بسم الله الرحمن الرحيم

ونقل الحافظ ابن حجر اعتراف الرازي في المطالب العالية بأن قول من قال: أنه تعالى متكلم بكلام يقوم بذاته وبمشيئته واختياره هو أصح الأقوال نقلاً وعقلاً .
الفتح (13|455)

الأدلة على ان الله تعالى يتكلم بقدرته ومشيئته كثيرة جدا منها قوله تعالى ((ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لأدم)) وإنما قال لهم اسجدوا بعد خلق آدم وتصويره.

وكذلك قوله تعالى: ((وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي)) الآيات كلها فكم فيها من برهان يدل على أن التكلم والخطاب وقع في ذلك الوقت. وكذلك قوله: ((فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ)) والذي ناداه هو الذي قال له: ((إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي)). وكذلك قوله: ((وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فيقول)) وقوله: ((وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ)) وقوله: ((يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد))
وقال: { فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى* إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى* إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي } [طه: 11 - 14] .
وقال - سبحانه -: { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم } [الأنبياء: 83، 84] .
وقال: { وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } [الأنبياء: 89، 90] .
وقد ذكر عزّ وجل عن النداء قوله: { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [القصص: 62] .
وذكر عن الحكم والإرادة والمحبة قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة: 1] .
وقال: { وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء: 16] .

وتأمل نصوص القرآن من أوله إلى آخره ، ونصوص السنة ولا سيما أحاديث الشفاعة وحديث المعراج وغيرها كقوله:

((أتدرون ماذا قال ربكم الليلة))

وقوله : ((إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة))
قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم فيما يرويه عن ربه: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حَمِدني عبدي، فإذا قال: الرحمن الرحيم: قال: أثنى عليَّ عبدي، فإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي»
وفي الصحيحين عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر، كلاهما يدخل الجنة، قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: يقتل هذا فيلج الجنة، ثم يتوب الله على الآخر فيهديه إلى الإسلام، ثم يجاهد في سبيل الله فيستشهد».
وقول: ((ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ولا حاجب))
وعن أبي هريرة (ت - 57هـ) رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن عبداً أصاب ذنباً فقال: رب أصبت ذنباً فاغفر لي، فقال ربه: أعلم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت لعبدي، ثم مكث ، ثم أذنب ذنباً آخر فقال: أي رب، أذنبت ذنباً فاغفره لي، فقال ربه: أعلم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت لعبدي»(81) .
وعن أبي هريرة (ت - 57هـ) رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يقول الله يوم القيامة: يا ابن آدم، مرضت فلم تعدني، فيقول: يا رب كيف أعودك، وأنت رب العالمين؟ فيقول: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده .
ويقول: يا ابن آدم، استسقيتك فلم تسقني فيقول: أي رب، وكيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ فيقول تبارك وتعالى: أما علمت أن عبدي فلاناً استسقاك فلم تسقه؟ أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي؟
قال: ويقول: يا ابن آدم، استطعمتك فلم تطعمني، فيقول: أي رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ فيقول: أما علمت أن عبدي فلاناً استطعمك فلم تطعمه؟ أما إنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي»(82) .
وعن أبي هريرة (ت - 57هـ) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله ينادون: هلموا إلى حاجتكم، قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم: ما يقول عبادي؟ قال يقولون: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك. قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك. قال: فيقول: وكيف لو رأوني. قال: فيقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيداً، وأكثر لك تسبيحاً. قال: يقول: فما يسألوني؟ قال: يسألونك الجنة، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو رأوها. قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً، وأشد لها طلباً، وأعظم فيها رغبة. قال: فمم يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار. قال: يقول: وهل رأوها. قال: يقولون: لا والله ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو رأوها. قال يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً، وأشد لها مخافة. قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة. قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم»(83) .
والأحاديث كثيرة في هذا الباب يصعب إحصاؤها واستقصاؤها
وقد أخبر الصادق المصدوق أنه يكلم ملائكته في الدنيا فيسألهم وهو أعلم بهم “كيف تركتم عبادي” ،
وعن أبي سعيد الخدري (ت - 74هـ) رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك.. فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب؟ وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك؟ قال: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً
ويكلمهم يوم القيامة ويكلم أنبياءة ورسله وعباده المؤمنين يومئذ ، ويكلم أهل الجنة في الجنة ويسلم عليهم في منازلهم...

إلى أضعاف أضعاف ذلك من نصوص الكتاب و السنة التي إن دفعت دفعت الرسالة بأجمعها ، وإن كانت مجازاً كان الوحي كله مجازا وإن كانت من المتشابه كان الوحي كله من المتشابه وإن وجب أو ساغ تأويلها على خلاف ظاهرها ساغ تأويل جميع القرآن و السنة على خلاف ظاهره ، فإن مجيء هذه النصوص في الكتاب والسنة وظهور معانيها وتعدد انواعها واختلاف مراتبها أظهر من كل ظاهر وأوضح من كل واضح
وهناك حديث صريح في ان الله يتكلم متى شاء كيف شاء كما هو اعتقاد السلف واهل السنة والجماعة وهو هذا الحديث

وعن عبد الله رضي الله عنه قال: (إذا تكلم الله عز وجل بالوحي سمع صوته أهل السماء فيخرون سجداً،
حتى إذا فزع عن قلوبهم، قال سكن عن قلوبهم، نادى أهل السماء: ماذا قال ربكم؟
قال صلى الله عليه وسلم: الحق، قال كذا وكذا
علقه البخاري في صحيحه (6/2719) ووصله في خلق أفعال العباد (ص138) ورواه أبو داود (3/240)
والمروزي في تعظيم قدر الصلاة (1/237) والدارمي في الرد على الجهمية (ص172) وعبد الله في السنة (1/281) واللفظ له،
وابن خزيمة في التوحيد (ص145) والنجاد في الرد على من يقول القرآن مخلوق (ص32) وابن بطة في الإبانة (1/238)
واللالكائي (2/334) والبيهقي في الأسماء والصفات (ص262). وصحح الألباني في السلسلة الصحيحة (3/282 ، رقم 1293).

دل القرآن وصريح السنة والمعقول وكلام السلف على أن الله يتكلم بمشيئته ، كما دل على أن كلامه صفة قائمة بذاته ، وهي صفة ذات وفعل ، قال تعالى: ((إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون)) فـ(إذا) تخلص الفعل للإستقبال و(أن) كذلك و (نقول) فعل دال على الحال والاستقبال و (كن) حرفان يسبق أحدهما الآخر . فالذي اقتضته هذه الآية هو الذي في صريح العقول والفطر...

وكذلك قوله: ((ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لأدم)) وإنما قال لهم اسجدوا بعد خلق آدم وتصويره.

وكذلك قوله تعالى: ((وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي)) الآيات كلها فكم فيها من برهان يدل على أن التكلم والخطاب وقع في ذلك الوقت. وكذلك قوله: ((فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ)) والذي ناداه هو الذي قال له: ((إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي)). وكذلك قوله: ((وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فيقول)) وقوله: ((وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ)) وقوله: ((يوم نقول لجهنم)) الآية ومحال أن يقول سبحانه لجهنم ((هل امتلأت وتقول هل من مزيد)) قبل خلقها ووجودها ؟؟.

وتأمل نصوص القرآن من أوله إلى آخره ، ونصوص السنة ولا سيما أحاديث الشفاعة وحديث المعراج وغيرها كقوله:

((أتدرون ماذا قال ربكم الليلة))

وقوله : ((إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة))

وقول: ((ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ولا حاجب))

وقد أخبر الصادق المصدوق أنه يكلم ملائكته في الدنيا فيسألهم وهو أعلم بهم “كيف تركتم عبادي” ،

ويكلمهم يوم القيامة ويكلم أنبياءة ورسله وعباده المؤمنين يومئذ ، ويكلم أهل الجنة في الجنة ويسلم عليهم في منازلهم...

إلى أضعاف أضعاف ذلك من نصوص الكتاب و السنة التي إن دفعت دفعت الرسالة بأجمعها ، وإن كانت مجازاً كان الوحي كله مجازا وإن كانت من المتشابه كان الوحي كله من المتشابه وإن وجب أو ساغ تأويلها على خلاف ظاهرها ساغ تأويل جميع القرآن و السنة على خلاف ظاهره ، فإن مجيء هذه النصوص في الكتاب والسنة وظهور معانيها وتعدد انواعها واختلاف مراتبها أظهر من كل ظاهر وأوضح من كل واضح ، فكم جهد ما يبلغ التأويل والتحريف والحمل على المجاز؟ هب أن ذلك يمكن في موضع واثنين وثلاثة وعشرة ، افيسوغ حمل أكثر من ثلاثة آلاف موضع كلها على المجاز وتأويل الجميع بما يخالف الظاهر؟؟

ولا تستبعد قولنا أكثر من ثلاثة آلاف : فكل آية وكل حديث إلهي وكل حديث فيه اخبار عما قال الله تعالى أو يقول وكل أثر فيه ذلك إذا استقرئت زادت على هذا العدد ويكفي أحاديث الشفاعة وأحاديث الرؤية وأحاديث الحساب وأحاديث تكليم الله لموسى وأحاديث التكلم عند النزول الالهي ، وأحاديث التكلم بالوحي ، وأحاديث تكليمه للشهداء ..

إذ كل هذا وأمثاله وأضعافه مجازا لا حقيقة له ، سبحانك هذا بهتان عظيم!!! ، بل نشهدك ونشهد ملائكتك وحملة عرشك وجميع خلقك أنك أحق بهذه الصفة وأولى من كل أحد وأن البحر لو أمده من بعده سبعة أبحر وكانت أشجار الأرض أقلاماً يكتب بها ما تتكلم به لنفدت البحار والأقلام ولم تنفد كلماتك"


أما الإمام أحمد رحمه الله فقد نقل الخلال في سنته من طريق حنبل بن إسحاق قال: قلت لأبي عبد الله-يعني أحمد بن حنبل-: الله عز وجل يكلم عبد يوم القيامه ؟ قال: ((نعم ، فمن يقضي بين الخلائق إلا الله عز وجل ، يكلم عبد ويسأله ، الله متكلم ، لم يزل الله يأمر بما يشاء ويحكم ، وليس له عدل ولا مثل ، كيف شاء وأنى شاء )) .

وفي الرد على الجهمية للإمام أحمد: ((بل نقول: إن الله لم يزل متكلماًُ إذا شاء)) ص276

قال الإمام البخاري أسأل الله أن يجزيه عن الإسلام خيرا في آخر الصحيح في كتاب الرد على الجهمية:

((باب: ما جاء في تخليق السموات والأرض ونحوهما من الخلائق ، وهو فعل الرب وأمره فالرب بصفاته وفعلهوأمره وكلامه هو الخالق المكون غير مخلوق ، وما كان بفعله وأمره وتخليقه وتكوينه فهو مخلوق مفعول مكون))

وأوضح وفصل في خلق أفعال العباد فقال-:

((اختلف الناس في الفاعل والفعل والمفعول

فقالت القدرية: الأفاعيل كلها من البشر

وقالت الجبرية الأفاعيل كلها من الله

وقالت الجهمية الفعل والمفعول واحد ولذلك قالوا ((كن)) مخلوق

وقال السلف التخليق فعل الله وأفاعيلنا مخلوقة ففعل الله صفة الله والمفعول من سواه من المخلوقات انتهى من فتح الباري 13/439 وهو في المطبوع بنحوه.

فتجد هنا نصاً صريحاً من الإمام في أن كلام الله سبحانه صفة فعلية أيضاً لا كما يقول الكلابية ومن تأثر بهم أنه صفة ذات فقط وتجد الإمام ينص على أن الجهمية هم من يقول أن ((الفعل هو المفعول)) ثم يقول: (((ولذلك قالوا كن مخلوق)) ومن المعلوم أن قوله ((كن)) معلق بالإرادة بصريح كتاب الله ((إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً)) وتجد في صحيحه أبواب وأحاديث كثيرة كلها تدل على تعلق الكلام بالمشيئة مثل ((باب كلام الرب يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم)) وغيرها من الأبواب


ومن فوائد الأخ أبو عبد الله الأثري: قال ابن كثير في البداية و النهاية الجزء 10 ص 298 :

" ذكر أول المحنة والفتنة في هذه السنة كتب المأمون إلى نائبه ببغداد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب يأمره أن يمتحن القضاة والمحدثين بالقول بخلق القرآن وأن يرسل إليه جماعة منهم، وكتب إليه يستحثه في كتاب مطول وكتب غيره قد سردها ابن جرير كلها ، ومضمونها الاحتجاج على أن القرآن محدث وكل محدث مخلوق،وهذا احتجاج لا يوافقه عليه كثير من المتكلمين فضلا عن المحدثين، فإن القائلين بأن الله تعالى تقوم به الافعال الاختيارية لا يقولون بأن فعله تعالى القائم بذاته المقدسة مخلوق، بل لم يكن مخلوقا،بل يقولون هو محدث وليس بمخلوق،بل هو كلام الله القائم بذاته المقدسة،وما كان قائما بذاته لا يكون مخلوقا،وقد قال الله تعالى (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث) وقالتعالى (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) فالامر بالسجود صدر منه بعد خلق آدم، فالكلام القائم بالذات ليس مخلوقا، وهذا له موضع آخر.

وقد صنف البخاري كتابا في هذا المعنى سماه خلق أفعال العباد". "انتهى فانظر لإحالة الحافظ ابن كثير

قال الامام البخاري في صحيحه : ** مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ }

وَقَوْلِهِ تَعَالَى :

** لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا }

وَأَنَّ حَدَثَهُ لَا يُشْبِهُ حَدَثَ الْمَخْلُوقِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى
** لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ

وفي بيان الصّبغي لعقيدته الذي عرضه على ابن خزيمة قال : "وأنه ينزل تعالى إلى السماء الدنيا فيقول: "هل من داع فأجيبه". فمن زعم أن علمه تنزّل أو أمره, ضلّ, ويكلّم عباده بلا كيف. {الرحمن على العرش استوى} لا كما قالت الجهمية : إنه على الملك احتوى, ولا استولى, وأنّ الله يخاطب عباده عودا وبدءاً, ويعيد عليهم قصصه وأمره ونهيه, ومن زعم غير ذلك فهو ضال مبتدع".اهـ.


نقله الذهبي – عن الحاكم في "تاريخ نيسابور" – في سير أعلام النبلاء (14/381).
قال الامام ابن خزيمة رحمه الله
"زعم بعض جهلة هؤلاء الذين نبغوا في سنيننا هذه : أن الله لا يكرر الكلام فهم لا يفهمون كتاب الله ؛ إن الله قد أخبر في نص الكتاب في مواضع أنه خلق آدم وأنه أمر الملائكة بالسجود له ؛ فكرر هذا الذكر في غير موضع وكرر ذكر كلامه لموسى مرة ""بعد"" أخرى وكرر ذكر عيسى ابن مريم في مواضع وحمد نفسه في مواضع إلخ"))

قال الامام البخاري في صحيحه
باب قول الله تعالى كل يوم هو في شأن و ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث وقوله تعالى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا وأن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين لقوله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وقال ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة
قلت مراد الامام رحمه الله بقوله وأن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين اثبات الافعال الاختيارية لله كالنزول والاستواء والمجئ واحاد كلام الله عز وجل وغير ذلك مما ثبت من افعال الله تعالى في الكتاب والسنة كما يفهم ذلك كذلك من كتاب خلق أفعال العباد




"قال أبو عبدالله - أي الإمام البخاري – ومن الدليل على أن الله يتكلم كيف شاء، و أن اصوات العباد مؤلفة حرفا، فيها التطريب و الغمز و اللحن و الترجيع..."خلق أفعال العباد "باب خلق أفعال العباد" صفحة 33 طبعة مؤسسة الرسالة.

عقيدة الإمام نعيم بن حماد شيخ الإمام البخاري في أن صفة الكلام صفة فعل و أن سلب صفة الفعل عن الله تعالى يلزم منه وصف الله بالموت و العياذ بالله! و نقل الإمام البخاري إجماع السلف على هذه العقيدة!

"قال أبو عبدالله - أي البخاري - و لقد بين نعيم بن حماد أن كلام الرب ليس بخلق و أن العرب لا تعرف الحي من الميت إلا بالفعل، فمن كان له فعل فهو حي و من لم يكن له فعل فهو ميت، و أن أفعال العباد مخلوقة، فضيق عليه حتى مضى لسبيله، و توجع أهل العلم لما نزل به.

و في اتفاق المسلمين دليل على أن نعيما و من نحا نحوه ليس بمفارق و لا مبتدع، بل البدع و الرئيس بالجهل بغيرهم أولى، إذ يفتون بالآراء المختلفة مما لم يأذن به الله."
انتهى كلام البخاري رحمه الله من كتابه خلق أفعال العباد (باب الرد على الجهمية و أصحاب التعطيل) صفحة 71

جاء في الفتح للحافظ ابن حجر ان "نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري قال : من شبه الله بخلقه كفر ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه ، فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال الله تعالى ونفى عن الله النقائص فقد سلك سبيل الهدى"

فهذه أدلتي من السلف أن الله يتكلم متى شاء بما شاء كيف شاء
وهو قول نعيم بن حماد والبخاري وعليه اتفاق المسلمين كما سبق
قال الإمام ابن خزيمة (( "زعم بعض جهلة هؤلاء الذين نبغوا في سنيننا هذه : أن الله لا يكرر الكلام فهم لا يفهمون كتاب الله ؛ إن الله قد أخبر في نص الكتاب في مواضع أنه خلق آدم وأنه أمر الملائكة بالسجود له ؛ فكرر هذا الذكر في غير موضع وكرر ذكر كلامه لموسى مرة ""بعد"" أخرى وكرر ذكر عيسى ابن مريم في مواضع وحمد نفسه في مواضع إلخ"))

وقال أحد تلامذته

" كلم ربنا أنبياءه ، وكلم موسى ،وقال له : " إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني " ويكلم أولياءه يوم القيامة ويحييهم بالسلام ؛ قولا في دار عدنه ، وينادي عباده فيقول : " ماذا أجبتم المرسلين " ويقول : " لمن الملك اليوم لله الواحد القهار " . ويكلم أهل النار بالتوبيخ والعقاب ويقول لهم :"اخسئوا فيها ولا تكلمون" ، ويخلو الجبار بكل أحد من خلقه فيكلمه ؛ ليس بينه وبين أحد منهم ترجمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، ويكلم ربنا جهنم فيقول لها : هل امتلأت ؟ وينطقها فتقول : هل من مزيد . فمن زعم أن الله لم يتكلم إلا مرة ولم يتكلم إلا ما تكلم به... كفر بالله بل لم يزل الله متكلما ولا يزال متكلما لا مثل لكلامه ..كلم موسى فقال له : " إني أنا ربك " فمن زعم أن غير الله كلمه كفر بالله . فإن الله ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا فيقول : هل من داع فأجيبه ؟ هل من تائب فأتوب عليه ؟ فمن زعم أن علمه ينزل أو أمره ضل بل ينزل إلى سماء الدنيا : المعبود سبحانه الذي يقال له :" يا رحمن يا رحيم" فيكلم عباده بلا كيف[بقوله هل من داع..إلخ] ... والله يخاطب عباده عودا وبدءا ويعيد عليهم قصصه وأمره ونهيه قرنا فقرنا [أي قرناً بعد قرن من الزمان]من زعم أن الله لا يخاطب عباده ولا يعيد عليهم قصصه وأمره ونهيه عودا وبدءا : فهو ضال مبتدع"


قصة مشاجرة ابن خزيمة مع بعض تلامذته الكلابية موجودة في كثير من مصنفات الذهبي وغيره من الحفاظ عن تاريخ نيسابور للحاكم وقد ذكر هذه القصة وعلق عليها تعليقات مهمة شيخ الإسلام في الفتاوى 6/169 وبعدها والنبوات 1/268 وبعدها والدرء 2/78 وبعدها


الظاهر أن الحافظ نفسه اعترف بمذهب البخاري في مكان آخر فقال: ((والذي أقول إن غرضه في هذا الباب إثبات ما ذهب إليه أن الله يتكلم متى شاء))13/496 والحافظ يعرف معنى إطلاق هذه العبارة جيداً فهو الناقل(( والخامس : أنه كلام الله غير مخلوق ، أنه لم يزل يتكلم إذا شاء ،نص على ذلك أحمد في كتاب الرد على الجهمية ، وافترق أصحابه فرقتين : منهم من قال هو لازم لذاته والحروف والأصوات مقترنة لا متعاقبة ويسمع كلامه من شاء ،وأكثرهم قالوا إنه متكلم بما شاء متى شاء ، وأنه نادى موسى عليه السلام حين كلمه ولم يكن ناداه من قبل))
فهذه عقيدتي وهؤلاء سلفي

قول السجزي في الإبانة
وقال أبو نصر السجزي أيضا في كتابه المسمى بالإبانة في مسألة القرآن : لما قيل له ( إن القراءة عمل والعمل لا يكون صفة لله والدليل على أنها عمل أنك تقول : قرأ فلان يقرأ وما حسن فيه ذكر المستقبل فهو عند العرب عمل )
فقال : ( هذا لا يلزم لأنك تقول : ( قال الله عز و جل ) و ( يقول الله عز و جل ) والله تعالى قال : { وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة } ( البقرة : 35 ) وقال تعالى : { يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد } ( ق : 30 ) فقد حسن في القول ذكر المستقبل
فإن ارتكبوا العظمى وقالوا : كلام الله شيء واحد على أصلنا لا يتجزأ وليس بلغة والله سبحانه من الأزل إلا الأبد متكلم بكلام واحد لا أول له ولا آخر فقال : ويقول إنما يرجع إلى العبارة لا إلا المعبر عنه
قيل لهم : قد بينا مرارا كثيرة أن قولكم في هذا الباب فاسد وأنه مخالف للعقليين والشرعيين جميعا وأن نص الكتاب والثابت من الأثر قد نطقا بفساده قال الله تعالى : { إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } ( النحل : 40 ) فبين الله سبحانه أنه يقول للشيء كن إذا أراد كونه فعلم بذلك أنه لم يقل للقيامة بعد كوني )
وقال أيضا في موضع آخر : ( [ النبي صلى الله عليه و سلم قال : نبدأ بما بدأ الله به ] ) ثم قرأ { إن الصفا والمروة من شعائر الله } ( البقرة : 158 ) والله تعالى قال : { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون } ( آل عمران : 59 ) وقال : { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } ( يس : 82 ) فبين جل جلاله أنه قال لآدم بعد أن خلقه من تراب : كن وأنه إذا أراد شيئا يقول له كن فيكون ولم يقتض ذلك حدوثا ولا خلقا بعد حدوث نوع الكلام لما قام من الدليل على انتفاء الخلق عن كلام الله تعالى )
وقال أبو نصر السجزي أيضا : ( فأما الله تعالى فإنه متكلم فيما لم يزل ولا يزال متكلما بما شاء من الكلام يسمع من يشاء من خلقه ما شاء من كلامه إذا شاء ذلك ويكلم من شاء تكليمه بما يعرفه ولا يجهله وهو سبحانه حي عليم متكلم لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء لا يوصف إلا بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله ليس بجسم ولا في معنى جسم ولا يوصف بأداة ولا جارحة وآلة وكلامه أحسن الكلام وفيه سور وآي وكلمات وكل ذلك حروف وهو مسموع منه على الحقيقة سماعا يعقله الخلق ولا كيفية لتكلمه وتكليمه وجائز وجود أعداد من المكلمين يكلمهم سبحانه في حال واحدة بما يريده من كل واحد منهم من غير أن يشغله تكليم هذا عن تكليم هذا )