بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله

الحمدُ لله ربّ العالمين، والصَّلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله.

وبعد:
فإنَّ من أهوال الآخرة العظيمة الَّتي يجب على المؤمن الإيمان بها، والاستِعْدادُ لها: النفخَ في الصور، قال تعالى: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} [الكهف:99].

روى الترمذي في سننه من حديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ما الصُّور؟ قال: ((قرن يُنفخ فيه))[1]، والنَّفخ في الصور أمر غيبي يكون عند نهاية الحياة الدنيا وبدْء الحياة الآخرة، فينفخ الملك إسرافيلُ في القرْن بأمر الله، فلا يبقى أحد من الخلق إلاَّ مات إلاَّ مَن استثناه الله، {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68].

روى مسلم في صحيحه من حديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ذكر ما يَحدث في آخر الزمان، فقال: ((ثمَّ يرسل الله ريحًا باردة من قِبَل الشام، فلا يبقى على وجه الأرض أحدٌ في قلبه مثقال ذرَّة من خير أو إيمان إلاَّ قبضتْه، حتَّى لو أنَّ أحدكم دخل في كبد جبَل لدخلتْه عليه حتَّى تقبضه))، قال: سمعتها من رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((فيبقى شرار النَّاس في خفَّة الطير وأحلام السّباع، لا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرًا، فيتمثَّل لهم الشَّيطان فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان، وهم في ذلك دارٌّ رزقُهم، حسنٌ عيشُهم، ثمَّ ينفخ في الصور فلا يسمعه أحدٌ إلاَّ أصغى لِيتًا ورفع لِيتًا))، قال: ((وأوَّل مَن يسمعه رجل يلوط حوضَ إبلِه))، قال: ((فيَصعَقُ، ويَصعَق النَّاس، ثمَّ يرسل الله - أو قال: ينزل الله - مطرًا كأنَّه الطّلّ أو الظّلّ - نعمان الشَّاكّ - فتنبت منه أجساد النَّاس، ثمَّ يُنفَخ فيه أخرى، فإذا هم قيام ينظرون، ثمَّ يُقال: يا أيُّها النَّاس، هلمَّ إلى ربِّكم، {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ}))[2] الحديث.

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنْه - أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((ما بين النفختَين أربعون))، قال: أربعون يومًا؟ قال: "أبيتُ"، قال: أربعون شهرًا؟ قال: "أبيتُ"، قال: أربعون سنة؟ قال: "أبيتُ"، قال: ((ثمَّ يُنْزل الله من السَّماء ماء، فيَنبُتون كما ينبت البقل، ليْس من الإنسان شيء إلاَّ يبلى، إلاَّ عظمًا واحدًا وهو عَجْب الذَّنَب، ومنه يُركَّب الخلق يوم القيامة))[3].

قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ * فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [يس: 51 - 54].

ففي هذه الآيات والأحاديث المتقدّمة يخبر الله تعالى عن أهوال يوم القيامة، وما يكون فيه من الآيات العظيمة، والزَّلازل الهائلة، فالنَّفخة الأولى تحدث وهي نفخة الصعق، وهي الَّتي يَموت بها الأحياء من أهل السَّموات والأرض إلاَّ مَن شاء الله، كما هو مصرَّح به في الآية السابقة، ثمَّ يقبض الله - سبحانه - أرواح الباقين، حتَّى يكون آخِر مَن يموت ملك الموت، وينفرِد الحيّ القيوم - الَّذي كان أوَّلاً وهو الباقي آخرًا - بالديمومة والبقاء، ويقول: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}ثلاث مرات، ثمَّ يُجيب نفسه بنفسه: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}الَّذي قهر كلَّ شيء، وحكم بالفناء على كلّ شيء، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم:40]، ثمَّ يُحيي أوَّلَ من يحيي إسرافيلَ، ويأمره أن ينفخ في الصّور مرَّة أخرى، وهي النَّفخة الثَّانية نفخة البعث، قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68]، قال تعالى: {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} [ق:42].

روى البخاري ومسلم من حديث أبِي هُريرة - رضي الله عنْه - قال: بيْنما يهوديٌّ يعْرض سلعته أُعطي بها شيئًا كرهه، فقال: لا والَّذي اصطفى موسى على البشَر، فسمِعه رجُل من الأنصار فقام فلطم وجْهَه، وقال: تقول: والَّذي اصطفى موسى على البشَر والنَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - بين أظهُرِنا؟ فذهب إليه، فقال: أبا القاسم، إنَّ لي ذمَّة وعهدًا، فما بالُ فلان لطم وجهي؟! فقال: ((لِمَ لطمتَ وجهه؟)) فذكره، فغضب النبيّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - حتَّى رُئِي في وجهه، ثمَّ قال: ((لا تفضّلوا بين أنبياء الله، فإنَّه ينفخ في الصّور فيصْعق مَن في السَّموات ومَن في الأرض إلاَّ مَن شاء الله، ثمَّ يُنفخ فيه أخرى فأكون أوَّل مَن بعث، فإذا موسى آخذٌ بالعرْش، فلا أدْري أحوسب بصعْقته يوم الطور، أم بُعِث قبلي؟!))[4].

ومن آثار الإيمان بهذا الحدَث الغيبي العظيم:
أوَّلاً: أنَّ المؤمن ينبغي له أن يكون على استِعداد للقاء ربّه، وألا يكون في غفلة، فإنَّ أمامه أهوالاً وأمورًا عظيمة، فهناك الموت وسكَراتُه، والقبر وظلماتُه، والنَّفخ في الصّور، والبعث بعد الموْت، وعرصات يوم القيامة، والصّراط والميزان، وغير ذلك من الأهوال، قال تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء:1-2]، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن عباس - رضِي الله عنْهما - أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((كيف أنعَمُ وصاحب القرن قدِ الْتقم القرن، وحنَى جبهته، يَسمع متى يُؤْمَر فينفخ؟))، فقال أصحاب محمَّد: كيف نقول؟ قال: ((قولوا: حسبُنا الله ونعم الوكيل، على الله توكَّلنا))[5].

قال الشافعي:
يَوْمَ القِيَامَةِ لا مَالٌ وَلا وَلَدٌ
وَضَمَّةُ القَبْرِ تُنْسِي لَيْلَةَ العُرْسِ

ثانيًا: أنَّه عند نفخة الصَّعق يذهل النَّاس عن كلّ شيء، قال تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ * فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} [يس: 48 - 50]، قال ابنُ كثير: أي على ما يَملكونه، فالأمر أهم من ذلك، ولا إلى أهلهِم يرجعون، فلا رجعة إلى الدّنيا[6].

ثالثًا: قدرة الله العظيمة على إماتة الخلْق جميعًا بلحظة واحدة ثمَّ إحيائهم، قال تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:50].

رابعًا: أنَّ الله وصف حالَ النَّاس عند خروجهم من الأجْداث بأنَّهم مسرِعون إجابةً لدعوة الدَّاعي، قال تعالى: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [المعارج:43]، وقال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [يس:51]، والنَّسل هو الشَّيء السَّريع.

خامسًا: العارفون بالله المؤمنون بما سيَكون من الأهوال العظيمة في الآخرة، لا يَغْفلون عنها، وهم منها مشفقون، قال تعالى: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ} [الشورى:18]، روى التّرمذي في سننه من حديث أبي ذر - رضي الله عنْه - أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((لو تعْلمون ما أعلم لضَحِكْتم قليلاً ولبكيْتم كثيرًا، وما تلذَّذتم بالنِّساء على الفرُش، ولخرجتم إلى الصُّعُدات تجأرون إلى الله))[7].

سادسًا: أنَّ أهوال الآخرة؛ من الموت وسكراته، والقبر وظلُماته، والنفخ في الصور، وعرصات يوم القيامة، والصّراط، والميزان، مع شدَّتها وعظمتِها، إلاَّ أنَّ الله بمنِّه وكرمه ولُطْفِه يهوِّنها على المؤمن التقيّ، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء: 101 - 103]، قال بعض المفسّرين: الفزع الأكبر: النَّفخ في الصّور، وقال تعالى: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الزمر:61]، وقال تعالى: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الزخرف:68]، وقال تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 71، 72].

والحمدُ لله ربّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبيّنا محمَّد وعلى آلِه وصحْبِه أجمعين.

[1] ص398 برقم 2430، وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
[2] ص1180 رقم 2940.
[3] ص976 برقم 4935، وصحيح مسلم: ص1186 برقم 2955.
[4] ص656- 657 برقم 3414، وصحيح مسلم: ص 966 برقم 2373.
[5] (5/145) برقم 3008 ، وقال محقّقوه: حسن لغيره.
[6] تفسير ابن كثير (11/367).
[7] ص382 برقم 2312، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وحسَّنه الشيخ الألباني - رحِمه الله - في صحيح سنن الترمذي (2/268) برقم 1882.
موقع الألوكة

49009: حقيقة النفخ في الصور
ما هو ( الصور ) المذكور في قوله تعالى : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ) الزمر/68 ، وكيف يكون النفخ فيه ؟.
نشر بتاريخ: 2003-11-17
الحمد لله

الصور في لغة العرب هو : القرن ( يشبه البوق ) وقد سئل رسول الله عن الصور ففسره بما تعرفه العرب من كلامها كما في سنن الترمذي ( 3244 ) وغيره عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال أعرابي : يا رسول الله ما الصور ؟ قال : " قرن ينفخ فيه " وصححه الألباني في الصحيحة ( 1080 )

وأما الذي يَنفُخ فيه : فقد " اشتهر أنه إسرافيل عليه السلام ، ونقل بعض العلماء الإجماع على ذلك ، ووقع التصريح به في بعض الأحاديث " انظر( فتح الباري 11 / 368 )

وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن صاحب الصور مستعد للنفخ فيه منذ أن خلقه الله تعالى كما في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن طرف صاحب الصور منذ وكل به مستعد ينظر نحو العرش ، مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه كأن عينيه كوكبان دريان " وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ( 1078 ) .

وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن النفخ في الصور يكون مرتين : الأولى يحصل بها الصعق ، والثانية يحصل بها البعث مستدلين بقوله تعالى : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّه ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ) الزمر/68 .

وبما ورد في الأحاديث الصحيحة التي ذكرت هاتين النفختين وما يترتب عليهما من آثار فقد روى البخاري ( 4651 ) ومسلم ( 2955 ) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما بين النفختين أربعون . قالوا : يا أبا هريرة أربعون يوما ؟ قال : أبيت قالوا أربعون شهرا ؟ قال : أبيت قالوا : أربعون سنة ؟ قال : أبيت . ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل . قال : وليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة "

قال النووي : ومعنى قول أبي هريرة ( أبيت ) أي أبيت أن أجزم أن المراد أربعون يوماً أو سنة أو شهراً بل الذي أجزم به أنها أربعون مجملة . اهـ .

وفي صحيح مسلم ( 2940 ) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " .. ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا قال :وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله قال فيصعق ويصعق الناس ثم يرسل الله أو قال ينزل الله مطرا كأنه الطل أو الظل ( شك الراوي ) فتنبت منه أجساد الناس ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون " وقوله : ( أصغى ليتا ) : أصغى أي أمال ، والليت هو جانب العنق والمعنى فلا يبقى أحد إلا أمال عنقه ، ورفع عنقه ، وقوله :( يلوط حوض إبله ) : أي يطين ويصلح مجمع الماء الذي تشرب منه إبله . ( شرح النووي على مسلم 18 /76 )

ومن العلماء من قال : إنها ثلاث نفخات وزاد فيها نفخة الفزع وأنها تكون قبل نفخة الصعق ثم تليها نفخة الصعق مستندين على ما ورد في قوله تعالى : ( وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ) النمل/87

ولكن لا يلزم من ذكر الصعق في آية والفزع في الأخرى أن لا يحصلا معا من النفخة الأولى بل هما متلازمان فإذا نفخ في الصور فزع الناس فزعاً صعقوا منه وماتوا .

واستدلوا أيضاً ببعض الأحاديث التي ورد فيها أن النفخات ثلاث .

لكن الحديث الذي استدلوا به هو حديث الصور الطويل ؛ وهو حديث ضعيف مضطرب كما يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله . والله أعلم . انظر التذكرة للقرطبي ( 184 ) وفتح الباري ( 11 / 369 ) .

فيستفاد مما سبق أن الله تعالى إذا أذن بموت الأحياء أمر ملك الصور أن ينفخ فيه ؛ فينفخ نفخة عظيمة تفزع جميع الخلائق فيصعقون منها ويهلكون ، ثم يمكثون على ذلك مدة قدرها أربعين من غير تحديد بسنة أو شهر أو يوم ـ الله أعلم بمقدارها ـ فتتحلل أجسادهم في هذه المدة ولا يبقى منها إلا عجب الذنب وهو العظم المستدير الذي في أصل الظهر ، ثم يرسل الله سحابا فتمطر مطرا فإذا أصاب الماء هذا العظم نبت منه الجسم كما ينبت النبات ويتركب الخلق من هذا العظم كما بدأ الله الخلق أول مرة يعيده وهو على كل شيء قدير ، ثم ينفخ في الصور نفخة البعث فتعود الأرواح إلى الأجساد فيخرجون من القبور سراعا إلى أرض المحشر نسأل الله رحمته ولطفه .

وبعد فالواجب على المسلم أن يستعد لهذه اللحظات الحاسمة بالمبادرة للأعمال الصالحة ، والمسارعة في الخيرات ، والبعد عن الأمور المنكرة ، و مجانبة السيئات .

وإذا كان أخشى الخلق لله وأتقاهم له يقول : " كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه ، ينتظر أن يؤمر أن ينفخ فينفخ .. "أخرجه الترمذي في السنن(2431 ) وغيره وصححه الألباني في السلسة ( 1079 )

فكيف بحالنا نحن المقصرين الضعفاء ؟! نسأل الله أن يجعلنا ممن لا يحزنهم الفزع الأكبر ، وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون .. آمين . والله أعلم .

يراجع ( القيامة الكبرى للشيخ عمر الأشقر 33- 42 ) و ( أعلام السنة المنشورة 122 ).

الإسلام سؤال وجواب