حديث ( كلمتان حبيبتان إلى الرحمن .. )

قال الإمام البخاري في آخر (كتاب التوحيد) من صحيحه:

حدثني أحمد بن إشكاب حدثنا محمد بن فضيل عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال: قال النبي _ صلى الله عليه وسلم _ : ((كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)).

المبحث الأول: التخريج:

أورد البخاري هذا الحديث في ثلاثة مواضع من صحيحه هذا أحدها وهو آخر حديث في صحيح البخاري في ( باب قول الله تعالى: ( وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسطَ )) ، والثاني في (كتاب الدعوات، باب فضل التسبيح) ولفظه: حدثنا زهير بن حرب حدثنا ابن فضيل عن عمارة عن أبي زرعة عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ عن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ قال: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن:سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده))، والثالث في (كتاب الأيمان والنذور، باب إذا قال: والله لا أتكلم اليوم، فصلى أو قرأ أو سبح أو حمد أو هلل فهو على نيته) ولفظه: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا محمد بن فضيل حدثنا عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: قال الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ : ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)).

ورواه مسلم في (كتاب الذكر والدعاء) من صحيحه فقال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير وزهير بن حرب وأبو كريب ومحمد بن طريف البجلي قالوا: حدثنا ابن فضيل عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)).

وأخرجه الترمذي في (أبواب الدعاء) من جامعه (باب ما جاء في فضل التسبيح، والتكبير، والتهليل، والتحميد) ولفظه: حدثنا يوسف بن عيسى حدثنا محمد بن الفضيل عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال: قال رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ : ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)). قال هذا حديث حسن غريب صحيح.

ورواه ابن ماجه في سننه في (كتاب الأدب، باب فضل التسبيح) فقال: حدثنا أبو بشر وعلي بن محمد قالا حدثنا محمد بن فضيل عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال: قال رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ : ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)).

ورواه الإمام أحمد في (المسند) عن شيخه محمد بن فضيل بمثل إسناده ومتنه عند البخاري في (كتاب الأيمان والنذور).

المبحث الثاني: التعريف برجال الإسناد:

الأول: شيخ البخاري أحمد بن إشكاب: قال الحافظ في (التقريب): أحمد بن إشكاب الحضرمي، أبو عبد الله الصفار، واسم إشكاب مجمع ـ وهو بكسر الهمزة بعدها معجمة ـ ثقة حافظ، من الحادية عشرة، مات سنة سبع عشرة أو بعدها ـ أي بعد المائتين ـ، ورمز لكونه من رجال البخاري وحده.

وقال المقدسي في (الجمع بين رجال الصحيحين): أحمد بن إشكاب أبو عبد الله الصفار، الكوفي، سكن مصر، سمع محمد بن فضيل بن غزوان، روى عنه البخاري وقال: آخر ما لقيته بمصر سنة سبع عشرة ومائتين. ونقل الحافظ في (تهذيب التهذيب) توثيقه عن يعقوب بن شيبة، وأبي حاتم، والعجلي.

الثاني: محمد بن فضيل: قال الحافظ في (التقريب): محمد بن فضيل بن غزوان ـ بفتح المعجمة وسكون الزاي ـ الضبي مولاهم، أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق عارف، رمي بالتشيع، من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ـ أي بعد المائةـ، ورمز لكونه من رجال الجماعة. وقال في مقدمة الفتح: محمد بن فضيل بن غزوان، الكوفي، أبو عبد الرحمن الضبي، من شيوخ أحمد، وله تصانيف، وثقه العجلي وابن معين. وقال أحمد: كان شيعياً حسن الحديث. وقال أبو زرعة: صدوق من أهل العلم. وقال النسائي: لا بأس به. وقال ابن سعد: كان ثقة صدوقاً، كثير الحديث، شيعياً، وبعضهم لا يحتج به.

قلت ـ أي الحافظ ابن حجر ـ: إنما توقف فيه من توقف لتشيعه. وقال: قال أحمد بن عليّ الأبار: حدثنا أبو هاشم سمعت ابن فضيل يقول: ((رحم الله عثمان ولا رحم الله من لا يترحم عليه))، قال: ((ورأيت عليه آثار أهل السنة والجماعة رحمه الله))، احتج به الجماعة. انتهى.

الثالث: عمارة بن القعقاع: قال الحافظ في (التقريب): عمارة بن القعقاع بن شبرمة ـ بضم المعجمة والراء بينهما موحدة ساكنة ـ، الضبي ـ بالمعجمة والموحدة ـ، الكوفي، ثقة أرسل عن ابن مسعود، وهو من السادسة، ورمز لكونه من رجال الجماعة. ونقل في (تهذيب التهذيب) توثيقه عن ابن معين، والنسائي، وابن سعد، ويعقوب بن سفيان.

الرابع: أبو زرعة: قال الحافظ ابن حجر في (تقريب التهذيب): أبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي، قيل: اسمه هرم، وقيل: عمرو، وقيل: عبد الله، وقيل: عبد الرحمن، وقيل: جرير، ثقة، من الثالثة، ورمز لكونه من رجال الجماعة. ونقل في (تهذيب التهذيب) توثيقه عن ابن معين وابن خراش.

وقال المقدسي في (الجمع بين رجال الصحيحين): هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله، أبو زرعة البجلي، الكوفي، سمع أبا هريرة، وجده جرير بن عبد الله عندهما. وقال: روى عنه أبو حيان التيمي، وعليّ بن مدرك، وعمارة بن القعقاع عندهما.

الخامس: صحابي الحديث أبو هريرة _ رضي الله عنه _ : قال الحافظ في (تقريب التهذيب): أبو هريرة الدوسي، الصحابي الجليل، حافظ الصحابة، اختلف في اسمه واسم أبيه، قيل: عبد الرحمن بن صخر ثم ذكر أقوالاً قال بعدها: واختلف في أيها الأرجح؟ فذهب الأكثرون إلى الأوّل، وذهب جمع من النسابين إلى عمرو بن عامر، مات سنة سبع، وقيل: سنة ثمان، وقيل: سنة تسع وخمسين، وهو ابن ثمان وسبعين سنة، ورمز لكون حديثه في الكتب الستة.

وقال الخزرجي في (الخلاصة): أبو هريرة، اسمه عبد الرحمن بن صخر الدوسي، الحافظ، له خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعون حديثاً، اتفقا على ثلاثمائة وخمسة وعشرين، وانفرد البخاري بتسعة وسبعين، ومسلم بثلاثة وتسعين.

وذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح أن له عند البخاري أربعمائة وستة وأربعين حديثاً. وترجم له الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) في اثنتي عشرة صفحة، وذكر الكثير من مناقبه _ رضي الله عنه _، وقال: وروى أبو هريرة عن رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ الكثير الطيب، وكان من حفاظ الصحابة، وروى عن أبي بكر، وعمر، وأبي بن كعب، وأسامة بن زيد، ونضرة بن أبي نضرة، والفضل بن العباس، وكعب الأحبار، وعائشة أم المؤمنين، وحدث عنه خلائق من أهل العلم. وقال: قال البخاري: روى عنه نحو من ثمانمائة رجل أو أكثر من أهل العلم من الصحابة والتابعين وغيرهم، وقال: وقد كان أبو هريرة من الصدق والحفظ والديانة والعبادة والزهادة والعمل الصالح على جانب عظيم.

المبحث الثالث: لطائف الإسناد وما فيه من الشواهد التطبيقية لعلم مصطلح الحديث:

(1) رجال الإسناد الخمسة خرّج حديثهم أصحاب الكتب الستة إلاّ شيخ البخاري أحمد بن إشكاب فقد انفرد البخاري بإخراج حديثه.

(2) رجال الإسناد كوفيون إلاّ الصحابي فإنه مدني.

(3) الصحابي والتابعي في الإسناد كل منهما اشتهر بكنيته، وكل منهما اختلف في اسمه.

(4) الصحابي في هذا الإسناد هو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، قال الحافظ ابن حجر في ترجمته في (الإصابة): وقد أجمع أهل الحديث على أنه أكثر الصحابة حديثاً. وقال النووي في (التقريب): وأكثرهم حديثا أبو هريرة ثم ابن عمر وابن عباس وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وعائشة.

وقد بين السيوطي في شرحه (تدريب الراوي) عدد ما لكل واحد منهم من الحديث فذكر عدد ما لأبي هريرة _ رضي الله عنه _ ، وهو يوافق العدد الذي تقدم ذكره نقلاً عن (الخلاصة) للخزرجي، وذكر أن الذي رواه ابن عمر رضي الله عنهما: ألفا حديث وستمائة وثلاثون حديثاً، والذي رواه أنس _ رضي الله عنه _ : ألفا حديث ومائتان وستة وثمانون حديثاً(1)، والذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما: ألف وستمائة وستون حديثاً، والذي رواه جابر: ألف وخمسمائة وأربعون حديثاً. والذي روته عائشة رضي الله عنها: ألفان ومائتا حديث وعشرة أحاديث، ثم قال السيوطي: وليس في الصحابة من يزيد حديثه على ألف غير هؤلاء إلاّ أبا سعيد فإنه روى ألفا ومائة وسبعين حديثاً. وقد نظم السيوطي هؤلاء الصحابة السبعة الذين زاد حديث كل منهم على ألف حديث في ألفيته في علوم الحديث فقال:

والمكثرون في رواية الأثــر
وأنــس والبحــر كالخدري



أبــو هريرة يليــه ابن عمر
وجـــابر وزوجــة النبي


(5) هذا الحديث من أمثلة الفرد المطلق، فقد تفرد في روايته أبو هريرة _ رضي الله عنه _ ، وتفرد في روايته عن أبي هريرة أبو زرعة، وتفرد به عن أبي زرعة عمارة بن القعقاع، وتفرد به عن عمارة محمد بن فضيل، ثم كثر رواته عن محمد بن فضيل، وذكر الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث أنه لم ير هذا الحديث إلاّ من طريق محمد بن فضيل بهذا الإسناد، ولما ذكر تخريج الترمذي له وقوله عقبه: حسن صحيح غريب، قال: قلت: وجه الغرابة فيه ما ذكرته من تفرد محمد بن فضيل وشيخه وشيخ شيخه وصحابيه. انتهى.

ومثل هذا الحديث في ذلك، الحديثُ الذي جعله البخاري ـ رحمه الله ـ فاتحة كتابه وهو حديث: (إنما الأعمال بالنيات)، فإنه فرد مطلق أيضاً، تفرد بروايته عن عمر علقمة بن وقاص الليثي، وتفرد به عن علقمة محمد بن إبراهيم التيمي، وتفرد به عن محمد بن إبراهيم يحيى بن سعيد الأنصاري، ثم اشتهر عن يحيى بن سعيد، ففاتحة صحيح البخاري فرد مطلق وخاتمته فرد مطلق.

(6) حديث أبي هريرة _ رضي الله عنه _ هذا هو آخر حديث أورده البخاري في (الجامع الصحيح)، فهو خاتمة صحيحه، وقد تبعه بعض المصنفين في الحديث: في جعله خاتمة كتبهم، ومن هؤلاء الحافظ المنذري ختم به كتابه (الترغيب والترهيب)، ومنهم ابن حجر العسقلاني ختم به كتابه (بلوغ المرام من أدلة الأحكام).



المبحث الرابع: شرح الحديث:

(1) قوله (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن... الخ): كلمتان خبر مقدم مبتدؤه سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، والنكتة في تقديم الخبر تشويق السامع إلى المبتدأ، وكلما طال الكلام في وصف الخبر حسن تقديمه، لأن كثرة الأوصاف الجميلة تزيد السامع شوقاً. قاله الحافظ ابن حجر في (فتح الباري).

(2) أوصاف الخبر الثلاثة (حبيبتان وخفيفتان وثقيلتان): الأوّل حبيبة بمعنى محبوبة، والثاني والثالث فعيلة بمعنى فاعلة.

(3) قوله (حبيبتان إلى الرحمن): قال الحافظ ابن حجر: وخص لفظ الرحمن بالذكر، لأن المقصود من الحديث بيان سعة رحمة الله تعالى على عباده، حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الجزيل.

(4) قوله (خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان): قال الحافظ ابن حجر: وصفهما بالخفة والثقل لبيان قلة العمل وكثرة الثواب.

(5) قوله (ثقيلتان في الميزان): هو من نصوص الوعد التي يعول عليها المرجئة معرضين عن نصوص الوعيد، ويقابلهم الخوارج والمعتزلة الذين يغلبون نصوص الوعيد ويغفلون عن نصوص الوعد، ومذهب أهل السنة والجماعة وسط بين الطرفين المتناقضين، طرف الإفراط وطرف التفريط، فهم يأخذون بنصوص الوعد والوعيد معاً، فيجمعون بين الخوف والرجاء، ولا يقولون كما تقول المرجئة: ((إنه لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة))، ولا يقولون كما تقول الخوارج والمعتزلة بخروج مرتكب الكبيرة من الإيمان في الدنيا وخلوده في النار في الآخرة، وإنما يرون أن العاصي مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، فليس عندهم من أهل الإيمان المطلق (الكامل) ولا يمنعونه مطلق الاسم، بل هو مؤمن ناقص الإيمان، هذا حكمه عندهم في الدنيا، أما في الآخرة فكل ذنب دون الشرك فأمر صاحبه إلى الله، إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة من أول وهلة، وإن شاء عذبه في النار عقوبة لجريمته ثم يخرجه منها ويدخله الجنة، فمآله إلى الجنة ولابد، ولهذا يجمع الله بين الترغيب والترهيب في كتابه العزيز فيقول: (( نَبِّىء عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيمُ ( 49 ) وَأَنَّ عَذَابِي هَوَ العَذَابُ الأَلِيمُ )) ، ويقول: (( إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمُ )) ، ويقول: (( اعلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )) يرشد بذلك عباده إلى أن يخافوه ويرجوه، فلا يأمنون مكر الله لرجائهم المجرد عن الخوف، ولا يقنطون من رحمته لخوفهم المجرد عن الرجاء، بل كما قال تعالى عن أوليائه: (( إِنَّهُم كَانُوا يُسَرِعُونَ في الخَيرَاتِ وَيَدعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ )) ، وقال تعالى: (( وَالَّذِينَ يُؤتُونَ مَا ءَاتَوا وَّقُلُوبُهُم وَجِلَةٌ أَنَّهُم إِلَى رَبِّهِم رَاجِعُونَ )).
وقد نقل الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث عن ابن بطال أنه قال: ((هذه الفضائل الواردة في فضل الذكر إنما هي لأهل الشرف في الدين والكمال، كالطهارة من الحرام والمعاصي العظام، فلا تظن أن من أدمن الذكر، وأصرّ على ما شاءه من شهواته، وانتهك دين الله وحرماته، أنه يلتحق بالمطهرين المقدسين، ويبلغ منازلهم بكلام أجراه على لسانه، ليس معه تقوى ولا عمل صالح)). انتهى.

(6) قوله (سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم): المعنى: أنزه الله عن كل ما لا يليق به، قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري): وسبحان اسم منصوب على أنه واقع موقع المصدر لفعل محذوف تقديره: سبحت الله سبحاناً، كسبحت الله تسبيحاً، ولا يستعمل غالباً إلاّ مضافاً وهو مضاف إلى المفعول، أي سبحت الله، ويجوز أن يكون مضافاً إلى الفاعل أي نزه الله نفسه، والمشهور الأوّل، وقد جاء غير مضاف في الشعر كقوله:

سبحانه ثم سبحانا أنزهه .......................

وقال في قوله (وبحمده): قيل: الواو للحال، والتقدير أسبح الله متلبساً بحمدي له من أجل توفيقه، وقيل: عاطفة، والتقدير أسبح الله وأتلبس بحمده.

(7) قوله (سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم): قال الحافظ ابن حجر فيما نقله عن شيخه أبي حفص عمر البلقيني في أواخر مقدمة الفتح قال: ((وهاتان الكلمتان ومعناهما، جاء في ختام دعاء أهل الجنان لقوله تعالى: (( دَعوَاهُم فِيهَا سُبحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُم فِيهَا سَلامٌ وَأخِرُ دَعوَاهُم أَنِ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ )) .

(8) من فقه الحديث، وما يستنبط منه:

(1) الحث على المواظبة على هذا الذكر والتحريض على ملازمته.

(2) إثبات صفة المحبة لله تعالى.

(3) الجمع بين تنـزيه الله تعالى والثناء عليه في الدعاء.

(4) بيان الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ لأمته الأسباب التي تقربهم إلى الله وتثقل موازينهم في الدار الآخرة.

(5) إثبات الميزان وجاء في بعض النصوص إثبات أن له كفتين.

(6) إثبات وزن أعمال العباد.

(7) التنبيه على سعة رحمة الله حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الجزيل.

(8) الإشارة بخفة هاتين الكلمتين على اللسان إلى أن التكاليف شاقة على النفس، ومن أجل ذلك قال _ صلى الله عليه وسلم _ : ((حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات)).

وقد جاء عن بعض السلف التعليل لثقل الحسنة وخفة السيئة فقال: ((لأن الحسنة حضرت مرارتها وغابت حلاوتها فلذلك ثقلت، فلا يحملنك ثقلها على تركها، والسيئة حضرت حلاوتها وغابت مرارتها فلذلك خفت، فلا تحملنك خفتها على ارتكابها.

(9) إطلاق الكلمة مراداً بها الكلام.

(10) جواز السجع إذا وقع بغير كلفة.

(11) إيراد الحكم المرغب في فعله بلفظ الخبر لأن المقصود من سياق هذا الحديث الأمر بملازمة الذكر المذكور.

(12) الإشارة إلى امتثال قوله تعالى: (( وَسَبِح بِحَمدِ رَبِّكَ )) .

هذا ما يسر الله جمعه وتحريره من الكلام على عشرين حديثاً من صحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، والتمهيد لها بتعريف موجز بالإمام البخاري وصحيحه، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

وكان الفراغ من ذلك في يوم السبت الموافق الحادي عشر من شهر صفر سنة تسعين بعد الثلاثمائة والألف من الهجرة في المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.

اللهم اجعلنا ممن أردت به الخير ففقهته في دينك، فسار على النهج القويم الذي بعثت به رسولك الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، اللهم أجرنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، واختم لنا هذه الحياة بخاتمة السعادة، واجعلنا اللهم ممن يثقل ميزانه بالحسنات، إنك جواد كريم ملك بَرّ رؤوف رحيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.




(1) تقدم النقل عن (الخلاصة) للخزرجي ص 91، وهو يخالف هذا، والظاهر صحة ما هنا.
منقول من موقع شبكة السنة وعلومها