يقول بولس " كل الكتاب هو موحى به من الله ، ونافع للتعليم والتوبيخ ، للتقويم والتأديب الذي في البر " ( تيموثاوس (2) 3/16 )، وهو كلام جيد ومقياس لا باس فيه للحكم على الكتاب المقدس.ولنبدأ بتطبيق المقياس على نظرة التوراة إلى الله ثم إلى أنبيائه ثم إلى الأخلاق، ونرى إن كانت الأسفار صالحة للتأديب والتهذيب والتعليم.من الطبيعي عندما نتحدث عن كتاب ينسب لله عز وجل أن نجد مملوء بالحديث عن الله وصفاته وأنبيائه ودينه وصور عبادته ، وعن الجنة والنار دار جزائه..لكن التوراة هي بحق كتاب تاريخ لبني إسرائيل ويفتقد الحديث عن الله إلا فيما يتعلق بالناحية التاريخية ، فماذا تقول التوراة عن الله وأنبيائه واليوم الآخر ....ماذا تقول التوراة عن الله ؟
تتحدث الأسفار التوراتية في أماكن متفرقة عن الله العظيم بما يليق بجلالة وعظمته ومن ذلك .
" اسمع يا إسرائيل : الرب إلهنا رب واحد ، فتحب الرب إلهك من كل قلبك " ( التثنية 6/4 - 5 ) ، وأيضاً الرب لا يرى " حقا أنت إله محتجب ، يا إله إسرائيل " ( إشعيا 45/15) ، وقال الله لموسى " لا تقدر أن ترى وجهي لأن الإنسان لا يراني ويعيش " ( الخروج 33/19 - 20 ) .
والله عز وجل ليس كمثله شيء وفي ذلك يقول موسى " ليس مثل الله " ( التثنية 34/36 ) ويقول سليمان: " أيها الرب إله إسرائيل، لا إله مثلك في السماء والأرض " ( الأيام (2) 6/14).
وهو حي جلا وعلا إلى الأبد " وأقول حي أنا إلى الأبد " ( التثنية 32/40 ) إلى غير ذلك من الصفات الكاملة الحسنة التي تذكرها التوراة لله العظيم، ومما لا ريب أن في هذه الفقرات أثارة الأنبياء ، وبقايا وحي السماء .
لكن التوراة في مواضع لا تعد لكثرتها تتحدث عن الله فتجعله كائناً بشرياً ، وتصفه بصفات البشر ، وتسمه بنقصهم بل وأخطائهم وضلالهم تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .

إله أم إنسان ؟

من ذلك أن الله خلق الإنسان على صورته وشبهه " وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا " ( التكوين 1/26 )، وفي أكبر كنائس الكاثوليك في روما ( كنيسة " سانت بيتر " ) رسم الرسام مايكل أنجلو صورة لله تشبه البشر .
وتتحدث النصوص عن صور التشابه كما رسمها كتبة العهد القديم ، ومن ذلك ما جاء في رؤيا دانيال أن له رأس شعره أبيض " شعر رأسه كالصوف النقي ، وعرشه لهيب نار " ( دانيال 7/9 ).
وله عينان وأجفان " عيناه تنظران ، أجفانه تمتحن بني آدم " ( مزمورا 11/4 ).
وله شفتان " شفتاه ممتلئتان سخطاً ، ولسانه كنار آكلة ، ونفخته كنهر غامر يبلغ إلى الرقبة " ( إشعيا 30/27 - 28 ).
وله أحشاء " أحشائي أحشائي ، توجعني جدران قلبي ، يئن في قلبي ، لا أستطيع السكوت " (إرميا 4/19 ) .
وله رجلان ترى " نزل وضباب تحت رجليه " ( مزمورا 18/9 ) ، و" لما صعد موسى وهارون وناراب وأبيهو وسبعون من شيوخ إسرائيل رأوا إله إسرائيل ، وتحت رجليه حلية من العقيق الأزرق الشفاف ، كالسماء في النقاء ، ولكنه لم يمد يده إلى أشراف إسرائيل " ( الخروج 24/9 - 11 ) .
وأيضاً له فم وأنف يخرج منهما دخان ونار" صعد دخان من أنفه ، ونار من فمه " ( المزمور 18/9 ).
وألوهيته وعظمته لا تمنع من ركوبه الملائكة في تنقلاته ، كما لا تمنع أن يكون له أذنان " وإلى إلهي صرخت ، فسمع من هيكله صوتي ، وصراخي دخل أذنيه ، فارتجت الأرض وارتعدت ، أسس السماوات ارتعدت وارتجت ،لأنه غضب ، صعد دخان من أنفه ، ونار من فمه أكلت ، جمر اشتعلت منه ، طأطأ السماوات ونزل ، وضباب تحت رجليه ، ركب على كروب ، وطار ، ورئي على أجنحة الريح ... " ( صموئيل (2) 22/7 - 11 ) ، والكروب كما في قاموس الكتاب المقدس هم الملائكة .
وقد تكرر ركوبه على الكروبيم حتى ناجاه نبيه بهذا الفعل: " صلى حزقيا أمام الرب، وقال: أيها الرب إله إسرائيل، الجالس فوق الكروبيم، أنت هو الإله وحدك لكل ممالك الأرض، أنت صنعت السماء والأرض" (ملوك (2) 19/15).

أفعال بشرية :

وتحكي التوراة عن أفعال بشرية تنسبها لله ، وهي فرع عن عقيدتهم المجسمة لله ، ومن ذلك أن الله يمشي ، ولكن على شوامخ الجبال " فإنه هو ذا الرب يخرج من مكانه ، وينزل ويمشي على شوامخ الأرض .. كل هذا من أجل إثم يعقوب " ( ميخا 1/3 - 5 ) .
و منه حديث التوراة عن مشي الله في الجنة ، وسماع آدم لوقع خطواته " وسمعا صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار ... فنادى الرب الإله آدم وقال له: أين أنت؟ فقال: سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان، فاختبأت. فقال: من أعلمك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها؟" (التكوين 3/8).
ويزور إبراهيم ويأكل عنده زبداً ولبناً " وظهر له الرب عند بلوطات ممرا ، وهو جالس في باب الخيمة وقت حر النهار فرفع عينيه ، وإذا ثلاثة رجال واقفون لديه ، فلما نظر ركض لاستقبالهم من باب الخيمة وسجد إلى الأرض .... ثم أخذ زبداً ولبناً والعجل الذي عمله ، ووضعه قدامهم ، وإذ كان هو واقفاً لديهم تحت الشجرة أكلوا .... وذهب الرب عندما فرغ من الكلام مع إبراهيم " (التكوين 18/1 - 23 ).
ثم ظهر ليعقوب وصارعه حتى الفجر " فدعى يعقوب اسم المكان:" فينئيل ". قائلاً : لأني نظرت الله وجهاً لوجه ، ونجيت نفسي " ( التكوين 32/30 ) .
ولما أغضبه مريم وهارون " فنزل الرب في عمود سحاب ، ووقف في باب الخيمة....فقال اسمعا لكلامي .. فماً إلى فم ، وعياناً أتكلم معه لا بالألغاز " ( العدد 12/5 - 8 ).
ولما أمرهم بقتال العماليق " قال الرب لموسى .... ها أنا أقف أمامك هناك على الصخرة في حوريب " (التكوين 17/ 5-7) .
وللمزيد من صور رؤية الله انظر (إشعيا 6/1 - 11) و(ملوك (1) 19/9 - 15) .
ويذكر سفر التكوين أن الله رضي عن نوح وقومه بعد أن شم رائحة الشواء " وبنى نوح مذبحاً للرب، وأخذ من كل البهائم الطاهرة ، ومن كل الطيور الطاهرة ، وأصعد محرقات على المذبح ، فتنسم الرب رائحة الرضا .... " ( التكوين 8/20 - 21 ) .
وفي حزقيال أن الله دخل من باب وأمر بإغلاقه للأبد " فقال لي الرب : هذا الباب يكون مغلقاً لا يفتح ، ولا يدخل منه إنسان، لأن الرب إله إسرائيل دخل منه فيكون مغلقاً " (حزقيال 44/2).

هل يعجز ويجهل الإله ؟

كما تنسب النصوص لله أفعالاً كتلك التي تصدر عن البشر بسبب جبلتهم وضعفهم التي خلقهم الله عليه ، ومن ذلك العجز عجزه عند مصارعة يعقوب كما تذكر التوراة: " فبقي يعقوب وحده.وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر، ولما رأى انه لا يقدر عليه ضرب حقّ فخذه.فانخلع حقّ فخذ يعقوب في مصارعته معه. وقال: أطلقني لأنه قد طلع الفجر.فقال: لا أطلقك إن لم تباركني. فقال له: ما اسمك؟ فقال يعقوب: فقال: لا يدعى اسمك في ما بعد يعقوب، بل إسرائيل. لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت. وسأل يعقوب وقال: أخبرني باسمك. فقال: لماذا تسأل عن اسمي.وباركه هناك. فدعا يعقوب اسم المكان فنيئيل. قائلاً: لأني نظرت الله وجهاً لوجه" ( انظر : التكوين 32/24 - 32 ) فقد صارع يعقوب الله وقدر عليه، ومعنى كلمة فينئيل رؤية الله. "
ومن العجز أيضاً قوله: " وكان الرب مع يهوذا ، فملك الجبل ، ولم يطرد سكان الوادي، لأن لهم مركبات من حديد " ( القضاة 1/19 ) فكان ذلك سبباً لعجزه عنهم، فكيف يكون الحال مع الأسلحة الحديثة المتطورة، وهل بعجز الإله عن حرب حملتها ؟
ومن ذلك أن الله يتعب ويحتاج للراحة فيسكن في مساكن متعددة " وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل فاستراح " ( التكوين 2/1 ) " هكذا قال الرب .. أين البيت الذي تبنون لي ؟ وأين مكان راحتي ؟ " ( إشعيا 66/1 ) .
كما تنسب التوراة للرب جل وعلا الجهل والندم على ما فات بعد اكتشاف أثره ونتيجته ، ومن ذلك أنه لما أراد معاقبة المصريين " كلم الرب موسى وهارون .... فإني أجتاز في أرض مصر هذه الليلة ، وأضرب كل بكر في أرض مصر من الناس والبهائم ، وأصنع أحكاماً بكل آلهة المصريين . أنا الرب ، ويكون لكم الدم علامة على البيوت التي أنتم فيها ، فأرى الدم ، وأعبر عنكم، فلا يكون عليكم ضربة للهلاك حين أضرب أرض مصر " ( الخروج 12/1 - 13 ) .
فجعل الدم علامة على البيوت الإسرائيلية حتى لا يهلكها مع بقية البيوت فهل يحتاج الرب العليم لمثل هذه العلامة حتى يفرق بين بيوت المصريين وبيوت الإسرائيليين ؟
وتتحدث التوراة عن الله وكأن آدم قد قهره حين أكل من شجرة المعرفة والتفرقة بين الخير والشر، وكأنه خلقنا ولم يرد منا أن نميز الخير من الشر، ثم خاف أن يأكل آدم من شجرة الحياة، فيصبح كالرب من الخالدين، فأقام حرساً من الملائكة في طريق هذه الشجرة " أوصى الرب الإله آدم قائلاً: من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً، وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها.... وقال الرب الإله: هوذا الإنسان قد صار كواحد منا، عارفاً الخير والشر. والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضاً ويأكل ويحيا إلى الأبد. فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل الأرض التي أخذ منها. فطرد الإنسان، وأقام شرقي جنة عدن الكروبيم، ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة" (التكوين 2/17- 3/23)، ومثل هذا التصور عن الله غير مقبول، فهو يصوره حريصاً على جهل الإنسان، خائفاً من تعلمه ثم من خلوده، إذا فاجأه وأكل من شجرة الحياة.
ومثله في العجز والنقص ما تذكره التوراة من أن الرب بعد ما أغرق الأرض بالطوفان زمن نوح قال لنوح ومن معه: " أقيم ميثاقي معكم فلا ينقرض كل ذي جسد أيضاً بمياه الطوفان ،... وضعت قوسي في السحاب فتكون علامة ميثاق بيني وبين الأرض .... فمتى كانت القوس في السحاب أبصرها لأذكر ميثاقاً أبدياً ..." ( التكوين 9/11 - 17 ) فجعل قوس قزح علامة تذكره بالميثاق الذي ضربه لنوح ومن معه .
وكما يفيد البشر من مشورة بعضهم لقصورهم عن إدراك عواقب الأمور، أيضاً تذكر التوراة أن الرب شاور الملكين اللذين رافقاه في ذهابه إلى إبراهيم ثم لوط " فقال الرب : هل أخفي عن إبراهيم ما أنا فاعله ؟" أي في قوم لوط.
ثم ما كان منه إلا أن قال " أنزل وأرى هل فعلوا بالتمام حسب صراخهم الآتي إلي، وإلا فأعلم (أي ما أصنع بهم) " ( التكوين 18/17 - 21 ) .
وتنسب التوراة إلى الله الندم على أمور صنعها ، والندم فرع عن الجهل ، ومن ذلك " ندمت على أني جعلت شاول ملكاً ،لأنه رجع من ورائي ، ولم يقم كلامي " (صموئيل (1) 15/10 ).
وتذكر التوراة أنه لما عبد بنو إسرائيل العجل غضب الرب عليهم " وقال الرب لموسى .. فالآن اتركني ليحمى غضبي عليهم وأفنيهم "، فكان من جواب موسى أن قال: " ارجع عن حمو غضبك، واندم على الشر بشعبك . اذكر إبراهيم وإسحاق وإسرائيل عبيدك الذين حلفت لهم بنفسك، وقلت لهم : أكثر نسلكم كنجوم السماء ، وأعطي نسلكم كل هذه الأرض التي تكلمت عنها فيملكونها إلى الأبد، فندم الرب على الشر الذي قال أنه يفعله بشعبه " ( الخروج 32/9 - 14 ).
وفي مرة أخرى " كان الرب مع القاضي ، وخلصهم من يد أعدائهم ، كل أيام القاضي ، لأن الرب ندم من أجل أنينهم " ( القضاة 2/18 ) ومثل هذا كثير.
ثم تحدثنا التوراة ، فتقول: " ليس الله إنساناً فيكذب، ولا ابن إنسان فيندم، هل يقول ولا يفعل، أو يتكلم ولا يفي". (العدد23/19) !!

هل يأمر الله بمثل هذا ؟

كما تذكر التوراة أن الله أمر أوامر غريبة يظهر لمن تدبرها مقدار العبث فيها والذي ينـزه عنه الله جل وعلا .
ومن ذلك أنه أمر نبيه بالزنا " أول ما كلم الرب هوشع قال له : اذهب خذ لنفسك امرأة زنا وأولاد زنا، لأن الأرض قد زنت زنىً تاركة الرب " ( هوشع 1/2 ) " وقال الرب لي : اذهب أيضاً أحببت امرأة حبيبة ، صاحب زانية " ( هوشع 3/1 ).
ويذكر سفر حزقيال أن الله أمر نبيه حزقيال بأوامر كثيرة منها أنه أمره وبني إسرائيل أن يأكلوا كعك الشعير مخبوزاً مع فضلات الإنسان، ولما صعب الأمر على حزقيال، خصه وسمح له أن يخبز كعكة الشعير مع فضلات البقر، بدلاً من فضلات الإنسان.
والنص بتمامه: " وتأكل كعكاً من الشعير ، على الخرء الذي يخرج من الإنسان تخبزه أمام عيونهم . وقال الرب : هكذا يأكل بنو إسرائيل خبزهم النجس بين الأمم الذين أطردهم إليهم . فقلت آه يا سيد ، الرب، ها نفسي لم تتنجس ، ومن صباي إلى الآن لم أكل ميتة أو فريسة، ولا دخل فمي لحم نجس ، فقال لي: انظر . قد جعلت لك خثي البقر بدل خرء الإنسان فتصنع خبزك عليه " ( حزقيال 4/12 - 15 ) .
ويتكرر الحديث عن الخرء المأكول والعذرة المطعومة في نص آخر " فقال ربشاقي: هل إلى سيدك...أليس إلى الرجال الجالسين على السور ليأكلوا عذرتهم ويشربوا بولهم معكم" (إشعيا 26/12).
ومن العبث ما تنسبه التوراة لله من أمره لنبيه بالتعري " تكلم الرب عن يد إشعياء بن آموص قائلاً: اذهب وحل المسح عن حقويك ، واخلع حذاءك عن رجليك ، ففعل هكذا ومشى معري وحافياً . فقال الرب : كما مشى عبدي إشعياء معرىً وحافياً ثلاث سنين آية وأعجوبة على مصر وعلى كوش.
هكذا يسوق ملك أشور سبي مصر وجلاء كوش الفتيان والشيوخ عراة وحفاة ومكشوفي الأستاه خزياً لمصر "( إشعياء 20/2 - 4 ) فهل يأمر الرب نبيه بالتعري ثلاث سنين؟ وأي آية في ذلك؟!
وتتحدث الأسفار عن الرب وهو يأمر بالإغواء والكذب، ويبحث عمن يرشده إلى طريقة لإغواء آخاب " فقال الرب: من يغوي أخاب، فيصعد ويسقط في راموت جلعاد. فقال هذا: هكذا وقال ذاك: هكذا. ثم خرج الروح، ووقف أمام الرب وقال: أنا اغويه. وقال له الرب بماذا؟ فقال أخرج وأكون روح كذب في أفواه جميع أنبيائه. فقال: إنك تغويه وتقتدر. فاخرج وافعل هكذا" (ملوك (1) 22/20-22).
كما تتحدث التوراة عن أمر الله بقتل النساء والأطفال والأبرياء، فقد أمر بني إسرائيل بقتل الشعوب التي في فلسطين " وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك ، فلا تستبق منهم نسمة ما " ( التثنية 20/16 ).
وقتل الأبرياء من بني إسرائيل لما غضب على داود فقتل الملاك – بأمره - منهم سبعين ألف رجل بلا ذنب أو جريرة، فقال داود: " ها أنا قد أخطأت وأنا أذنبت . وأما هؤلاء الخراف فماذا فعلوا ؟ فلتكن يدك علي وعلى بيت أبي ؟ ( صموئيل (2) 24 / 17 ).
وكذا تذكر التوراة أنه أمر يشوع بقتل جميع سكان مدينة عاي، ففعل: " تمتلكون المدينة ويدفعها الرب إلهكم بيدكم. ويكون عند أخذكم المدينة أنكم تضرمون المدينة بالنار.كقول الرب تفعلون. انظروا.قد أوصيتكم.... ودخلوا المدينة وأخذوها وأسرعوا واحرقوا المدينة بالنار.... وكان لما انتهى إسرائيل من قتل جميع سكان عاي في الحقل في البرية، حيث لحقوهم وسقطوا جميعا بحد السيف، حتى فنوا ... فكان جميع الذين سقطوا في ذلك اليوم من رجال ونساء اثني عشر ألفاً جميع أهل عاي، ويشوع لم يرد يده التي مدها بالمزراق حتى حرّم جميع سكان عاي. لكن البهائم وغنيمة تلك المدينة نهبها إسرائيل لأنفسهم حسب قول الرب الذي أمر به يشوع. وأحرق يشوع عاي وجعلها تلاً أبدياً خراباً إلى هذا اليوم". (يشوع 8/8-28).
ويتكرر الإفساد في الأرض ، وينسب الأمر فيه إلى الله: " قال الرب: .. فتضربون كل مدينة محصّنة، وكل مدينة مختارة، وتقطعون كل شجرة طيبة، وتطمّون جميع عيون الماء، وتفسدون كل حقلة جيدة بالحجارة..وهدموا المدن وكان كل واحد يلقي حجره في كل حقلة جيدة حتى ملأوها، وطمّوا جميع عيون الماء، وقطعوا كل شجرة طيّبة."(صموئيل(2) 3/19-25).
ومن الظلم الذي تنسبه التوراة إلى الله حرمان أصحاب العاهات من شرف الدخول في جماعة الرب، وقد كان الأولى تكريمهم لما أصابهم من بلاء، فتنسب التوراة لله أنه أمر " لا يدخل مخصيّ بالرضّ أو مجبوب في جماعة الرب" (التثنية 23/1).
ويطال الحرمان آخرين من أصحاب العاهات، فلا تقبل ذبائحهم، بل ولا يقتربون من مذبح العبادة لأنهم نجس بسبب عيبهم الخلقي الذي ابتلاهم الله به، فتقول الأسفار: " كلم هارون قائلاً: إذا كان رجل من نسلك في أجيالهم فيه عيب، فلا يتقدم ليقرّب خبز إلهه. لأن كل رجل فيه عيب لا يتقدم، لا رجل أعمى، ولا أعرج، ولا أفطس، ولا زوائدي، ولا رجل فيه كسر رجل أو كسر يد ولا أحدب، ولا أكشم، ولا من في عينه بياض، ولا أجرب، ولا أكلف، ولا مرضوض الخصى، كل رجل فيه عيب من نسل هارون الكاهن لا يتقدم ..وإلى المذبح لا يقترب لأن فيه عيباً، لئلا يدنّس مقدسي، لأني أنا الرب مقدّسهم" (اللاويين 21/ 17-23)
وتستمر الأسفار في طرد الأبرياء من جماعة الرب، ومنهم ابن الزنا، وأبناء العمويين والمؤابيين، حتى الجيل العاشر، وذلك جزاء لهم لتقصير أجدادهم في استقبال بني إسرائيل، فتنسب الأسفار لله قولها: " لا يدخل ابن زنى في جماعة الرب، حتى الجيل العاشر لا يدخل منه أحد في جماعة الرب، لا يدخل عموني ولا موآبي في جماعة الرب، حتى الجيل العاشر لا يدخل منهم أحد في جماعة الرب إلى الأبد، من أجل أنهم لم يلاقوكم بالخبز والماء في الطريق عند خروجكم من مصر، ولأنهم استأجروا عليك بلعام بن بعور لكي يلعنك" (التثنية 23/1-3).