدها أو غيره من أي بلاد الله كان، لا علم لأحد بذلك، وهذه (أي الآية) شبيهة بقوله تعالى:وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ [الأنعام:59], وقد وردت السنة بتسمية هذه الخمس مفاتيح الغيب) (12) .
ثم ساق الحافظ عدة أحاديث في هذا المعنى، ومنها ما رواه البخاري عن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله، لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله)) (13) . وحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (...ومن حدثك أنه يعلم الغيب فقد كذب، وهو يقول: لا يعلم الغيب إلا الله) (14) .
فالآيات والأحاديث المذكورة وغيرها مما لم نذكره قطعية الدلالة على اختصاصه عز وجل بعلم الغيب دون سواه من الأنبياء والرسل أو الملائكة أو الأولياء.
2- تفسير قوله تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا [الجن:29]
مرَّ معنا نصوص صريحة بأن الرسل وعلى رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم لا يعلمون الغيب مثل قوله تعالى: قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ [الأنعام: 5] وسنزيد هذه المسألة إيضاحاً قبل أن نتكلم عن الاستثناء المذكور في الآية، قال تعالى: قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:188]. (أي لو كنت أعلم جنس الغيب، لتعرضت لما فيه الخير، فجلبته إلى نفسي، وتوقيت ما فيه السوء، حتى لا يمسني، ولكني عبد لا أدري ما عند ربي، ولا ما قضاه في، وقدره لي، فكيف أدري غير ذلك وأتكلف علمه؟) (15) .
وقال- عز وجل-: وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ [هود:31]
وقال سبحانه: يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ [المائدة:109].
ففي هذه الآية دليل على نفي علم الأنبياء بالغيب، وإذا لم يعلم الرسل والأنبياء ذلك فمن ادعاه لنفسه أو لغيره فهو مضاد ومكذب بما جاء في القرآن.
وقال سبحانه في حكاية المحاورة بين موسى عليه السلام وفرعون: قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى [طه:51-52] فأضاف موسى عليه السلام هذا العلم إلى الله سبحانه، ونفاه عن نفسه فدل على أن الأنبياء لا يعلمون منه شيئاً إلا ما يخبرهم به سبحانه (16) .
وقال سبحانه: قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُّبِينٌ [الأحقاف: 9]
لقد قص علينا- سبحانه وتعالى- من أحوال الأنبياء والرسل وأخبارهم ما يؤكد هذا المعنى ويرسخه، فها هو إبراهيم عليه السلام لم يعلم بأنه يولد له ولد من زوجته سارة إلا بعد أن جاءته الملائكة، وجاءته الملائكة في صورة بشر فلم يعرفهم فذبح لهم عجلاً وقربه إليهم، ولم يكن يعرف مقصدهم حتى أعلموه أنهم ذاهبون لتدمير قرى قوم لوط، وأما لوط فإنه ساءته رؤية الملائكة ولم يعلم حقيقة أمرهم إلا بعد أن أعلموه أنهم جاءوا لإنجائه وإنجاء أهله (17) .
وها هو المصطفى صلى الله عليه وسلم أصابه همٌّ عظيم وقلق وانشغل باله فيما قذف المنافقون عائشة رضي الله عنها، ومكث أياماً يستشير أصحابه في الأمر، ولم يعلم حقيقة الأمر حتى أنزل الله عز وجل براءتها وكذب المنافقين (18) ، فكل هذه الآيات والأخبار تدل دلالة قطعية على أن الأنبياء لا يعلمون الغيب فإذا كان الأنبياء الأصفياء المقربون لا يعلمون ذلك، فغيرهم من باب أولى.
أما الاستثناء الوارد في قوله تعالى: إِلا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ [الجن:29], فمعناه: (أي من اصطفاه من الرسل، أو من ارتضاه منهم لإظهاره على بعض غيبه، ليكون ذلك دالًّا على نبوته) (19) .
وقال الإمام ابن العربي المالكي: (وعند الله تعالى علم الغيب وبيده الطرق الموصلة إليه لا يملكها إلا هو، فمن شاء إطلاعه عليها أطلعه، ومن شاء حجبه عنها حجبه، فلا يكون ذلك من إفاضته إلا على رسله بدليل قوله تعالى: وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ [آل عمران: 179] وقال الطيبي: (..فلا يظهر إظهاراً تامًّا وكشافاً جليًّا إلا لرسول يوحى إليه مع ملك وحفظة، ولذلك قال: فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدً [الجن: 27], وتعليله بقوله: لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ [الجن: 28], وأما الكرامات فهي من قبيل التلويح واللمحات، وليسوا في ذلك كالأنبياء) (20) ، وقال الحافظ ابن حجر: (وفي الآية رد على المنجمين، وعلى من يدعي أنه مطلع على ما سيكون من حياة أو موت أو غير ذلك؛ لأنه مكذب للقرآن وهم (أي المنجمين ومن في حكمهم) أبعد شيء من الارتضاء مع سلب صفة الرسولية عنهم) (21) .
إذاً الآية صريحة الدلالة في أن الغيب مختص به ولا سبيل إلى علمه إلا من إخبار الله تعالى لمن يشاء من رسله وأنبيائه. ومن أمثلة ذلك ما ذكره الله عز وجل عن يوسف عليه السلام، قال تعالى: قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ [يوسف: 37] وقوله عن عيسى عليه السلام: وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [آل عمران: 49].
ومن ذلك أيضاً ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من فتوحات إسلامية، وفتن وملاحم وقعت كما أخبر بها صلى الله عليه وسلم، وإخباره عن علامات الساعة، والشهادة لبعض الصحابة بالجنة وأحوال أهل الجنة والنار...إلخ (22) . والرسول يخبر أمته بما أعلمه الله تعالى، وقد أورد الشوكاني سؤالاً وأجاب عنه فقال: (إذا تقرر بهذا الدليل القرآني أن الله يظهر من ارتضى من رسله على ما شاء من غيبه، فهل للرسول الذي أظهره الله على ما شاء من غيبه أن يخبر به بعض أمته؟ قلت (أي الشوكاني): نعم ولا مانع من ذلك وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا ما لا يخفى على عارف بالسنة المطهرة، فمن ذلك ما صح أنه قام مقاماً أخبر فيه بما سيكون إلى يوم القيامة، وما ترك شيئاً مما يتعلق بالفتن ونحوها حفظه من حفظه ونسيه من نسيه، كذلك ما ثبت من أن حذيفة بن اليمان كان قد أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما حدث من الفتن بعده، ومنها تحدثه لعمر رضي الله عنه عن الفتن التي تموج كموج البحر، وكذلك ما ثبت من إخباره صلى الله عليه وسلم لأبي ذر بما يحدث له، وإخباره لعلي بن أبي طالب بخبر ذي الثدية، ونحو هذا الكلام مما يكثر تعداده ولو جمع جاء منه مصنف مستقل) (23) .
ثانياً: الشرك في التصرف
أ- نماذج من انحراف الفرق في ذلك
من المعروف عن الباطنية تأليههم لبعض الأشخاص، فالنصيرية مثلاً يؤلهون علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والدروز يؤلهون الحاكم بأمره وهكذا، فالباطنية لديهم غلو ظاهر في هذا الجانب، ولعلنا نقتصر هنا على إبراز معتقد النصيرية في ذلك، وملخصه ما يلي: يعتقدون أن الله يحل في الأشخاص، وأن آخر حلول له كان في علي بن أبي طالب، بل ذهبوا إلى ما يشبه عقيدة التثليث عند النصارى، إذ إنهم ألفوا ثالوثاً يتكون من علي، ومحمد، وسلمان الفارسي، ويزعمون أن العلاقة بين أطراف هذا الثالوث علاقة إيجاد، فعلي خلق محمداً، ومحمد خلق سلمان، وسلمان خلق الأيتام الخمسة ويقصدون بهم: المقداد بن الأسود، وأبا ذر الغفاري، وعثمان بن مظعون، وعبد الله بن رواحة، وقنبر بن كادان مولى علي، وأكدوا لهؤلاء مسئوليات معينة في تصريف الكون، فالمقداد موكل إليه الرعد والصواعق والزلازل، وأبو ذر موكل بالرياح وقبض أرواح البشر، وقنبر موكل بنفخ الأرواح في الأجسام (24) ، إذاً علي بن أبي طالب وسلمان والأيتام الخمسة يتفردون بتصريف أمور الكون من الخلق والموت والحياة وغيرها، وهذه من أخص صفات الربوبية، ولا غرابة في هذا الاعتقاد عند النصيرية ماداموا يؤلهون البشر، ويعتقدون بالحلول على طريقة النصارى.
أيضاً يعتقد الرافضة الإمامية في أئمتهم شيئاً من ذلك، فينسبون إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه من رواية جعفر بن محمد قوله: (انتقل النور إلى غرائزنا ولمع في أئمتنا، فنحن أنوار السماء وأنوار الأرض، فبنا النجاة ومنا مكنون العلم، وإلينا مصير الأمور، وبمهدينا تنقطع الحجج..) (25) وينسبون إليه أيضاً قوله: (…ونحن الذين بنا تمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وبنا تمسك الأرض أن تميد بأهلها، وبنا ينزل الغيث، وتنشر الرحمة...) (26) ، ويقول أحد أئمتهم المعاصرين وهو الخميني: (فإن للإمام مقاماً محموداً ودرجة سامية، وخلافه تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون...) (27) . فالكون بذلك خاضع لولايتهم وسيطرتهم وتصرفهم.
أما المتصوفة فاعتقادهم بأوليائهم وتصرفهم في الكون وشئون الخلق مشهور معلوم، (فعامتهم يجعلون الولي مساوياً لله عز وجل في جميع صفاته فهو يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويتصرف في الكون، ولهم تقسيمات للولاية فهناك الغوث المتحكم في كل شيء في العالم والأقطاب الأربعة الذين يمسكون الأركان الأربعة في العالم بأمر الغوث، والأبدال السبعة الذين يتحكم كل واحد منهم في قارة من القارات السبع بأمر الغوث والنجباء وكل واحد منهم يتصرف في ناحية تتحكم في مصائر الخلق) (28) .
بل يزعم بعض المتصوفة أن من كرامات أوليائهم أنهم يحيون الموتى، فهذا البدوي تستغيث به امرأة ليحيي ولدها الذي مات (فمد سيدي أحمد البدوي يده إليه ودعا له فأحياه الله تعالى) (29) ، والبدوي يميت من يتعرض له من الأحياء كما فعل مع معارضيه في العراق، فقد قال لهم: موتوا. فوقعوا على الأرض قتلى، ثم قال: قوموا بإذن من يحيي ويميت الأحياء. فقاموا (30) .
ومما يدخل تحت دعوى المخلوقات بشئون الكون من دون الله ما يدعيه أهل الجاهلية ومن تبعهم من الاعتقاد بأن الأنواء والنجوم والكواكب هي التي تنشئ السحاب وتنزل المطر من دون الله عز وجل.
ب- اعتقاد أهل السنة في ذلك، وحكم من أثبت لمخلوق تصرفاً في الكون من دون الله عز وجل
من أصول اعتقاد أهل السنة ومما تواترت به النصوص من الكتاب والسنة الاعتقاد الجازم بأن النفع والضر، والخير والشر، والخلق والرزق والموت والحياة والتصرف في الكون وفي شئون العالم لا يكون إلا لله عز وجل، وبقضائه وقدره وأمره لملائكته أو أحد من خلقه بفعل شيء من ذلك.
قال تعالى موجهاً نبيه صلى الله عليه وسلم: قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف: 188] وقال عز وجل: قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا [الجن: 21]، وقوله: قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ [آل عمران: 154]، وقوله تعالى: وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [الأنفال: 10] وقوله تعالى:إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ [يونس: 3]، بل إن الأمر معلوم حتى لمشركي العرب، قال تعالى: قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ [يونس: 31] وقال- عز وجل-:قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ اللّهُ [المؤمنون: 88] وقال- عز وجل- عن الكفار: وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا [النحل: 73]، وقال تعالى: وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ [يونس: 106]، وقوله سبحانه: وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس:107]، وقوله تعالى أيضاً: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [فاطر: 2], وقال سبحانه وتعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ [سبأ: 22]، أي: ليس لهم قدرة على خير ولا شر، ولا على جلب نفع، ولا دفع ضر في أمر من الأمور وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ أي: ليس للآلهة الباطلة في السموات والأرض مشاركة لا بالخلق ولا بالملك ولا بالتصرف) (31) .
والأحاديث الشريفة في هذا المعنى كثيرة ومنها حديث وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عباس حيث جاء فيها: ((... واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله تعالى لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك...)) الحديث (32) .
وجاء في دعائه صلى الله عليه وسلم قوله: ((اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)) (33) فهذه كلها نصوص صريحة الدلالة في أن النفع والضر والرزق والخلق والتصرف والنصر كلها من الله عز وجل، فلذلك لا يجوز أن يدعى ويطلب من غيره النفع والضر أو الرزق كما لا يجوز أن يعتقد في غيره أن له تصرفاً في الكون من خلق وغيره، فكل ذلك شرك صريح مناقض لقول القلب.
قال الشيخ صنع الله الحنفي رحمه الله في الرد على من ادعى ذلك: (هذا وإنه قد ظهر الآن فيما بين المسلمين جماعات يدعون أن للأولياء تصرفاً بحياتهم وبعد مماتهم، ويستغاث بهم في الشدائد والبليات وبهممهم تكشف المهمات،....) قال: (وهذا كلام فيه تفريط وإفراط، بل فيه الهلاك الأبدي والعذاب السرمدي، لما فيه من روائح الشرك المحقق، ومضادة الكتاب العزيز المصدق، ومخالفة لعقائد الأئمة وما اجتمعت عليه الأمة)، ثم قال: فأما قولهم: إن للأولياء تصرفات في حياتهم وبعد الممات: فيرده قوله تعالى: أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ [النمل: 61]، وقوله تعالى: أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف: 54], لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [الشورى: 49], ونحوها من الآيات الدالة على أنه المتفرد بالخلق والتدبير والتصرف والتقدير، ولا شيء لغيره في شيء ما بوجه من الوجوه فالكل تحت ملكه وقهره تصرفاً وملكاً وإماتة وخلقاً...) (34) . وقال الشيخ صديق خان في تعليقه على قوله تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ [النحل: 73] : (ومفهوم الآية أن قول العامة: إن الأنبياء والأولياء والشهداء والأئمة لهم تصرف في العالم، وقدرة عليه، ولكنهم شاكرون لتقدير الله تعالى، راضون بقضائه، ولا يقولون شيئاً ولا يفعلون أمراً، أدباً منهم، ولو شاءوا لغيروا الأمور في آن، وسكوتهم إنما هو تعظيماً للشرع الشريف غلط فاضح، وكذب واضح؛ لأنهم لا يستطيعون شيئاً لا حالاً ولا استقبالاً، ولا حول لهم على ذلك أصلاً، وهذه العقيدة فيها شرك بالله سبحانه وتعالى؛ لأنه ليس في الدار غيره ديار (35) .
ومن خلال هذه النقول يتبين حكم هذه المسألة، القطعية المجمع عليها. و... في ختام هذا المبحث ... أشير إلى مسألة الاستسقاء بالنجوم لأن البعض قد يغلط فيها... :
قال الشافعي في تعليقه على حديث زيد بن خالد: ((أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب)) (36) ، قال رحمه الله: (... ومن قال مطرنا بنوء كذا، وهو يريد أن النوء أنزل الماء، كما عني بعض أهل الشرك من الجاهلية فهو كافر، حلال دمه إن لم يتب)، وقال الإمام ابن عبد البر في معنى الحديث، قال: فمعناه على وجهين: أما أحدهما: فإن المعتقد بأن النوء هو الموجب لنزول الماء، وهو المنشئ للسحاب دون الله عز وجل، فذلك كافر كفراً صريحاً، يجب استتابته وقتله إن أبى، لنبذه الإسلام ورده القرآن، والوجه الثاني: أن يعتقد أن النوء ينزل الله به الماء، وأنه سبب الماء على ما قدره الله وسبق في علمه، وهذا وإن كان وجهاً مباحاً، فإن فيه أيضاً كفراً بنعمة الله عز وجل وجهلاً بلطيف حكمته...) (37
موقع درر

سئل الشيخ ابن باز رحمه الله
يقول لنا أحد الناس بعد أن قال إننا غشماء، وكذا وكذا، يقول لنا: إن من عباد الله الصالحين يغني قسم من هذه الدنيا بكلمة واحدة هل هذا يجوز القول أم لا؟

فأجاب
حكم اعتقاد أن من عباد الله من يتصرف في بعض شؤون الكون
هذا باطل ، التصرف يكون لله وحده، والعبد لا يملك ولو كان أصلح الصالحين، ولو كان من الرسل لا يملك التصرف في الكون، ولا إغناء الناس ولا إفقارهم، بل هذا بيد الله - سبحانه وتعالى- هو الذي يغني ويفقر -جل وعلا-، وهو المتصرف في الأمور –سبحانه-، وهو مدبر الأمر -جل وعلا-، وهو خالق لكل شيء -سبحانه وتعالى-: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [(82) سورة يــس]. أما العباد وإن كانوا أصلح الناس فليس لهم التصرف في الكون، ولا يملكون تدبير الكون، نعم قد يدعو المؤمن دعوة مباركة فتستجاب له، فيدعو لأخيه أن الله يشفيه فيشفى، قد يدعو له بالمغفرة فيغفر له، هذا من باب استجابة الدعاء بفضل الله -سبحانه وتعالى-، فقد يجيب دعوة المؤمن والمؤمنة لأخيهما فلا بأس هذا وقع، لكن ليس لأحد من الصالحين أو غيرهم التصرف في الكون، أو تدبير الكون، هذا لله وحده -سبحانه وتعالى-. وما قد يقع لبعض الصوفية أو غيرهم من اعتقاد هذا في بعض مشايخهم، وأنه: يقول للشيء كن فيكون، وأنه يدبر الأمور، فهذا كله غلو، وكله إطراء زائد، وكله كفر وضلال، لا يجوز هذا، بل هذا من الكفر بالله -سبحانه وتعالى-.
موقع الشيخ ابن باز رحمه الله

[/TD]
[/TR]