نعم ستعذب في الآخرة يا ملحد إن لم تتب

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

    

 

 

    

 

نعم ستعذب في الآخرة يا ملحد إن لم تتب

النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: نعم ستعذب في الآخرة يا ملحد إن لم تتب

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    441
    آخر نشاط
    13-01-2017
    على الساعة
    01:58 AM

    افتراضي نعم ستعذب في الآخرة يا ملحد إن لم تتب


    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :

    فقد انتشر في عصرنا مرض الإلحاد ، وهو أحد الأمراض الفكرية الفتاكة إذ يفتك بالإيمان و يعمي الحواس عن أدلة وجود الخالق الرحمن ،و تجد المريض يجادل في البديهيات و يجمع بين النقيضين ويفرق بين المتماثلين ،ويجعل من الظن علما و من العلم جهلا و من الحق باطلا و من الباطل حقا .

    ومن عوامل انتشار هذا المرض الجهل بالدين و ضعف العقيدة واليقين والاسترسال في الوساوس الكفرية والسماع والقراءة لشبهات أهل الإلحاد دون أن يكون لدى الإنسان علم شرعي مؤصل .

    وشبهات أهل الإلحاد ما هي إلا أقوال بلا دليل وادعاءات بلا مستند ،ورغم ضعفها و بطلانها إلا أنها قد تؤثر في بعض المسلمين لقلة العلم وازدياد الجهل بالدين ولذلك كان لابد من كشف شبهات ومغالطات ودعاوي أهل الإلحاد شبهة تلو الأخرى و مغالطة تلو المغالطة ودعوى تلو الدعوى حتى لا ينخدع أحد بكلامهم وشبههم .

    و في هذا المقال سنتناول بإذن الله الرد على سؤال سأله أحد الملاحدة العرب في مدونته الكفرية ،وهذا السؤال هو : "هل سيعذب في الآخرة ؟" و قد ذكر السؤال خلال كلامه بصيغة أخرى وهي : " هل من سيعذبون يوم القيامة أو ينعمون هم من كانوا يعيشون على الأرض أم نسخ أخرى لمخلوقات مخلوقة لغرض التنعيم أو العذاب ؟" ورجح هذا الملحد أن النعيم أو العذاب سيقع لمخلوقات جديدة مستنسخة من البشر مخلوقة لغرض التنعيم أو العذاب ،واستدل على فريته بأن المشاهد أن من يموت يهلك و يتحلل ،ومن ثم فمن سينعم أو يعذب مخلوق جديد مستنسخ من الإنسان الذي مات ،وليس الإنسان نفسه .

    وعلى كلامه الخاطئ يعترض هذا الملحد على قوله تعالى : ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [ النور : 24 ] ،ويقول : " كيف يقول القرآن أن أيديهم و أرجلهم ستشهد عليهم بما كانوا يكسبون ،و هي أيدي و أرجل جديدة لم تكن في الدنيا و لم ترتكب أي شيء و عيون لم تر شيئا و آذان لم تسمع شيئا ... بل هو كائن أخر جديد مزود بنسخة لذكريات كائن أخر كان يعيش في عالم أخر ليعذب هو بما فعله هذا الكائن الأخر للأبد "

    وقد قال الملحد بمثل ما قال الكفار الأولون ،واستدل بمثل ما استدل به الكفار الأولون ، فقد ذكر الله سبحانه و تعالى مقولة قوم عاد : ﴿ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: 35] , وَقَالَ تَعَالَى مبيناً مقولة منكري البعث من كفار مكة: ﴿ بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [ الْمُؤْمِنُونَ: 81-83 ] ،وجاء أبي بن خلف بعظم نخر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يذروه في الريح , فقال: أيحيي الله هذا يا محمد؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: « نعم يحيي الله هذا ويميتك ويدخلك النار»[1] .

    و من هنا ندرك أن إنكار الكفار قديما وحديث للبعث سببه استبعادهم إعادة الأجسام بعد الموت بعد أن تصير تراباً وعظاماً على ما يعهد من عادة البشر فيقولون كيف يبعث الإنسان بعد أن بلي وصار ترابا وعظاما ،وهو استبعاد ناشئ عن جهلهم بقدرة الله ،وعلم الله ،وقياسهم قدرة الخالق على قدرة المخلوق ، وعلم الخالق على علم المخلوق .




    [1] - انظر تفسير عبد الرزاق 3/87 رقم 2498 ،وتفسير مقاتل بن سليمان 4/30
    طبيب

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    441
    آخر نشاط
    13-01-2017
    على الساعة
    01:58 AM

    افتراضي


    وقد ذكر القرآن شبهة منكري البعث ،ورد عليها بأبلغ رد و أقوى رد في العديد من الآيات منها قوله تعالى : ﴿ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [ يس: 78 - 83] .

    ومعنى الآيات أن هذا الكافر ذكر أمرا عجيبا ينفى به قدرة الله عز وجل على إحياء الخلق، فقال: من يحيى العظام وهي رميم ؟ ونسى خلق الله عز وجل له ، أفلم يكن هذا المجادل في يوم من الأيام نطفة من ماء مهين فجعله الله خلقا سويا ناطقا ؟! ولا شك أن من فعل ذلك لا يعجزه أن يعيد الميت حيا، والعظام الرميم بشرا كهيئته التي كان عليها قبل الموت.

    وقد أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيب هذا الكافر المنكر للبعث عن استبعاده لإعادة الأجسام بعينها بعد الموت بعد أن تصير تراباً وعظاماً بتذكيره بما نساه من حقيقة أمره وخلقه من العدم فقال: ﴿ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ أي قل يا محمد لمن قال لك: من يحيى العظام وهى رميم؟ يحييها الذي ابتدع خلقها أول مرة ولم تكن شيئا .

    ولما كان الخلق يستلزم قدرة الخالق على المخلوق، وعلمه بتفاصيل خلقه أتبع ذلك بقوله: ﴿ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ فهو عليم بتفاصيل الخلق الأول وجزئياته، ومواده وصورته، فكذلك الثاني، فإذا كان تام العلم، كامل القدرة ، كيف يتعذر عليه أن يحي العظام وهي رميم؟[1] كيف يعجز عن إعادة العظام بعدما تفرقت وهو -سُبحانه وتعالى- يَعلم كيف يَخلق الأشياء، وكيف يُكوِّنها ،ويعلم أجزاء العظام بعد تفرقها و يعلم أين ذهبت تلك الأجزاء وكيف تفرقت فلا يَعجز عن إعادة خلقه لها وجمع هذه الأجزاء المتفرقة إلى ما كانت عليه قبل ذلك .

    و من المسلم به أن القادر على ابتداء صنع شيء قادر على إعادة صنعه ،و من ينشئ شيئاً يسهل عليه أن يعيد إنشائه ،والقادر على إنشاء الإنسان ثم إحلال الحياة فيه لا يعجزه إعادته مرة أخرى كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه ﴾ [ الروم : 27 ] ،وكل شيء هين على الله ، وكل شيء يسير على الله ،و إعادة الخلق عنده عز وجل أقل شأناً من ابتدائه ،و إعادة الخلق تعني إرجاع الخلق إلى الحالة التي كان عليها في البداية، والإعادة فرع عن البداية.


    وبعد الاستدلال بالنشأة الأولى على النشأة الآخرة ذكر سبحانه وتعالى دليلا ثانيا على إثبات البعث يرفع استبعاد هذا المجادل بالباطل ويبطل إنكاره فقال : ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ فأخبر سبحانه بإخراج هذا العنصر ( النار ) ، الذي هو في غاية الحرارة واليبوسة، من الشجر الأخضر الممتلئ بالرطوبة والبرودة ، فالذي يخرج الشيء من ضده ، وتنقاد له مواد المخلوقات وعناصرها، ولا تستعصي عليه، هو الذي يفعل ما أنكره الملحد ودفعه، من إحياء العظام وهي رميم[2] فإذا أخرج النار اليابسة من الشجر الأخضر الذي هو غاية الرطوبة مع تضادهما وشدة تخالفهما، فإخراجه الموتى من قبورهم مثل ذلك[3].

    و في قوله تعالى : ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ قال ابن عباس: هما شجرتان يقال لإحداهما المَرْخُ وللأخرى العَفَار فمن أراد منهما النار قطع منهما غصنين مثل السواكين وهما خَصْراوان يقطران الماء فيسحق المرخ على العفار فيخرج منهما النار بإذن الله تعالى[4].

    وبعد الاستدلال بإخراج النار من الشجر الأخضر ذكر سبحانه وتعالى دليلا ثالثا على إثبات البعث يرفع استبعاد هذا المجادل بالباطل ويبطل إنكاره فقال : ﴿ أَوَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ فاستدل بخلق السماوات والأرض على القدرة على البعث فإن خلق مثلكم من العظام الرميم ليس بأعظم من خلق السَّمَواتِ والأرض كما قال تعالى : ﴿ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [ غافر : 57 ] ،و من لم يتعذر عليه خلق ما هو أعظم من خلقكم، فكيف يتعذر عليه إحياء العظام بعد ما قد رمَّت وبلِيَت؟ [5] .

    و إذا نظرنا إلى السموات السبع وما فيها من خلق عجيب وإلى الأرض وما فيها كذلك ونظرنا إلى الإنسان فإننا نجده لا شيء إذا قوبل بالسموات والأرض فنحكم بأن من خلق السموات والأرض على عظمها قادر من باب أولى على خلق الإنسان مرة أخرى بعد موته وبلاه وفنائه[6] كما قال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأحقاف :33 ] أي من قدر على خلق السموات و الأرض و هما في غاية العظم قادر من باب أولى على إعادة خلق الإنسان إذ القادر على الأعلى قادر على ما دونه .

    و بعد الاستدلال بخلق السماوات والأرض على القدرة على البعث ذكر سبحانه ما هو كالنتيجة لما سبق من تقرير واسع قدرته، وإثبات عظيم سلطانه فقال : ﴿ إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ أي إنما شأنه سبحانه وتعالى في إيجاد الأشياء أن يقول لما يريد إيجاده: تكوّن فيتكوّن ويحدث فورا بلا تأخير فالله عز وجل لا يستعصي عليه شيء أراده فلا يستعصي عليه إعادة خلق الإنسان مرة أخرى .

    وبعد أن أثبت سبحانه وتعالى لنفسه القدرة التامة والسلطة العامة، نزّه نفسه عن العيب ، والنقص ، والأوهام الفاسدة ، والظنون الكاذبة فقال : ﴿ فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ أي تنزه ربنا عن كل سوء .

    وقوله تعالى : ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ أي وإليه يرجع العباد يوم المعاد، فيجازى كل عامل بما عمل، وهو العادل المنعم المتفضل[7].




    [1] - شرح الطحاوية لابن أبي العز 2/594

    [2] - شرح الطحاوية لابن أبي العز 2/595

    [3] - تفسير السعدي ص 699

    [4] - اللباب في علوم الكتاب لابن عادل 16/267

    [5] - تفسير الطبري 20/556

    [6] - أيسر التفاسير لأبي بكر الجزائري 4/395

    [7] - تفسير المراغي 23/39
    طبيب

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    441
    آخر نشاط
    13-01-2017
    على الساعة
    01:58 AM

    افتراضي



    و من أدلة القرآن على إثبات البعث أيضا قوله تعالى : ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾ [فصلت : 39] فمن يقدر على إحياء الأرض بعد موتها , يقدر أيضاً على بعث الأجساد بعد موتها



    و إن قال الملحد كيف يحيى الله الإنسان من جديد بعد أن يضمحل و يتلاشى بدنه فيستحيل إعادة الإنسان بعد أن يصير عدما ؟ و الجواب : أن الملحد هداه الله يعتقد بأن حقيقة الإنسان هي عبارة عن هذا البدن المادي الذي يهلك و يتلاشى بالموت، وإذا ردت له الحياة من جديد بعد الموت، فهو إنسان آخر لا هو عين الأول ، لأن إعادة المعدوم أمر محال .

    و هذا لجهله أن المعاد ليس من باب إعادة للمعدوم ، بل عودة الروح الموجودة إلى نفس الجسد المادي التي كانت متصلة به مرة أخرى فالبعث إعادة و ليس خلقا جديدا البعث إعادة لما زال و تحول ؛ فإن الجسد يتحول إلى تراب ، و العظام تكون رميما ؛ يجمع الله تعالى هذا المتفرق ، حتى يتكون الجسد ، فتعاد الأرواح إلى أجسادها ، و أما من زعم بأن الأجساد تخلق خلقا جديدا ؛ فإن هذا زعم باطل بنص القرآن قال تعالى : ﴿ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ﴾ [ الأعراف: 29]

    وقال تعالى : ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [ النور : 24 ] وهذه الآية تدل صراحة على أن جوارح الإنسان التي كانت في الدنيا من لسان و يدين ورجلين هي نفس التي تبعث يوم القيامة فتشهد عليه بما اقترف من أعمال إذ الشاهد يكون حاضرا على ما يشهد به مما يدل أن هذه الجوارح التي تشهد على الإنسان، هي الجوارح التي كانت موجودة في الدنيا بعينها لا جوارح جديدة .

    وقال تعالى : ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [ الروم : 27 ]

    وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : « إنَّ في الإنسان عظماً لا تأكله الأرضُ أبداً فيه يركب يوم القيامة. قالوا: أيُّ عظم هو يا رسول الله؟ قال: عجب الذنب» [1]فقوله " فيه يركب " أي يعود الجسم إلى ما كان عليه، بعد ما دفن في قبره وأكلته الأرض مما يدل أنه نفس الجسد الذي كان في الدنيا .

    وإن قال قائل: فما فائدة إبقاء عجب الذنب دون سائر الجسد؟ فقد أجاب ابن عقيل فقال: لله سبحانه في هذا سر لا نعلمه، لأن من ينحت الوجود من العدم لا يحتاج أن يكون لفعله شيء يبنى عليه، فإن علل هذا، فيجوز أن يكون الباري سبحانه جعل ذلك للملائكة علامة على أنه يحيي كل إنسان بجواهره بأعيانها، ولا يحصل العلم للملائكة بذلك إلا بإبقاء عظم من كل شخص ليعلم أنه إنما أراد بذلك إعادة الأرواح إلى تلك الأعيان التي هذا جزء منها، كما أنه لما أمات عزيرا وحماره، أبقى عظام الحمار وكساها ليعلم أن هذا المنشأ ذلك الحمار لا غيره، ولولا إبقاء شيء لجوزت الملائكة أن تكون الإعادة للأرواح إلى أمثال الأجساد لا إلى أعيانها[2].

    و إن استدل البعض بأن أشكال الناس وقاماتهم ستغير في الآخرة على أن الأجسام تخلق خلقا جديدا فهذا لا يصح ؛ لأن تغير هيئة الشخص ليس معناه تحوله لشخص آخر ،ومعلوم أن من رأى شخصا وهو صغير، ثم رآه وقد صار شيخا، علم أن هذا هو ذاك، مع أنه دائما في تحلل واستحالة, وكذلك سائر الحيوان والنبات، فمن رأى شجرة وهي صغيرة، ثم رآها كبيرة، قال: هذه تلك [3].

    لقد جهل الملحد حقيقة الإنسان أنها من روح وبدن , و أن الروح باقية لا تنعدم , و إنما كانت متلبسة بالبدن ثم تفارقه عند الموت , و أما البدن فإنه لا ينعدم و إنما يتحلل إلى عناصره بعد أن كان مركباً والتحلل إلى العناصر الأصلية لا يسمى عدماً. فلو فرضنا أن هناك مهندس فكك سيارة بصورة تامة إلى أجزائها الأولية ثم أعاد تركيبها فهل هذا يسمى عدماً للسيارة ؟! فتحصل لدينا أن الموت لا يعني عدم الإنسان أما الروح فهي باقية,وأما البدن فهو يتحلل إلى عناصره ولا تنعدم هذه العناصر.

    و إذا قيل : ربما تأكل السباع الإنسان ، و يتحول جسمه الذي أكله السبع إلى تغذية لهذا الآكل تختلط بدمه ولحمه وعظمه وتخرج في روثه وبوله فكيف يعاد هذا الجسد ؟ و الجواب : أن الأمر هين على الله ؛ يقول للشيء كن فيكون ، و يتخلص هذا الجسم الذي سيبعث من كل هذه الأشياء التي اختلط بها ، وقدرة الله عز وجل فوق ما نتصوره ؛ فالله على كل شيء قدير ، وقال رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إِنَّ رَجُلًا حَضَرَهُ الْمَوْتُ فَلَمَّا يَئِسَ مِنَ الْحَيَاةِ أَوْصَى أَهْلَهُ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا كَثِيرًا، وَأَوْقِدُوا فِيهِ نَارًا حَتَّى إِذَا أَكَلَتْ لَحْمِي، وَخَلَصَتْ إِلَى عَظْمِي فَامْتُحِشَتْ فَخُذُوهَا فَاطْحَنُوهَا، ثُمَّ انْظُرُوا يَوْمًا رَاحًا فَاذْرُوهُ فِي الْيَمِّ فَفَعَلُوا، فَجَمَعَهُ اللَّهُ فَقَالَ لَهُ: لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ مِنْ خَشْيَتِكَ، فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ»[4] .


    و إن قال الملحد لا أتصور إعادة جسدي بعدما يهلك ويتحلل ،و الحكم على الشيء فرع عن تصوره فالجواب عدم تصورك إعادة جسدك بعدما يهلك ويتحلل لا يعني امتناعه في نفسه، فقد تعجز العقول عن تصور أمور كثيرة كعجزها عن تصور حقيقة العقل رغم أنه داخلنا ولا يمكن أن نفكر بلا عقل و عجزها عن تصور حقيقة الروح رغم أنها بداخلنا ، فإذا كان هذا الشأن في معرفة أقرب الأشياء من الإنسان وألصقها به، فهل يطمع الإنسان أن يخضع بعقله أفعال الله سبحانه لقوانين البشر وقدراتهم ،و الشيء الذي لا نشاهده في الواقع الحسي لا يلزم عقلاً أن يكون غير ممكن الوجود ، فعدم الوجود لا يدل على استحالة الوجود .

    وختاما اذكر هذا الملحد بقوله تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللهِ شَيْئاً وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [ آل عمران : 116] ، وقوله تعالى: ﴿ وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ الله وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ﴾ [التوبة : 68 ]،وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾ [ الأحزاب : 64 - 65 ] .

    هذا و الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات



    [1] - رواه مسلم في صحيحه حديث رقم 2955

    [2] - كشف المشكل من حديث الصحيحين 3/454

    [3] - شرح الطحاوية لابن أبي العز 1/411

    [4] - رواه البخاري في صحيحه حديث رقم 3479
    طبيب

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    441
    آخر نشاط
    13-01-2017
    على الساعة
    01:58 AM

    افتراضي

    التحميل من هنا أوهنا
    طبيب

نعم ستعذب في الآخرة يا ملحد إن لم تتب

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. اول منازل الآخرة
    بواسطة @سالم@ في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 16-09-2010, 09:47 AM
  2. إعرف نفسك من أهل الدنيا أم الآخرة
    بواسطة عاشق المسجد الحرام في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 24-06-2010, 10:14 AM
  3. الدعاء بالدنيا قبل الآخرة
    بواسطة فريد عبد العليم في المنتدى المنتدى الإسلامي العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 27-03-2010, 01:00 AM
  4. **)) مقارنة بين الدنيا و الآخرة **))
    بواسطة نضال 3 في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 20-06-2009, 10:17 PM
  5. الأنسان جسد فى الدنيا ونفس فى الآخرة
    بواسطة ali9 في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 22-05-2006, 01:12 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

نعم ستعذب في الآخرة يا ملحد إن لم تتب

نعم ستعذب في الآخرة يا ملحد إن لم تتب