3- لذلك كان بنى اسرائيل يشيرون دائما أن مملكة النبي الخاتم تستمر الى الأبد
فكانوا يقصدون استمرارية رسالته والهدى الذى جاء به الى البشرية وكذلك مملكته التي يقيمها على الأرض
فهذا معنى بقاؤه الى الأبد وهذا هو ما كان يخبرهم به أنبياءهم عن النبي الخاتم فبقاء هذا الهدى الذى جاء به الى الأبد تعنى بالمفهوم المجازي بقاؤه الى الأبد حتى وان رحل جسده ولكنه موجود فى أتباعه بتعاليمه ورسالته الى يوم القيامة
أ- وهذا المعنى المجازي للأبدية نقرأه فى رسالة يوحنا الأولى :-
2 :17 و العالم يمضي و شهوته و اما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت الى الابد
فبقاء أي نبي بالمعنى المجازي يكون بثبوت تعاليمه ورسالته فى أتباعه ويستمر بقاؤه طالما استمرت تلك التعاليم والوصايا فى أتباعه ولكن ان حادوا ونسوا وأتى قوم وحرفوا فانه لا يثبت حتى يأتي نبي آخر يذكر الناس برسالات جميع الأنبياء فيأتيهم بالهدى والنور مرة أخرى
ولكن مع النبي الخاتم سيكون الثبوت دائم لأن الهدى والنور الذى أتى به دائم الى يوم القيامة
ب- وهذا الاسلوب المجازي عن الثبوت ومدة البقاء استخدمه أيضا انجيل يوحنا على لسان المسيح عليه الصلاة والسلام عندما قال :-
15 :3 انتم الان انقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به
15 :4 اثبتوا في و انا فيكم كما ان الغصن لا يقدر ان ياتي بثمر من ذاته ان لم يثبت في الكرمة كذلك انتم ايضا ان لم تثبتوا في
ثم يقول :-
15 :10 ان حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي كما اني انا قد حفظت وصايا ابي و اثبت في محبته
فبقاء المسيح عليه الصلاة والسلام بالمعنى المجازي يعتمد على ثبوت رسالته وتعاليمه والهدى الذى أتى به فى أتباعه فطالما حفظوا الوصايا فهم يثبتون فيه وهو يكون فيهم
لذلك فهو يطلب منهم أن يثبتوا فيه ويخبرهم أن ذلك يكون ((ان حفظوا وصاياه ))
ونقرأ هذا المعنى من رسالة يوحنا الأولى :-
2 :5 و اما من حفظ كلمته فحقا في هذا قد تكملت محبة الله بهذا نعرف اننا فيه
2 :6 من قال انه ثابت فيه ينبغي انه كما سلك ذاك هكذا يسلك هو ايضا
اذا فالثبوت الأبدي كان بالمعنى المجازي وهو ثبوت التعاليم والوصايا فى الأتباع
ج- وفى نفس الوقت أخبرهم المسيح عليه الصلاة والسلام بأن أتباعه سينسوا تعاليمه وسكون الأمر بحاجة الى من يذكرهم بالوصايا والتعاليم والعقيدة الصحيحة مرة أخرى
فنقرأ من انجيل يوحنا :-
14 :26 و اما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الاب باسمي فهو يعلمكم كل شيء و يذكركم بكل ما قلته لكم
هم بحاجة الى من يعلمهم كل شئ ويذكرهم بأقوال ووصايا المسيح عليه الصلاة والسلام مثل ما حدث مع جميع الأنبياء السابقين للمسيح عليه الصلاة والسلام فكان كلما نسى القوم التعاليم والوصايا بعث لهم الله عز وجل نبي انسان يذكرهم بها مرة أخرى
مما يعنى أن الهدى الذى أتى به المسيح عليه الصلاة والسلام سيتم نسيانه هو أيضا مثل باقي الأنبياء وأنه سيأتي نبي يذكرهم بما سينسوه
فالتذكير عكس النسيان والذى يؤكد على ذلك هو أنه قال أن المعزى الأخر( يعلمهم ) مما يؤكد أن التذكير هنا هو عكس النسيان ، فمن ينسى بحاجة الى من يذكره ويعلمه ما نسيه (تكوين 40 :23) ، (مزامير 106 :7 ) ، (حكمة 2: 4)
والتذكير بكلام الأنبياء يكون على لسان أنبياء أيضا (يشوع 1 :12 ،1 :13) ، (ملاخي 4 :4 الى 4 :6 )
والأكيد أن المسيح عليه الصلاة والسلام لم يكن يبشرهم بشخص عادى سيذكرهم ولكنه كان يبشرهم ويحدثهم عن نبي عظيم
د- والمسيح عليه الصلاة والسلام كان يوجه كلامه الى أي شخص يقرأ هذا الكلام ويصدقه فى أي زمان بعده فكذلك كل الأنبياء
فهو لم يكن يقصد بالضرورة تلاميذه ولكن كان يقصد من سيأتي بعدهم وينسوا تلك التعاليم
بدليل ما نقرأه من انجيل يوحنا :-
17 :20 و لست اسال من اجل هؤلاء فقط بل ايضا من اجل الذين يؤمنون بي بكلامهم
فعلى سبيل المثال :-
ان سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام كان يوجه الوصايا الى بنى اسرائيل الذين سيسمعون ويقرأون كلامه فى أي زمان يأتي بعده ولم يكن يقصد فقط الذين كانوا أمامه وفى زمانه
فالمسيح عليه الصلاة والسلام كان مدرك أن تعاليمه ووصاياه الحقيقية سوف يتم نسيانها فى زمان ما بعده وأنه سيأتي نبي بعده يذكر الناس بما تم نسيانه لذلك كان يوصى كل من يقرأ هذا الكلام أو يصل اليه بأي طريقة فى أي زمان أن يتبع هذا النبي الذى يأتي بعده
ل- ويؤكد معنى عدم بقاء المسح عليه الصلاة والسلام الى الأبد ما ذكره انجيل يوحنا
فنقرأ :-
12: 34 فاجابه الجمع نحن سمعنا من الناموس ان ((المسيح يبقى الى الابد )) فكيف تقول انت انه ينبغي ان يرتفع ابن الانسان من هو هذا ابن الانسان
12 :35 ((فقال لهم يسوع النور معكم زمانا قليلا بعد فسيروا ما دام لكم النور لئلا يدرككم الظلام)) و الذي يسير في الظلام لا يعلم الى اين يذهب
12 :36 ما دام لكم النور امنوا بالنور لتصيروا ابناء النور تكلم يسوع بهذا ((ثم مضى و اختفى عنهم))
التلاميذ يتعجبوا ويخبروه انهم سمعوا ان المسيا المنتظر سيبقى الى الأبد فكيف يقول هو انه سيرحل
ومع ذلك نجد ان المسيح يؤكد لهم انه سيرحل ولن يبقى ويخبرهم ان النور( أي الهدى الذى أتى به ) سيبقى زمان قليلا
ويوضح ذلك هذا النص من انجيل يوحنا حيث نقرأ :-
9 :5 ما دمت في العالم فانا نور العالم
طالما أنه فى العالم فهو نور العالم فالأمر متوقف على وجوده فى العالم فبقاء النور الذى أتى به هو بقاء محدود وليس للأبد
بدليل أنه ترك العالم
وهذا هو النص من انجيل يوحنا :-
13 :1 اما يسوع قبل عيد الفصح و هو عالم ان ساعته قد جاءت لينتقل من هذا العالم الى الاب اذ كان قد احب خاصته الذين في العالم احبهم الى المنتهى
وأيضا :-
17 :11 و لست انا بعد في العالم و اما هؤلاء فهم في العالم و انا اتي اليك ايها الاب القدوس احفظهم في اسمك الذين اعطيتني ليكونوا واحدا كما نحن
17 :12 حين كنت معهم في العالم كنت احفظهم في اسمك الذين اعطيتني حفظتهم و لم يهلك منهم احد الا ابن الهلاك ليتم الكتاب
17 :13 اما الان فاني اتي اليك و اتكلم بهذا في العالم ليكون لهم فرحي كاملا فيهم
17 :14 انا قد اعطيتهم كلامك و العالم ابغضهم لانهم ليسوا من العالم كما اني انا لست من العالم
17 :15 لست اسال ان تاخذهم من العالم بل ان تحفظهم من الشرير
نعرف من النصوص أن المسيح عليه الصلاة والسلام تارك العالم وأنه عندما كان فى العالم كان يحفظ أتباعه ولكنه عندما يترك العالم فلن يعود له سلطان ولا قدرة على حفظ أتباعه لذلك يسأل رب العالميين أن يحفظهم
وهذا يؤكد أن المسيح بن مريم لن يبقى الى الأبد ويؤكد أيضا أن النور الذى أتى به لن يبقى الا زمانا قليلا وعليهم أن يلحقوا
كان من الممكن أن يخبرهم برحيله ولكن سيبقى هديه والنور الذى سيتركه الى الأبد حتى يكون هو المسيا المنتظر ولكنه يخبرهم بالعكس ويخبرهم برحيله ((وعدم بقاء النور الا زمانا قليلا وهو زمان مرتبط بوجوده معهم ))
لأنه قال لهم انه سيثبت فيهم (أي سيستمر فيهم ) ان حفظوا وصاياه(يوحنا 15 :4 ، 15 :10 )
ومعنى رحيله وارتباط ذلك بالنور يعنى عدم بقائه أي عدم ثبوت وصاياه
هذا يعنى بكل بساطة ان المسيح عليه الصلاة والسلام كان يخبرهم انه ليس هو المسيا المنتظروخاصة اننا نجد من نفس الانجيل فى الاصحاح 14 بالمعزى الأخر ((الذى سيبقى الى الأبد)) وهذه هي صفة المسيا المنتظر التي تكلم عنها التلاميذ فى (يوحنا 12 : 34)
14: 16 و انا اطلب من الاب فيعطيكم (((معزيا اخر ليمكث معكم الى الابد)))
فالنبي الخاتم لا يرحل النور الذى أتى به حتى وان رحل جسده
ولكن المسيح عليه الصلاة والسلام يخبرهم أن النور سيرحل وسيحل الظلام
مما يعنى أن رسالته هو أيضا سوف تتعرض للتحريف والتزييف والنسيان مما يعنى أنه ليس هو النبي الخاتم ولكنه كان يخبرهم عن النبي الخاتم عندما كلمهم عن روح الحق الذى يبقى الى الأبد
نعم انه يبقى الى الأبد لأن تعاليمه تثبت فى أتباعه الى الأبد فهو ليس ثبوت وقتي فلا يتم تحريف الهدى الذى أتى به فهو فى أتباعه الى يوم القيامة
المفضلات