بسم الله الرحمن الرحيم


{ نص اعتقاد الإمام أحمد بن حنبل }


أخبرنا الشيخ الإمام الحافظ أبو محمد المبارك بن علي بن الحسين بن عبد الله بن محمد المعروف بابن الطباخ البغدادي رحمه الله في الدنيا والآخرة إجازة قال حدثنا شيخنا الإمام الحافظ أبو الفضل محمد بن الناصر بن محمد بن محمد بن علي البغدادي بها قال أخبرنا الإمام جمال الإسلام أبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي قال أخبرنا عمي أبو الفضل عبد الواحد بن عبد العزيز التميمي بجميع هذا الاعتقاد وقال جملة اعتقاد أحمد بن حنبل رضي الله عنه والذي كان يذهب إليه .


مجمل الاعتقاد

إن الله عز وجل واحد لا من عدد لا يجوز عليه التجزؤ ولا القسمة وهو واحد من كل جهة وما سواه واحد من وجه دون وجه وأنه موصوف بما أوجبه السمع والاجماع وذلك دليل إثباته وأنه موجود .


قال احمد بن حنبل رضي الله عنه من قال إن الله عز وجل لم يكن موصوفا حتى وصفه الواصفون فهو بذلك خارج عن الدين .


توحيد الله

وبيان ذلك أن يلزمه أن لا يكون واحدا حتى وحده الموحدون وذلك فاسد .


الله قادر حي عالم

وعنده أنه قد ثبت أن الله تعالى قادر حي عالم وقرأ هو الحي لا إله إلا هو وكان الله على كل شيء مقتدرا وكان الله بكل شيء عليما .


صفته تعالى السميع العليم

قال وفي صفات الله تعالى ما لا سبيل إلى معرفته إلا بالسمع مثل قوله تعالى وهو السميع البصير فبان بإخباره عن نفسه ما اعتقدته العقول فيه وأن قولنا سميع بصير صفة من لا يشتبه عليه شيء كما قال في كتابه الكريم ولا تكون رؤية إلا ببصر يعني من المبصرات بغير صفة من لا يغيب عليه ولا عنه شيء وليس ذلك بمعنى العلم كما يقوله المخالفون ألا ترى إلى قوله تعالى لموسى إنني معكما أسمع وأرى قال وقوله تعالى وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم يدل على أن معنى السميع غير معنى العليم وقال قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وقال عليه السلام سبحان من وسع سمعه الأصوات ومعنى ذلك من قوله أنه لو جاز أن يسمع بغير سمع جازها أن يعلم بغير علم وذلك محال فهو عالم بعلم سميع بسمع .



وجه الله تعالى

ومذهب أبي عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه أن لله عز وجل وجها لا كالصور المصورة والأعيان المخططة بل وجهة وصفه بقوله { كل شيء هالك إلا وجهه } ومن غير معناه فقد ألحد عنه وذلك عنده وجه في الحقيقة دون المجاز ووجه الله باق لا يبلى وصفة له لا تفنى ومن ادعى أن وجهه نفسه فقد ألحد ومن غير معناه فقد كفر وليس معنى وجه معنى جسد عنده ولا صورة ولا تخطيط ومن قال ذلك فقد ابتدع .



اليدان

وكان يقول إن لله تعالى يدان وهما صفة له في ذاته ليستا بجارحتين وليستا بمركبتين ولا جسم ولا جنس من الأجسام ولا من جنس المحدود والتركيب والأبعاض والجوارح ولا يقاس على ذلك لا مرفق ولا عضد ولا فيما يقتضي ذلك من إطلاق قولهم يد إلا ما نطق القرآن به أو صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم السنة فيه قال الله تعالى بل يداه مبسوطتان وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلتا يديه يمين وقال الله عز وجل ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي وقال والسماوات مطويات بيمينه ويفسد أن تكون يده القوة والنعمة والتفضل لأن جمع يد أيد وجمع تلك أياد ولو كانت اليد عنده القوة لسقطت فضيلة آدم وثبتت حجة إبليس .


علم الله

وكان يقول إن لله تعالى علما وهو عالم بعلم لقوله تعالى وهو بكل شيء عليم وبقوله ولا يحيطون بشيء من علمه وذلك في القرآن كثير وقد بينه الله عز وجل بيانا شافيا بقوله عز وجل لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه وقال فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا انما أنزل بعلم الله وقال فلنقصن عليهم بعلم وهذا يدل على أنه عالم بعلم وأن علمه بخلاف العلوم المحدثة التي يشوبها الجهل ويدخلها التغير ويلحقها النسيان ومسكنها القلوب وتحفظها الضمائر ويقومها الفكر وتقويها المذاكرة .


وعلم الله تعالى بخلاف ذلك كله صفة له لا تلحقها آفة ولا فساد ولا إبطال وليس بقلب ولا ضمير وإعتقاد ومسكن ولا علمه متغاير ولا هو غير العالم بل هو صفة من صفاته ومن خالف ذلك جعل العلم لقبا لله عز وجل ليس تحته معنى محقق وهذا عند أحمد رضي الله عنه 52 ب خروج عن الملة .


قدرة الله

وكان يقول إن لله تعالى قدرة وهي صفة في ذاته وأنه ليس بعاجز ولا ضعيف لقوله عز وجل وهو على كل شيء قدير وقوله تعالى قل هو القادر على أن يبعث عليكم وبقوله فقدرنا فنعم القادرون وبقوله تعالى أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وبقوله تعالى ذو القوة المتين فهو قدير وقادر وعليم وعالم ولا يجوز أن يكون قديرا ولا قدرة له ولا يجوز أن يكون عليما ولا علم له .



إرادة الله

وكان يقول إن الله تعالى لم يزل مريدا والإرادة صفة له في ذاته خالف بها من لا إرادة له والإرادة صفة مدح وثناء لأن كل ذات لا تريد ما تعلم أنه كائن فهي منقوصة والله تعالى مريد لكل ما علم أنه كائن وليست كإرادات الخلق وقد أثبت ذلك لنفسه فقال إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون وقال تعالى إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فلو كانت إرادته مخلوقة كانت مرادة بإرادة أخرى وهذا ما لا يتناهى وذلك في القرآن كثير وقد دلت العبرة على أن من لا إرادة له فهو مكره .



كلام الله

وكان يقول إن لله عز وجل كلاما هو به متكلم وذلك صفة له في ذاته خالف بها الخرس والبكم والسكوت وامتدح بها نفسه فقال عز وجل في الذين اتخذوا العجل ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين فعابهم لما عبدوا إلها لا يتكلم ولا كلام له فلو كان إلهنا لا يتكلم ولا كلام له رجع العيب عليه وسقطت حجته على الذين اتخذوا العجل من الوجه الذي احتج عليهم به ويزيد ذلك أن إبراهيم عليه السلام أنب أباه بقوله يا أبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا .



كلام الله

وحكي عن ابن مسعود وابن عباس أنهما فسرا قوله عز وجل قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون قالا غير مخلوق .

وكان يقول إن القرآن كيف تصرف غير مخلوق وأن الله تعالى تكلم بالصوت والحرف .

وكان يبطل الحكاية ويضلل القائل بذلك وعلى مذهبه أن من قال إن القرآن عبارة عن كلام الله عز وجل فقد جهل وغلط وأن الناسخ والمنسوخ في كتاب الله عز وجل دون العبارة عنه ودون الحكاية له وتبطل الحكاية عنده بقوله عز وجل وكلم الله موسى تكليما وتكليما مصدر تكلم يتكلم فهو متكلم وذلك يفسد الحكاية ولم ينقل عن احد من أئمة المسلمين من المتقدمين من أصحاب رسول ا لله صلى الله عليه وسلم والتابعين عليهم السلام القول بالحكاية والعبارة فدل على أن ذلك من البدع المحدثة .


إستواؤه جل شأنه :

وكان يقول إن الله عز وجل مستو على العرش المجيد وحكى جماعة عنه ان الاستواء من صفات الفعل .

وحكى جماعة عنه أنه كان يقول إن الاستواء من صفات الذات .

وكان يقول في معنى الاستواء هو العلو والارتفاع ولم يزل الله تعالى عاليا رفيعا قبل أن يخلق عرشه فهو فوق كل شيء والعالي على كل شيء وإنما خص الله العرش لمعنى فيه مخالف لسائر الأشياء والعرش أفضل الأشياء وأرفعها فامتدح الله نفسه بأنه على العرش 53 ب أستوى أي عليه علا ولا يجوز أن يقال أستوى بمماسة ولا بملاقاة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا والله تعالى لم يلحقه تغير ولا تبدل ولا تلحقه الحدود قبل خلق العرش ولا بعد خلق العرش .


وكان ينكر على من يقول إن الله في كل مكان بذاته لأن الأمكنة كلها محدودة وحكي عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك أن الله تعالى مستو على عرشه المجيد كما أخبر وأن علمه في كل مكان ولا يخلوا شيء من علمه وعظم عليه الكلام في هذا واستبشعه .


بائن من خلقه :

فهو سبحانه عالم بالأشياء مدبر لها من غير مخالطة ولا موالجة بل هو العالي عليها منفرد عنها وقرأ أحمد بن حنبل قوله تعالى وهو القاهر فوق عباده وقرأ إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه وقرأ يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون وقرأ إني متوفيك ورافعك إلي وقرأ يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون .