بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد النبى الامى الامين الذى بفضل الله علم العالمين وبعثه الله رحمة للعالمين

بمنزلة العلم بخصائص لسان العربية ومنهج الإبانة فيه يقـرر القرآن الكريم في آيات عـديدة أنَّـه عربي وبلسـان عربي مبيـن: " إنَّا أنْزَلْناهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُم تَعْقِلُونَ"{يوسف:2}
" وَلَقَدْ نَعْلَمُ أنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ "{النحل: 1.2}
"وَكَذَلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْمًا عَربِيًّا" {الرعد:37}
" وَكَذَلِكَ أنْزلْناهُ قُرآنًا عَربِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونُ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا" {طه: 113}
" وَإنَّهُ لَتَنْزيلُ رَبِّ العَالَمِينَ {} نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ{} عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرينَ {} بِلِسَاٍن عَرَبِيٍّ مُبِينٍ" {الشعراء: 192-195}
" وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هَذا القُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ {} قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُم يَتَّقُونَ " {الزمر:27- 28}
" حَم {} تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {} كِتابٌ فُصِّلتْ آيَاتُهُ قُرْآنًاعَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ " {فصلت: 1-3}
" وَكَذلِك أوْحيْنا إلَيْكَ قُرْآنا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لارَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ " {الشورى: 7}
" حَم {} والْكِتابِ المُبينِ {} إنَّا جعلْناهُ قُرْآنًا عَربِيًّا لَعَلَّكُم تَعْقِلُونَ {} {الزخرف: 1-3}
" وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسَى إمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِسانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ " {الأحقاف:12}

في كل هذه الآيات دلالة بينة على أن عربية القرآن الكريم إنما هي عربيةمنهج إبانة وليس عربية مصدر تنزُّل،ولذا كثر في هذه الآيات قوله: لعلكم تعقلون، لعلهم يتقون، لعلهم يتذكرون" وهذا كله إنما يكون من منهاج الإبانة على معانيه ومقاصده ومغازيه،ولذا قال الحق عز وعلا:" وَلَوْ جَعَلْناهُ قرآنًا أعْجميًّا لقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُه أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ..." {فصلت: 44}

وفي ذلك دلالة بينة على أنه لايسطيع ناظر في القرآن الكريم أيا كان قدره أن يفقه شيئا منه إلا من سبيل فقهه لسان العربية الذي كان في أمة العرب عند نزوله، فذلك هو السبيل الأول إلى الاقتراب من حمى المعنى القرآني الكريم.

وقد حرص الإمام الشافعي في سفره الجليل " الرسالة" أمِّ أسفار علم أصول فقه الكتاب والسنة على أن يبين في جلاء هذه الحقيقة؛لأنها أم الحقائق التى تبنى عليها كافة الحقائق العلمية في هذا الباب:

يقول رضي الله عنه وارضاه: " ومن جماع علم كتاب الله العلم بأن جميع كتاب الله إنما نزل بلسان العرب".

فانظر قوله: " جماع علم كتاب الله" فهذا دال على أن علم ما في كتاب الله عز وعلا من معانى الهدى إنما هو من علم لسان العرب فمن علمه وأتقنه كان أهلا لأن يسلك السبيل، ومن جهله فلن يخطو خطوة واحدة على الطريق، وإن جمع علوم أهل الأرض أجمعين، فكان لزاما على كل متكلم في معانى القرآن الكريم على تعدد أنواعها وضروبها ومجالاتها الجامعة كافة شئون الحياة أن يكون أول أمره قائما على كمال تحقيق العلم بلسان العربية.

وهذا يدل على عظيم ما يتردى فيه كثير من المستجرئيين على القول في معانى القرآن الكريم، والواحد منهم لايكاد يقيم لسانه النطق بجملة عربية واحدة على النحو والنهج العربي القويم.

وقد أنكر " الإمام الشافعي " على من زعم أنَّ في القرآن الكريم حرفا واحدا من غير العربية:
" الواجب على العالمين انَّ لايقولوا إلا من حيث علموا.وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى به وأقرب من السلامة له ـ إن شاء الله.

فقال منهم قائل: إنَّ في القرآن عربيا وأعجميا.
والقرآن يدل على أنْ ليس من كتاب الله شيء إلا بلسان العرب.
ووجد قائل هذا القول من قَبِلَ ذلك منه تقليدًا وتركًا لِلْمسئَلة له عن حُجَّتِه، ومسئلةِ غيره ممَّنْ خالفه.
وبالتقليد أغفل من أغفل منهم والله يغفر لنا ولهم.

ثـمَّ يقول رضي الله عنه وأرضاه:
" فعلى كلِّ مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جَهدُه....
وما ازداد من العلم باللسان الذي جعله الله لسان من ختم به نبوته وأنزل به آخر كتبه كان خيرًا له....
ثـُمَّ بين وجه إعلانه هذه الحقيقة العلمية الراسخة في صدر كتابه قائلا: " وإنما بدأت بما وصفت من أن القرآن نزل بلسان العرب دون غيره لأنَّه لايَعلمُ من إيضاح جُملِ عِلمِ الكتابِ أحدٌ جهلَ سَعةَ لسانِ العربِ،وكثرةَ وجوهِهِ وجِماعَ معانيهِ وتَفرُّقَها.
ومن علِمه انتفت عنه الشُّبَهُ التى دَخلت على من جهلَ لسانها.

فكان تنبيهُ العامَّةِ على أن القرآن نزل بلسان العرب خاصة نصيحةً للمسلمين، والنصيحة لهم فرضٌ لاينبغى تركُه، وإدراكُ نافلةِ خيرٍ لايَدعُها إلا من سفه نفسه وترك موضعَ حَظِّهِ.

وكان يجمع مع النصيحة لهم قياما بإيضاح حقٍ وكان القيامُ بالحقِّ ونصيحةُ المسلمين من طاعةِ اللهِ، وطاعة اللهِ جامعةٌ للخيرِ " (1)
بسطت لك النقل عن بيان الشافعي رضي الله عنه وأرضاه، لتقف ـ أولا ـ بنفسك على بيانه البليغ،فقد كان الشافعي ممن تؤخذ منه اللغة
فهو قرشي قُـحٌّ لم يَشُبْ لسانَه هجنة أعجمية أو عامية،وكان عالم لغة وراوية شعر من قبل أن يكون فقيها، فهو الذي أخذ عنه " الأصمعى" شعر الهذليين، فيقوم في صدرك فرق ما بين هذا الإمام الجليل وبين ما يسكب في أذنك صباح مساء من همهمات أعجمية ممن قيل عنهم المفكرون الإسلاميون.
ولتقف ـ ثانيا ـ بنفسك على تقريره الحقيقة العلمية التى لاينبغى أن يُوقَفَ طالبُ علمٍ بمعانى كتاب الله عز وعلا على شيء من قبل أن يوقف عليها وقوفَ تبصرٍ وتدبرٍ وتمثلٍ وتمكنٍ.
ولو أحسن القائمون على تعليم طلبة العلم في الجامعات الإسلامية النصح إلى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والنصح إلى من كلفوا بالولاية عليهم ورعاية مسيرهم في طلب العلم بالكتاب والسنة لكان واجبا أن يجعلوا العلم بلسان علوم العربية مدارسة وممارسة أداء وتذوق وتدبر عديلَ العلم بكافة علوم الكتاب والسنة بل والمقدمَ عليها.
إذا ماكان هذا الذي سمعت من الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه المهدي إلينا أول وأجلَّ كتاب في علم أصول فقه معاني الهدى إلى الصراط المستقيم في الكتاب والسنة، فإن "الإمام: أبا إسحاق الشاطبى (ت: 79.) يقتدي به قائلا:
" إن هذه الشريعة المباركة عربية، لامدخل فيها للألسن الأعجمية...
القرآن نزل بلسان العرب على الجملة، فطلب فهمه إنما يكون من هذا الطريق خاصة....
فمن أراد تفهمه فمن جهة لسان العرب يفهم ولا سبيل إلى تطلب فهمه من غير هذه الجهة "
" انه لابد في فهم الشريعة من اتباع معهود الأميين ـ وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم ـ فإن كان للعرب في لسانهم عرف مستمر فلا يصح العدول عنه في فهم الشريعة،وإن لم يكن ثَـمَّ عُرفٌ فلا يصحُّ أن يجري في فهمها على ما تعرفه.
وهذا جار في المعانى والألفاظ والأساليب "
" لايستقيم للمتكلم في كتاب لله أو سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يتكلف فيهما فوق ما يسعه لسان العرب،وليكن شأنه الاعتناء بما شأنه أن يعتنِي العربُ به والوقوفَ عند ما حَـدَّتْهُ "
" الاعتناء بالمعانى المبثوثة في الخطاب هو المقصود الأعظم بناء على أنَّ العرب إنما كانت عنايتها بالمعانى،وإنما أصلحت الألفاظ من أجلها،وهذا الأصل معلومٌ عند أهلِ العربيةِ، فاللفظ إنما هو وسيلة إلى تحصيل المعنى المراد،والمعنى هو المقصود،ولا أيضا كل المعانى، فإن المعنى الإفرادي قد لايعبأُ به إذا كان المعنى التركيبي مفهوماً دونه "(2)
ويقرر في باب " الاجتهاد " أنه إذا ماكان هنالك علم تتوقف صحة الاجتهاد عليه " فالأقرب في العلوم إلى أن يكون هكذا علمُ اللغة العربية،ولا أعنى بذلك " النحو" وحده،ولا" التصريف " وحده،ولا "اللغة" ولا" علم المعانى" ولا غير ذلك من أنواع العلوم المتعلقة باللسان بل المراد جملة علم اللسان ألفاظ أو معانى كيف تصورت....
فإذا فرضنا مبتدئا في فهم العربية فهو مبتدئ في فهم الشريعة، أو متوسطا فهو متوسط في فهم الشريعة، والمتوسط لم يبلغ درجة النهاية، فإن انتهى إلى درجة الغاية في العربية كان كذلك في الشريعة، فكان فهمه فيها حجة كما كان فهم الصحابة وغيرهم من الفصحاء الذين فهموا القرآن حجة.
فمن لم يبلغ شأوهم فقد نقصه من فهم الشريعة بمقدار التقصير عنهم وكل من قصر فهمه لم يعد حجة ولا كان قوله فيها مقبولا.
فلا بد من أن يبلغ في العربية مبلغ الأئمة فيها،كـ"الخليل" و" سيبويه "و"الأخفش"و"الجرمي"و"المازنى"ومن سواهم" (3) كل الذي نقلته لك عن " الشاطبي" ومن قبله" الشافعي" دالٌ دلالة بينة محققة على أنه فريضة علمٍ ودينٍ على كل من قام إلى النظر في معانى الهدى في بيان الوحي:الكتاب والسنة أن يكون العليمَ بلسان العربية عما يخرجه عن الجهالة بمنهاج الناطقين به زمن نزول الوحي في الإبانة والتلقي، فلا يتلبس بشيء من الجهالة بخصائص هذا اللسان التى هي قائمة على كمالها في بيان الوحي كيما يتحقق الفهم عن الله عز وجل وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد هدي الله عز وجل إلى أنَّ من نعمه على خلقه أنْ جعلَ من أرسله إليهم من النبيين والمرسلين بلسان من أُرْسِلُوا اليهم في كلِّ عصرٍ ومصرٍ:
"وَمَا أَرْسَلْنا مِن رسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" {ابراهيم:4}
وقد كان من " الشافعي" في الرسالة تبيان لبعض خصائص لسان العربية زمن الوحي يغري به طلاب العلم بمعانى الهدي إلى الصراط المستقيم في كتاب الله عز وعلا وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم قائلا:
" إنما خاطب الله بكتاب العرب بلسانها على ما تعرف من معانيها.
وكان مما تعرف من معانيها اتساع لسانها، وأنَّ فِطرتَه أن يُخاطبَ بالشيء منه عاما ظاهرًا يراد به العام الظاهر، ويستغنى بأول هذا منه عن آخره.
وعاما ظاهرا يراد به العام، ويدخله الخاص، فيستدل على هذا ببعض ما خوطب به فيه.
وظاهرًا يراد به الخاص.
وظاهرا يُعرفُ في سياقه أنه يراد به غير ظاهره
فكل هذا موجود علمه في أول الكلام أو وسطه أو آخره.
وتبتدأُ الشيء من كلامِها يُبينُ أوَّلُ لفظها فيه علم آخره
وتبتدئُ الشيْءَ يُبِينُ آخرُ لفظها منه عن أولِه.
وَتَكَلَّمُ بالشيْء تُعَرِّفُهُ بالمعنَى دون الإيضاحِ باللفظِ،كما تُعَرِّفُ اٌشَارةَ، ثُـمَّ يكونُ هذا من أعلى كلامها؛لانفرادِ أهلِ علمِها به دون أهلِ جهالتها.
وتسمى الشيء الواحد بالأسماء الكثيرة
وتسمى بالاسم الواحد المعاني الكثيرة.
وكانت هذه الوجوه التى وصفت اجتماعها في معرفة أهل العلم منها به ـ وإن اختلفتْ أسباب معرفتها ـ معرفةً واضحةً عندها، ومستنكرًا عند غيرها ممن جهلَ هذا من لسانها، وبلسانها نزل الكتاب وجاءت السنة، فتكلف القول في علمها تكلُّف مايجهلُ بعضه.
ومن تكلف ما جهل ومالم تثبته معرفته كانت موافقته للصواب ـ إنْ وافقه من حيثُ لا يعرفه ـ غير محمودة،والله أعلم، وكان بخطئه غير معذور، إذا ما نطق فيما لايحيط علمه بالفرق بين الخطأ والصواب فيه4
هذا بعض خصائص لسان العربية التى نزل عليها الوحي في بيانه وإفهامه مراد الله عز وجل من عباده،وهي خصائص مذهبية منهجية كلية من تحتها خصائص دقيقة جليلة يقف عليها علماء بيان العربية.
والشافعي قرر فيما قرر قي رسالته الجليلة:
" ولسان العربِ أوسع الألسنة مذهبًا وأكثرها ألفاظا، ولانعلمه يُحيطُ بجميع علمه إنسان غير نبي، ولكنه لايذهب منه شيء على عامتها حتى لايكون موجودًا فيها من يعرفه" (5)
فانظر قوله:" أوسع الألسنة مذهبا وأكثرها ألفاظا" جاعلا الاتساع للمذهب والكثرة للألفاظ،وإذا ما كانت الإحاطة بالألفاظ جد عسيرة فكيف تكون الإحاطة بالمذاهب المتسعة ؟!.
وإذا ما كانت المذاهب متسعة وهي في بيان البشر وهم مهما علا علمهم وقدرهم وأطاق اقتدارهم عاجزون عن الإحاطة وعن التَّطَهُّرِ من الغفلة والإبهام في البيان عن المراد، فكيف يكون الأمر حين يكون البيان بيان الله عز وعلا الذي لاتنفد كلماته:
" قُلْ لَوْ كَانَ البَحْرُ مِدَدًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ البَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي ولَو جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا "{الكهف: 1.9}
يقول " أبو الحسنِ الحَرَالَّيُّ " 6:
" بيان كل مُبِينٍ على قدْرِ إحاطَةِ علمه، فإذا أبانَ الإنسانُ عن الكائن أبان بقدر ما يدرك منه،وهو لايحيطُ به علمًا، فلا يصلُ إلى غايةِ البلاغةِ فيه بيانُهُ.وإذا أنبأ عن الماضي فبقدر ما بقي من ناقص علمه به كائنا في ذكره، لما لزم الإنسانَ من نسيانه.وإذا أراد أن ينبئَ عن الآتى أعوزهُ البيان كله إلاَّ ما يقدِّره أو يُزَوِّرُهُ.
فبيانه عن الكائن ناقص،وبيانه في الماضي أنقص، وبيانه في الآتي ساقط.
ثم يقول:" بلاغة البيان تعلُو على قدر علو المبين،فعلو بيان الله على بيان خلقه بقدر علو الله على خلقه" (7)

وقد هدى إلى ذلك ماقاله النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي في جامعه الصحيح من " كتاب فضائل القرآن":
" فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه "
وكل هذا الذي بسطت لك القول فيه دال دلالة بينة محققه على أنَّ العرفان بخصائص العربية ضابطٌ حركةَ الناظرِ في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم يستخرج منهما معانى الهدى إلى مايرضي ربنا جل جلاله، فإن في العلم المحقق بمناهج العرب في الإبانة عن معانيها عونا عظيما على ذلك.
يروي " الزجاجي" أنَّ " أبا عمر: صالح بن إسحق الجرمِيّ" كان يَدِلُّ بمعرفته بالعربية، ويقول أنا من ثلاثين سنة أفُتِي النـاس من
كتاب " سيبويهِ" فأُخبر " المبرد" بذلك، فقال: أنا سمعته يقول هذا
وذلك أنَّ "أبا عمر" كان صاحب حديثٍ فلما علِمَ كتابَ" سيبويهِ " تفقَّهَ في الدِّينِ والحديثِ؛ إذْ كان ذلك أي كتاب " سيبويهِ " يُتَعَلَّمُ منه النظر والتفتيش " 8
يقول " الشاطبي " في "الموافقات: " والمراد بذلك أن سيبويه وإن تكلم في " النحو" فقد نبه في كلامه على مقاصد العرب،وأنحاء تصرفاتها في ألفاظها ومعانيها،ولم يقتصر فيه على بيان أنَّ " الفاعل " مرفوع، و" المفعول" منصوب ونحو ذلك بل هو يبين في كل باب ما يليق به حتى إنه احتوى على " علم المعانى والبيان" ووجوه تصرفات الألفاظ والمعاني "......

" فالحاصل أنه لاغنى بالمجتهد في الشريعة عن بلوغ درجة الاجتهاد في كلام العرب بحيث يصير فهم خطابها له وصفا غير متكلف ولا متوقَّف فيه في الغالب إلاَّ بمقدار توقف الفطن لكلام اللبيب " وإذا ماكان بلوغ درجة الاجتهاد في فقه مذاهب العربية في الإبانة عن المعانى أداة ريئسة للمتدبر بيان الكتاب والسنة يستخرج منهما أحكام الشريعة فإنَّ ذلك الأمر ليبدو أثرُه قويًا في الوقوفِ على معالم " التثقيف" للنفس الإنسانية في البيان القرآني.وتفاوت العلماء في هذا أعظم من تفاوتهم في إدراك أحكام الحلال والحرام منه.

اتقان فقه العربية من أعظم آلآت العالم في استجلاء مسالك التهذيب للأمة؛ لتقبل على أحكام الله عز وجل إقبالا مبعثه الحب والخوف والرجاء، فتكون إقامتهم في رياض الطاعة الخالدة.

والله عز وجل لم يرض من عباده أن يحتمكوا إلى كتابه الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فحسب بل أوجب عليهم التسليم والرضا بذلك،وإلا كانوا الخارجين من حمى الإسلام والإيمان: " فَلا وَرَبِّكَ لايُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجرَ بَيْنَهُمْ ثُـمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفِسِهِم حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا "{النساء: 65}

(((( الحمد لله على نعمة الاسلام وكفى بها نعمه)))))